وَقَوْلُهُ: ( وهُوَ الحَكِيْمُ الخَبِيْرُ ).( 37) وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْها وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيْها )(38) )وهو معكـُمْ أينَمَا كنتُمْ واللهُ بما تعمَلُونَ بصيرٌ ( وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبينٍ ).( 39)
وقولُه: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى ولاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ )، وقَوْلُهُ: ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ وأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ).( 40)
وقَوْلُهُ: ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ …( 41)
ذُو القُوَّةِ المَتْيِنُ )،
(37) قولُه: (الحكيمُ): أي الحاكمُ بينَ خلقِه بأمرِه الدِّينيِّ الشَّرعيِّ، وأمرِه الكونيِّ القدريِّ، الَّذي لَهُ الحكمُ في الدُّنْيَا والآخرةِ، كما قال تعالى: (وَمَا اختلفتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) فهو -سُبْحَانَهُ- الحَكَمُ، والحاكِمُ بين خلقهِ في الدُّنْيَا والآخرةِ، يحكمُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- في الدُّنْيَا بِوَحيِهِ الَّذي أنزلَهُ على الأنبياءِ والرُّسلِ، ويحكمُ يومَ القيامةِ إذا نزلَ لفصلِ القضاءِ بين العبادِ، والحكيمُ: المحكِمُ المُتقِنُ للأشياءِ، الَّذي يضعُ الأشياءَ مواضِعَها، والَّذي له الحكمةُ التَّامَّةُ في خلقِهِ وأمرِه، فعليه يكونُ للحكيمِ معنيانِ:
الأوَّلُ: بمعنى المحكمِ المتقنِ للأشياءِ, والإحكامُ يكونُ في شرعِه وأمرِه، وفي خلقِه وقدَرِه، وكُلٌّ منهما مُحكَمٌ من وجهينِ: الأوَّلِ: وجودُه على صورَتِهِ المُعَيَّنَةِ.
الثَّاني: في غايتِه المحمودةِ الَّتي يَتَرَتَّبُ عليها.
وأمَّا حكمُه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- فينقسمُ إلى قسمينِ:
الأوَّلِ: حُكمٌ كونيٌّ قَدَرِيٌّ، كقولِهِ: (فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ).
الثَّاني: حكمٌ دينيٌّ شرعيٌّ، كقولِهِ: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ – إلى قولِه - إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).
والحكمةُ وضعُ الأشياءِ مواضعَها.
قال ابنُ القيِّمِ في ((المدارجِ)): الحكمةُ حكمتانِ: عِلْمِيَّةٌ، وَعَمَلِيَّةٌ، فالعلميَّةُ: الاطِّلاعُ على بواطنِ الأشياءِ، ومعرفةُ ارتباطِ الأسبابِ بمسبَّباتِها خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا، والعمليَّةُ: وضعُ الشَّيءِ في موضِعِه. انتهى.
وحكمتُه -سُبْحَانَهُ- صفةٌ قائمةٌ به، كسائرِ صفاتِه من سمعِه وبصرِه وعلمِه وقدرتِه ونحوِ ذلك، وهي تنقسمُ إلى قسمينِ: إحدَاها: حكمةٌ في خلقِه وهي نوعانِ:
الأوَّلُ: إحكامُ هذا الخلقِ وإيجادُه في غايةِ الإحكامِ والإتقانِ.
والثَّاني: صدورُه لأجلِ غايةٍ محمودةٍ مطلوبةٍ له -سُبْحَانَهُ- الَّتي أَمَرَ لأجلِها وخَلَقَ لأجْلِها.
الثَّانيةُ: الحكمةُ في شرعِه، وتنقسِمُ أيضًا إلى قسمينِ: الأوَّلِ: كونِها في غايةِ الإحسانِ والإتقانِ. والثَّاني: كونُها صدرتْ لغايةٍ محمودةٍ وحكمةٍ عظيمةٍ يستحقُّ عليها الحمدَ.
قال في ((المنهاجِ)): أجمعَ المُسلمون على وصفِه -سُبْحَانَهُ- بالحكمةِ، وتنازَعوا في تفسيرِ ذلك، فقالَ الجمهورُ من أهلِ السُّنَّةِ وغيِرِهم: هو حكيمٌ في خلقِه وأمرِه، والحكمةُ تتضمَّنُ ما في خلقِه وأمرهِ من العواقبِ المحمودةِ، والغاياتِ المحبوبةِ، والجمهورُ يقولون: لامُ التَّعليلِ داخلةٌ في أفعالِ اللهِ وأحكامِه. انتهى.
