قال بعدها: " ونؤمن بالكرام الكاتبين؛ فإن الله قد جعلهم علينا حافظين". نؤمن أي: نصدق ونعتقد وجود الكرام الكاتبين, كما أخبرنا ربنا –جل وعلا- بذلك, وهم الملائكة الذي كرمهم الله –جل وعلا- بأنواع التكريم, وجعلهم موكلين بابن آدم, يكتبون عمله، ما يصدر منه من قول أو عمل، فهؤلاء الذين يقارنوننا, من الكتبة نؤمن بهم؛ لأن الله –جل وعلا- أخبرنا عنهم, وأخبرنا عنهم نبينا r، , وهذا فرع للإيمان بوجود الملائكة أصلاً، فهذا تبع لركن من أركان الإيمان, وهو الإيمان بالملائكة، وقد مر معنا أن الإيمان بالملائكة له درجتان:
الدرجة الأولى:
إيمان واجب وفرض إجمالي وتفصيلي.
والثانية:
إيمان بما أخبر الله –جل وعلا- مطلقاً ما علمنا, وما لم نعلم, وما جاء في السنة ما علمنا, وما لم نعلم, وكل من بلغه شيء وجب عليه الإيمان به, فالإيمان بالكرام الكاتبين ليس شرطاً في صحة الإيمان, ليس ركنًا في صحة الإيمان, بحيث إن من قال: ليس ثَم من يكتب من الملائكة. فيقال: إنه لم يصح إيمانه بل هو كافر.
إلا إذا عُرِّف بالآيات والأحاديث فأنكر، فهنا له حكم أمثاله من المنكرين ما في الكتاب أو السنة, وإنما الإيمان الذي يتحقق به ركن الإيمان بالملائكة كما ذكرنا لكم هو أن يؤمن بوجودهم, وأنهم يعبدون الله, لا يُعبدون، ثم الإيمان التفصيلي, كل من سمع آية أو حديثاً صحيحاً واضحاً فيه الخبر عن الغيبيات وجب عليه التصديق بذلك, واعتقاد ما دل عليه.
والطحاوي فرق الكلام على أركان الإيمان, وكثير من العلماء الذين صنفوا في العقيدة ما رتبوا الكلام على مسائل الاعتقاد بترتيب منهجي, يعني: ما جعلوا الكلام على الإيمان بالله وما يتصل به أولاً، ثم بالملائكة, ثم بالكتب, ثم بالرسل, ثم بالقدر، ثم باليوم الآخر, ثم بالقدر، ثم انتقلوا إلى القسم الثاني... إلى آخره.
بل فرقوا ذلك, هذا راجع إلى ما درجوا عليه, من أن المرء يكتب عقيدته بحسب ما يحضره من المسائل, ولا لم يقصدوا فيها الترتيب المنهجي، وإلا فمسائل الكرام الإيمان بالملائكة الكاتبين أو بمَلَك الموت هذا متصل بالإيمان بالملائكة, وههنا مسائل:
الأولى:
قوله:" نؤمن بالكرام الكاتبين".
إلى آخره أخذه من قول الله –جل وعلا-: ] وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [ فوصفهم الله –جل وعلا- بأنهم حفظة علينا, وبأنهم كرام، وبأنهم كتبة، والآيات التي تدل لهذا الأصل متعددة, يأتي بيان بعضها إنشاء الله تعالى، لكن ههنا على هذه الآية وعلى لفظ الطحاوي -رحمه الله- وصف الله –جل وعلا- الملائكة هؤلاء بأنهم حفظة على ابن آدم، وبأنهم كتبة هذا الوصف الثاني، وبأنهم يعلمون ما تفعلون, وهو الوصف الثالث، أما الوصف الأول: وهو أنهم حفظة على ابن آدم, ففرق ما بين أن يكون حافظاً على ابن آدم، وما بين أن يكون حافظاً لابن آدم، وسيأتي بيان الفرق في المسائل التي بعدها، ففي هذه الآية أنهم حفظة على ابن آدم، يعني: يحفظون على ابن آدم ما يصدر منه، ثم وصفهم بوصف ثانٍ. أنهم إذا حفظوا على ابن آدم ما صدر منه؛ فإنهم يكتبونه, وهذه الكتابة يكتبونه في صحف عندهم بأيدي الملائكة، والملك موكل بكتابة الحسنات، والملك الآخر موكل بكتابة السيئات؛فإذن الكتابة منقسمة إلى: كتابة للحسنات في صحف, والكتابة للسيئات في صحف.
