والكِنايةُ(14) إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ(15) سُمِّيَتْ(16) تلويحاً(17)، نحوُ: هو كثيرُ الرَّمادِ، أى كريمٌ، فإنَّ(18) كثرةَ الرَّمادِ(19) تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ(20)،
وكثرةَ الإحراقِ(1) تَستلزِمُ كثرةَ الطبْخِ والخبْزِ(2)، وكثرتَهما(3) تَستلزِمُ كثرةَ الآكلِين(4) وهي(5) تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ(6)، وكثرةَ(7) الضِّيفانِ(8) تَستلزِمُ الكرَمَ(9).
وإن قَلَّتْ(10) وخَفِيَتْ(11) سُمِّيَتْ(12) رمْزاً(13)، نحوُ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ. أي: غَبِيٌّ بليدٌ(14).
وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ أو لم تكنْ(15) ووَضَحَتْ(16)، سُمِّيَتْ(17) إيماءً وإشارةً(18)،.
نحوُ(1):
أَوَ مَا رأيتَ الْمَجْدَ أَلْقَى رَحْلَه(2) ..... في آلِ طلْحَةَ ثم لم يَتحوَّلِ(3)
كِنايةً(4) عن كونِهم أَمجاداً(5).
________________________
(14) (والكِنايةُ) باعتبارِ الوسائطِ أي: اللوازمِ والسياقِ تَنقسمُ إلى أربعةِ أقسامٍ؛ تعريضٌ وتلويحٌ ورمْزٌ وإيماءٌ؛ لأنه.
(15) (إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ) أي: بينَ اللازمِ الذي استُعمِلَ لفظُه وبينَ الملزومِ الذي أُطلِقَ اللفظُ عليه كِنايةً بلا تعريضٍ.
(16) (سُمِّيَتْ) أي: تلك الكِنايةُ.
(17) (تلويحاً) لأن التلويحَ في اللغةِ هو أن تُشِيرَ إلى غيرِك من بُعدٍ, وكثرةُ الوسائطِ بعيدةُ الإدراكِ غالباً.
(18) نحوُ: هو كثيرُ الرمادِ, أي: كريمٌ فإنَّ بينَ كثرةِ الرمادِ وبينَ الكرمِ المستعمَلةِ هي فيه وسائطَ أربعةً, وهي كثرةُ الإحراقِ وكثرةُ الطابخِ وكثرةُ الآكلين وكثرةُ الضِّيفان؛ لأنَّ.
(19) (كثرةَ الرمادِ) الْمَكْنِيِّ به.
(20) (تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ) أي: إحراقِ الحطَبِ تحتَ القِدْرِ, ضرورةَ أنَّ الرمادَ لا يَكْثُرُ إلا بكثرةِ الإحراقِ.
(1) (وكثرةُ الإحراقِ) أي: كثرةُ إحراقِ الحطَبِ تحتَ القدْرِ للطبْخِ.
(2) (تَستلزِمُ كثرةَ الطبخِ والخبْزِ) أي: ما يُطبَخُ, وما يُخبَزُ؛ لأنَّ الإحراقَ المذكورَ لا يَصْدُرُ من العقلاءِ إلا لفائدةِ الطبخِ والخبزِ ونحوِهما.
(3) (وكثرتُهما) أي: الطبخِ والْخُبزِ.
(4) (تَستلزِمُ كثرةَ الآكلين) لذلك المطبوخِ والمخبوزِ؛ لأن العادةَ أن المطبوخَ إنما يُطبخُ ليؤكلَ, وكذا الخبزُ إنما يُخبزُ ليُؤكلَ فإذا كثُرَ كثُرَ الآكلون له.
(5) (وهي) أي: كثرةُ الآكلين.
(6) (تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ) بكسْرِ الضادِ المعجَمةِ, جمْعُ ضَيْفٍ؛ وذلك لأن الغالبَ أن كثرةَ الآكلين المؤدِّيةَ لكثرةِ الرمادِ إنما تكونُ من الأضيافِ, لا من العيالِ.
(7) (وكثرةُ) وجودِ.
(8) (الضِّيفان) للموصوفِ.
