القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين... سقط...
الطحاوي رحمه الله تَعَالَى: وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء،وسيد المرسلين،وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء.
الشيخ: بسم الله، والحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أَن مُحَمَّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد..،
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل العلم النافع، وممن يتعلم لوجه الله، كما أسأله سبحانه أن يقر العلم في قلوبنا، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، ومن الأهواء ما ظهر منها وما بطن، أما بعد..،
فقول المصنف رحمه الله: "وإن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء" هذه الجملة من كلامه من التوحيد؛ وذلك أنه قال في أول الكلام،يعني في أول هذه العقيدة:"نقول في توحيد الله، معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له" ثم مضى في ذلك، وأتى إلى مقام الرسالة، والكلام على النبوة فقال: "وإن محمداً عبده المصطفى" فهي معطوفة على قوله: "إن الله واحد لا شريك له"، وإن هنا مكسورة؛ لأنها معمول القول. ومن المعلوم في النحو أن (إن) تكسر إذا كانت تقدر معما بعدها في الجملة، يعني أن إن معنى دخلت عليه تقدر بجملة، ولذلك تكسر إذا كانت بعد كلامٍ يقدر ما بعده بجملة. ومعلوم أن القول له مقول، ومقول القول جمل، وليس بمفردات، وهذا باختلاف فتح همزة أن، فتح الهمزة في أن فإنها، فإن القاعدة فيها أنها تفتح إذا كانت في تقدير المفرد، أو المصدر،كما هو مقرر في النحو، وكما هو معلومٌ لكم جميعاً.
المقصود أن قوله: "وإن محمدا" هذا بكسر همزة إن؛ لأنها مقول القول في أول الرسالة وهو قوله:"نقول في توحيد الله".
وبحث الرسالة والنبوة هو من توحيد الله جل وعلا، ووجه ذلك أن توحيد الله جل وعلا يطلق ويعنى به العقيدة بعامة، فكل العقيدة بأركان الإيمان يدخل فيها.. تدخل في توحيد الله، فتوحيد الله جل وعلا هو الإيمان، وهو المشتمل على أركان الإيمان الستة، والكلام على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام من ضمن ذلك.
والوجه الثاني: أن نبوة محمد عليه الصلاة والسلام هي طريق التوحيد؛ لأن توحيد الله جل وعلا لم يعلم إلا عن طريق الرسل، وفي ذلك تقرير أن العقول لا تستقل في معرفة توحيد الله جل وعلا، وما يتضمنه ذلك وما يستلزمه ذلك، بل إنه لابد من بعثة رسلٍ وأنبياء للبيان {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
وبعثة الرسل بها علم حق الله جل وعلا، وتوحيده توحيد الإلهية، وبها علم نعت الله جل وعلا، وأسماؤه وصفاته الكاملة الجليلة، فإذن بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وبعثة الرسل جميعاً هي طريق توحيد الله جل وعلا، ولهذا قال هنا: "نقول في توحيد الله: إن الله واحد لا شريك له"، واستمر ومر حتى قال: "وإن محمداً عبده المصطفى"، يعني ونقول في توحيد الله: "إن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى".
وهذه الجملة من كلامه رحمه الله تَعَالَى فيها تقرير عقيدة عظيمة، وهي أن محمداً عليه الصلاة والسلام جمعت له أوصاف، ونعوت، ومراتب،فمنها أنه عبد، ومنها أنه نبي، ومنها أنه رسول، ومنها أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومنها أنه حبيب رب العالمين وخليله، ومنها أن بعثته عامة للجن والإنس وكافة الورى، وسيأتي بيان هذه الجمل والصفات في شرح كل جملة بما تقتضيه.
نخص الآن من هذه الجمل المتعلقة بالنبوة قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى" فذكر ثلاثة مقامات لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
وقوله: "إن محمداً" بدون أوصافٍ زائدة،كسيدنا محمد ونحوذلك فيه اتباع لما جاء في الأحاديث الكثيرة من ذكر التعبد باسم النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مجرداً عن وصف السيادة، وغير ذلك، هذا هو المسنون والمشروع،كما في دعاء المصلي في التحيات،إذا جلس للتشهد وأشباه ذلك، وكما في قول المؤذن، وكما في الصلاة على النَّبِي عليه الصلاة والسلام في الصلاة وفى غيرها، فالسنة التي جاءت بها الأحاديث الكثيرة،وعمل السلف أن مقام المصطفى عليه الصلاة والسلام أرفع ما يوصف به أن يوصف بمقام العبودية، والنبوة، والرسالة؛ وذلك لأن الله جل وعلا وصف نبيه بذلك في أعلى المقامات، وفى أجلها فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} فوصفه في هذا المقام العظيم وهو مقام الإسراء، وما تبعه من المعراج إلى رب العالمين بأنه أوحى.. بأنه أسرى بعبده فقال سبحانه في وصف نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وتذللِه: {وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} فقال سبحانه في المعراج وقرب محمد عليه الصلاة والسلام من رب العالمين قال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.
وهذا الوصف؛ وصف العبودية الخاصة، هو أعلى المقامات التي يوصف بها الإنسان، فإذا زاد عليه وصف النبوة، ووصف الرسالة،كان ذلك أعلى الكمال، ولهذا يعظم العبد بتحقيق كمال العبودية لله جل وعلا، وتحقيق كمال العبودية، إنما هو في الأنبياء والمرسلين.
فإذن وصف محمد عليه الصلاة والسلام بأنه عبده المصطفى هذا فيه رفع له، وإكرام للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله جل وعلا هو الذي رضي له هذا الوصف، وهذا النعت، وهذا المقام، وهذا هو الذي ينبغي على من يكتب، ويصنف، أو يخطب، أو يحاضر أن يتبع السنة في الألفاظ، فنقول: وإن محمداً عبده المصطفى، دون زيادة لسيدنا وأشباه ذلك، وإن كان هو عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين كما ذكر هنا، وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
قال: "وإن محمداً عبده المصطفى" والاصطفاء هو الاختيار، ومحمد عليه الصلاة والسلام اصطفي للرسالة، وهذا اللفظ مأخوذ من قوله تعالى:{اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ} فكل مرسلٍ مصطفى؛ لأن الله اصطفاه، يعني اختاره وقربه لمقام الرسالة، قال.. ولمقام العبودية الخاصة.
قال: "ونبيه المجتبى" والاجتباء هو الاختصاص، اجتباهم {وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ} هذا معناه الاختصاص، يعني جعله نبياً،فاجتباه جعله حبيباً له وخليلاً ومختاراً، ومختصاً بالمقامات العالية.
والوصف الثالث قال: "ورسوله المرتضى"وهذا مأخوذ من قوله: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} هذا البيان لمعاني تلك الكلمات نتبعه بأن هذا الكلام، هذه الجمل من المصنف فيها تقرير لعقيدة عامة، وهي أن محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام عبدٌ، ونبي، ورسول، وأنه خاتم الأنبياء، وأن كل دعوى للنبوة بعده فغي وهوى، وهذا من جملة ما يدخل في أركان الإيمان، فلا يصح إيمان عبد حتى يعتقد بأن محمداً عليه الصلاة والسلام عبدٌ نبي رسول، وأنه خاتم الأنبياء، وخاتم المرسلين، وأنه لا تصح دعوى للنبوة بعده، وكل دعوى للنبوة بعده فكذب وضلال وغي، وهوى إلى آخر ما سيأتي في بيان تلك الجمل.
وهذه الجملة فيها تقرير؛ لأن النبوة مختلفة عن الرسالة، وأن النبوة تسبق الرسالة كما قال: "ونبيه المجتبى، ورسوله المصطفى" وهذا هو المعروف عندكم فيما هو مقرر، من أن محمدا عليه الصلاة والسلام نبئ بـ (اقرأ)، وأرسل بالمدثر، فالنبوة مرتبة دون مرتبة الرسالة كما سيأتي، وجعل العطف متغايراً أولى من جعله، يعني متغايراً بالذات أولى من جعله متغاير لفظي، يعني أن المصنف الطحاوي يرى أن النبوة غير الرسالة، وأن النبي غير الرسول، وهذا هو الحق كما سيأتي بيانه.
هذه الجملة فيها تقرير ما ذكرت من العقيدة العامة المعروفة، ويدخل تحتها مسائل:
المسألة الأولى: تعريف النبي والرسول، والنبي والرسول لفظان موجودان في لغة العرب،فتعريفها في اللغة يؤخذ من موارده في اللغة، وهو أن النبي مأخوذ من النبوة، وهو الارتفاع؛ وذلك لأنه بالإيحاء إليه، وبالإخبار إليه أصبح مرتفعاً على غيره، والرسول هو من حمِّل رسالة فبعث بها،ولهذا نقول: إن كلمة نبي جاءت في القرآن في القراءات على وجهين يعنى على قراءتين متواترتين:
الأولى: النبي بالياء،
والثانية: النبيء {يا أيها النبيء}.
والفرق ما النبي والنبيء أن النبيء هو من نبئ، وكلا الأمرين حاصل في النبي عليه الصلاة والسلام، وفي كل نبي فهو مرتفع، ولأجل ذلك فهو نبي وهو منبأ ولأجل ذلك فهو نبيء، ولهذا نقول: إن كلمة نبي صارت من الرفعة؛ لأجل نبئ، لأجل أنه نبيء، يعني أنه نبئ فصار في نبوةٍ وارتفاع عن غيره من الناس.
أما في الاصطلاح، التعريف الاصطلاحي للنبي والرسول فهذا مما اختلف فيه أهل العلم كثيراً، والمذاهب فيه متنوعة؛ فمنها قول من قال: إنه لا فرق بين الرسول والنبي فكل نبي رسول، وكل رسول نبي.
القول الثاني: أن النبي والرسول بينهما فرق؛ وهو أن النبي أدنى مرتبة من الرسول، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
والمذهب الثالث: أن النبي أرفع من الرسول، وهو قول غلاة الصوفية، وأن الرسول دون النبي.