فاسمُه الحكيمُ فيه إثباتُ الحكمةِ، والحِكمةُ تتضمَّنُ كمالَ علمِه وخبرتِه، وأنَّه أمرٌ ونهيٌ، وخلقٌ وقدرٌ لِما له في ذلك من الحكمِ والغاياتِ الحميدةِ الَّتي يستحقُّ عليها كمالَ الحمْدِ، والإحكامُ الَّذي في مخلوقاتِه دليلٌ على علمِه، وإنَّما يدلُّ إذا كان الفاعلُ حكيمًا يفعلُ الحكمةَ. انتهى. مِن كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ.
والحكمُ معناه لغةً: المنعُ، وشرعًا: هو خِطابُ اللهِ المتعلِّقُ بأفعالِ المكلَّفينَ اقتضاءً أو تخييرًا، وينقسمُ الحكمُ بالنسبةِ إلى الرِّضا به وعدمِه إلى أقسامٍ: قسمٍ يجبُ الرِّضا به والانقيادُ والاستسلامُ له، وهو الحُكمُ الدِّينيُّ الشَّرعيُّ، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآيةَ، وأمَّا الحُكمُ الكونيُّ القدريُّ فمنه ما يُستحبُّ الرِّضا به، كالرِّضا بالفقرِ، والعاهةِ، والأمراضِ، ونحوِ ذلك، ومنه ما يحرمُ الرِّضا به كالرِّضا بالكفرِ، والمعصيةِ، ونحوِ ذلك.
وأمَّا اسمُه -سُبْحَانَهُ- الخبيرُ، فمعناه الَّذي انتهى علمُه إلى الإحاطةِ ببواطنِ الأشياءِ وخفاياها، كما أحاطَ بظواهِرِها. انتهى من ((الصَّواعقِ)).
يقالُ: خبرتُ الأمرَ أخبُره إذا عرفتُه على حقيقتِه.
(38) قولُه: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ): أى يدخلُ، قال وَلَجَ يَلِجُ، أي دَخَلَ يَدْخُلُ، أى يعلمُ ما يَدْخُلُ فيها، أي في الأرضِ من القطرِ والبذورِ والكنوزِ والمَوْتى وغيرِ ذلك.
قولُه: (مَا يَخْرُجُ مِنْهَا): أي من الأرضِ من النباتِ والمعادِنِ.
قولُهُ: (وَمَا يَنْزِلُ مِن السَّمَاءِ): من المطرِ والملائكةِ.
قولُه: (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا): أي يَصعدُ في السَّماءِ.
قولُهُ: (وَهُوَ مَعَكُمْ) سَيَأْتِى الكلامُ على المعيَّةِ.
قولُه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) أى خَزائنُه، أو الطُّرقُ الموصلةُ إلى عِلمِه.
قولُه: (لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ هُو): قال المناوِيُّ رحمه اللهُ: فَمن ادَّعى علمَ شيءٍ منها كَفَرَ، وَمفاتحُ الغيبِ هى الخمسةُ المذكورةُ
في قولِه -سُبْحَانَهُ وتعالَى-: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا َتَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) كما رَواه البُخَارِيُّ في صحيحِه.
(39) قولـُه: (ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ): أي القِفارِ من النـَّباتِ والدَّوابِّ وغيرِ ذلك.
قولُه: (وَالبَحْرِ) أي يعلمُ ما فيه من الحيواناتِ والجواهِرِ ونحوِ ذلك.
قولُه: (ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ): أي من أشجارِ البرِّ والبحرِ وغيِرِ ذلك.
قولُه: (إِلاَّ يَعْلَمُها): سُبْحَانَهُ.
قولُه: (ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ): من حبوبِ الثِّمارِ، والزُّروعِ وغيِرِ ذلك.
قولُه: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ): هذا عمومٌ بعدَ خصوصٍ.
قولُه: (إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبينٍ): أي مكتوبٍ في اللَّوحِ المحفوظِ، لأنَّ اللهَ كَتَبَ علمَ ما يكونُ وما قَدْ كانَ قبلَ أَنْ يخلقَ السَّماواتِ والأرضَ، فجميعُ الأشياءِ صغيِرِها وكبيرِها مثبتةٌ في اللَّوحِ المحفوظِ على ما هي عليه، فتقعُ جميعُ الحوادثِ طِبقَ ما جَرى به القلمُ، وهذا أَحَدُ مراتبِ القضاءِ والقدرِ، فإنَّها أربعُ مراتبَ: علمُه -سُبْحَانَهُ- الشَّاملُ لجميعِ الأشياءِ، وكتابُه المحيطُ بجميعِ الموجوداتِ، ومشيئتُه العامَّةُ الشَّاملةُ لكلِّ شيءٍ، وخلقُه لجميعِ المخلوقاتِ، وسيأتي الكلامُ على هذا إنْ شاءَ اللهُ في الكلامِ على القدرِ.
