بيان وجوب العمل بالعلم :للعمل بالعلم أجر عظيم، كما قال الله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}كما أن عقوبة تارك العمل عظيمة{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. حكم العمل بالعلم
الأصل في العمل بالعلم أنه واجب، وأن من لا يعمل بعلمه مذموم، وعند التفصيل نجد أن العمل بالعلم له ثلاث درجات :
1- ما يلزم منه البقاء على دين الإسلام وهو التوحيد واجتناب نواقض الإسلام، والمخالف في هذه الدرجة كافر غير مسلم؛ فإن ادّعى الإسلام فهو منافقٌ النفاق الأكبر، وإن كان يتعاطى العلم ويعلّمه . 2- ما يجب العمل به من أداء الواجبات واجتناب المحرمات؛ والقائم بهذه الدرجة من عباد الله المتّقين، والمخالف فيها فاسق من عصاة الموحّدين، لا يحكم بكفره لقيامه بما تقتضيه الدرجة الأولى .
3- ما يُستحبّ العمل به وهو نوافل العبادات، واجتناب المكروهات، والقائم بهذه الدرجة من عباد الله المحسنين، ومن ترك العمل بالمستحبات فلا يأثم على تركها .
هدي السلف الصالح في العمل بالعلم
كان من هدي السلف الصالح تربية النفس على العمل بالعلم ، والتواصي به، وإلزام النفس بالعمل بما تعلّمت ولو مرّة واحدة ليكونوا منه أهله وليخرجوا من مذمّة ترك العمل بالعلم قال الإمام أحمد: (ما كتبت حديثا إلاّ وقد عملتُ به ... ) الحديث . ولهم مؤلفات كثيرة فى بيان وجوب العمل بالعلم مثل كتاب "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي,وكثير منهم أفرد له فصلًا في كتبه مثل ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" و ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" و ابن رجب في "فضل علم السلف على علم الخلف". ** لطلب العلم مناهج متنوّعة، تتفق في غاياتها، وتتنوّع في مسالكها، لتفاوت الطلاب في أوجه العناية العلمية، وفيما أنعم الله عليهم به من الملَكَات والقدرات ولكن هناك ركائز للتحصيل العلمى لا يتم إلا به :
الركيزة الأولى: الإشراف العلمي من عالم أو طالب علم متمكّن يأخذ بيده ويقوّمه، ويعرّفه بجوانب الإجادة والتقصير لديه،ولا يزال معه حتى يقوى علمه ولا يتم لك إلا بالتدرج فى العلم .
الركيزة الثانية: التدرّج في الدراسة وتنظيم القراءة، فيبدأ بمختصر في كلّ علم يتعلّمه، ويدرسه بإتقان وضبط ويراجع شيخه فيما يشكل عليه، حتى يكون إلمامه بذلك المختصر إلماماً حسناً يمكنه البناء عليه، ثمّ ينتقل إلى دراسة كتاب أوسع منه، فيدرسه بتفصيل أوسع وهكذا حتى تتوسّع مداركه في العلم شيئاً فشيئاً، وينمو تحصيله العلمي بشكل جيد .
الركيزة الثالثة: النهمة في التعلم فطالب العلم من شدة محبته للعلم وولعه به وحرصه على الإجتهاد فى طلبه تتطلع نفسه دائما للإزدياد فى طلبه قال الحسن البصري رحمه الله : (منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها) ومما يعين على تحصيل النهمة في العلم محبة العلم وأهله واليقين بفضائله وفضائلهم و التفكر فيما ورد من النصوص في فضل العلم ومحبة الله تعالى له ولمن يطلبه إيمانآوإحتسابآ , ومن علامات النهمة في طلب العلم تقديم طلبه على مرغوبات النفس من متاع الدنيا والاشتغال به عنها فيتحمل المشاق خشية فوات ما يطلبه من علم لعظم شأنه فى نفسه .
الركيزة الرابعة: الوقت الكافي فلا بد على طالب العلم التحلى بالصبر على طلب العلم مدة كافية من الزمن حتى يحسن تعلم مسائله ويتدرج مدارجه ويسلك سبيل أهله برفق وطمأنيه وضبط وإتقان , ومن إغتر بذكائه وسرعة فهمه فأراد أن يحوز العلم فى وقت قصير تمنع عليه العلم وتعزز و إستعصى عليه تحصيله كما ينبغى . قال الإمام الزهري رحمه الله: «إنَّ هذا العلمَ إنْ أخذته بالمكاثرة له غلبك، ولكنْ خُذْهُ مع الأيَّامِ والليالي أخذاً رفيقاً تظفرْ به» .