المذهب الأول قال به طائفة قليلة من أهل العلم من المتقدمين، ومن المتأخرين، ومنهم من ينسب إلى السنة، والقول الثاني: وهو أنه ثمة فرق بين النبي والرسول، وأن كل رسولٍ نبي، وليس كل نبي رسولا هذا قول جمهور أهل العلم، وعامة أهل السنة؛ وذلك لأدلة كثيرة استدلوا بها على هذا الأصل،مبسوطة في مواضعها، ونختصر لكم بعضها:
الأول منها: قوله جل وعلا في سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}، قال سبحانه هنا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ووجه الاستدلال أن الإرسال وهو فعل أرسلنا وقع على الرسول وعلى النبي، فإذن الرسول مرسل والنبي مرسل؛ لأن هذا وقع على الجميع.
وجه الاستدلال الثاني: أنه عطف بالواو فقال:{مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} والعطف بالواو يقتضي المغايرة، مغايرة الذات، أو مغايرة الصفات، وهنا المقصود منه أن الصفة التي صار بها رسولاً غير النعت الذي صار به نبياً هو المقصود،مع تحقق أن الجميع وقع عليهم الإرسال.
والوجه الثالث من الاستدلال: أنه عطف ذلك بلا أيضاً في قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ومجيء (لا) هنا في تأكيد النفي الأول في أول الآية، وهو قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا} فهي في تقدير تكوين الجملة منفية من أولها،كأنه قال: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا أرسلنا من قبلك من نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. هذا هو الدليل الأول.
والدليل الثاني: أن النبوة ثبتت لآدم عليه السلام،فآدم كما صح في الحديث نبي مكلم، وأن هناك أنبياء جاؤوا بعد آدم عليه السلام كإدريس وشيث وكغيرهما، وإدريس ذكره الله جل وعلا في القرآن، والرسل أولهم نوح عليه السلام، وجعل الله جل وعلا أولي العزم من الرسل خمسة، وجعل أولهم نوحاً عليه السلام، فهذا يدل على أن آدم عليه السلام لم يحصل له وصف الرسالة، بل جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام:((آدم نبي مكلم))، ووصف نوح بأنه رسول، ووصف إدريس بأنه نبي، فدل هذا على التفريق بين المقامين.
الدليل الثالث الذي أورده أصحاب هذا القول: ما جاء في حديث أبي ذر من التفريق ما بين عدد الأنبياء، وعدد المرسلين، فجعل على عدد الأنبياء أكثر من مائة ألف، مائة وأربعة وعشرين ألف أو نحو ذلك، وجعل عدد الرسل أكثر من الثلاثمائة بقليل، بضع عشر وثلاثمائة رسول، والله جل وعلا قص علينا خبر الرسل، وحجب عنا قصص البعض الآخر فقال جل وعلا:{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} وهذا الحديث حديث أبي ذر حسنه بعض أهل العلم، وإن كان إسناده عند التحقيق فيه ضعف، لكن فيه جمل صحيحة، وهو حديث طويل رواه ابن حبان، وغيره. وثم أدلة أخرى في هذا المقام، قد لا تكون دالة بوضوح على المراد.
إذا تبين لك ذلك، وأن الصحيح هو قول الجمهور، وهو أن ثمة فرقاً بين النبي والرسول،فما تعريف النبي؟ وما تعريف الرسول في الاصطلاح؟
قلنا: إن النبي يقع عليه الإرسال، ولكن لا يسمى (مُرّسولاً) عند الإطلاق، والرسول يقع عليه الإرسال،وهو الذي يسمى رسولاً عند الإطلاق، والله جل وعلا جعل ملائكة مرسلين، وإذا قلنا: الرسول فلا ينصرف بالإطلاق على المبلغ للوحي جبريل عليه السلام، والله جل وعلا أرسل الريح، وأرسل المطر، وأرسل أشياء من العذاب، ولا يقع عند الإطلاق أن يقال: هذه مرسلة، أوهذه رسالة الله، أو هذه الأشياء رسول من إطلاق المفرد، وإردة الجمع به.
ولهذا نقول: قد يقال عن هذه الأشياء كما جاء في القرآن، قد يقال عنها: إنها مرسلة {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} ولكن إذا أطلق لفظ الرسول فلا ينصرف إلى من أرسل من الملائكة؛ وإنما ينصرف إلى من أرسل من البشر، وهذا يدل على أن الفرق قائم ما بين النبي، وما بين الرسول، وأن النبي إرساله خاص، وأن الرسول إرساله مطلق،فلهذا نقول: دلت آية سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} على أن كلاً من النبي والرسول يقع عليه إرسال، فما الفرق بينهما من جهة التعريف؟
الجواب: أن العلماء اختلفوا على أقوال كثيرة في تعريف هذا وهذا، ولكن الاختصار في ذلك مطلوب، وهو أن تعريف النبي، وهي مسألة اجتهادية، تعريف النبي: هو من أوحى الله إليه، من أوحى الله إليه بالتبليغ إلى قوم موافقين، يعني موافقين له في التوحيد، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع، وأمر بتبليغه إلى قوم مخالفين،وتلحظ من هذا التعريف للنبي، وللرسول أن.. أنه لا مدخل لإيتاء الكتاب في وقت النبوة والرسالة، فقد يعطى النبي كتاباً، وقد يعطى الرسول كتاباً، وقد يكون الرسول ليس له كتاب، وإنما له صحف، صحف إبراهيم وموسى، وقد يكون له كتاب.
فإذن من جعل الفيصل، أو الفرق بين النبي والرسول هو إيتاء الكتاب وحي جاءه بكتاب منزل من عند الله جل وعلا،فهذا ليس، ليس بجيد، بل يقال كما ذكرت لك في التعريف: إن المدار على أولا: الإيحاء، فالنبي موحى إليه، والرسول موحى إليه.
والثاني: أنه يوحى إليه بشرع، أو بفصل في قضية شرع يشمل أشياء كثيرة، وكذلك الرسول يوحى إليه بشرع،النبي يوحى إليه لإبلاغه إلى قوم، قوم موافقين أو ليكون في خاصة نفسه، يعمل به في خاصة نفسه كما جاء في الحديث: ((ويأتي النبي وليس معه أحد)) والرسول يبعث إلى قومٍ مخالفين له.
ولهذا جاء في الحديث أن ((العلماء ورثة الأنبياء)) ولم يجعلهم ورثة الرسل؛ وإنما قال: ((وإن العلماء ورثة الأنبياء))؛ وذلك لأن العالم في قومه يقوم مقام النبي في إيضاح الشريعة التي معه، فيكون إذن في إيضاح شريعته، في إيضاح الشريعة يكون ثم شبه ما بين العالم والنبي، ولكن النبي يوحى إليه، فتكون أحكامه صواباً؛ لأنها من عند الله جل وعلا، والعالم يوضح الشريعة ويعترض أو يعرض لحكمه الغلط.
يتعلق بهذه المسألة بحث أن الرسول قد يكون متابعاً لشريعة من قبله، من قبله، كما أن النبي يكون متابعاً لشريعة من قبله، فإذن الفرق ما بين النبي والرسول في اتباع الشريعة، شريعة من قبل أن النبي يكون متابعاً لشريعة من قبله، والرسول قد يكون متابعاً، كيوسف عليه السلام، جاء قومه بما بعث الله به إبراهيم عليه السلام ويعقوب، وقد يكون يبعث بشريعة جديدة.
وهذا الكلام، هذه الاحترازات؛ لأجل أن ثمة طائفة من أهل العلم جعلت كل محترز من هذه الأشياء فرقاً ما بين النبي والرسول، فإذن كما ذكرت لكم الكتاب قد يعطاه النبي، وقد يعطاه الرسول، بعثه به لقوم موافقين، أو مخالفين، هذا مدار فرق ما بين النبي والرسول، الرسول قد يبعث بشريعة من قبله بتوحيد بالديانة التي جاء بها الرسول لمن قبله، لكن يرسل إلى قوم مخالفين، وإذا كانوا مخالفين فلابد أن يكون منهم من يصدقه ويكون من يكذبه؛ لأنه ما من رسول إلا وقد كذب، كما جاءت بذلك الآيات الكثيرة.
المسألة الثانية: نبوة الأنبياء هل هي واجبة، أو ممكنة؟
الصواب أن نبوة الأنبياء، وإرسال الرسل مما جعله الله جل وعلا على نفسه كما قال سبحانه: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقد اختلف الناس في ذلك، فقالت طائفة: إرسال الرسل جائز، وقالت طائفة: إرسال الرسل واجب على الله جل وعلا، قالت طائفة: إرسال الرسل ونبوة الأنبياء لا يقال فيها جائزة، ولا واجبة، بل هي تبع، تبع للمصلحة، وكما ذكرنا أن قول أهل السنة في ذلك: إن إرسال الرسل جعله الله جل وعلا حجة على الناس كما في الآية، ولا يطلق القول بوجوبها، ولا بإمكانها، أو جوازها، أو رد ذلك، بل يتبع في ذلك النص الوارد؛ لأن أفعال الله جل وعلا، والإيجاب عليه والتحريم إنما يكون من عنده جل وعلا.
المسألة الثالثة: نبوة الأنبياء، أو رسالة الرسل بما تحصل؟ وكيف يعرف صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس، أو من يدعي أنه نبي أو رسول، أو من يأتي بالأخبار المغيبة، أو يجري عليه شيء من يديه شيء من الخوارق؟
والجواب عن ذلك: أن المتكلمين في العقائد نظروا في هذا على جهات من النظر، ونقدم قول غير أهل السنة، ونبين لكم قول السلف؛ أهل السنة والجماعة، في هذه المسألة العظيمة، وهي من المسائل التي يقل تقريرها في كتب الاعتقاد مفصلة، فنقول: إن طريقة إثبات نبوة الأنبياء، وإرسال الرسل للناس فيه مذاهب:
المذهب الأول: أن الرسل والأنبياء لديهم استعدادات نفسية راجعة إلى القوى الثلاثة، والصفات الثلاث، وهي السمع والبصر والقلب؛ فإنه يكون عنده قوة في سمعه، فيسمع الكلام، كلام الملأ الأعلى، وعنده قوة في قلبه، فيكون عنده تخيلات، أو يتصور ما هو غير مرئي، وعنده بصر أيضاً قوي، يبصر ما لا يبصره غيره.
