قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): ( ذكر آيةٍ تدلّ على وحدانيّة الخالق بأنّه خلق الخلق وجعلهم سميعًا وبصيرًا يسمعون ويبصرون، وهي من الأسماء المستعارة من أسماء الله تعالى لخلقه ليعرفوا نعمة الله تعالى عليهم بذلك، فتسمّى بالسّميع البصير وسمّى عبده سميعًا بصيرًا، فاتّفقت الأسماء واختلفت المعاني إذ لم يشبه من جميع الجهات، قال الله تعالى منبّهًا على قدرته على ذلك: {فجعلناه سميعًا بصيرًا}، {إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا}، وقال عزّ وجلّ: {قل هو الّذي أنشأكم وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون}.
[التوحيد: 1/256]
بيان ذلك من الأثر:
110 - أخبرنا خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرّة، قال: حدثنا عبد الله بن الزّبير الحميديّ، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا منصور بن المعتمر، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ عبد الله بن سخبرة، عن عبد الله بن مسعودٍ قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفرٍ قرشيّان وثقفيٌّ أو ثقفيّان وقرشيّ، قليلٌ فقه قلوبهم كثيرٌ شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إن
[التوحيد: 1/256]
أخفينا، فقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنّه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} الآية.
[التوحيد: 1/257]
111 - أخبرنا عليّ بن عيسى بن عبدويه، وعليّ بن محمّد بن نصرٍ قالا: حدثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيدٍ، حدثنا أميّة بن بسطامٍ، حدثنا يزيد بن زريعٍ، حدثنا روح بن القاسم، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن ابن مسعودٍ، في هذه الآية: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ...} الآية قال: كان رجلان من ثقيفٍ وختنٌ لهما من قريشٍ أو رجلان من قريشٍ وختنٌ لهما من ثقيفٍ في بيتٍ، فقال بعضهم: أترون الله عزّ وجلّ، يسمع نجوانا أو حديثنا؟ قال بعضهم: قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه، فقال: لئن كان سمع بعضه لقد سمع كلّه، فنزلت هذه الآية {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم} الآية.
[التوحيد: 1/257]