(9) (تَستلزِمُ الكرَمَ) أي: كرَمَ الموصوفِ وضيافتَه التي هي قيامُه بحقِّ الضيْفِ. هذا وزادَ بعضُهم بعدَ كثرةِ الرمادِ كثرةَ الْجَمْرِ فتكونُ الوسائطُ بينَ الكِنايةِ والمقصودِ خمسةً, والخَطْبُ في ذلك سهْلٌ.
(10) (وإن قَلَّتْ) المرادُ بالقِلَّةِ عدَمُ الكثرةِ أي: وإن لم تكنِ الوسائطُ كثيرةً سواءٌ انعدَمَتْ رأساً أو وُجِدتْ مع القِلَّةِ.
(11) (وخَفِيَتْ) أي: في اللزومِ بينَ المستعمَلِ فيه والأصلِ بلا تعريضٍ.
(12) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ.
(13) (رمْزاً) لأن الرمزَ في اللغةِ هو أن تُشيرَ إلى قريبٍ منك على سبيلِ الْخِفْيَةِ بنحوِ شَفَةٍ أو حاجِبٍ فالأوَّلُ وهو ما انْعَدَمتْ فيه أصلاً، كما في قولِك: هو عريضُ القَفَا، أي: أبْلَهُ, فَكَنَّى عن البَلَهِ بعرْضِ القَفَا وليس بينَهما واسطةٌ عُرْفاً. والثاني وهو ما وُجِدَتْ مع القلَّةِ نحوُ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ, أي: غَبِيٌّ بَليدٌ
(14) فكَنَّى بالسِّمَنِ والرِّخْوِ عن الغباوةِ والبلادةِ وليس بينَهما إلا واسطةٌ واحدةٌ، لأن السِّمَنَ والرِّخْوَ يَستلزمان عرْضَ القفا وعرْضَ القفا يَستلزمُ الغباوةَ والبلادةَ.
(15) (وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ ,أو لم تكنْ) واسطةٌ أصلاً.
(16) (ووَضَحَتْ) أي: في اللزومِ بلا تعريضٍ.
(17) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ
(18) (إيماءً وإشارةً)؛ لأن أصْلَ الإشارةِ أن تكونَ حِسِّيَّةً, وهي ظاهرةٌ, ومِثلُها الإيماءُ, فالأوَّلُ وهو ما قلَّتْ فيه الوسائطُ.
(1) (نحوُ) قولِ الشاعرِ:
(2) (أوَ ما رأيتَ المجدَ ألْقَى رحلَه) أي: خَيْمتَه ومنْزِلَتَه.
(3) (في آلِ طلحةَ ثم لم يَتحوَّلِ) أي: عنهم.
(4) (كِنايةً) بالنصْبِ على الحالِ, أي: حالَ كونِ هذا القولِ كِنايةً.
(5) (عن كونِهم أمجاداً) أي: أشرافاً بواسطةٍ واحدةٍ مع الظهورِ, وذلك لأن إلقاءَ المجدِ رحلَه في آلِ طلحةَ مع عدَمِ التحوُّلِ معنًى مَجازيٌّ حيث شبَّهَ المجدَ برجُلٍ شريفٍ, له رحْلٌ يَخُصُّ بنزولِه مَن شاءَ بجامِعِ الرغبةِ في الاتِّصالِ بكلٍّ واستُعيرَ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ ثم حُذِفَ ورُمِزَ بشيءٍ من لوازمِه وهو إلقاءُ الرحْلِ تَخييلاً, ولَمَّا جُعِلَ المجدُ مُلْقِياً رحلَه بلا تَحوُّلٍ لزِمَ من ذلك كونُ مَحَلِّه وموصوفِه آلَ طلحةَ لعدَمِ وُجدان غيرِهم معهم، وذلك بواسطةِ أنَّ المجْدَ المُشبَّهَ بذي الرحْلِ هو صفةٌ لابدَّ له من موصوفٍ ومَحَلٍّ وهذه الواسطةُ ظاهرةٌ بنفسِها. والثاني: وهو مالم تكنِ الواسطةُ مع الوضوحِ نحوُ قولِك: هو عريضُ القفا كِنايةٌ عن كونِه أبلَهَ بناءً على أن عرْضَ القفا ظاهرٌ في البَلَهِ عرْفاً كما قيلَ.