(وإنْ بَلَغَ) المَاءُ (قُلَّتَيْنِ) تَثْنِيَةُ قُلَّةٍ وهي اسمٌ لكُلِّ ما ارتفَعَ وعَلا، والمُرَادُ هنا الجَرَّةُ الكَبِيرَةُ مِن قِلالِ هَجَرٍ، وهي قَرْيَةٌ كَانَت قُرْبَ المَدِينَةِ.
(وهو الكَثِيرُ) اصطِلاحاً (وهما)؛ أي: القُلَّتَانِ .
(خَمْسُمَائَةِ رَطْلٍ) بكَسْرِ الرَّاءِ وفَتْحِهَا .
(عِرَاقِيٍّ تَقْرِيباً) فلا يَضُرُّ نَقْصٌ يَسِيرٌ كرَطْلٍ ورَطْلَيْنِ.وأَرْبَعُمِائَةٍ وسِتَّةٌ وأَرْبَعُونَ رَطْلاً وثَلاثَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ مِصْرِيٍّ، ومِائَةٌ وسَبْعَةٌ وسُبْعُ رَطْلٍ دِمِشْقِيٍّ، وخَمْسَةٌ وثَمَانُونَ وسُبْعاَ رَطْلٍ حَلَبِيٍّ، وثَمَانُونَ رَطْلاً وسُبْعَانِ ونِصْفُ سُبْعٍ رَطْلٍ قُدْسِيٍّ، فالرَّطْلُ العِرَاقِيُّ تِسْعُونَ مِثْقالاً: سُبْعُ القُدْسِيِّ وثُمُنُ سُبْعِه، وسُبْعُ الحَلَبِيِّ ورُبْعُ سُبْعِه، وسُبْعُ الدِّمِشْقِيِّ ونِصْفُ سُبْعِه، ونِصْفُ المِصْرِيِّ ورُبْعُه وسُبْعُه.
(فَخَالَطَتْهُ نجَاسَةٌ) قَلِيلَةٌ أو كَثِيرَةٌ .
(غَيْرُ بَوْلِ آدَمِيٍّ أو عَذِرَتِهِ المَائِعَةِ) أو الجَامِدَةِ إذا ذَابَت.
(فلَم تُغَيِّرْهُ) فطَهُورٌ؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ)) وفي رِوَايَةٍ ((لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ)) رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه، قالَ الحَاكِمُ: على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ. وحَدِيثُ((إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)) وحَدِيثُ ((المَاءُ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلاَّ مَا غَلَبَ علَى رِيحِهِ أو طَعْمِه أو لَوْنِه)) يُحْمَلانِ على المُقَيَّدِ السَّابِقِ، وإنَّمَا خُصَّتِ القُلَّتَانِ بقِلالِ هَجَرٍ؛ لوُرُودِه في بَعْضِ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ، ولأنَّهَا كانَت مَشْهُورَةَ الصِّفَةِ
مَعْلُومَةَ المِقْدَارِ، قالَ ابنُ جُرَيْجٍ: رَأَيْتُ قِلالَ هَجَرٍ فرَأَيْتُ القُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وشَيْئاً، والقِرْبَةُ مِائَةُ رَطْلٍ بالعِرَاقِيِّ، والاحتِيَاطُ أن يُجْعَلَ الشَّيْءُ نِصْفاً فكَانَت القُلَّتَانِ خَمْسَمِائَةٍ بالعِرَاقِيِّ.
(أو خَالَطَهُ البَوْلُ أو العَذِرَةُ) مِن آدَمِيٍّ .
(ويَشُقُّ نَزْحُه كمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ فطَهُورٌ) ما لم يَتَغَيَّرْ. قالَ في (الشَّرْحِ): لا نَعْلَمُ فيه خِلافاً. ومفهومُ كلامِه أنَّ ما لا يَشُقُّ نَزْحُه يَنْجُسُ ببَوْلِ الآدَمِيِّ أو عَذِرَتِه المَائِعَةِ أو الجَامِدَةِ إذا ذَابَت فيه ولو بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وهو قَوْلُ أَكْثَرِ المُتَقَدِّمِينَ والمُتَوَسِّطِينَ. قالَ في (المُبْدِعِ): يَنْجُسُ على المَذْهَبِ وإنْ لم يَتَغَيَّرْ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُه ((لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ورَوَى الخَلاَّلُ بإِسْنَادِه، أنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه سُئِلَ عَن صَبِيٍّ بَالَ في بِئْرٍ فأَمَرَهُم بنَزْحِهَا. وعنه أنَّ البَوْلَ والعَذِرَةَ كسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فلا يَنْجُسُ بهِما ما بلغَ قُلَّتَيْنِ إلا بالتَّغَيُّرِ، قالَ في (التَّنْقِيحِ): اختَارَهُ أَكْثَرُ المُتَأَخِّرِينَ وهو أَظْهَرُ. انتهى. لأنَّ نجَاسَةَ بَوْلِ الآدَمِيِّ لا تَزِيدُ على نَجَاسَةِ بَوْلِ الكَلْبِ.