الوصف الثالث: أنه قال: ]يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [. والفعل الذي يفعله ابن آدم يكون بقلبه, فيشمل أعمال القلوب، ويكون بلسانه, فيشمل ما يحرك به لسانه، ولو لم ينطق به، والثالث: ما يعمله بجوارحه المختلفة من الأيدي والأرجل والفرج واللسان إلى آخره.
فكل ما يعمله بجوارحه أيضاً تعلمه الملائكة، هذه دلالة الآية, هل يُكتب هذا كله؟! ظاهر الآية أن هذا بأجمعه يكتب، وآية سورة ق.
فيها قول الله-جل وعلا-: ] مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [.
يعني: رقيب يراقبه, عتيد يعني: معد للحفظ عليه ولمراقبته، فكل شيء يعمله يُعلم, يعني: مما يلفظه يُعلم فيكتب, ودلالة آية الانفطار هذه تشمل الأصناف الثلاثة، وهذا هو الصحيح, أن الملائكة تكتب أعمال القلوب؛ لأنها أفعال, وتكتب عمل اللسان ونطق اللسان، وتكتب عمل الجوارح؛
وذلك لأن عمل القلب منه ما هو واجب, وهو إخلاصه, ونيته, وتوكله على الله، وخوفه, ورجاؤه ونحو ذلك من أعمال القلوب, وهي أعظم العبادات التي يتعبد بها المرء ربه، هذه العبادات الجليلة، ثم من أعمال القلوب ما يكون من باب إتيان السيئات, من الهم, أو إرادة السيئة, والعزم عليها، أو من المنهيّات من سوء الظن بالمسلم, أو سوء الظن بالله جل وعلا أو نحو ذلك من الكبر....إلى آخره من المنهيات.
والملائكة يعلمون هذا كله، وعلمهم به هل هو لقدرتهم عليه ذاتاً، أو لأن الله جل وعلا أقدرهم عليه؛ لأنهم موكلون بهذا الأمر؟! الظاهر هو الثاني؛ لأن الملائكة ليس لهم سلطان على ابن آدم, ولا علم بالغيب, وإنما الله جل وعلا أقدر هذا الصنف من الملائكة بخصوصه على الاطلاع؛ لأنهم موكلون بالكتابة, والقلب يحاسب عليه الإنسان، واللسان يحاسب عليه, وكذلك الجوارح يحاسب عليها، فإذن كل هذه تكتب, حتى ما يكون من قبيل الهم الذي يهم به الإنسان؛ فإنه يُعلم ويُحفظ، ثم هل يكتب عليه أو يكتب له؟ هذا فيه البحث المعروف لديكم, في أن الله تجاوز لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، والمقصود بما حدثت به أنفسها: ما هو من قبيل الهم, أو من قبيل الوسوسة, أو من قبيل حديث النفس، لكن إذا انتقل الهم أو حديث النفس إلى العزم والإرادة على الشر صار مؤاخذًا عليه، إذا انتقل حديث النفس أو الهم هذا إلى شرف المكان وهو مكة؛ فإنه يؤاخذ عليه في قول بعض أهل العلم وهكذا.
] يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [ هذه عامة, يمكن أن يستثنى منها ما تجاوز الله جل وعلا لهذه الأمة عنه، والباقي على عمومه، وهذا مما يعظم الخوف من حركات العبد، وفي قلبه ولسانه وجوارحه، ويُعظم عند العبد المؤمن شأن الاستغفار، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يحسب له في المجلس الواحد أنه يستغفر ويتوب إلى الله مائة مرة، لأجل عِظم ما يفعله, وما تعلمه الملائكة. فإن أشباهنا أعظم وأعظم وأعظم حاجة إلى كثرة الاستغفار, والتوبة, والإنابة إلى الله جل وعلا.
