المجموعة الثالثة:
1-هل نزلت المعوّذتان بسبب حادثة سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم؟
من الأحاديث العمده فى الباب ، ما رواه عبد بن حميد والطحاوي من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيّان عن زيد بن الأرقم قال: (سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود.قال: فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين، قال: إن رجلاً من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان.قال: فأرسل علياً فجاء به.
قال: فأمره أن يحلّ العُقد وتُقرأ آية؛ فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أُنشِطَ من عقال.(
و نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه خلاف بين العلماء على قولين :
القول الاول : أن نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، إعتماداً على أن أحمد بن يونس ثقه وأن هذه زيادة ثقه ، وهو قول الألبانى .
القول الثانى : أن نزول المعوذتين ليس بسبب حادثة سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأمور :
1- وهذا الحديث رجاله ثقات.
2- لكن ذكر نزول المعوذتين والرقية بهما من ذلك تفرد به أحمد بن يونس، وهو إمام ثقة.
3- لكن خالفه جماعة من الأئمة الثقات كأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وهناد بن السري ولم يذكروا هذه الزيادة.
4- الحديث له نحو أربع طرق كلها ليس فيها ذكر النزول.
2-ما الحكمة من تخصيص الاستعاذة بربوبية الفلق دون ما سواها؟
أولاً : الفلق لغةً :بيان الحق بعد إشكاله، ومن ذلك مارواه البخارى من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوَّل ما بدئ به من أمر الوحي الرؤيا الصادقة في المنام فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. أي: واضحة بيّنة كوضوح الصبح لا تلتبس عليه.
ثانياً : الحكمة من تخصيص الاستعاذة بربوبية الفلق دون ما سواها أمور منها :
1- لفظ ( الفلق ) عام في الخلق والأمر، وأن الشرور الحسية والمعنوية بأنواعها قد تحيط بالعباد ولا يفلقها عنهم إلا رب الفلق، وإذا فلق الله لعبده المؤمن مخرجاً سار فيه آمناً مهتدياً سوياً على صراط مستقيم.
2- استشعار العبد آثار ربوبية الله تعالى للفلَق فكما أنه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، كذلك يخرج أولياءه المؤمنين من الظلمات إلى النور فيفلق عنهم الظلمات وهذه الظلمات لا يفلقها له إلا رب الفلق جل وعلا.
3- يتشعر أن الله يفلق له الحجاب الذى يبصر به الحق ويعرفه، فإن آمن وشكر زاده الله هدى ومعرفة بالحق، وجعل له فرقاناً يلازمه ويفلق له الحجب التي تحول بينه وبين رؤية الحق كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً}.
3- تكلّم عن أنواع الغواسق، وسبيل العصمة من شرّها.
الغاسق له معنى كبير يقع على أشياء كثيرة متعددة منها :
1- الأفق عامة ، كما في غسق الليل الذي يغسق على الأفق فيظلم ويكون في وقوبه -وهو أول دخوله- ما يكون من الشرور العظيمة والفتن والآفات التي يصيب الله بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء .
2- الغسق على الجماعة من الناس ، فإنه قد يغشاهم شر أو فتنة تحيط بهم فتصرفهم عن الحق أو عن بعض ما ينفعهم ، ويكون وقوبها عليهم وقوب شر وبلاء.
-3 الغاسق الواحد من الناس ، فيغشاه من الشر في جسده أو روحه ما يحجب عنه ما ينفعه أو يكون معه فتنة أو شر يصيبه بما يضره بإذن الله ، ومن ذلك : أن القلب له سحابة كسحابة القمر إذا غطت القلبَ نسي الإنسان ما شاء الله أن ينسى فإذا تجلت هذه السحابة ذَكَرَ ما كان نسيه.
4- طخاء القلب وهو نوع من أنواع الغسق، وذلك أن سحابة القلب تتغشاه فينسى العبدُ ما كان يذكره.
5- الرَّين والطبع والختم فإنها إذا جعلت على القلب قسا وغفل عن الحق غفلة شديدة وعمي عنه فلا يبصره ولا يريده من شدة إعراضه؛ فيكون العبد بذلك من الذين هم في طغيانهم يعمهون ،ومنه قوله تعالى :{ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}.
سبيل العصمة من شرّها :
1- الإنابة إلى الله تعالى فيكون العبد مقبلاً بقلبه على الله ، معظماً لله ، معظماً لذكر الله ، ولآيات الله ؛ فيوفَّق العبد بسبب الإنابة للهداية ويؤتى من حسن التذكر وفهم القرآن العظيم ما لا يؤتاه غيره، ويفتح له من أبواب التفكر فيه والانتفاع به ما لا يفتح لغيره ، قال الله تعالى: {وما يتذكر إلا من ينيب} ، وقال: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}، وقال: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} ، وقال: {واتبع سبيل من أناب إلي} ، وقال: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد}.
2- إقبال القلب عل الله جل وعلا، والالتجاء إليه ، ومحبة ذكره وطاعته وتلاوة كتابه .
