دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > دورات التفسير وعلوم القرآن الكريم > دورة تفسير المعوذتين

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو الحجة 1433هـ/18-10-2012م, 09:41 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

القول الراجح في المراد بالغاسق في الآية

قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك ، فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) ا.هـ.
وقال محمد بن كعب القرظي: {ومن شر غاسق إذا وقب} هو النهار إذا دخل في الليل. رواه ابن جرير.
وقال الزهري: (الغاسق إذا وقب: الشمس إذا غربت). رواه ابن وهب في جامعه.
وقال الزمخشري: (ويجوز أن يراد بالغاسق : الأسود من الحيات، ووقبه: ضربه ونقبه).
وهذا القول لا يُؤثر عن أحد من السلف، لكن يشمله المعنى العامّ للآية، لأن السمَّ يجري في الجسد بما يحتمله من الضرر.

ما قيل في تفسير الغاسق بالقمر

وأما تفسير الغاسق بالقمر؛ فقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدِي فأرانيَ القمر حين طلع ؛ فقال: ((تعوَّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب)) ).
والحديث أخرجه أيضاً الترمذي والحاكم وأبو يعلى وغيرهم لكن هذا اللفظ (فأراني القمر حين طلع) تفرد به أبو داوود الحفري عن ابن أبي ذئب عند أحمد والنسائي وفيه فائدة لغوية لم أجدها في الطرق الأخرى وهي معنى الوقوب في هذا الحديث.
والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح.
وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل العلم حتى أورده الطحاوي في شرح مشكل الآثار ولهم أجوبة عنه .
وقد ذهب إبراهيم الحربي في غريب الحديث والطحاوي وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقهم إلى أن مناسبة ذكر القمر في الحديث للآية أنه آية الليل واستدلوا بقوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} .
وفي هذا التوجيه نظر.
وقال بعضهم: {ومن شر غاسق إذا وقب} أي: القمر إذا خَسَف، وهؤلاء أرادوا أن القمر إذا خَسَف اسودَّ فيكون ذلك غسوقه لأنهم فهموا من معنى الغسوق الإظلام، والقمر إذا كسف أظلم، وهذا التعليل ذكره ابن قتيبة في غريب القرآن والبغوي في معالم التزيل، وهو خطأ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى القمر لم يكن منكسفاً.
وقد ضعَّف هذا القولَ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأحسنا في ذلك.
وأغرب منه قول ابن خالويه في توجيه هذا القول بأن الغاسق إذا وقب: القمر إذا ذهب ضوءه، قال: (وإنما يكون ذهابُ ضوئه أمارة لقيام الساعة).
والصواب أن يقال: إن القمر غاسق من جملة ما يغسق، ودلَّ الحديث على أن لغسوقه شرّا عظيماً لا نعلمه ولا ندركه بحواسنا؛ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الشر في الليل والخلوة فيه ما لو علمناه ما سار راكب بليل وحده أبداً.
فهذا يدل على أن الشرور التي يغيب عنَّا علمها وإدراكها كثيرة، وهي قد تصيب بعض الخلق بأمر الله تعالى .
وهذا نظير ما صحَّ أن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داوود من حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان)).
والشيطان يقارن الشمس عند طلوعها ، فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا استوت في كبد السماء قارنها ، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها .
وهذا الاقتران يكون معه شر وفتنة لبعض الخلق، ويعصم الله منه من اتبع هداه، وهذا يكون كلَّ يوم حتى يأتي اليومُ الموعود الذي تطلع فيه الشمسُ من مغربها، إلا ما ذكر في صبيحة ليلة القدر إن صحَّ فيه ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس موقوفاً: (إن الشيطان يطلع مع الشمس كل ليلة إلا ليلة القدر، وذلك أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها).
فطلوع الشمس وغروبُها بين قرني شيطان دليل على اقتران شرٍّ بطلوعها وغروبها لا ندركه، وإنما نعلم منه ما دلَّ عليه الدليل.
فكذلك اقتران طلوع القمر بشرّ لا نعلمه يكون له أثر على الخلق هو أمر من أمور الغيب نؤمن به ولا نتكلم في تعيينه ولا وصفه إلا بما دل عليه الدليل، وما ظهر لنا علمه.
وقد حذّر الله تعالى من الافتتان بالشمس والقمر وجمع بينهما في قوله تعالى: {ومن آياته الليل النهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}.
فدل هذا على أن من الناس من يسجد للشمس ومنهم من يسجد للقمر، وهذا من الفتنة بهما.
وبعض الفتن تقع في الناس على التدريج؛ ومن ذلك ما حذر منه العلماء مما يعرف بالرياضات الروحية كاليوجا وغيرها، فإن من أصحابها من يتحرّى في بعض التمرينات طلوع الشمس وغروبها ويتجهون إليها ويؤدّون حركات مصحوبة بخضوع وتأمل وصمت، ويزعمون بذلك أنهم يستلهمون الطاقة، وهم إنما يتقربون للشياطين بذلك في حقيقة الأمر.
وقد ذكر الرازي في تفسيره قولاً له حظ من النظر في معنى وصف القمر بأنه غاسق، وهو أن القمر غاسق بطَبعه لأنه جسم مظلم غير مُنيرٍ بنفسه كما يقول أهل العلم بالفلك وإنما تكون إنارته التي تظهر للناس بسبب عكسه لإضاءة الشمس، وهذا ظاهر لأن القمر لو كانت إنارته من قِبَلِ نفسه لما كان هلالاً أوَّل الشهر وآخره، ولأضاءَ جميعُ ما يرى منه .
لكن الرازي قال إن الوقوب هو انمحاء نور القمر في آخر الشهر. وهذا التفسير لا تدل عليه اللغة.
وقد ذكر الرازي من الفوائد أن السحرة يتحينون لعمل سحر التمريض آخر الشهر لأجل ازدياد ظلمة القمر، والرازي له معرفة بالسحر وقد ألف فيه كتاباً ثم تاب من ذلك، فإن صح ما ذكره فهذا نوع من أنواع السحر يتحينون فيه هذا الوقت، وقد يكون لأنواع أخرى منه أوقاتاً أخرى يتحينها السحرة وغيرهم من أصحاب الشرور.
بل إن المنجّم أبا معشر جعفر بن محمد البلخي (ت:272هـ) وكان رئيس المنجمين زمن الخليفة العباسي المعتز بالله، وهو من المؤلفين في التنجيم والسحر وطرقه وأوقاته، ألَّفَ كتاباً سمَّاه (مصحف القمر) قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: (ذكر فيه من الكفريات والسحريات ما يناسب الاستعاذة منه).
والمقصود أن القمر غاسق، وفي وقوبه شر عظيم الله أعلم به؛ فما يجعله السحرة من مواقيت أعمالهم لها تعلُّق بمنازل القمر، وما يكون من الآفات والشرور التي تُبث في الفضاء والتي تخرج من الأرض في مواقيتَ مقدرَّةٍ لها تعلق بمنازل القمر، وما تتحينه الشياطين وبعض الحيوانات من أوقاتٍ مقدرة تنتشر فيها أو تخرج من بياتها لها تعلق أيضاً بمنازل القمر ووقوبه من منزلة إلى منزلة.