المسألة الثانية:
كثير من العلماء عند هذه المسألة عند ذكر الكرام الكاتبين وعند الآية يجعلون الكتبة والحفظة شيئاً واحدًا، فيجعلون الجميع أربعة ملائكة, ومنهم اثنان للكتابة، واثنان للحفظ، وهذا درج عليه كثير من العلماء في شروحهم, حتى شارح الطحاوية عندكم نسج على هذا المنوال، وهذا الأمر يحتاج إلى نظر، وجمع للنصوص والأحاديث حتى تُنظر في دلالتها، والذي يظهر لي بنوع من التأمل, وليس ببحث مستفيض, أن الملائكة الكتبة غير الحفظة، فالحفظة يحفظون للإنسان، يحفظون الإنسان، وأما الكتبة فإنهم يحفظون عليه، الحفظة هم المعقبات الذين ذكرهم الله –جل وعلا- في قوله في سورة الرعد: ] لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [.
أوجه التفاسير فيها أن معنى يحفظونه من أمر الله يعني: يحفظونه بأمر الله, يعني: يحفظونه, وحفظهم له بأمر الله لهم أن يحفظوه، وفيه يعني في الحفظة قوله عليه الصلاة والسلام: ((يتعاقبون فيكم ملائكة أربعة بالليل وأربعة
الشيخ: قوله عليه الصلاة والسلام: ((يتعاقبون فيكم ملائكة أربعة بالليل وأربعة بالنهار , فيجتمعون…)) إلى آخر الحديث , فيقول: ((كيف تركتم عبادي , فيقول: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون)). وهذا الحديث يدل على أن الحفظة هؤلاء يتعاقبون , منهم من يحفظ بالليل ومنهم من يحفظ بالنهار , وأن هؤلاء يلتقون في وقت الصلاة , يعني في هذا الوقت من اليوم , ثم يفارقون العبد , وهذا خلاف ما دلت عليه الآية الأخرى , والأحاديث في وصف الملائكة الكتبة في أنهم لا يغادرون ابن آدم ولا يفارقونه على أي حال كان فيها حاشا الجنابة.
فإذن نقول: الذي يظهر من الأدلة التفريق في الحفظ ما بين الحفظ لابن آدم والحفظ عليه؛ فحفظ ابن آدم هذا عمل الملائكة الذين يتعاقبون , المعقبات , وأما الحفظ عليه فهذا عمل الكَتَبَة , والكتبة اثنان: أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات , وأما الحفظة فكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنهم أربعة يتعاقبون في الليل والنهار)).
المسألة الأخيرة الثالثة:
الإيمان بالكتبة يقتضي الإيمان بأنهم يكتبون؛ لأن أصل المسألة الإيمان بالملائكة الكتبة , ويقتضي ذلك الإيمان بأنهم يكتبون في صحف , وقد جاءت الأدلة في السنة أن منهم من يكتب الحسنات ومنهم من يكتب السيئات , فربما تنازعوا في كتابة بعض الأشياء , فيحكم الله جل وعلا بينهم , والكتابة هذه في صحف الملائكة , هذه هي التي تجمع على العبد , وهي كتابه الذي يجمع معه في عنقه إذا أُدخل القبر , وهو الذي جاء فيه قول الله جل وعلا: ] اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [ , وهي الصحف التي يحاسب الله جل وعلا العبد بها فيقرره على ما فيها من الأعمال , وفيه أنه يسألهم ربنا جل وعلا هل ظلمكم ملائكتي؟ فيقولون: لا يارب , يعني بعد أن يحاسبهم الرب Y.
وإذا كان كذلك فإن مقتضى الإيمان بالكتابة , وأن الإنسان على ما في قلبه يكتب له أو عليه , وحركة لسانه يكتب له أو عليه , وحركة جوارحه يكتب له أو عليه , فإن عِظم الإيمان بهذا الأصل يطلب العبد إلى أن يجعل صحائفه ليس فيها إلا الخير , وإذا عمل شيئاً من السوء فليعظم الحسنات الماحية , وليعظم الاستغفار الذي يمحو الله جل وعلا به السيئات.
ولهذا صار من نتائج الاعتقاد الصحيح , أن العبد يكون أذل ما يكون لله جل وعلا , فأصحاب العقيدة الحقة يذلّون لله جل وعلا , حتى ولو عصوا أو صار عندهم ما صار , فإنهم أكثر ذلاً لله جل وعلا؛ لأن عندهم من الإيمان بالغيبيات واليوم الآخر , وبالكتابة وبمعرفة الله جل وعلا , والعلم به وصفاته , وما هو عليه Y من نعوت الجلال والكمال - ما يوجب عليهم قسراً ألا يكون في قلوبهم إعراض أو كبر أو طاعة للشيطان في البعد عن ربهم Y.