وهذه طريقة باطلة، وهي طريقة الفلاسفة، الذين يجعلون النبوة من جهة الاستعدادت البشرية، لا من جهة أنها وحي وإكرام، واصطفاء من الله جل جلاله.
والثاني: قول من يقول: إن النبوة والرسالة طريق إثباتها، والدليل عليها هو المعجزات، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة، وطوائف من المتكلمين، وتبعهم ابن حزم وجماعة، وجعلوا الفرق ما بين النبي وغيره هو أن النبي يجري على يديه خوارق العادات، فمنهم من التزم؛ وهم المعتزلة وابن حزم، في أن ما.. في أنه ما دام الفرق هو خوارق العادات، وهي المعجزات، فإذن لا يثبت خارق لغير نبي، فأنكروا السحر والكهانة، وأنكروا كرامات الأولياء، وأنكروا ما يجري من الخوارق؛ لأجل ألا يلتبس هذا بهذا، وجعلوا ذلك مجرد تخييل في كل أحواله. وأما الأشاعرة فجعلوا المسألة مختلفة، وسيأتي تفصيلها في موضعها إن شاء الله عند كرامات الأولياء.
المذهب الثالث: هو مذهب أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح فيما قرره وهو أن النبوة، والرسالة دليلها وبرهانها متنوع، ولا يقصر القول بأنها من جهة المعجزات الحسية التي ترى، أو تجري على يدي النبي، أو الولي، فمنها.. فمن الأدلة والبراهين في إثبات النبوة والرسالة:
أولا: الآيات والبراهين.
والثاني: ما يجري من أحوال النبي في خبره، وأمره ونهيه، وقوله وفعله، مما يكون دالا على صدقه بالقطع.
الثالث: أن الله جل وعلا ينصر أنبياءه وأولياءه، ويمكن لهم، ويخذل مدعي النبوة ويبيد أولئك، ولا يجعل لهم انتشاراً كبيراً.
وهذه ثلاثة أصول: أما الأول: فمعنى أن من قرر نبوة الأنبياء عن طريق المعجزات فإننا نوافقهم على ذلك، لكن أهل السنة لا يجعلونه دليلاً واحداً، لا يجعلونه دليلاً فرداً، بل يجعلونه من ضمن الدلائل على النبوة. وهذا الدليل؛ وهو دليل المعجزات كما يسمى يعبر عنه أهل السنة بقولهم: الآيات البراهين؛ وذلك لأن لفظ المعجز لم يرد في الكتاب، لا في السنة لفظ المعجز، و إنما جاء في النصوص الآية والبرهان {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} وقال: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ}،{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أن ما يؤتاه الأنبياء والرسل؛ إنما هو آيات وبراهين.
بعض.. والبعض من أهل العلم جعل لفظ المعجز نتيجة؛ لأن آية النبي وبرهان النبوة معجز، لكن لفظ الإعجاز فيه إجمال؛ وذلك لأنه معجز لمن فيه إجمال، وفيه إبهام، فإعجاز ما يحصل لمن هو معجز، فإذا قلنا: معجز لبني جنسه، فهذا حال معجز لبني آدم، فهذا حال معجز للجن والإنس، فهذا حال معجز لكافة الورى، فهذا حال، ولهذا جعل المعتزلة والأشاعرة في الخلاف ما بينهم في المعجزات، جاءت من هذه الجهة، أن لفظ معجز اختلفوا في معجز لمن، كما سيأتي تقريره في موضعه، إن شاء الله.
ولهذا نعدل عن لفظ الإعجاز إلى لفظ الآية والبرهان، ونقول: الآية والبرهان التي يؤتاها الرسول أو النبي؛ للدلالة على صدقه تكون معجزة، تكون معجزة للجن والإنس جميعاً، فما آتاه الله جل وعلا محمدا عليه الصلاة والسلام يكون معجزاً للجن والإنس جميعاً، كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }، أما إعجاز بعض الإنس دون بعض، أو الإنس دون الجن فهذا هو الذي يدخل في الخوارق، ويدخل في أنواع ما يحصل على أيدي السحرة والكهنة وما أشبه ذلك.
أما الفرق ما بين الآية، البرهان الدال على صدق النبي مع ما يؤتاه أهل الخوارق، أنه هل هو معجز لعامة الجن والإنس أم لا؟ فإن كان معجزاً لعامة الجن والإنس فهو دليل الرسالة والنبوة. هذه الآيات والبراهين التي آتاها الله جل وعلا محمدا عليه الصلاة والسلام أنواع:
النوع الأول: منها القرآن، وهو حجة الله جل وعلا وآيته العظيمة على هذه الأمة، فتحدى الله جل وعلا به الجن والإنس، ولم يستطيعوا ذلك، مع أنهم متميزون بالفصاحة والبلاغة وأشباه ذلك، فإذن الآية والدليل الأول: هو القرآن العظيم، وهو الحجة البالغة.
الثاني: آيات وبراهين سمعية، يعني تكون دالة من جهة ما يسمع، ومن ذلك تسبيح الحصى، تسبيح الطعام على عهده صلى الله عليه وَسَلَّمَ، كما روى البخاري في الصحيح، أن ابن مسعود قال: كنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ. ومنها آيات وبراهين راجعة إلى البصر، وهو ما يقصر من أشياء لا تحصل لغيره، بل هي آية وبرهان على عجز الثقلين عن ذلك، مثل نبع الماء ما بين أصابعه، ومثل حركة الجمادات وأشباه ذلك، ومنها أدلة وبراهين فيها نطق ما لم ينطق، وهذه تشمل الأول المسموعة، وتحرك ما لم يتحرك في العادة، ويشمل حركة الجمادات وشعور من لا يعرف بشعوره، وهذه إنما يعتبر عنها نبي، وتحصل للرسل والأنبياء، مثل حنين الجذع وتسليم الحجر، وأشباه ذلك.
الـوجـه الـثانـي
وأمر ونهي، وللرسول قول وفعل، فهذه خمسة أشياء، وهذا النوع من الدلائل أهم من الدلائل التي ذكرت لك فيما قبل عدا القرآن، فهو أعظم الأدلة؛ وذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام جاء بأخبار هذه تصدق على جميع النبوات، والرسالات، جاء بخبر عن الله جل وعلا، وهذا الخبر منه ما يتعلق بالماضي، ومنه ما يتعلق بالحاضر، ومنه ما يتعلق بالمستقبل، وجاء بأمر ونهي، وهذا الأمر والنهي هو ما يدخل في الشريعة، والأوامر متنوعة، والنواهي متنوعة، وجاء بأقوال هو قالها في التبليغ، وأفعال له، وكل هذه بمجموعها تدل للناظر على أن من قال، وأخبر عن الله، وفعل وأمر ونهى, فإنه صادق فيما قال؛ لأن كل مدعٍ للخبر والأمر والنهي، وله أقوال، وله أفعال، وليس على مرتبة النبوة، فلابد أن يظهر لكل أحد أن يظهر له كذبه فيما ادعاه، وتناقضه في أقواله وأفعاله، وضعف أمره ونهيه، وعدم إصلاحه وأشباه ذلك.
ولهذا محمد عليه الصلاة والسلام جعل الله جل وعلا له الكمال فيما أخبر به، وفيما أمر به، وفيما نهى، وفي أقواله وأفعاله، فجعل اتباعه في الأقوال والأفعال اتباعاً مأموراً به {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقال: {لقد كان لكم في رسول اللَّهِ أسوة حسنة} وجعل ما يخبر به الرسول هو كخبر الله جل وعلا؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ونحو ذلك، فاستقام أمره عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور الخمسة، ولم يعرف أن أحداً طعن في شيء من هذه الأشياء، واستقام على طعنه، ولم يستسلم، بل كل من طعن في واحدٍ من هذه الأشياء فإنه آل به أمره إلى الاستسلام، أو أن يكون طعنه مكابرة دون برهان.
لهذا نقول: إن هذا الدليل من أعظم الأدلة التي تفرق ما بين الرسول والنبي الصادق، وما بين مدعي النبوة؛ فإن الرسول له أحوال كثيرة، يرى في أقواله.. يسمع في أقواله، ويرى في أفعاله، أوامره ونواهيه جاءت بماذا؟ أخباره جاءت بماذا؟ ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام أخبر عن أشياء حدثت في الماضي لم يكن العرب يعرفونها، وجاء تصديقها من أهل الكتاب، وما كان يقرأ عليه الصلاة والسلام كتب أهل الكتاب،وجاء بأخبار عما سيحصل مستقبلاً، وجاء بأخبار عما سيحصل بين يدي الساعة،وحصلت بعده عليه الصلاة والسلام شيئاً فشيئاً،منها ما حصل بعد موته سريعاً، ومنها ما يحصل شيئاً،ومنها ما يحصل بين يدي الساعة.
وكل هذه الأخبار في تصديقها دالة على أنه لا يمكن أن يعطاها إلا نبي، كذلك ما أمر به عليه الصلاة والسلام، وما نهى عنه فهو موافق للحكمة البالغة التي يعرفها أهل الدين، ويعرفها أهل العقل الراجح، حتى إن الحكماء شهدوا في الزمن الماضي، وفي الزمن الحاضر،بأن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام هي شريعة ليس فيها خلل،لا من جهة الفرد في عمله، ولا من جهة التنظيم في المجتمع بعامة،وكذلك ما في أفعاله عليه الصلاة والسلام،فكان عليه الصلاة والسلام له المقام الأكمل في التخلص من الدنيا، والبعد عن الرفعة، يعني والترفع على الناس، بل كان عليه الصلاة والسلام أكمل الناس في هديه، وفى تواضعه، وفي قوله، وفي عمله عليه الصلاة والسلام،وكان أكمل الناس في عبادته، وكل دعوى لمن ادعى النبوة فلا بد أن يظهر فيها خلل في هذه الأشياء.
