قال متمم بن نويرة:
صَرَمَتْ زُنَيْبَةُ حَبْلَ مَن لا يَقْطَعُ = حَبْلَ الخَليلِ ولَلأَمانَةَ تَفْجَعُ
ولقدْ حَرَصْتُ علي قليلِ مَتاعِها = يومَ الرَّحيلِ فدَمعُها المُسْتَنْفَعُ
جُذِّى حِبالَكِ يا زُنَيْبَ فإِنني = قد أَستبِدُّ بوصلِ مَن هو أَقطعُ
ولقدْ قطعتُ الوصلَ يومَ خِلاَجِهِ = وأَخو الصَّريمةِ في الأُمورِ المُزْمِعُ
بمُجِدَّةٍ عنْسٍ كأَنَّ سَرَاتَها = فَدَنٌ تُطيفُ به النَّبيطُ مُرَفَّعُ
قاظَتْ أُثَالَ إِلى المَلاَ وتَرَبَّعَتْ = بالحَزْنِ عازِبةً تُسَنُّ وتُودَعُ
حتى إِذا لَقِحَتْ وعُولِىَ فَوْقَها = قَرِدٌ يُهِمُّ بهِ الغُرَابَ المَوقِعُ
قرَّبتُها للرَّحلِ لمَّا اعتادَنِي = سَفَرٌ أَهُمُّ بهِ وأَمْرٌ مُجْمَعُ
فكأَنَّها بعدَ الكَلالةِ والسُّرَى = عِلْجٌ تُغَالِيهِ قَذُورٌ مُلْمِعُ
يَحتازُها عن حَجْشِها وتَكفُّهُ = عن نَفْسِها، إِنَّ اليتمَ مُدَفَّعُ
ويَظَلُّ مُرْتَبِئاً عليها جاذِلاً = في رأس مَرْقَبةٍ ولأَْياً يَرْتَعُ
حتَّى يُهَيٍّجَها عَشِيَّةَ خِمْسِها = لِلْوَرْدِ جَأْبٌ خَلْفَها مُتَتَرِّعُ
يَعْدُو تُبادِرُهُ المَخَارِمَ سَمْحَجٌ = كالدَّلْوِ خانَ رِشاؤُها المُتَقَطَّعُ
حتَّى إِذَا ورَدَا عُيوناً فَوقَها = غَابٌ طِوَالٌ نابِتٌ ومُصَرَّعُ
لا قَى على جَنْبِ الشَّريعَةِ لاَطِئاً = صَفْوَانَ في نامُوسِهِ يَتَطَّلَعُ
فَرَمى فأَخطأَها وصادف سهمُه = حَجَراً ففُلِّلَ، والنَّضِيُّ مُجَزَّعُ
أَهْوَى ليَحْمِيَ فَرْجَها إِذْ أَدبرتْ . = زَجِلاً كما يَحمي النَّجِيدُ المُشْرِعُ
فَتَصُكُّ صَكًّا بِالسَّنابِكِ نَحْرَهُ = وبِجَنْدَلٍ صُمٍّ ولاَ تَتَوَرَّعُ
لا شيءَ يَأْتُو أَتْوَهُ لمَّا عَلاَ = فَوْقَ القَطَاةِ ورأَسُهُ مُسْتَتْلِعُ
وَلقد غَدوتُ على القَنِيصِ وصاحبِي = نَهْدٌ مَرَاكِلُهُ مِسَحٌّ جُرْشُعُ
ضافِى السَّبِيبِ كأَنَّ غُصْنَ أَباءَةٍ = رَيَّانَ يَنْفُضُها إِذا ما يَقْدَعُ
تَئِقٌ إِذا أَرْسَلْتُهُ مُتَقَاذِفٌ = طَمَّاحُ أَشْرَافٍ إِذا ما يُنْزَعُ