ولهذا الوصية للجميع , أنهم إذا علّموا العقيدة فإنهم يعلمونها؛ لأن صلاح القلب به تصلح الأعمال , وهذا واقع , وأما أهل الكلام وأهل البدع فإنهم يعلمون مسائل الاعتقاد كمسائل عقلية , مسائل عقلية ينظرون إليها نظرًا عقليا برهانيًّا عقليا أو نقليًّا , دون نظر في آثار ذلك , وهذا تجد لأجله فيهم من قسوة القلوب , ومن قلة العبادة وترك التواضع والكبر … إلى آخره من الصفات المذمومة ما فيهم.
بخلاف أهل الحق من أهل السنة والحديث والعبادة؛ فإنهم ألين قلوبًا؛ لأجل ما معهم من العلم بالله جل وعلا , وأكثر تواضعًا للخلق ونفع للعباد وخوف من الله جل وعلا؛ لأنهم لأجل صحة العقيدة أثمرت في قلوبهم وفي أعمالهم , زادني الله جل وعلا وإياكم من الهدى وغفر لنا ما كان منا من نقص أو ضعف , أو ذنب أو خطيئة؛ إنه سبحانه غفور رحيم , اللهم فاغفر وارحم وتجاوز وأنت أكرم الأكرمين.
قال بعدها: "ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين"
ملك الموت الذي يقبض الأرواح ذكره الله جل وعلا في القرآن , في قوله: ] قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [ , فالإيمان به إيمان بالملائكة , وإيمان بما ذكر الله جل وعلا وأخبر به من ملك الموت بخصوصه , ومن الرسل التي تتوفى نفس المؤمن , فالإيمان بذلك فرض , والذين ينكرون الغيبيات , ربما أنكروا حقيقة الملك الذي يقبض الأرواح , ومنهم من يقول: الروح إذا ذهبت فإنها تذهب إلى جسد آخر فتحل فيه , ونحو ذلك من أقوال الحلولية أو التناسخية , أو ما أشبه ذلك ممن يرون التجسد , يعني العودة إلى التجسد كما يزعمون من أهل القديم والحديث من المنتسبين للإسلام , أو من ملل الكفر والضلال.
يريد الطحاوي رحمه الله بهذه الكلمة أن يقول: إن أهل السنة والجماعة مُسلِّمون للنص , فيؤمنون بملك الموت , وأنه يقبض الأرواح وأنه موكل بها , مفوَّض أمر الأرواح في قبضها إليه , وهذا ظاهر في دلالة الآية على ما ذكرنا.
ونذكر عدة مباحث ومسائل:
الأولى:
ملك الموت جاء ذكره مرة مفردًا , وجاء ذكره في موضع آخر في القرآن مجموعًا بأنهم رسل في سورة الأنعام في قوله: ] حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [ , وهؤلاء الرسل هم أعوان ملك الموت وجنود ملك الموت , فهو لهم كالملك أو كالأمير الذي يأمرهم ويطيعونه , وهذا منهم من يقبض نفس فلان , ومنهم من يقبض نفس فلان … إلى آخره , فقوله جل وعلا: ] قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ [ هو بمعنى قوله: ] تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [؛ لأن ملك الموت ومن معه يمتثلون أمر الله Y.
المسالة الثانية:
متى يقبضون الروح , هل هو بأمر مجدد من الله جل وعلا أو إذا انتهى الأجل بما معهم من صحف , بأن أجل فلان ينتهي في الوقت الفلاني؟ خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة , والذي يظهر هو الأول؛ لأنهم وُكِّلوا , والموَكَّل يقبض الروح بأمر الموكِّل , وهو الله Y.
المسألة الثالثة:
قوله: "الموكَّل بقبض أرواح العالمين" جاء في الآية نصاً أنهم موكلون , موكلون , وهذا لا يعني أن الموكل غائب أو أن الموكل قاصر , ولكن الله جل وعلا خلق الملائكة وجعل لهم هذه المهمة وغيرها من المهام للتعبد , لا لنقص في ملكوت الله جل وعلا أو في صفاته Y , بل هو الكامل ذو الصفات الكاملة سبحانه , ولكن لأجل التعبد بذلك.