ففي هذهِ الآيةِ إثباتُ صفةِ العلمِ للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كما يليقُ بجلالِه وعظمتِه، وهي مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ، وفيها الرَّدُّ على المعتزلةِ حيثُ قالوا: إنه عالمٌ بلا علمٍ، وفيها إثباتُ إحاطَةِ علمِه بكلِّ شيءٍ، فلا يَخْفى عليه خافيةٌ، وأنَّه يعلمُ الكُلِّيَّاتِ والجُزئيَّاتِ، ويعلمُ كلَّ شيءٍ، ما كانَ وما يكونُ وما لم يكنْ لو كانَ كيفَ يكونُ، كما قالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ) وقال تعالى: (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) وفي هذهِ الآيةِ الرَّدُّ على مَن زَعَمَ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يعلمُ الغيبَ، فهي صريحةٌ في أنَّ هذه الخمسَ لا يعلمُها إلا اللهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كما تقدَّمَ الحديثُ الَّذي في الصَّحيحين أنَّهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللهُ …. لا يَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ إِلا اللهُ)) الحديثَ.
وقالَ القُرطبيُّ رحمهُ اللهُ: لا مَطمعَ لأحدٍ في علمِ شيءٍ من هذهِ الأمورِ الخمسةِ. اهـ. والمرادُ بالغيبِ المشارِ إليه هو الغيبُ المطلقُ: وهو مالا يعلمهُ إلا اللهُ، لا الغيبُ المقيَّدُ: وهو ما عَلِمَه بعضُ المخلوقاتِ دونَ بعضٍ، فهو غيبٌ بالنِّسبةِ لمَن لم يعلمْهُ دونَ من عَلِمَه، فيكونُ غيبًا عَمَّنْ غابَ عنه من المخلوقِين، لا عَمَّن شهِدَهُ، فتلخَّص أنَّ الغيبَ ينقسمُ إلى قِسمين: مطلقٍ، ومقيَّدٍ.
(40) قولُه: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى) ((ما)) مصدريةٌ أي أنَّه -سُبْحَانَهُ- يعلمُ في أيِّ يومٍ تحملُ، وفي أيِّ يومٍ تضعُ، وهلْ هُوَ ذكرٌ أو أُنثى، ففي هذِه الآيةِ إثباتُ صفةِ العلمِ، كما تقدَّمَ، وقد تواطأتِ الأدِلَّةُ على إثباتِ هذه الصِّفةِ عقلاً ونقلاً، وفيها سَعةُ علمِه -سُبْحَانَهُ- وأنَّهُ منفردٌ بعلمِ ما في الأرحامِ وعلمِ مدَّةِ إقامتِه فيه، وهذا أَحَدُ أنواعِ الغيبِ الَّذي لا يعلمُها إلا اللهُ.
قولُه: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) هذه الآيةُ فيها إثباتُ صفةِ القدرةِ لله -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كما يليقُ بجلالِه، فجميعُ الأشياءِ مُنقادَةٌ لقدرتهِ، تابعةٌ لمشيئتِه سُبْحَانَهُ، وقديرٌ فعيلٌ، بمعنى فاعلٍ، بمعنى القادرِ وهي من الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ، كما ذكره في ((الفتحِ)) قال ابنُ بطَّالِ: القدرةُ من صفاتِ الذَّاتِ، والقوَّةُ والقدرةُ بمعنًى واحدٍ. انتهى.
وأمَّا المقتدِرُ فمعناه التَّامُّ القدرةِ، الَّذي لا يمتنعُ عليه شيءٌ. قالَ أحمدُ رحمهُ اللهُ: القدرةُ قدرةُ اللهِ، واستحسنَ ابنُ عقيلٍ هذا من أحمدَ، والمعنى أنَّه لا يمنعُ من قدرةِ اللهِ شيءٌ، وَنُفَاةُ القَدَرِ قد جحدُوا كمالَ قدرةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وقد قالَ بعضُ السَّلفِ: ناظِروهم بالعلمِ، فإن أَقَرُّوا به خُصِمُوا، وإن جحدُوه كفُروا، وقد استدلَّ العلماءُ على إثباتِ القدرِ بشمولِ القدرةِ والعلمِ، فقولُه سُبْحَانَهُ: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عامٌّ يَتناولُ كلَّ شيءٍ، فيدخلُ فيه أفعالُ العبادِ من الطَّاعاتِ والمعاصي، فإنَّها داخلةٌ تحتَ قدرةِ اللهِ ومشيئتِه، وكما أنَّه المُريدُ لها القادرُ عليها هم الفاعلون لها، الواقعةُ بقدرتِهم ومشيئتِهم، كما قالَ -سُبْحَانَهُ- وتعالى: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
والقدريَّةُ تُنكِرُ دخولَ أفعالِ خلقِه تحتَ قدرتِه ومشيئتِه وخلقِه، فهم في الحقيقةِ مُنكرونَ لكمالِ عزَّتهِ ومُلكِه، قالَ ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ في ((الكافيةِ الشَّافيةِ)):
وهو القديرُ لكلِّ شيءٍ فهو مقــ ـدورٌ له طوعًا بلا عصيــانِ
وعمومُ قدرتِهِ تدلُّ بـــأنَّه هو خالقُ الأفعالِ للحيــــوانِ
هي خلقُه حقًّا وأفعالٌ لهــم حقًّا ولا يتناقضُ الأمـــــرانِ
فحقيقةُ القدَرِ الَّذي حارَ الورى في شأنِه هو قدرةُ الرَّحمــــنِ
واستحسنَ ابنُ عقيلٍ ذا من أحمدَ لمَّا حَكاه عن الرِّضى الرَّبَّانـــي
قالَ الإمامُ شفى القلوبَ بلفظةٍ ذاتِ اختصارٍ وهي ذاتُ معانــِي.