ومن أسباب العجلة فى طلب العلم : 1- ضعف الصبر على تحمّل مشقّة طلب العلم.
2- وضعف البصيرة بطول طريقه.
3- وإيثار الثمرة العاجلة من التصدّر والرياسة به على حقيقة تحصيل العلم النافع والانتفاع به.
4- والاغترار بالذكاء والحفظ السريع
# مراحل طلب العلم :
المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس في ذلك العلم؛ بدراسة مختصر فيه تحت إشراف علمي، ثمّ التدرج في دراسته، وتنظيم قراءة كتبه الأوّلية إلى أن يجتاز درجة المبتدئين في ذلك العلم.
المرحلة الثانية: مرحلة البناء العلمي: وفيها يكون التحصيل العلمي المنظّم بعد مرحلة التأسيس وتكميل أدواته، والتمكن من بحث مسائله وتحريرها بمهارة عالية؛ فيجتهد في بناء أصل علميّ له في ذلك العلم؛ يحسن كتابته بطريقة منظمة، ويداوم على مراجعته وتهذيبه والإضافة إليه، ليكون عُدّة له في ذلك العلم.
المرحلة الثالثة: مرحلة النشر العلمي و هى مرحلة التدرّب على البحث والتأليف، والإفتاء والتدريس، وإلقاء الكلمات، وكتابة الرسائل، وغير ذلك من أنواع النشر العلمي التي ينبغي أن يعتني طالب العلم بتحصيل أدواتها والتمهّر فيها ليُحسن الإفادة من علمه.
** تنوع مناهج الطلب : على طالب العلم أن يتحرى أحسن المناهج وأنفعها وأقربها إلى قدراته و إمكانياته - على كثرة تنوعها - حتى يستطيع أن يواصل الدراسة ويتمها . فإن كان الطالب يسير على منهجٍ يراعي تلك الركائز والمعالم السابق ذكرها فهو على منهج صحيح فليجتهد فيه وليعطِه حقّه من العناية والمواظبة حتى ينتفع به، وليبدأ بما يستطيع، ولا يكلف نفسه ما لا تطيق .
# وهناك محاذير وتنبيهات لبعض الآفات التى قد تحرم طالب العلم بسببها مواصلة الإنتفاع بالعلم :
1. ما يقدح في صحّة النية وصلاح القصد؛ من رياء أو سمعة أو لطلب العلوّ في الأرض، ومباهاة العلماء، ومماراة السفهاء، والتصدّر به في المجالس، ولفت أنظار الناس إليه... وغيرها
2. العجلة في طلب العلم، ودراسة مسائله، واستعجال الثمرة قبل أوانها.
3. التذبذب في مناهج الطلب، والعشوائية في الدراسة والقراءة.
4. التوصيات الخاطئة من الطلاب المبتدئين، ومن لم يُعرف بالخبرة في مناهج الطلب.
5. الاستجابة للقواطع والشواغل عن طلب العلم.
6. التصدر قبل التأهّل؛ فإنّه يفضي بصاحبه إلى التعالم، ويشغله عن إحسان التحصيل العلمي.
7. تحميل النفس ما لا تطيق، فإنّ المنبتّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع.
# وصايا وإرشادات :
1- تقوى الله عز وجل عمومآ و فى طلب العلم خاصة بأن يتعاهد الطالب نيّته ومقاصده، وعمله بما يتعلّم، ويتفكّر في أثر العلم على قلبه وجوارحه وسلوكه وأخلاقه.
2- الصدق في طلب العلم، وعدم التكاسل أو التقصير، والاجتهاد في إحسان التحصيل العلمي، ومن صدق صدقه الله.
3- أن يدرك طالب العلم حاجة نفسه إلى العلم، وحاجة أمّته إليه، حتى يحسن إعداد نفسه وتأهيلها بالتحصيل العلمي النافع؛ لينفع نفسه، وينفع أمّته .