وهذا فيه من الاعتقاد بتصرف الله جل وعلا في ملكوته في جميع الخلائق ما يطول وصفه , إذا نُظر إلى سعة ملك الله وسعة التصرفات في الملكوت , وكثرة الملائكة وأنهم موكلون هذا بكذا , وهذا بكذا … إلى آخره. التي بعدها وهي الثالثة.
الرابعة:
ذكر لك الشارح هنا الطحاوي كلاماً طويلاً في الكلام على الأرواح والروح وحقيقتها , والنفس والفرق بينها وبين الروح , وهل الروح مخلوقة الآن؟ الأرواح مخلوقة أو غير ذلك من البحوث التي هي استطراد لأجل ذكر الطحاوي لفظ أرواح العالمين , وتبع في ذلك بل نقل نصا ما في فتاوى ابن تيمية في الجزء الرابع من البحث في مسألة الروح والنفس والبحث في الآية: ] قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ لما يُطالع ويستفاد من كلامه إن شاء الله تعالى , يعني مباحث الروح ليست يعني من المباحث المهمة في فهم كلام الطحاوي في هذا الموضع.
الأخيرة:
قوله: "أرواح العالمين" لفظ العالمين يريد به هنا من له روح من المكلفين بقبض أرواح العالمين , يعني من له روح من المكلفين دون غيرهم؛ وذلك لدلالة ظاهر الآية على ذلك في قوله: ] قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [ يتوفاكم الخطاب للمكلفين من الجن والإنس , ولفظ العالمين المعروف أنه اسم لكل ما سوى الله جل وعلا , وهذا هو الذي يذكر عند قوله تعالى: ] الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [.
يقول العلماء: العالمون اسم لكل ما سوى الله جل وعلا , فكل ما سوى الله عَالَم , وأنا واحد من هذا العالم.
لكن هذا الاستدلال أو هذا التفسير ليس تفسيراً وحيداً , يعني ليس إطلاق لفظ العالمين على هذا المعنى فقط؛ فإن العالمين كلفظ في الكتاب والسنة يطلق على هذا المعنى ويطلق إطلاقات أُخر , فالإطلاق الثاني له في القرآن أنه يراد بالعالمين الناس الذين تشاهدهم , كما في قوله جل وعلا: ] أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [ , ومعلوم أن الذكران من العالمين لا يشمل الملائكة؛ لأنهم ليسوا بإناث , ولا يشمل الجن؛ لأنهم لا يدخلون في هذا اللفظ , وقوله: ] أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [ يعني به جل وعلا أو معنى الآية: يعني الناس الذين يأتونهم ويرونهم.
الإطلاق الثالث: يأتي لفظ العالمين ويُراد به أهل الزمان الواحد , من الإنس والجن , أهل الزمان الواحد يقال لهم عالَمون , وهذا يستدل عليه بقول الله جل وعلا: ] وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [ يعني بهم بني إسرائيل , اختيروا على العالمين , المراد بهم أهل الأرض في ذلك الوقت , أهل ذلك الزمان من الجن والإنس , فقد اختار الله جل وعلا بني إسرائيل على علم؛ لأنهم أصلح ذلك الزمان , وهذه الإطلاقات الثلاثة موجودة أيضاً في السنة.
ومن أهل العلم من يقسم هذا التقسيم , ومنهم من يقول: إن المراد هو الأول فقط , وهذا العام الأول وهو أنه كل ما سوى الله جل وعلا عَالَم , وأنا واحد من هذا العالم , عام يراد به الخصوص في مواضع , وهذا وجه هو قوي وواضح , يعني أن السياق يدل على إخراج بعض ما دل عليه العموم , فقول الله جل وعلا: ] أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [ معلوم أنه لا يدخل فيهم الجن ولا يدخل فيهم من ليس مشاهدًا لهم إلى آخره , فلم يأتوا كل ذكر وإنما أتوا بعض الذكور الذين رأوهم فيكون هذا من العام الذي أريد به الخصوص.
وكذلك قوله: ] وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [ يراد به العَالَمون الذين في زمانهم , فهذا من العام المخصوص؛ لأنهم لم يفضلوا على أمة محمد عليه الصلاة والسلام , ولم يُفَضَّلوا على الملائكة , فيكون هذا من العام المراد به الخصوص.
المقصود من ذلك أن قوله هنا: "الموكل بقبض أرواح العالمين" يراد به العالمون الذين لهم روح ومن المكلفين.