أيضاً هو عليه الصلاة والسلام تحدى الناس في قوله فيما أتى به، وأخذ يدعو كما يظهر لك من قصة هرقل مع أبي سفيان، وسؤالات هرقل لأبي سفيان، وأخذ يدعو غير ملتفت بخلاف من خالف، والناس يزيدون وأعداؤه ينقصون، وهذا مع تطاول الزمن، ونصرة الله جل وعلا له؛ فإن هذا دليل على صدقه فيما أخبر، وفي أمره ونهيه، وقوله وفعله عليه الصلاة والسلام.
الدليل الثالث: كما ذكرنا هذه جنس أجناس الأدلة: أن الله جل وعلا هو صاحب الملكوت، وهو ذو الملك والجبروت، وهو الذي ينفذ أمره في بريته، فمحال أن يأتي أحد ويدعي أنه مرسل من عند الله، ويصف الله جل وعلا بما يصفه به، ويذكر خبرا عن الله، وأسمائه، ونعوته، ثم هو في ملك الله جل وعلا يستمر به الأمر إلى أن يشرع، ويأمر وينهى، وينتشر أمره، ويغلب من عداه، ويسود في الناس، ويرفع ذكره دون أن يعاقب ولو.. لهذا قال جل وعلا في بيان هذا البرهان: {وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } لو كانت دعوى في ملك الله جل وعلا،وهذا يدعي أنه مرسل ونبي، ويأتي بأشياء يقول: هي من عند الله فإن مالك الملك لا يتركه وحاله، بل ربما جعل ذلك ابتلاء، وامتحاناً للناس، ولكن لا ينصروتكون شريعته هي الباقية، ويكون ذكره هو الذي يبقى، ويكون خبره عن الله، وعن أسمائه، وصفاته، ودينه وشرعه، وعن الأمم السابقة،وعما سيحصل، هو الذي يبقى في الناس؛فإن هذا مخالف لقول الله جل وعلا: {وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُمْ
مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
والمشركون لما كذبوا النَّبِي عليه الصلاة والسلام قالوا: شاعر نتربص به ريب المنون؛ لأن السنة ماضية عند العقلاء, أن الذي يدعي عن الله جل وعلا فإنما يتربص به الهلاك والإفناء {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} فجاء البرهان: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}؛ لأن هذا برهان صحيح، فتربصوا فإني معكم من المتربصين {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} فقد صدقتم في هذا القرآن؛ لأنه لو كان كما تقولون كاذب لكأنه يتربص به ريب المنون، وأن يهلكه الله جل وعلا، وأن يجعله مخزياً، وأن يجعله عبرة لمن اعتبر، فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وسائر الأنبياء والمرسلين جعلهم الله جل وعلا حملة لرسالته، وشرفهم، ورفع ذكرهم، ونصرهم بين الناس، ولهذا تجد أن الرسالات هي الباقية في الناس، رسالة موسى عليه السلام، ورسالة إبراهيم، ورسالة عيسى عليه السلام، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام و وكل واحدة منها دخلها من التحريف ما دخلها، فأتباع إبراهيم من (غير مسموع) حرفوا في دينهم، حتى أصبحوا على غير ملة إبراهيم، وأتباع موسى من اليهود الآن على غير دين موسى، وأتباع عيسى عليه السلام على غير دين عيسى، وأتباع محمد عليه الصلاة والسلام هم الذين حفظهم الله جل وعلا وجعل منهم طائفة ظاهرين بالحق يقومون به إلى قيام الساعة.هذا ما يتعلق بالمسألة (إيش؟) المسألة الثالثة.
المسألة الرابعة: وهي آخر المسائل: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشر، يجوز في حقهم ما يجوز في حق البشر مما هو من الجبلة والطبيعة، ولهذا في القرآن يكثر وصفهم بأنهم بشر، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام بشر،لكن يوحى إليه, وأما من جهة الذنوب والآثام، أو نجعل البحث هذا يعني رأس البحث منقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من حيث الأمراض والعاهات،فعند أهل السنة والجماعة أن الأنبياء والرسل يبتلون، ويمرضون مرضا شديدا. وعند الأشاعرة أنهم يمرضون، ولكن بمرض خفيف، ولا يمرضون بمرض شديد.
هذا غلط بين؛فإن ابن مسعود دخل على النبي عليه الصلاة والسلام،وقال: يا رسول الله، إني أراك توعك. يعني: فيك حمى شديدة،قال: ((أجل،إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)).قال ابن مسعود: ذلك بأن لك أجرين قال: ((نعم...)) إلى آخر الحديث.
والأنبياء يضاعف عليهم، أو يشتد عليهم البلاء بأنواعه، فإذن من جهة الأمراض والأسقام التي لا تؤثر على التبليغ، وصحة الرسالة فإنهم فإنهم ربما ابتلوا في أجسامهم وأبدانهم بأمراض متنوعة شديدة.
المسألة الثانية: من جهة الذنوب، الذنوب أقسام؛ فمنها الكفر،وجائز في حق الأنبياء والرسل أن يكونوا على غير التوحيد قبل الرسالة والنبوة.
والثاني: من جهة الذنوب،فالذنوب قسمان؛ كبائر وصغائر، والكبائر جائزة فيما قبل النبوة،ممنوعة فيما بعد النبوة والرسالة،فليس في الرسل من اقترف كبيرة بعد النبوة والرسالة، أو تقحمها عليهم صلوات الله وسلامه،بخلاف من أجاز ذلك من أهل البدع، أما الصغائر فمنع الأكثرون فعل الصغائر من الأنبياء والرسل. والصواب أن الصغائر على قسمين؛
صغائر مؤثرة في الصدق، في صدق الحديث، وفى تبليغ الرسالة، وفي الأمانة، فهذه لا يجوز أن تكون في الأنبياء، والأنبياء متزهون عنها؛ لأجل أنها قادحة، أو مؤثرة في مقام الرسالة، والثاني من الأقسام: صغائر مما يكون من طبائع البشر في العمل، أو في النظر، أو فيما أشبه ذلك، فهذه جائزة، وإن لم تكن، أو من جهة النقص في تحقيق أعلى المقامات وأشباه ذلك، فهذه جائزة ولا نقول واقعة، بل نقول جائزة.
والله جل وعلا أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية، فالنبي عليه الصلاة والسلام غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر.
المسألة الأخيرة، نجعلها الخامسة، تذكرتها الآن،هي أن الرسول والنبي فيهم شروط، أو أوصاف عامة،جاءت في القرآن والسنة:
أولا: أن الرسول يكون ذكرا، وكذلك الأنبياء ذكور،فليس في النساء رسولة، ولا نبية، وإنما هم ذكور.
الثاني: أنهم من أهل القرى، يعني ممن يسكنون القرى، ويتقرون ويجتمعون، وليسوا من أهل البادية،يعني ممن يبدون كما جاء في آية يوسف.
الثالث: أن الرسول لابد أن يُكذَّب،فلم يأت رسول إلا وكذب،كما قال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}.
مباحث النبوة والرسالة كثيرة متنوعة، وهذه يعني بعض المسائل المتعلقة بها، وقد لا تجد ذلك مجموعاً في موضع واحد، ولا شك أن هذا البحث،خاصة دلائل النبوة بحث مهم، واعتنى به أئمة السنة والسلف،وصنف فيه عدد من العلماء في دلائل النبوة، وفي آيات وبراهين النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
نكتفي بهذا القدر ونقف عند قوله: "وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء" إِنْ شَاءَ اللَّهُ [كلام ليس له فائدة علمية]
سؤال: يقول: ذكرتم أن العطف بالواو يقتضي المغايرة،فهل أوضحتم، وفصلتم أكثر؟ وكيف تكون المغايرة في قوله تعالى: {تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}؟
جواب: أنا ذكرت لك أن المغايرة نوعان: مغايرة في الذات، ومغايرة في الصفات،مغايرة في الذات،تقول: هذان قلم وكتاب، خذ القلم والكتاب،معلوم أن القلم شيء في ذاته، والكتاب شيء في ذاته،دخل محمد وخالد،هذا شيء وهذا شيء، فالعطف بالواو يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه،في هذه الأمثلة مغايرة ذات، هذه ذات وتلك ذات، هذا له حقيقة وهذا له حقيقة،هذا له معية وهذا له معية.
النوع الثاني من المغايرة: مغايرة الصفات؛أن يكون المعطوف والمعطوف عليه في الدلالة على مسمى واحد،ولكن يكون ثمة فرق ما بين الصفات... سقط...
مثال قوله تعالى: {تلك آيات القرآن وكتاب مبين} الكتاب المبين هو القرآن، لكن العطف لاختلاف الصفات، فالقرآن سمي قرآناً؛ لأنه صار مقروءاً،وسمي كتاباً مبيناً؛ لأنه يكتب فيستبين به كل شيء كما قال: {تبياناً لكل شيء}.
فإذن حقيقة المصحف في كونه قرآناً غير حقيقة المصحف في كونه كتاباً،فهذا وصف له، وهذا وصف له،كما ذكرنا في الآية: {وما أرسلنا من قبلك من رَسُولٍ ولا نبي} فالنبي والرسول قد يجتمعان في شخص واحد،فيكون الرسول والنبي العطف لتغاير الصفات،لكن مقام النبوة غير مقام الرسالة،كما نقول في نبينا عليه الصلاة والسلام نبئ بـ (اقرأ)،وأرسل بالمدثر، وقد يكون هنا الرسول ولا نبي في الفرق ما بين الذوات،الرسول واحد،أحد المرسلين، والنبي المقصود به نبي آخر وهكذا في نظائرها.