وكأَنه فَوْتَ الجَوالِبِ جَانِئاً = رِئْمِ، تَضَايَفَهُ كِلاَبٌ، أَخَضَعُ
داويتُهُ كلِّ الدَّوَاءِ وزدْتُه = بَذْلاً كما يُعطِي الحبيبُ الْمُوسِعُ
فَلَهُ ضَرِيبُ الشَّوْلِ إِلاَّ سُؤْرَهُ = والْجُلُّ فهْو مُرَبَّبٌ لا يُخْلَعُ
فإذا نُرَاهِنُ كانَ أَوَّلَ سابِقٍِ = يَختالُ فارسُهُ إِذَا ما يُدْفَعُ
بلْ رُبَّ يومٍ قدْ حَبَسْنَا سَبْقهُ = نُعْطِي ونُعْمِرُ فى الصَّدِيق ونَنَفْعُ
ولقد سَبقتُ العاذِلاتِ بشَرْبَةٍ = رَيَّا، وراوُوقى عظيمٌ مُتْرَعُ
جَفْنٌ من الغِرْبِيب خالِصُ لَوْنِهِ = كَدِمِ الذَّبيحِ إِذا يُشَنُّ مُشَعْشَعُ
أَلْهُو بها يوماً وأُلْهِي فِتْيةً = عن بَثِّهم إِذْ أُلْبِسُوا وتَقَنَّعُوا
يَا لَهْفَ مِن عَرْفَاءَ ذاتِ فَلِيلَةٍ = جاءَتْ إِليَّ على ثَلاثٍ تَخْمَعُ
ظَلَّتْ تُرَاصِدُنِى وتَنظرُ حَولَها = ويُرِيبُها رَمَقٌ وأَنِّي مُطْمِعُ
وتَظَلُّ تَنْشِطُنِي وتُلْحِمُ أَجْرِياً = وَسْطَ العَرِينِ وليس حَيٌّ يَدفعُ
لو كانَ سَيْفِي باليمينِ ضَربتُها = عنِّي ولم أُوكَلْ وجَنْبِي الأَضْيَعُ
ولقد ضَربتُ به فَتُسْقِطُ ضَرْبتِي = أَيْدِي الْكُماةِ كأَنَّهنَّ الخِرْوَعُ
ذاكِ الضَّياعُ، فإِنْ حَزَزتُ بمُدْيَة = كَفِّي فقُولِي: مُحْسِنٌ ما يَصْنَعُ
ولقد غُبِطْتُ بما أُلاقِى حِقْبَةً = ولقد يَمُرُّ عليَّ يوْمٌ أَشْنَعُ
أَفَبَعْدَ مَنْ وَلَدَتْ نُسَيْبَةُ أَشْتَكِي = زَوَّ المَنِيَّةِ أَو أُرَى أَتَوَجَّعُ
ولقد علمتُ، ولا محالة، أَنني = لِلحادِثاتِ، فهلْ تَرَيْنِي أَجْزَعُ
أَفْنَيْنَ عاداً ثُمَّ آلَ مُحَرِّقٍ = فَتَرَكْنَهُمْ بَلداً وما قد جَمَّعُوا
ولَهُنَّ كانَ الحارثانِ كلاهُما = ولهنَّ كانَ أَخُو المَصَانِع تُبَّعُ
فَعدَدْتُ آبابِي إِلى عِرْقِ الثَّرَى = فدَعَوْتُهُمْ فعلمتُ أَنْ لم يَسْمَعُوا
ذَهبُوا فلم أُدرِكهمُ ودَعَتْهُمُ = غُولٌ أَتَوْها والطَّرِيقُ المَهْيَعُ
لابُدَّ مِن تَلَفٍ مُصيبٍ فانتظِرْ = أَبِأَرْضِ قومِكَ أَم بأُخرَى تُصْرَعُ
ولَيأْتينَّ عليكَ يومٌ مَرَّةً = يُبكي عليك مُقَنَّعاً لا تَسْمَعُ