المجازُ المرسَلُ(1)
هو مَجازٌ علاقتُه غيرُ المُشابَهةِ (2):
كالسببيَّةِ(3)، في قولِك: عظُمَتْ يدُ فلانٍ عندي. أي: نِعمتُه التي سببُها اليدُ(4).
والمُسَبَّبِيَّةِ (5)، في قولِك: أمطَرَت السماءُ نباتاً. أي: مطراً يَتسبَّبُ عنه النباتُ(6).
والْجُزْئيَّةِ (7)، في قولِك: أرسلتُ العيونَ لتَطَّلِعَ على أحوالِ العدوِّ. أي: الجواسيسِ(8).
والكلِّيَّةِ(1)، في قولِه تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أي: أنامِلَهم.(2)
واعتبارُ ما كان(3) في قولِه تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } أى البالغِين(4).
واعتبارُ ما يكونُ(5)، في قولِه تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عِنَباً(6).
والمَحَلِّيَّةِ(7)، في قولِك: قرَّرَ المجلسُ ذلك. أي: أهلُه(8).
والحالِيَّةِ(9) في قولِه تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: جنَّتِه(10).
_________________________
(1) المَجازُ المرسَلُ
أي: المُفرَدُ منه, وأما المركَّبُ منه فسيأتي (2) (هو مَجازٌ عَلاقتُه غيرُ المشابَهةِ) بينَ المعنى المَجازيِّ والمعنى الحقيقيِّ مع قرينةٍ مانِعةٍ، وعَلاقاتُه كثيرةٌ يُستفادُ اسمُها من وصْفِ الكلمةِ التي تَجوزُ فيها، أَوْصَلَها بعضُهم إلى واحدٍ وعشرين، وذَكَرَ منها هنا ثمانيةً فقالَ:
(3) (كالسببيَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المنقولِ عنه سبباً ومؤثِّراً في غيرِه.
(4) (في قولِك: عظُمَتْ يدُ فلانٍ عِندي أي: نِعمتُه التي سبَبُها اليدُ) أي: فإطلاقُ اليدِ على النعمةِ فيه مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اسمِ السببِ على مسبَّبِه؛ لأن اليدَ سببٌ في صدورِ النعمةِ ووصولِها إلى الشخصِ المقصودِ بها, والقرينةُ لفظيَّةٌ, وهي عظُمَتْ.
(5) (والمسببيَّةِ) وهي أن يكونَ الشيءُ المنقولُ عنه مسبَّباً وأثراً لشيءٍ آخَرَ.
(6) (في قولِك: أَمطرَت السماءُ نباتاً. أي: مطراً يَتسبَّبُ عنه النباتُ) أي: فإطلاقُ النباتِ على المطرِ فيه مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اسمِ المسبَّبِ على سببِه؛ لأن النباتَ مسبَّبٌ عن المطرِ في الجملةِ, وإلا فالسببُ في الحقيقةِ الماءُ مطلَقاً, وإن لم يكن مطراً, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي أَمْطَرَتْ.
(7) (والجزئيَّةُ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ ضِمْنَ شيءٍ آخَرَ.
(8) (في قولِك: أرسلْتُ العيونَ لتَطَّلِعَ على أحوالِ العدوِّ، أي: الجواسيسِ) فالعيونُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الجزءِ, وإرادةِ الكلِّ؛ لأن كلَّ عينٍ جزءٌ من جاسوسِها، والقرينةُ حاليَّةٌ, وهي استحالةُ إرسالِ العيونِ فقط مجرَّدةً عن أبدانِها.
(1) (والكلِّيَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ متضمِّناً للمقصودِ وغيرِه.
(2) في قولِه تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ}. أي: أناملَهم فالأصابعُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الكلِّ وإرادةِ الجزءِ والقرينةُ حاليَّةٌ وهي استحالةُ جعْلِ الأصابعِ وإدخالِها بتمامِها في الآذانِ عادةً.
(3) (واعتبارُ ما كان) وهو النظرُ إلى الماضي.
(4) (في قولِه: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. أي: البالغين) يعني: الذين كانوا يَتَامى قبلَ إيتاءِ المالِ إليهم, ثم بَلَغُوا؛ لأن الإيتاءَ المذكورَ وجوبُه بعدَ بلوغِهم ولا يكونون حينئذٍ يَتامى؛ إذ لا يُتْمَ بعدَ البلوغِ، فإطلاقُ اليتامى على البالغين مَجازٌ علاقتُه اعتبارُ الوصفِ الذي كانوا عليه قبلَ البلوغِ.
(5) (واعتبارُ ما يكون) أي: ما يَؤولُ إليه, وهو النظرُ إلى المستقْبَلِ.
(6) في قولِه تعالى: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً. أي: عِنَباً) يَؤولُ أمرُه إلى خمرٍ فخمراً مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه اعتبارُ ما يَؤولُ إليه, والقرينةُ حاليَّةٌ وهي استحالةُ المعنى الحقيقيِّ؛ لأن العصيرَ حالةَ العصرِ لا يُخامِرُ العقلَ, وإنما يُخامرُه بعدَ مدَّةٍ.
(7) (والمحليَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ يَحُلُّ فيه غيرُه.
(8) في قولِك: (قَررَّ المجلسُ ذلك) أي: أهلُه فالمجلسُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ المحلِّ وإرادةِ الحالِّ فيه, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي قرَّرَ.
(9) (والحاليَّةِ) وهي كونُ الشيءِ حالاّ في غيرِه.