مثل هذه المباحث ترجعون فيها إلى كتب اللغة، ومن أمثلها في الحروف كتاب (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) لابن هشام، وأمثل الكتب في حروف المعاني الكتب التي في دلائل النبوة، فيها كتاب (دلائل النبوة) لأبي نعيم، وقد طبع مختصرا في مجلدين، معروف، و (دلائل النبوة) للبيهقي، وفيه (دلائل النبوة) للبغوي، وفي كتب الحديث أبواب، أو كتب تتعلق بدلائل النبوة.
سؤال: ما معنى قول بعض السلف: النبوة العلم والعمل؟وهل هذا صحيح أم لا؟
جواب: الجواب أن هذا القول ليس بقول لبعض السلف، بل قاله ابن حبان صاحب الصحيح،وغلط في ذلك وهجر بسبب هذه الكلمة؛فإنه سئل عن النبوة فقال: النبوة العلم والعمل،وهذا كقول الفلاسفة؛ لأن الفلاسفة عندهم أن النبوة ليست اصطفاء واجتباء واختياراً؛ إنما هي... سقط... يكتسبها... سقط...لهذا لما سئل ابن حبان رَحمَهُ اللَّه وقيل له ما النبوة؟ فقال العلم والعمل،اتهم بالفلسفة،وكان رحمه الله ربما طالع بعض كتبها؛ ولذلك صنف كتابه الصحيحعلى التقاسيم والأنواع،قالوا: إنه تأثر بما في المنطق من الترتيبات ونحو ذلك التقاسيم والأنواع،كتاب ابن حبان معروف أنه غير موجود، ولكن رتبه الفارسي بن بلبان، وهو المطبوع،رتبه على أبواب،لكن نفس كتاب ابن حبان ليس على هذه (غير مسموع)، لكن الواقع أن ابن حبان سليم ممارمي به رحمه الله؛فإن تصنيفه للكتاب ليس مأخذه مأخذاً فلسفياً، ولكنه رأى طلاب العلم يعتمدون على الكتب،يعتمد على ما في الكتب، وتركوا الحفظ،فصنف لهم كتاباً،جمع فيه صحيح السنة بحسب رأيه، بحسب اجتهاده في التصحيح،وجعله غير مبوب على الأبواب المعهودة؛ حتى يحفظ،رغبة في الحفظ، وتوجيه الناس للحفظ، وإلزام الطلبة بالحفظ.
ومعلوم أن حسن الظن بأهل العلم هذا أولى من إساءة الظن بهم.
وأما قوله: النبوة العلم والعمل.يعني: أن النبوة فيها كمال العلم وكمال العمل،وهذا كما هو معروف في ذكر الشيء بأعظم صفاته،كما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الجمع قال: ((الحج عرفة))، يعني مع بقية الأركان والشروط, فلا ينفي أن النبوة وحي من الله جل وعلا،وأنها صفة،وأن النبي هو من أوحي إليه ونحو ذلك، لا ينفي ذلك، وإنما ذكر الصفة التي يبلغها النبي كمال العلم، وكمال العمل، وهذه ليست إلا في الأنبياء رحمهم الله،لكن ليس في قولٍ هذا للسلف، فينتبه لذلك.
سؤال: أشكل علي قولك: إن النبي قد يكون على غير التوحيد قبل الرسالة؟
جواب: نعم، يكون النبي، قد يكون على غير ذلك،فيصطفيه الله جل وعلا وينبهه، يعني ما فيه مشكل في ذلك،قد يكون غافلا.
سؤال: لم تذكروا ما إذا كان هناك رسول من الجن أولا؟
جواب: الصواب أن الجن ليس فيهم رسول؛ وإنما الجن تبع للإنس في الرسالة كما قال جل وعلا: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا} صرفهم الله جل وعلا إلى محمد حتى يسمعوا الرسالة {وإذ صرفنا إليك} فالصارف هو الله جل وعلا،والمصروفون هم الجن لسماع الرسالة، قال: {فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} الآية، فدل على أنهم متبعون لموسى، قبل ذلك متبعون للأنبياء، فلما جاءت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام خوطبوا بذلك، فهذا هو الصحيح في الآية، وأما قوله: {ألم يأتكم رسل منكم} {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} فالمقصود التغليب؛ لأن الجنسين جنساً واحدا في التكليف، لأن الجنسين جنس واحد في التكليف.
سؤال: أرجو بيان بعض الكتب التي بحثت هذا الموضوع؟
جواب: لا، هذا الموضوع تفرق في بيان الآيات،في تفسير الآيات التي فيها ذكر النبوة والرسالة والآيات والبراهين،وشيخ الإسلام ابن تيمية كتب كتابة عظيمة في هذا الباب، خاصة في المعجزات والآيات والبراهين،والفرق بين النبوة والرسالة، في كتابه(النبوات) لكنه طويل يحتاج إلى اختصار من طالب العلم،من طالب العلم، يقر به لطلاب العلم.
سؤال: ما رأيكم في عبارة أشرف: الأنبياء... سقط...؟
جواب: هذه العبارة ما جاءت في الأحاديث، والشرف متنوع،الشرف نوعان: شرف كسبي وشرف نسبي، وهذا من حيث تقسيم الشرف، يعني في تعريفه.
الشرف النسبي هذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إن الله اصطفى من قريش كنانة)) إلى أن قال: ((فأنا خيار من خيار من خيار)).الشرف الكسبي أو شرف النبوة هو الكمال،كمال العبودية، كمال الصفات،ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيه كمال الصفات، الصفات الكاملة،التي صار بها أكمل من غيره، وإن كنا لا نقول: إنه أفضل من غيره في جهة الموازنات، لكن هو اجتمعت فيه صفات الكمال. ولهذا الناس يأتون يوم القيامة إلى كل أولي العزم من الرسل فيمتنعون من إجابتهم، في حديث الشفاعة المعروف، ويأتون إلى محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها، فقد كمله الله جل وعلا بصفات لم يجعلها في غيره عليه الصلاة والسلام.
فإذن الشرف هنا شرف الصفات، ولهذا يقول أهل العلم: أشرف الأنبياء والمرسلين.وحدثني الشيخ عبد العزيز بن صالح (غير مسموع) رحمه الله تَعَالَى، وكان من مشايخنا العباد الزهاد، رحمه الله ورفع درجته في الجنة،أنه كان يقرأ على شيخه؛الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وكان يقول هذه الكلمة: والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. فقال له أحد الإخوان: هذه ما جاءت، هذه ما جاءت، يعني كيف تقول أشرف الأنبياء والمرسلين، فما جاءت؟! فعظمت عليه، يقول: فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، فقال لي: أنا أشرف الأنبياء، وأشرف المرسلين. وهذه لها حكم المنامات التي هي للبشرى وإلا المعنى كما ذكرت لكم صحيح.
سؤال: هل أرسل للعرب رسول غير محمد عليه الصلاة والسلام؟
جواب: لا.
نكتفي بهذا القدر،وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مـحـاضـرة جـديـدة
الشيخ: بِسْمِ اللهِ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد..،
سؤال: قال: ظهرت قبل فترة أشرطة تكلمت بالتفصيل عما وقع بين الصحابة من فتن، واسم هذه السلسلة: قصص من التاريخ الإسلامي،فما رأيكم فيها؟
جواب: لم أستمع،ولكن ذكر لي من عدد من الإخوة أنها عليها ملاحظات... سقط... ذكر لي ذلك أن يوردها ونقف على الأشرطة،فإن كانت لا توافق طريقة أهل السنة فيما وقع بين الصحابة من شجار وجب منعها حينئذٍ.نعم.
(ردا على مداخلة غير مسموعة: سمعت أنت من الشيخ؟
ـ........................
ـ ذكر الأخ أن سماحة الشيخ يقول: إنا منعناها،والحمد لله، يعني هذه شيء طيب، جزاكم الله خيرا.
سؤال: هل تارك العمل بالكلية مسلم؟ تارك الأركان، وتارك غيرها من الواجبات، والمستحبات، والأعمال الظاهرة بالجوارح؟
جواب: الجواب: أن العمل عند أهل السنة والجماعة داخل في مسمى الإيمان،يعني: أن الإيمان يقع على أشياء مجتمعة؛ وهي الاعتقاد والقول والعمل، ولذلك من ترك جنس العمل فهو كافر؛ لأنه لا يصح إسلام ولا إيمانه إلا بالإتيان بالعمل.
سؤال: هل يتصور وجود مطلق الانقياد في القلب ولا يظهر له أثر على الجوارح؟
جواب: والجواب: أن هذا فرع المسألة التي قبلها؛فإن الانقياد في أصلة عقيدة واجب، وهو من عمل القلب، ولا يصح الإيمان حتى يكون الانقياد ظاهراً على الجوارح، يعني حتى يعمل.
سؤال: ما هو التوجيه الصحيح للحديث الذي في مسلم:((لم يعمل خيراً قط))؟
جواب: وردت عدة أحاديث بهذا اللفظ،فينبغي أن يحضر النص؛لأن لكل جواب.
سؤال: ما حكم تغيير الصوت عندما يقرأ متناً، ثم إذا وصل إلى آية وتلاها؟
جواب: لم تكن على هذا سنة أهل العلم.
سؤال: كيف نجمع بين أن الله ـ الخط غير واضح ـ يتربص بأعداء الأنبياء بينما جاء في الخبر أن بني إسرائيل كانت تقتل الأنبياء؟
جواب: الله جل وعلا يتولى أولياءه بنصره، وانتقامه، وإظهارهم على أعدائهم، وأعداء الأنبياء هم أشد الناس عداوة لله جل وعلا،وقد قال تعالى: {وقال الرسول يا ربِّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا}.