فهو -سُبْحَانَهُ- خالِقُ كلِّ شيءٍ وربُّه ومليكُه، لا خالقَ غيرُه ولا ربَّ سواه، ما شاءُ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكنْ، فكلُّ ما في الوجودِ مِن حركةٍ أو سكونٍ فبقضائِه وقدَرهِ ومشيئتِهِ وخلقِه، وهو -سُبْحَانَهُ- أمرَ بطاعتِه وطاعةِ رسولِهِ، ونَهى عن معصيتِه ومعصيةِ رسولهِ، ولا يتناقضُ الأمرانِ، خلافًا لأهلِ البدعِ.
قولُه تعالى: (وأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
فلا يخرجُ حادثٌ من الأعيانِ والأفعالِ عن قدرتِه وخلقِه، كما لا يخرجُ عن علمِه ومشيئتِه.
تنبيهٌ: يجيءُ في كلامِ بعضِ النَّاسِ ((وَهُوَ على ما يَشاءُ قَديرٌ)) وليس ذلك بصوابٍ، بل الصَّوابُ ما جاءَ في الكتابِ والسُّنَّةِ، (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لعمومِ قدرتِهِ ومشيئتِهِ، خلافًا لأهلِ البدعِ من المعتزلةِ وغيرِهم.
(41) قولـُه: (الرَّزَّاقُ): فعَّالٌ، من أبنيةِ المبالغةِ، ومعناه الَّذي أعطى الخلائقَ أرزاقَها وساقَها إليهم، والرَّزقُ بالفتحِ: العطاءُ وبالكسرِ لغةً: الحظُّ والنَّصيبُ، وشرعًا: "هو ما ينفعُ من حلالٍ أو حرامٍ".
*وينقسم الرِّزقُ الى قِسمين:
الأوَّلِ: الرِّزقُ المطلقُ: وهو المستمرُّ نفعُه في الدُّنْيَا والآخرةِ، وهو رزقُ القلوبِ العلمُ والإيمانُ والرِّزقُ الحلالُ.
الثَّاني: مطلقُ الرِّزقِ: وهو الرِّزقُ العامُّ لسائِرِ الخليقةِ بَرِّهَا وفاجرِها وبهائِمها وغيرِها، وهو سَوْقُ القوتِ لكلِّ مخلوقٍ، وهذا يكونُ من الحلالِ والحرامِ، واللهُ رازقُهُ، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا). الآيةَ.
(42) قولـُه: (ذُو القُوَّةِ): أي صاحبُ القوَّةِ التَّامَّةِ الَّذي لا يعتريهِ ضعفٌ، وهو بمعنى العزيزِ. انتهى. والقوَّةُ من صفاتِ الذَّاتِ، وهو بمعنى القدرةِ، لم يزلْ -سُبْحَانَهُ- ذا قوَّةٍ وقدرةٍ، والمعنى في وصفِه بالقوَّةِ أنَّه القادرُ البليغُ الاقتدارِ على كلِّ شيءٍ. انتهى. من ((الفتحِ)).
قولُه: (المَتْيِنُ): أي الَّذي له كمالُ القوَّةِ، قال البيهقيُّ: القويُّ: التَّامُّ القدرةِ لا يُنسَبُ إليه عَجزٌ في حالٍ من الأحوالِ. انتهى. فهذه الآيةُ فيها إثباتُ صفةِ الرَّزَّاقِ، وهي من الصِّفاتِ الفعليَّةِ، وفيها إثباتُ صفةِ القوَّةِ، وهي من الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ.