فَمِن المُحَالِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ أَنْ يَكُونَ السِّرَاجُ المُنِيرُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأَنْزَلَ مَعَهُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرُدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنْ أمر دِينِهِمْ إِلَى مَا بُعِثَ بِهِ مِنَ الكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى سَبِيلِهِ بِإِذْنِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُ وَلأُمَّتِهِ دِينَهُمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ، مُحَالٌ مَعَ هَذَا وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ بَابَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْعِلْمَ بِهِ مُلتبِسًا مُشتبِهًا، فَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسنَى وَالصِّفَات العُلْيَا، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا أَصْلُ الدِّينِ، وَأَسَاسُ الهِدَايَةِ، وَأَفْضَلُ وأوجب مَا اكْتَسَبَتْهُ القُلُوبُ، وَحَصَّلَتْهُ النُّفُوسُ، وَأَدْرَكَتْهُ العُقُولُ.
فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ الكِتَابُ، وَذَلِكَ الرَّسُولُ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ لَمْ يُحْكِمُوا هَذَا البَابَ اعْتِقَادًا وَقوْلاً؟