وهداية الله جل وعلا ظاهرة للنبي في نفسه ولأمته، ولبيان ضلال واعتداء من اعتدى عليهم، وكذلك نصره جل وعلا ظاهر لهم، ولكن قد يؤخر النصر كما قال جل وعلا:{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} فحكمة الله جل وعلا ماضية، وسنته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما يفعل بأعدائه أيضاً ماضية، وقد يؤخر ذلك سبحانه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، قد دلت على هذا الأصل آيات وأحاديث كثيرة.
سؤال: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ وهل تجوز الصلاة في هذه المساجد بغية الدعوة إلى الله... إلى آخره؟
جواب: الجواب: أن الصلاة في مسجد فيه قبر فيها تفصيل؛ فإن كان المسجد وجد أولا، ثم أدخل القبر في المسجد, فهنا يجب إخراج القبر من المسجد؛ لأن الحق للمسجد، والمسجد بأرضه وقف، والقبر لا يدخل في المسجد؛ لأن الحق للمسجد، ثم إذا وجد القبر المتأخر الذي أدخل في المسجد، فإن كان في قبلة المصلي فلا تجوز الصلاة إليه، ولا تجوز الصلاة حينئذ في المسجد، وأما إذا كان في ظهر المصلي، أولا يستقبله فإن الصلاة فيه جائزة، وتركها أولى؛ لأجل ألا تحدث شبهة.
وأما إذا كان القبر موجوداً أولاً، ثم بني المسجد على القبر فهذا يجب هدم المسجد، وأن يبقى القبر؛ لأن القبر له الحق، والقبور منازل الأموات ومساكنهم، فلا يعتدى عليهم فيها،كما أن اتخاذ المساجد على القبور منهي عنه بالآي والحديث، قال جل وعلا: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} والذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف هم أصحاب النفوذ والكبراء المعاندين لأهل الإيمان، أو المشركون،وليسوا بالمسلمين،فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في وصيته قبل وفاته عليه الصلاة والسلام: ((ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛فإني أنهاكم عن ذلك)) وسببها أن أهل الكتاب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ودعا بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)).
المقصود أن المسألة فيها هذا التفصيل؛فإن كان القبر وجد أولاً، ثم بني عليه المسجد وجب هدم المسجد، وإبقاء المقبرة، ثم إن الصلاة في مسجد فيه قبر، وكان المسجد متأخراً عن القبر فإن الصلاة فيه باطلة؛ لأن النهي يقتضي الفساد.
سؤال: هل يشترط في مسائل العقيدة معرفة الدليل حتى للعامي؟ وهل يسوغ التقليد في مسائل العقيدة؟
جواب: هذا بحث يطول، وإن شاء الله سبق أن تكلمنا عليه،أظن في بعض الشروح، ويأتي له بحث إِنْ شَاءَ اللَّهُ في هذا الكتاب (شرح العقيدة الطحاوية) بإذنه تعالى. نعم اقرأ.
القارئ:بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تَعَالَى:
وإن محمداً عبده المصطفى،ونبيه المجتبى،ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء،وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء.
الشيخ:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد..,
فأسأل الله جل وعلا أن يقر في قلبي وفي قلوبكم العلم النافع، وأن ينور به قلوبنا، وأن يجعلنا ممن إذا علم عمل،وثبت علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.
قال الطحاوي رحمه الله تَعَالَى: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى،وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين،وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى،بالحق والهدى وبالنور والضياء".
تكلمنا على الجمل الأولى وهي قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى" عليه الصلاة والسلام،ووقفنا عند قوله: "وإنه خاتم الأنبياء"، وهذه الجملة فيها تقرير أن محمداً عليه الصلاة والسلام به ختمت النبوة،وأنه خاتم الأنبياء، يعني الذي ختمهم، وصار خاتماً لهم،فليس بعده أحد، وهذا مجمع عليه بين طوائف هذه الأمة جميعاً، حتى الطوائف الخارجة، أو الفرق الخارجة عن الثنتين والسبعين فرقة كالجهمية، والرافضة،وأشباه هؤلاء من المتقدمين؛ فإنهم مقرون بأن بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بها ختمت النبوة، وأنه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، فهذا إجماع، وقد ادعت طوائف خلاف هذا، ولهذا قال: دعت طوائف من المعاصرين كالقاديانية وأشباههم خلاف هذا،وبعض المتقدمين أشار إلى أن النبوة قد لا تختم، وهذا سيأتي له البحث إِنْ شَاءَ اللَّهُ فيما نعرض من مسائل،ولكن لا ينسب إلى طائفة عامة، ولكن قد يكون نسب إلى بعض الأشخاص، أو بعض الأفراد المنتسبين إلى الفلسفة، أو الغلو، أو أشباه ذلك.
فقول المؤلف رحمه الله: "إنه خاتم الأنبياء" يعني النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، هذا كما قلنا: مجمع عليه؛لدلالة القرآن والسنة على ذلك، ولإجماع أهل العلم عليه، قال ربنا جل وعلا: {ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} قرأ قوله: {وخاتَم النبيين} عاصم وحده من بين القراء بفتح التاء، {وخاتَم النبيين}، وقرأ الآخرون من السبعة: {وخاتِم النبيين} وبها كان يقرأ.. وبأحد قراءات كان يقرأ الطحاوي، ولذلك اخترنا الكسر على الفتح؛ لاتباع الآي قراءة الآية على ما يقرأ به المصنف رحمه الله.
وهذا موضوع يحتاج من طلاب العلم إلى التنبه إليه، وإلى التنبيه عليه؛وهو أن كثيرين إذا نشروا كتباً، أوحققوا رسائل ضبطوا الآيات بما يقرأ به المحقق، أو يقرأ به الباحث،وهذا غلط؛ لأن حق المؤلف أن تورد الآية بحسب قراءته،فإذا عرفت قراءته التي كان يقرأ بها فإنه تورد الآية على نحو ما كان يقرأ،فإن كان يقرأ بحفص فتثبت على حفص،وإن كان يقرأ بأبي عمرو أثبتت كذلك، وإن كان يقرأ على قراءة نافع فتثبت كذلك، وهكذا،فينبغي التنبه لذلك؛ لأن بعض العلماء يورد آية ويذكر وجه الاستدلال وقد لا يذكره؛ فيقع إشكال في أن وجه الاستدلال، أو أن الدليل لا يطابق القضية التي تبحث،وذلك من جهة أن الناظر، أو المحقق، أو الناشر أورد الآية على نحو ما يقرأ هو،ولذلك يقع في إشكال.
وهذه بالمناسبة قضية كبيرة،فالذين نشروا كتباً متنوعة، أو ينشرون ينبغي لهم العناية بهذا الأمر،وأعظم منها إذا نشروا تفسيراً للقرآن؛ فإنهم قد يجعلون التفسير بقراءة ليست هي قراءة المؤلف،كما في عامة طبعات ابن كثير؛فإن ابن كثير الحافظ المفسر لم يكن يقرأ بقراءة حفص عن عاصم، وكما في غير ذلك، وكذلك في كتب السنة كتب الحديث معلوم أنها روايات، والروايات مختلفة بكتب الحديث، فالبخاري له روايات متعددة، وأبو داود له روايات،قد تكون عن أبي داود نفسه، وقد تكون عمَّن تلقى عنه باختلاف،فيأتي الناشر ويثبت نصاً للكتابِ يخالِف النَّصَ الذي شرح عليه الشارح،ولهذا كل النشرات والطبعاتِ لكتابِ فتحِ الباري...
الشيخ:... بمعنى واحد، والآية تدل على التفريق؛ لأنه قال: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وفي السنة دلت أحاديث كثيرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن بعثته بها ختمت الرسالات والنبوات، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال إنه.. من حديث ثوبان: ((إنه سيكون كذابون ثلاثون كلهم يدعي أنه نبي،أو كلهم يزعم أنه نبي،ولا نبي بعدي)).
وأيضاً دل قوله عليه الصلاة والسلام فيما في الصحيح: ((إنه لا نبي بعدي)) على ذلك، ودل أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام،فيما رواه بعض أصحاب السنن.. بل هو في مسألة ستأتي، ليس فيها لفظ الختم.المقصود أن الأدلة من السنة التي فيها ذكر ختم النبوة كثيرة متنوعة،دالة على ما دلت عليه الآية، من أن رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ختمت النبوة، وكما ذكرنا لكم أن هذا إجماع.
إذا تبين ذلك ففي هذا البحث مسائل:
المسألة الأولى: أن قوله جل وعلا: {ولكن رسول اللهِ وخاتِم النبيين} بكسر التاء، هو فاعل من ختم،ختم الشيء يختمه، فهو خاتِم له، يعني جاء آخراً فختمه، فهو الآخر منهم، وهذا دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأنا العاقب)) يعني: الذي لا نبي بعده، وأما قوله جل وعلا: {ولكن رسول الله وخاتَم النبيين} بالفتح، ففسره العلماء على أوجه: منها أن الخاتَم في هذا خاتَم النبيين،أنه كالطابع على مسألة النبوة،والطابع على الشيء يأتي آخر ما يأتي، فالذي يرسل الرسالة يجعل الخاتم آخر شيء، فتكون دلالة: {ولكن رسول اللهِ وخاتم النبيين} دالة على أنه هو الآخر؛ لأن الخاتم إنما يأتي آخره.
وفيه أيضاً أن الخاتَم هو زين الشيء، وما يُتزين به فهو البارز حِلية وزينة وفضلاً،وهذا الوجه ذكره الشوكاني وغيره.
فدل هذا على أن القراءتين {ولكن رسول اللهِ وخاتِم النبيين} والقراءة الأخرى: {وخاتَم النبيين} أن دلالتهما على ختم النبوة واحدة، وأن قراءة {خاتَم} تزيد على القراءة الأخرى بزيادة معنى وفضل دلالة.