(10) في قولِه تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: أي: جنَّتِه التي تَحُلُّ فيها الرحمةُ, أعني: الأمورُ الْمُنْعَمُ بها؛ لأنها هي التى تَحُلُّ في الجنَّةِ، (فرحمةِ) مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الحالِّ، وإرادةِ الْمَحَلِّ, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي كلمةُ (في). فهذه ثمانُ عَلاقاتٍ. والتاسعةُ اللازميَّةُ وهي كونُ الشيءِ المذكورِ يَجِبُ وجودُه عندَ وجودِ شيءٍ آخرَ، نحوُ: طلَعَ الضوءُ أي: الشمسُ فالضوءُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اللازمِ وإرادةِ الملزومِ؛ لأن الضوءَ يوجدُ عندَ وجودِ الشمسِ والعاشرةُ الملزوميَّةُ وهي كونُ الشيءِ يَجبُ عندَ وجودِه وجودُ شيءٍ آخَرُ, نحوُ: مَلأَت الشمسُ المكانَ: أي: الضوءُ، فالشمسُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه إطلاقُ الملزومِ وإرادةُ اللازمِ؛ لأن الشمسَ متى وُجِدَتْ وُجِدَ الضوءُ, والقرينةُ مَلأَتْ والحاديةَ عشرةَ: الإطلاقُ, وهو كونُ الشيءِ مجرَّداً عن القُيودِ نحوُ قولِه تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ, فالرقبةُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الإطلاقُ؛ لأن المرادَ بها المؤمنةُ, والثانيةَ عشرةَ: التقييدُ, وهو كونُ الشيءِ مقيَّداً بقيدٍ أو أكثرَ نحوُ: ما أغلظَ جَحْفَلَةَ خالدٍ, أي: شَفَتَه فجَحْفَلَةَ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه التقييدُ؛ لأنها مقيَّدةٌ بشَفَةِ الفرَسِ, والقرينةُ إضافتُها إلى خالدٍ, والثالثةَ عشرَ: العمومُ وهو كونُ الشيءِ المذكورِ شاملاً لكثيرٍ نحوُ قولِه تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} أي: النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ, فالناسُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه العمومُ؛ لأن المرادَ به فردٌ خاصٌّ من أفرادِه, والرابعةَ عشرَ: الخصوصُ وهو كونُ المذكورِ خاصٌّ بشيءٍ واحدٍ كإطلاقِ اسمِ الشخصِ على القبيلةِ نحوُ قريشٍ وربيعةَ فإنه مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الْخُصوصُ؛ لأنه خاصٌّ بفردٍ من الأفرادِ والخامسةَ عشرَ: البدليَّةُ وهي كونُ الشيءِ المذكورِ بدَلاً عن شيءٍ آخَرَ نحوُ قولِه تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ} أي: أدَّيْتُمْ فالقضاءُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه البدليَّةُ؛ لأن القضاءَ الشرعىَّ بدَلٌ عن الأداءِ والسادسةَ عشرَ الْمُبْدَلِيَّةُ وهو كونُ الشيءِ مُبْدَلاً منه شيءٌ آخَرُ نحوُ: أكلْتُ دمَ زيدٍ أي: دِيتَه, فالدمُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الْمُبْدليَّةُ؛ لأن الدمَ مُبْدَلٌ عنه الديةُ, والسابعةَ عشرَ: الدالِّيَّةُ وهي كونُ المذكورِ دالاّ على شيءٍ آخَرَ نحوُ: فَهِمْتُ الكتابَ أي: معناه, فالكتابُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الدالِّيَّةُ؛ لأنه دالٌّ على المعنى الذي تَعلَّقَ به الفهمُ, والثامنةَ عشرَ: المدلوليَّةُ وهي كونُ المذكورِ مدلولاً لشيءٍ آخَرَ نحوُ قولِك في كتابٍ: قرَأتُ معناه فالمعنى مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه المدلوليَّةُ؛ لأنه مدلولٌ للكتابِ الذي تَعَلَّقَت القراءةُ به والتاسعةَ عشرَ: المجاوَرةُ, وهي كونُ الشيءِ مُجَاوِراً لآخَرَ في مكانِه أي: مُتَّصِلاً به اتِّصالاً يُعَدُّ في العُرْفِ مجاوَرةً نحوُ كلَّمتُ الجدارَ أي: زيداً الجالسَ بجِوارِه فالجدارُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه المجاوَرةُ؛ لأنه مجاوِرٌ لزيدٍ الجالسِ, والعشرون: الآلِيَّةُ وهي كونُ الشيءِ واسطةً لإيصالِ أثَرِ شيءٍ إلى آخَرَ نحوُ قولِه تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ} أي: ذكْراً حسَناً فلسانَ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الآليَّةُ؛ لأنه آلةٌ في الذكْرِ الحسَنِ والثناءِ الْمُستطابِ والحاديةُ والعشرون: التعلُّقُ الاشتقاقيُّ وهو إقامةُ صيغةٍ مُقامَ أخرى كإطلاقِ المصدرِ وإرادةِ المفعولِ في قولِه تعالى: {صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أي: مصنوعَه وكإطلاقِ المفعولِ وإرادةِ الفاعلِ في قولِه تعالى: {حِجَاباً مَسْتُوراً} أي: ساتراً وكإطلاقِ الفاعلِ وإرادةِ المفعولِ في قولِه تعالى: {لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ } أي: لا معصومَ وكإطلاقِ الفاعلِ وإرادةِ المصدرِ في قولِه تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كاَذِبَةٌ} أي: تكذيبٌ.