3- ما هو الحسد؟ وما وجه تسميته بذلك؟
الحسد : هو أن يتمنّى المرء مثل النعمة التي أعطيها أخوه المسلم مع زوالها عنه ، وهو نوعان :
أحدهما: تمنّي زوال النعمة الموجودة.
والنوع الآخر: تمنّي دوام البلاء.
وجه تسميته بذلك :
أولاً :لفظ الحسد مشتقٌّ من القَشْرِ؛ وذكروا أن القُراد سمّي حِسْدِلاً لهذا المعنى.
قال ابن الأعرابي (الحِسْدِلُ: القُرَادُ). قال: (ومنه أُخذ الحَسَد لأنه يَقْشِرُ القَلْب كما يَقْشر القُراد الجلد فيمتص دمه).
وقال البغوي في شرح السنة: (الحسد يقشر القلب، كما يقشر القراد الجلد، فيمص الدم) ا.هـ.
الوجه الأول :كأن الحسد يلصق بقلب صاحبه كما يلصق القراد بالجلد، حتى يكاد يفعل به كما يفعل القراد بالجلد، فيمتص دم صاحبه ويودعه من الحُرَق والضيق ما تضيق به حاله ويتنكّد به عيشه.
الوجه الآخر : أن الحاسد تتعلق نفسه بصاحب النعمة كتعلّق القُراد بالجلد فهو دائم التفكير فيه والتذكر له، ونفسه نهمة شرهة تريد أن يُسلب هذه النعمة، وأن تُستخرج من صاحبها، كما يَستخرج القُراد الدم ويمتصه.
5-تكلم بإيجاز عن أهم الأصول الواجب معرفتها في علاج الحسد.
أهم الأصول الواجب معرفتها في علاج الحسد ما يلى :
الأصل الأول: أن الحسد عَملٌ قلبيّ، لاتفاق العلماء على أنه تمنّي زوال النعمة عن المحسود، والتمنّي عملٌ قلبي.
الأصل الثاني: أن الحسد فيه شرّ متعدٍ، ولذلك أُمرنا بالاستعاذة من شرّ الحاسد إذا حسد، وهذا الحسد شرّ في نفسه، وقد ينتج عنه شرور متعددة ذات أنواع كثيرة لا يحيط بها إلا الله جلّ وعلا.
الأصل الثالث: أن الحسد داء من الأدواء، وآفة من الآفات ، يمكن أن يتعافى منه الحاسد والمحسود إذا اتبعا هدى الله جل وعلا؛ فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
الأصل الرابع: أن من يُبتلى بالحسد ، ويؤثر فيه شيئاً من الأذى في جسده أو روحه أو أهله أو ماله ؛ فإن هذا البلاء في حقه دائر بين العقوبة والابتلاء، والعقوبة فيها تكفير للمسلم، فقد يكون حسد غيرَه؛ فسُلِّط عليه من يحسده، وقد يكون آذى أو ظلم فسُلّطت عليه آفات في نفسه وما يحبه؛ ولو تخلّص العبد من تزكيته لنفسه ومبالغته في إحسان الظنّ بها .
الأصل الخامس: أن الحسد من البلاء ، والعبد لا اختيار له في نوع البلاء الذي يُبتلى به، بل الله تعالى هو الذي يبتلي عباده بما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء، والعبد لا يستطيع أن يدفع البلاء عن نفسه، ولا يكشف الضر عنها ، إنما مردّ ذلك إلى الله جل وعلا ، فإذا ابتلي العبد ببلاء فليكن أول ما يفكر فيه هو التعرف على هدى الله في هذا البلاء خاصة، وما الذي يُحبّ الله من عبده أن يفعله؟، فلا تخلو حال من أحوال العبد من هدى لله يحب أن يُتبع.
وهذا الهدى من طلبه بصدق وجده، وله طرق تدل عليه وتبيّنه، أهمها وأولها صدق الإنابة إلى الله تعالى قال الله تعالى}: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب{ ، وقال: }الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب{ .
الأصل السادس:أن يكون المؤمن على الحال الوسط بين الغلو والتفريط، فمن غلا وهوّل شأن الحسد والعين حتى يغفل قلبه عن التوكل على الله والرضا به والثقة في حفظه ووقايته وإعاذته لمن يستعيذ به ؛ فهذا على غير الهدى الصحيح، بل يُخشى عليه أن يناله شرّ لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف تعلق قلبه بالله جل وعلا ، ورضاه به.
ومَن هوّن من شأن الحسد والعين ، وفرّط في تحصين نفسه بما وصى الله به، وأرشد إليه، لم يأمن أن يصيبه بسبب هذا التفريط ما يصيبه البلاء والشر.
الأصل السابع: أن الحسد في الأصل من التأثيرات الروحية التي تنطلق من الأرواح فتصيب الأرواح بالأصل وتؤثر في الأجساد تبعاً، ولها تعلّق بالقدر بتقدير البلاء،