المسألة الثانية: أن مسألة ختم النبوة الكلام فيها راجع إلى بعض الكلام في مسألة النبوة، والنبي والرسول التي مرت معنا؛ وذلك أن من الأفراد المنتسبين إلى الفلسفة وإلى الصوفية الغالية من قال: إن النبوة مكتسبة، وإذ تكتسب النبوة بأشياء؛ منها أشياء علمية، ومنها أشياء عملية، ومنها استعدادات ومواهب فطرية، كما قد يكونغير أن أنبياء مساوين لهم في تلقي الأوامر، وتلقي الوحي،كما يزعمون، وهذا القول لا ينسب إلى طائفة معروفة، بحيث يقال: إن الفلاسفة قالوا هذا، أو إن الصوفية قالوا هذا، بل ربما وجد عند بعض أفراد منهم.
المسألة الثالثة: أن الكلام على ختم النبوة هو الكلام نفسه على ختم الوحي؛ فإن النبوة إنما كانت بالوحي، فمن ادعى أنه يسمع كلام الله جل وعلا فقد ادعى أنه يوحى إليه، وانقطاع الوحي بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دال على أن الوحي لا يكون لأحد بعده عليه الصلاة والسلام، فلهذا كفَّر طائفة من المحققين من أهل السنة من ادعى أنه يوحى إليه، وأنه يسمع كلام الله جل وعلا مباشرة، أو بواسطة جبريل ونحو ذلك؛ لأن حقيقة سماع الوحي هي حقيقة النبوة، فإذن من ادعى أنه يوحى إليه فقد ادعى أنه نبي، ولو نفى النسبة عن نفسه.
المسألة الرابعة: أن ادعاء الوحي كفر كدعوى النبوَّة، وهذا باتفاق أهل السنة، فمَن ادعى أنه يوحى إليه فقد ادعى منزلة النبوة، وهذا يدخل في عدمِ التصديقِ بختْمِ النبوة، وبالكذب على رب العالمين، وهذا هو الكفر.
المسألة الأخيرة: أن ختمَ النبوَّةَ،وكون النبي عليه الصلاة والسلام خاتِم الأنبياء وخاتَمهم لا يعارض نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان؛ فإن نبوته عليه السلام كانت قبل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام،وإذا نزلفالنبوة السابقة ملازمة له عليه السلام، ولكنه يأتي مؤمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام،حاكماً بشريعته، قاتلاً الخنزير، كاسراً الصليب، واضعاً الجزية على النصارى واليهود، كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً، فيضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير)).
وإذا نزل عليه السلام جعل إمام هذه الأمة منها وصلى مأموماً عليه الصلاة والسلام، وقال في ذلك: ((إمامكم منكم تكرمة الله لهذه الأمة)). فلا ينظر إلى من ادعى بطلان تقرير ختم النبوة بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان؛ فإن نبوته والوحي إليه كان سابقاً لبعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل حاكماً بالشريعة، حاكماً بالقرآن، مؤمناً بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولا يوحى إليه بشيء جديد.
قال المؤلف رحمه اللَّهُ تَعَالَى بعد ذلك.. الحديث الذي ذكرته لكم وأنسيته جاء الآن، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل ابتنى داراً، فحسنها وزينها، إلا موضع لبنة منها،فجعل الناس يطوفون بهذه الدار، ويقولون: ما أحسنها،ما أجملها، لو كملت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وبي ختم النبيون)) عليه الصلاة والسلام.
قال المؤلف رحمه اللَّهُ بعدها: "وإمام الأتقياء"، وكونه عليه الصلاة والسلام إماماً يعني: أنه يُؤتم به، والأتقياء هم صفوة هذه الأمة، وفي قوله هذا إبطال لقول من قال: إن من الأتقياء من قد يخرج عن الائتمام بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،كقول بعض غلاة الصوفية من أهل الزندقة، الذين رأى بعضهم أنه يسعه الخروج على شريعة محمد علية الصلاة والسلام، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فكل تقي جاء بعده عليه الصلاة والسلام فلا يكون تقيا إلا بالائتمام بحمد عليه الصلاة والسلام.
وهذا الائتمام يكون بالاتباع، كما قال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}،وقال جل وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. والأتقياء جمع تقي، والتقي هو من حصَّل التقوى، والتقوى في الْقُرْآنِ جاءت على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يتقي العذاب المؤبد بتحقيق التوحيد، بالإتيان بالتوحيد، وبنبذ الشرك وتركه، يعني بالإسلام، وهذه هي التي جاءت في مثل قوله الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} فخوطب الناس جميعاً بالتقوى، يعني: باتقاء العذاب المخلد بالإيمان بتوحيد الله جل وعلا،وبترك الشرك والبراءة منه، ومن أهله.
المرتبة الثانية من مراتب المتقين: أن المتقي هو الذي يفعل الواجب ممتثلاً، ويترك المحرم ممتثلاً، وهذه هي مرتبة المقتصدين، الذين جاء فيهم قول الله جل وعلا: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} من ترك المحرم امتثالاً، وأتى بالواجب امتثالاً، فهو من المتقين؛ لأنه اتقى العذاب، والعذاب يكون بترك الواجب، أو بفعل المحرم.
المرتبة الثالثة: أن يتقي الله جل وعلا بترك صغائر الذنوب، وبترك ما به بأس، وبترك ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس، وهذه هي تقوى الله حق تقاته، كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} يعني: خافوه واحذروه حق الخوف والحذر، وهذه المرتبة إنما هي للسابقين بالخيرات، الذين يتركون المكروهات، ويسعون في كل المستحبات.
قال بعدها رحمه الله: "وسيد المرسلين"، قوله: "وسيد المرسلين" معناه: أنه عليه الصلاة والسلام هو المقدم في المرسلين، وهو أفضلهم؛ لأن السيادة فرع الفضل بكمال الصفات المحمودة في السيد. وسيد المرسلين من السيادة كما ذكرنا، والسيادة معناها يجمع أموراً، ومنها أن يكون أمره نافذاً، وأن يكون المرجع هو، وهذا إذا قيل في محمد عليه الصلاة والسلام وسيد المرسلين بهذا المعنى يعني: أنه هو المرجع، فالبنظر إلى شيئين:
فالأول: قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وولد آدم داخل فيهم المرسلون.
والثاني: أن رجوع الأمر إليه بالنسبة إلى الأنبياء يكون في عرَصَات القيامة؛ حيث يذهب الناس إلى آدم، ثم إلى نوح... إلى آخره، ثم يأتون محمداً عليه الصلاة والسلام يطلبون منه تعجيل الحساب، فيقول: ((أنا لها، أنا لها))، فيخر تحت العرش، فيحمد الله... إلى آخر الحديث.
وهنا في معنى السيادة كما ذكرنا، في معنى السيادة التفضيل، ولهذا بحث الشارح ههنا ابن أبي العز مسألة التفضيل بين الأنبياء في هذا الموضع؛ لأن من فروع السيادة،أو من أسباب السيادة الفضل، وكون النبي عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين حق كما ذكرنا للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)).
إذا تبين ذلك ففي المسألة مسائل:
الأولى: أن التفضيلَ بين الأنبياءِ جاءَ به النصُ، كما قال جل وعلا: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} والرسلُ كثيرون، وأفضلهم أولوا العزم من الرسل، وهم خمسة؛ نوح، ثم إبراهيم، يعني في الزمان، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليه الصلاة والسلام، وقد جاء ذكرهم في سورتي الأحزاب والشورى، وهؤلاء الخمسة أفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام، فقد فُضِّل إبراهيم بالخلة {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} والله جل وعلا جعل محمدا عليه الصلاة والسلام خليلاً له، ففضل إبراهيم جاء لمحمد عليه الصلاة والسلام، وفُضِّل موسى بالتكليم، ومحمد عليه الصلاة والسلام أيضاً مكلم، كما في حديث المعراج.
المسألة الثانية: أن الفضل والتفاضل والتخيير بين الأنبياء له حالتان: حالة عامة،وحالة خاصة، فالحالة العامة يجوز فيها ذلك، بمعنى أن يقال: محمد عليه الصلاة والسلام أفضل المرسلين، سيد المرسلين، أشرف الأنبياء والمرسلين، وأما في مقابلة نبي بشخصه، في مقابلة نبي بذاته فلا، فهذا يكون خصوصا، فلا يجري التفضيل على وجه الاختيار.
ولهذا جاء في السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق، فإذا موسى آخذ، أو قال: باطش،بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور)) فقوله عليه الصلاة والسلام هنا:((لا تخيروني على موسى))، وفي رواية:((لا تفضلوني على موسى)) دل على عدم جواز التفضيل الخاص.
المسألة الثالثة: أن هذا البحث، وهو بحث التفضيل بين الأنبياء جاءت فيه أحاديث، منها هذا الحديث:((لا تفضلوني على موسى))، ((لا تخيروني على موسى)) ومنها حديث عام:((لا تخيروا بين الأنبياء)) ومنها حديث خاص بيونس عليه السلام وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى))، وفي رواية قال: ((من قال: أن خيرٌ من يونس بن متى فقد كذب)) وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والتفضيل، وما جاء في الْقُرْآنِ من قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}وأحسن الأجوبة على ذلك أن يقال:
أولا: أن قوله: ((لا تخيروني على موسى)) هذا قاله لسبب قصة وردت؛ وهو أن اليهودي والمسلم اختلفا، فافتخر اليهودي على المسلم بموسى، والمسلم ردَّ على اليهودي ولطمه، فإذن يكون النهي إذا كان التفضيل الخاص جاء على جهة العصبية، والحمية، والفخر، ولهذا جاء في الحديث: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) فدل على أن التفضيل إذا كان مورده الفخر والعصبية فإنه يمنع منه.