نقف عند هذا إن شاء الله تعالى , [كلام ليس له فائدة علمية]
سؤال: إذا أراد الشخص أن يبحث بحثا في مسألة أصولية في أصول الفقه , إذا لم يذكر أقوال الأصوليين من المعتزلة أو من الأشاعرة , أو من بعض الذين كفرهم أهل السنة (غير مسموع) وغيره , يكون البحث ناقص لكن إذا أردت أن تبحث مسألة فقهية (غير مسموع) قول الخوارج أو قول بعض المبتدعة يكون البحث فيه خلل إنك تذكر هذه الأقوال أو قول الاثني عشرية.
جواب: (اللي) معطيك تبحث أقول البحوث الفقهية مدّها علماء السنة , أما الأصول؛ أصول العلم فيه مآخذ كثيرة من جهة الأقوال , لهذا توسع علم الأصول , ليس بأقوال أئمة الفقه , هو بأقوال العقلانيين ما هو بأقوال أئمة الفقه , لهذا متى بدأ الخلل في الأصول , حينما تناوله من لا يحسن الفقه , فجعلوه صنعة مجردة , مثل النحو أخذوه كقواعد أشياء في القرآن يقول لك للضرورة أو يوجهونها …إلى آخره.
عندك البلاغة قننوها مثل ما بحثنا مرة , قننوها تقنين وانحرفت عن أصلها , البلاغة أصلها ذوق , علم المعاني هذا البلاغة , علم المعاني والتشبيه والكناية إلى آخره , والبديع , ثم دخلوا في البلاغة المجازات بأنواعها ودخلوا أنواع البديع بإطلاق … إلخ , ثم وضعوا لها قوانين , ذهب الذوق إلى آخره.
بقيت أصول الفقه , أصله هو استنباط لغوي , يعني أصول الفقه أصل مأخذها إيش؟ لغوي.. شرعي.. اللغة قبل ثم شرعي يعني الدلالات مختلفة ثم عقلي.. هنا (اللي) حصل من الأصوليين أنهم الدلالة اللغوية والشرعية هذه يعلمها أئمة العلم , يعلمها الفقهاء , أئمة الحديث , أئمة الفتوى , العلم , هؤلاء (هادول) يعرفونها , دخلوا في البحث العقلي فألغوا كثيرا من الدلالات اللغوية والشرعية؛ لأجل عدم علمهم بها.
ولهذا الآن الأصوليون يذكرون أقوال الكفار حتى بعض المرتدين , ويذكرون أقوال ناس (اللي) ذكرت وغيرهم ممن هو أشد منهم , يذكرونها ويقولون: لازم تذكرها ويعتبرون خلافهم خلافاً في المسألة , وهذا ما هو بصحيح.
(غير مسموع) يعني إذا بغيت العلم الصحيح أن ليس المقصود الصنعة , يعني إذا (بتأخذ) الصنعة هذا بحث آخر , (بعدين) أصل العلوم الشرعية المساندة مثل النحو والبلاغة والأصول ومصطلح الحديث جاءتها فترات ضعف شديد (اللي) هي القرون المتأخرة هذه , صارت كلها أقوال وحواشي , وتعريفات واحترازات , راح روح العلم , روح العلم نفسه (اللي) (بتستفيد) منه , ما المقصود من علوم الآلة هذه فقه الكتاب والسنة فقه الدليل , هذا المقصود منها , فإذا ذهبت عن هذا إلى شيء آخر ليس المقصود منه فقه الدليل , صار عندنا خلل , نعم قد يكون واحد اثنين ثلاثة من العلماء , لابد أن يعتنوا بأقوال المخالفين , يتخصصون فيه , لكن كل طالب علم نقول له: والله ابحث عن كل الأقوال , ولازم (تجيب) لي قولا واحدا , (بيحضر) رسالة في أصول الفقه يقول: فعلاً (ليش) رحت بأقوال الثانية رد عليها , (جبها) ورد عليها؛ لأنك أنت من فرض الكفاية أن تعرف أقوال القوم ثم ترد عليها.