تفسير الغاسق بالكوكب
وقد رَوى ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الغاسق كوكب.

ورَوى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال: (كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها).
ويُروى في هذا المعنى حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (النجم الغاسق) رواه ابن جرير في تفسيره وأبو الشيخ في العظمة كلاهما من طريق محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عمِّه أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قال ابن كثير: (وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ا.هـ.
وهذا التفسير إن صح فهو جزء من المعنى، وتفسير بالمثال للتنبيه عليه، والله تعالى أعلم بما يُحدث في خلقه من الفتن والشرور، ونحن علينا الإيمان واتباع هدى الله تعالى؛ فمن اتبع هدى الله فإن الله يضمن له أن لا يخاف ولا يحزن، وأن لا يضل ولا يشقى، ومن استعاذ بالله أعاذه.

تفسير الغاسق بالذَّكَر
وأغرب ما ذكر في تفسير هذه الآية هو ما ذكره أبو المظفر السمعاني، عن أبي بكر النقاش المفسّر -وهو تلميذ ابن خزيمة-، أنه روى في تفسير بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قالَ: {مِن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ}: "مِن شرِّ الذَّكَرِ إذا دَخَلَ".

قالَ النَّقَّاشُ: فذَكَرْتُ ذلك لمحمَّدِ بن إسحاقَ ابن خُزيمةَ، وقلْتُ: هل يَجوزُ أن تُفَسِّرَ القرآنَ بهذا؟
قالَ: نعم , قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ مَنِيِّي)).
وعلى كلٍّ فتفسير النقاش مفقود لكن إن صحَّ هذا التفسير عن ابن عباس فهو تنبيه منه على أن هذا مما يشمله اسم الغاسق.
فإن الفرج من أكثر ما يدخل الناس النارَ، ويكون بسبب الوطء المحرم من الشرور شيء عظيم في الإثم وعقوباته وما يتبع الفاحشة من تبعات يكون فيها شرُّ عظيم لمن لم يعصمه الله ويرحمه، فإنه قد يجر إلى شرور عظيمة مِن الحملِ سفاحاً، والخزي والعار، وربما قتل النفس بغير الحق، وتسلط الشياطين، وإذلال بعض الناس لبعض، إلى غير ذلك من الشرور العظيمة التي كان مبدؤها إيلاج في فرج محرَّم، ودخول هذا الغاسق في وَقْبٍ محرم.
بل حتى الوطء المباح في أصله قد يحصل بسببه شرور وإن كان العبد لا يأثم بها، لكن قد يحصل بسببه شر وأذى، ولذلك سُنَّ للزوجين أن يقولا عند الجماع: ((اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)).
وبهذا تعلم أن الأقوالَ المرويةَ عن السلف في تفسير الغاسق هي من باب التمثيل، وهذا كثير في تفاسير السلف.

الخلاصة:
والخلاصة أن قوله تعالى: {ومن شر غاسق إذا وقب} التنكير هنا لإرادة العموم، أي: من شر كل غاسق، ما علمنا منه وما لم نعلم.

والغاسق مقابل للفلق، فهو شر يغسق على العبد ويقب ؛ فيمنع عنه ما ينفعه؛ فيحتاج العبد إلى أن يوقى شرَّ ما غسق عليه.
وهذا الغاسق يكون في الأفق عامة، ويكون في جسد الإنسان، ويكون في روحه، ويكون على الفرد ، ويكون على الجماعة.
ويجمعه وصف الغاسق.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir