وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِن الإيمَانِ بِاللهِ : الإيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ ، وَتَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَجمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمةِ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتهِ عَلَى عَرْشِهِ, عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ، يَعْلمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ فِي قَوْله : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِن السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[ سُورَةُ الْحَدِيدِ :4] وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ : {وَهُوَ مَعَكُمْ} أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ ؛ فَإِنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ اللُّغَةُ ، وَهُوَ خِلاَفُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ ، وَخِلاَفُ مَا فَطَر اللهُ عَلَيْهِ الخلْقَ ، بَل الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ ، هُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ .
وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - فَوْقَ الْعَرْشِ , رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِه ,ِ مُهَيْمنٌ عَلَيْهِمْ , مُطَّلِعٌ إليهم ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ . وَكُلُّ هَذَا الْكَلاَمِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ -مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا- حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيفٍ ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنْ الظُّنُونِ الكَاذِبَةِ مِثْلَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِه ِ: {فِي السَّمَاءِ} أَنَّ السَّمَاءَ تُقِلُّهُ ، أَوْ تُظِلُّهُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ العِلْمِ وَالإِيمَانِ ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} ، وَهُوَ الذي {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ} ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ}[سُورَةُ الرُّّومِ : 25] .