لابد يوجد في الأمة من يحسن هذا الرد؛ لأنه موجود أقوال الأصوليين عند الرافضة , موجودة , الرافضة يعتنون بالأصول كثيراً , ولهم مؤلفات فيه يحيون بها أقوال المعتزلة , كذلك الزيدية في اليمن لهم كتب في الأصول , من ضمنها نهاية العقول , كتاب ضخم وفيه من التفصيلات ما فيه , مطبوع ما أدري (شفته) أو لا , الأجزاء كبيرة جداً , في اليمن مطبوع قديماً , لكن كل هذه يعرفها المتخصص , لكن أنا (باجي) لطلاب علم يبغون يفهمون دلالات النصوص , لا تعطيهم من الأصول إلا لشيء (اللي) بيطبقونه , أما أجيء بقول الأمر اختلف فيه على أحد عشر قولاً , والأولون قالوا هو كذا (والثانين) قالوا (إيش) دخلهم فيها , ما لهم علاقة , بل عقل يكسل عن أنه يفهم المقصود العلم المقصود.
ولهذا الأصول بالذات أنا عندي أنه ما دُرِّس إلى الآن على ما ينفع طالب العلم في فهم الكتاب والسنة , نعم ويؤخذ الأشياء , الأشياء الثانية يعني الكلامية هذه ويتوسع فيها (ودي بتضعف شوي).
سائل: (غير مسموع) يا شيخ ندرس في الكلية شيء آخر ما ندرس خلافه.
الشيخ: يمكن أنتم عندكم يعني تخصص أو شيء أو كذا , لكن أنت , أنت لخص , يعني لازم تهتم (باللي) ينفع , المسألة (اللي) فيها تطبيق , وأحياناً تكون المسألة ما تدري هل هذه فيها تطبيق (ولّا) لا , وهي يكون فيها تطبيقات , (مين اللي) يعرفها المعلم , (اللي) يعرف خلاف العلماء والاستدلالات والمسائل , يعني في بعض مسائل التفسير تجد الخلاف فيها مبني على خلاف أصولي , دلالة الآية خلاف أصولي.
ـ لكن يا شيخ بعض المباحث (اللي) بندرسها ما لها ثمرة أصلا , ولا لها تطبيق واقع (غير مسموع) نجيء بنطبق (غير مسموع).
ـ مثل (إيش) , مثل (إيش) (اللي) ما لها ثمرة؟
ـ (غير مسموع) بعضها مثلا (غير مسموع).
ـ (وإيش) مثل (إيش؟) ذكرني (ولّا) ما تذكر.
ـ الدلالات الخاصة بأول القياس ندرسها.
ـ (هه).
ـ (غير مسموع) , القياس (غير مسموع) يكفي ها كمثال هذا (غير مسموع) لا ينطبق على القياس.
ـ (غير مسموع) ابن حزم ينكر القياس؟
ـ أينعم يا شيخ.
ـ هو ينكر بعض القياس.
ـ ……………
ـ ما هو بصحيح.
ـ ينكر القول الذي يطبقه عملا.
ـ لا , هو يذكر بعض القياس , بعض أنواعه , يعني قياس الأولى لا ينكره.
ـ (بيعمل بيه).
ـ قياس الأولى يعمل به , قياس الأولى وقياس المعنى , أما قياس العلة , العلة هذا ينفيه؛ لأن عنده أصلاً الشرعية غير معللة , وهذه نص عليها في الإحكام عنده بشيء , هذا أولى وأحرى , هذه يطبقها , هذا مثل هذا المثليات (اللي) داخلة في القواعد , هذه يطبقها , حتى أحياناً يجيء يقول: فإن قلت هذا من قياس العلة قلنا: لا , هذا من باب المثليات , والشريعة جاءت بالمساواة بين المثليات … إلى آخره , أما قياس العلة هذا صحيح.
سؤال: هل يكون لكم خدمة في هذا الفن؟
جواب: والله ما أحسنه , لا أحسنه إلى الآن (غير مسموع) له تفرغ لكي يحسنه الواحد؛ لأن تعرف التعليم , (علشان) الواحد يعلم فن لا بد أنه يمسكه يعني يكون قويا فيه , الأصول له مخارج كثيرة لابد له من دربة.
ـ يا شيخ سمعنا الورقات.
ـ هذا مختصر يعني هذه فوائد مختصرة.
ـ مختصر التحرير مثلا (غير مسموع) مثلا ,
ـ الله يعينك , الله يعينك , لكن الواحد منكم يأخذ يعني في عدد من الكتب تأخذ منها فوائدها الأصولية يجتمع عندك معلومات أصولية كافية ,
ـ هل ذكر الطحاوي "ونرى المسح على الخفين" (غير مسموع) نفس المسألة من باب التواتر (غير مسموع) المبتدعة إذا كانوا يخالفون (غير مسموع) كالرافضة وطوائف (غير مسموع)؟
ـ لا , هو المقصود المخالفة , فيه مسائل كثيرة ثابتة بالتواتر والإجماع ما دخلوها في العقيدة.