الثاني: أن جهات الفضل متنوعة، والتفضيل من جهة الجنس، جنس الفضائل، سائغ، ومن جهة كل فضيلة، فضيلة بحسبها، متعذر، ولهذا يقال: إن تفضيل محمد عليه الصلاة والسلام على غيره من جهة مجموع الفضائل، ولا ينص على أنه أفضل من غيره من الرسل في كل فضيلةٍ عند جميع الرسل، يعني: من حيث النظر العام.
الجواب الثالث: أن يقال: إن التفضيل بين الأنبياء لا حاجة إليه؛ لأن الأنبياء والرسل رسالتهم واحدة، والله جل وعلا وصف المؤمنين بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحدٍ من رسله، والرسل وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((الأنبياء إخوة لعلات، الدين واحد والشرائع شتى)) وتولي الرسل جميعا فرض، ومحبتهم جميعا فرض، فإذن الدخول في التفضيل دخول في ما لا طائل تحته، فالواجب أن يبقى في ذلك على النص، وهو ما ذكرناه أولا من التفضيل العام دون التفضيل الخاص.
أما قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب))، فهذا لأجل أن بعض الناس قد يظن أن يونس عليه السلام فعل ما يلام عليه، وأنه عوقب بأن كان في بطن البحر وفي بطن الحوت، ثم قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}،فقال: إن هذه الكلمة ربما تكون لمن فعل شيئاً يلام عليه وعوقب، فقال: إن يونس بن متى قالها؛ لأنه فعل ما فعل.
وهذا في الحقيقة غلط؛ لأنه لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى، كما قال عليه الصلاة والسلام، فيترك الدعاء بهذا الدعاء العظيم: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فهذا قد دعا به آدم عليه السلام، ودعا به موسى عليه السلام،ودعا به غيرهما من الأنبياء والمرسلين، فإذن هذا الدعاء وحال يونس بن متى ليس فيها نقص في حقه عليه السلام أعني يونس بن متى عليه السلام.
فإذن لا ينبغي أن يقال: إن فلاناً أفضل من يونس من جهة الاستحباب، لا ينبغي أن يقال ذلك، يعني لا ينبغي أن يقال: إن محمداً أفضل من يونس بن متى على جهة الاستحباب، والدليل دل على عدم الجواز في من يقوله لنفسه، فلا يجوز لأحد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى، والنبي عليه الصلاة والسلام ترك ذلك، وهو أكمل الخلق عليه السلام.
هذا بحث ربما لم تظهر حاجته، لكن بحثَه العلماء في هذا الموضع؛ لأن هناك ممن يعتقد الكمال في الولاية، مَن يظن أن حالته أرفع من حالة يونس بن متى عليه السلام.
قال رحمه الله بعد ذلك: "وحبيب رب العالمين"، "وحبيب رب العالمين"، فوصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه حبيب رب العالمين، والمحبة،محبة رب العالمين،محبة الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام هذه متحققة، وإنما نُظر في مسألة الخلَّة، والمحبة لفظ عام، يدخل تحته مراتب في اللغةِ، وأعلى مراتب المحبة الخُلَّة، فالتعبير بحبيب رب العالمين عند المصنف مال إليه لأجل ما ورد في بعض الأحاديث، أن إبراهيم عليه السلام خليل الله، ومحمد حبيب رب العالمين.
والجواب: أن الاقتصار على مرتبةِ المحبَّةِ العامة للنبي عليه الصلاة والسلامفإن هذا قصور؛ لأنه عليه الصلاةُ والسلام هو حبيب رب العالمين، وهو خليل رب العالمين أيضاً، فإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، كما قال جل وعلا: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}،و كذلك محمد عليه الصلاة والسلام خليل الله كما ثبت ذلك في السنة، قال عليه الصلاة والسلام: ((لو كنت متخذاً أحداً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الرحمنِ، أو قال: خليل الله))، فدل هذا مع أحاديث أخر في الباب على أن المحبة ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام، وفوقها مرتبة الخلة ثابتة له عليه الصلاة والسلام.
إذا تبين ذلك ففي هذه الجملة مسائل:
المسألة الأولى: أن المحبة بمراتبها التي تضاف إلى رب العالمين جل وعلا إنما هي ما ورد، وبعض الناس غلوا في ذلك، فوصفوا الله جل وعلا بكل مراتب المحبة، وهذا باطل وغلو، وبعضهم جفا كالجهمية والمعتزلة، ومن نحا نحوهم، فنفوا المحبة بمعناها الظاهر، وما يكون من مراتبها، فنفوا حقيقة محبة الله لعبده، ونفوا حقيقة اتخاذ الله جل وعلا لعبده خليلاً، وأولوا ذلك كما سيأتي في مواضعه في بيان أصولهم في الصفات. وأهل السنة والجماعة بين هاتين الطائفتين، فلم يغلوا في المحبة، يعني في محبة الله لعبده، ولم يكونوا من الجفاة في ذلك، بل سلكوا الأصل الذي أصلوه، وهو أن هذه المسائل تبع لما ورد في النصوص، فمن المراتب،مراتب المحبة التي جاءت في النصوص، وتثبت لله جل وعلا ـ الإرادة، الإرادة الخاصة التي هي بمعنى المحبة، والمحبة بلفظها، والمودة، والخلة،وما ثبت من غير ما ذكرت، هذه (اللي) أذكرها الأربعة: إرادة ،محبة، المودة، الخلة.
المسألة الثانية: أن من ألفاظ المحبة،التي هي من مراتبها، لفظ العشق. وهذا اللفظ استعمله طائفة من أرباب السلوك فيما بين العبد وبين ربه، فقالوا: إن الله يُعشق ويَعشق، وقالوا: إنني، يعني المتكلم الذي تكلم،أعشق الله جل وعلا.
ولفظ العشق هو من مراتب المحبة كما هو معلوم، ولكنه يُمنع في إطلاقه من العبد على ربه، ومن الرب للعبد، وذلك لأمور:
الأول: أن لفظ العشق لم يرد في النصوص، لا في الكتاب ولا في السنة، لا من جهة العبد لربه، ولا من جهة الرب لعبده، فيمتنع إطلاق هذا اللفظ واستعماله في المحبة؛ لأجل الاتباع.
الثاني: وهو تعليل لفظي أيضاً، أن لفظ العشق إنما تستعمله العرب فيما إذا كان لصاحبه شهوة في المعشوق، ومعلوم أن الشهوة إنما تكون لمن ينكِح أو ينكَح، يعني للرجل أو المرأة، فإذن استعمال اللفظ في حق الله جل وعلا ممتنع لفظاً؛ لأنه لا يستعمل هذا اللفظ إلا في ذلك المعنى.
الثالث في رد لفظ العشق واستعماله: من جهة المعنى؛ وهو أن العشق فيه من جهة العبد، أو في إطلاقه على من وصف به، فيه تعلق بالإرادة وبالإدراك، فلا عشق يحصل إلا وهو مؤثر في الإرادة بإضعافها، ومؤثر في الإدراك بحصول خلل فيه، ولهذا أجمع أهل اللغةِ في أن معاني العشق لابد أن يكونَ في آثارها ما هو نوع اعتداء، إما على النفس وإما على الغيرِ، اعتداء على النفس بإضعاف الإدراك، أو بإضعاف الإرادة، واعتداء على الغير بأنه لو أشعره بذلك لصار عنده، فتعاشق، فصار عنده ضعف في الإدراك، وضعف في الإرادة. والله جل وعلا لا يجوز أن يقال في محبته: إنها تنتج ضعفاً في الإرادة، أو ضعفاً في الإدراك، بل محبة الله جل وعلا تبلغ بالعبد، يعني: محبة العبد لربه، تبلغ بالعبد كمال الإرادة المطلوبة المحمودة، وكمال الإدراك المطلوب المحمود، يعني في الإيمان.
ولهذا امتنع أن يوصف الله جل وعلا بأنه يعشق عبده، أو أن العبد يعشق ربه.
قال رحمه الله بعدها: "وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى"، وهذا فيه تقرير أن كل دعوى للنبوة بعده عليه الصلاة والسلام فهي ضلال وكذب، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ثوبان: ((وإنه سيكون بعدي كذابون ثلاثون،كلهم يزعم أنه نبي، وإنه لا نبيبعدي)).
فكل دعوى للنبوة كذب، ولا شك؛ للإجماع المنعقد على ختم النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام كما ذكرت لك من قبل.
قوله: "وهوى"، يعني أنها ناشئة عن الهوى، وليس ثم شبهة فيها، يعني: من ادعى النبوة فلا شبهة له، وإنما هي هوى مجرد، فلن ينزل عليه وحي، ولن يكون معه معجزات، معجزات نبوة من عند الله، وإنما هي هوى، وقد يسخر الشياطين لنفسه، فتعينه ببعض الخوارق، إلى آخر ما ذكرنا في البحث السابق في الدرس الماضي.
والدعوى النبوة بعده عليه الصلاة والسلام غيٌ وهوى يعني: وكفر، والذي يدعي أنه نبي، أو أنه يوحى إليه،أو أنه رسول فإنه كافر يجب قتله، وهل يستتاب فتقبل توبته إن تاب؟
هذا مبني على خلاف العلماء في قبول توبة الزنديق، والذي يرجح في هذا أنه لا تقبل توبته ظاهراً، فإن كان صادقاً في الباطن، فإن الله جل وعلا يقبل توبته، لكن ظاهراً لا تقبل توبته، بل يجب قتله، وهذا هو الراجح، وهو الصحيح، فيقتل لِما ادعاه من النبوة، ولو قال: إني تبت ظاهراً؛ وذلك لأنه قد يدعي ثان وثالثٌ ورابع وخامس، كلٌ يدعي النبوة والرسالة، ثم يقول: تبت، فيكون في ذلك خلل في الأمة.
فإذن الزنديق الذي يظهر الكفر، يسب الله جل وعلا،أو يسب رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يدعي النبوة، أو أشباه هذه الأشياء، أو يدعي الوحي ـ فهذا يُقتل على كل حال، ولا تقبل توبته.