ـ لكن أي مخالفة نعدها من مسائل العقيدة؟
ـ لا , (اللي) قلت لك أنا (اللي) فيها شعار فيه مسائل صارت شعارا , يعني واحد (تشوفه) ما يمسح على الخفين دائما يقول: أنا ما أمسح على الخفين (غير مسموع) (وإيش) على (وشه) يؤخر الصلاة يجمع الصلاة؛ (علشان) ما يمسح على الخفين , يؤخر صلاة يوم كامل؛ (عشان) يقول ما أقدر أمسح , فيه شعار يعني المقصود منه الشعار , لا خصوص المسألة , يعني مثل الآن (اللي) يجيء يصلي وقدامه حصى يسجد عليه , هذا ماذا , هذا شعاره خلاص مثلا , فأهل السنة يرون الصلاة على الأرض أو على ما بُسط عليها , ما هو بشرط أن يأخذون من تراب مكة أو من تراب المدينة إلخ؛ لأن هذا من عقائد..
فإذن المسألة من مسائل الشعار (اللي) تميزوا به , وطبعاً المراعى فيه ما هو بوقتنا الحاضر , المراعى فيه وقت التصنيف الأول , القرون الثلاثة الأولى هي (اللي) كان فيها تقرير ها المسائل , الآن يمكن ما تلحظها كثيرا في بعض المسائل ما تلحظها.
ـ لو مسألة مستجدة يا شيخ , ماذا يقال عنها؟
ـ (إيه) إذا كانت شعارا تذكر , إذا كانت شعار وأجمع أهل السنة عليها تذكر , تعتبر مما يتميزوا به.
ـ أحسن الله إليك.
ـ آمين.
ـ هل ملِك الموت …
ـ ملَك الموت.
ـ ملَك الموت رؤيته قبل البعث ثابتة؟
ـ رؤيته قبل البعث …
ـ قبل الإسلام.
ـ هو رآه موسى u , والحديث في الصحيحين: أنه جاءه ملك الموت , (وإيش) فيه؟
ـ …………
ـ فقال له أتيت أقبض روحك , القصة المعروفة , فلطمه (وإيش؟)
ـ غير موسى , يعني من الأنبياء.
ـ السؤال عن إمكان الرؤية أو وقوعها؟
ـ عن إمكان الرؤية؟
ـ إمكان الرؤية حصلت , وقعت لموسى u , وربما يأتي لبعض الناس ويعرف أنه ملك الموت , والنبي عليه الصلاة والسلام كان يردد قبل أن تفيض روحه عليه الصلاة والسلام يقول: بل الرفيق الأعلى , بل الرفيق (هه) يعني …
ـ ………………
ـ كيف؟
ـ …………… , ,
ـ (وإيش) أركان القياس؟
ـ ……………
ـ (وإيش) معنى الأركان؟ (إيش) معناها؟ يعني (اللي) ما يوجد الشيء إلا بوجوده.
فالآن إذا عرفنا القياس بأنه: إلحاق حكم مسكوت عنه بحكم منصوص عليه؛ لعلة جامعة بينهما , اقتضى أن يكون عندنا (إيش؟) علة وأصل وفرع , (وإيش؟) وحكم , يعني هذا ما يمكن يوجد إلا لا بد هذه؛ فالأركان هي التي لا يوجد الشيء إلا بها , يعني مثل أنت (وإيش) أركانك؟ أركانك أنت لا جسد وروح , ممكن روح بلا جسد أو جسد , يعني ممكن أتصور واحدا مشلولا , واحدا مغمى عليه , واحدا في غيبوبة , لكن فيه جسد وروح , نقول (غير مسموع) لكن جسد بلا روح , أو روح بلا جسد ما فيه إنسان يعني مشاهد.
فإذن الأركان ما تقوم عليه حقيقة الشيء , فالقائلون بالقياس متفقون على ها الأركان , لكن عادي عندك ما هو الأصل؟ وما هو الفرع؟ ما هي العلة؟ يعني تعريفاتها هي , هذه (اللي) يجيء فيها الخلافات. سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك.