باب حكم المرتد([1])
وهو لغة: الراجع([2]) قال تعالى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ}([3]) واصطلاحا (الذي يكفر بعد إسلامه)([4]) طوعا ولا مميزا([5]) أو هازلا([6]) بنطق أو اعتقاد، أو شك أو فعل([7]).
(فمن أشرك بالله) تعالى، كفر([8]) لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}([9]) (أو جحد ربوبيته) سبحانه([10]) (أو) جحد (وحدانيته([11]) أو) جحد (صفة من صفاته) كالحياة والعلم، كفر([12]) (أو اتخذ لله) تعالى (صاحبة أو ولدا([13]))
أو جحد بعض كتبه([14]) أو جحد بعض (رسله([15]) أو سب الله) سبحانه وتعالى([16]) (أو) سب (رسوله) أي رسولا من رسله([17]) أو ادعى النبوة (فقد كفر)([18]) لأن جحد شيء من ذلك، كجحده كله([19]).
وسب أحد منهم، لا يكون إلا من جاحده([20]) (ومن جحد تحريم الزنا أو) جحد (شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها) أي على تحريمها([21]) أو جحد حل خبزه ونحوه، مما لا خلاف فيه([22]) أو جحد وجوب عبادة من الخمس([23]).
أو حكما ظاهرا مجمعا عليه، إجماعا قطعيا([24]) (بجهل) أي بسبب جهله وكان ممن يجعل مثله ذلك([25]) (عرف) حكم (ذلك) ليرجع عنه([26]) (وإن) أصر أو (كان مثله لا يجهله كفر) لمعاندته للإسلام، وامتناعه من الإلتزام لأحكامه وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة([27]) وكذا لو سجد لكوكب ونحوه([28]).
أو أتى بقول أو فعل، صريح في الاستهزاء بالدين([29]) أو امتهن القرآن([30]) أو أسقط حرمته([31]) لا من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده([32]).
([1]) والأصل في حكمه، وجوب قتله، الكتاب والسنة والإجماع.
([2]) يقال: ارتد فهو مرتد: إذا رجع.
([3]) أي ترجعوا وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي يرجعوكم إلى الشرك.
([4]) أي والمرتد اصطلاحا، هو الذي يكفر بعد إسلامه لقوله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي الصحيح من بدل دينه فاقتلوه، وأجمع العلماء على وجوب قتل المرتد، إن لم يتب.
([5]) أي سواء كان كفره بعد إسلامه طوعا لا كرها لقوله تعالى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} ولو كان مميزا فتصح منه الردة، كما يصح إسلامه ويأتي.
([6]) أي أومستهزئا، لعموم الآية والأخبار ولقوله: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال تعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وقال الموفق: ينبغي أن لا يكتفى من الهازل بذلك، بمجرد الإسلام، حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك.
([7]) بعد إسـلامه، ولـو كـان إسلامه كـرها بحق كـمن أكـره على
النطق بالشهادتين فنطق بهما ثم ارتد وسواء كان رجلا أو امرأة لقصة أم رومان.
([8]) إجماعا وقال الشيخ: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعا.
([9]) أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ولأحمد كل ذنب عسى أن يغفره إلا الرجل يموت كافر، وفي الصحيح، ومن لقيه يشرك به دخل النار، ولا نزاع في كفر من مات على الشرك، وقال الموفق: من أقر بالإسلام، ثم أنكره، أو أنكر الشهادتين أو إحداهما كفر بغير خلاف.
([10]) كفر، وقال الشيخ: القائل: ما ثم إلا الله، إن أراد ما يقوله، أهل الاتحاد، أنه ما ثم موجود إلا الله، أو الذي يقول: إن الله بذاته في كل مكان، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع جل وعلا، كفر، لتكذيبه الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.
([11]) كفر، لأن جاحد ذلك مشرك به سبحانه.
([12]) إجماعا وفي الفصول، شرطه، أن تكون متفقا على إثباتها وقال الشيخ، من شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها، فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، واستدل بقصة الشاك في قدرة الله.
([13]) كفر إجماعا قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} فنزه نفسه سبحانه عن ذلك ونفاه عنه، ومتخذه مخالف له، ومكذب بما أخبر به.
([14]) أو شيئا منها، لأن جحد شيء منها كجحدها كلها، إذ الكل من عند الله جل وعلا.
([15]) لأنه مكذب لله، جاحد لرسول من رسله، أو جحد الملائكة، أو من ثبت أنه ملك، كفر لتكذيبه القرآن، أو جحد البعث، كفر، لتكذيبه الكتاب والسنة والإجماع.
([16]) كفر لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد له.
([17]) كفر، أو كان مبغضا لرسوله، أو لما جاء به كفر، أو قذفه أو قذف أمه كفر.
([18]) أو صدق من ادعاها، بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر، لأنه مكذب لقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ولقوله صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي.
([19]) قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} قال الشيخ ومن أطلق لعن التوارة يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله وأنه يجب
الإيمان بها، فيقتل بشتمه لها وأما إن لعن دين اليهود، الذي هم عليه في هذا الزمان، فلا بأس عليه وكذا إن سب التوراة التي عندهم، مما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل أن يقول: نسخ هذه التوراة مبدلة، لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل بشرائعها المبدلة، أو المنسوخة فهو كافر، فهذا ونحوه، لا شيء على
قائله.
([20]) قال الشيخ: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر،وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض، وقال: ومن سخر بوعد الله أو بوعيده، أو لم يكفر من دان بغير دين الإسلام، كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعا، وقال: من سب الصحابة أو أحدا منهم، أو اقترن بسبب دعوى، أن عليا إله أو نبي، أو أن جبرئيل غلط، فلا شك في كفره.
([21]) كلحم خنزير وخمر، كفر، وقال الشيخ: من استحل الحشيشة المسكرة كفر بلا نزاع.
([22]) كلحم مذكاة بهيمة الأنعام، والدجاج وغيره، مما أجمع على حله كفر.
([23]) أي من العبادات الخمس، المشار إليها في الحديث الصحيح، بقوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإتياء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، كفر، ومثل ذلك جحد وجوب الطهارة وضوءًا كان، أو غسلاً أو تيممًا.
([24]) أي أو جحد حكما ظاهرا بين المسلمين، مجمعا عليه، إجماعا قطعيا، لا سكوتيا ولا ظنيا، بل قطعيا لا شبهة فيه، نحو استحلال الخوارج دماء المسلمين وأموالهم، فإن أكثر الفقهاء لا يكفرونهم، لادعائهم أنهم يتقربون إلى الله بذلك.
([25]) أي تحريم شيء من المحرمات الظاهرة، كالزنا ولحم الخنزير، أو حل شيء مما لا خلاف في حله.
([26]) لأن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة جزم به الشيخ وغيره وقال: لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الشاك في قدرة الله وإعادته، لأنه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وقال نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام، حتى يقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له.
([27]) ولا نزاع في كفره.
([28]) أي ومثل من جحد عبادة.. إلخ، لو سجد لكوكب شمس أو قمر، أو نجم، ونحو ذلك، كصنم، كفر إجماعا.
([29]) كفر إجماعا لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ولا نزاع في ذلك.
([30]) أي احتقره وكذا لو ادعى اختلافه أو اختلاقه أو القدرة على مثله والله منع قدرتهم، كفر , ومن زعم أن القرآن نقص منه شيء وكتم، أو أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك فلا خلاف في كفره.
([31]) أي مهابته وما يجب من القيام به من حقوقه، وما لا يحل انتهاكه كفر، وإن أنكر الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر.
([32]) أي لا يكفر من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده، قال في الفروع: ولعل هذا إجماع، وفي الانتصار، من تزيا بزي كفر، من لبس غيار، وشد زنار، وتعليق صليب بصدره حرم، ولم يكفر اهـ وكذا من نطق بكلمة الكفر، ولم يعلم معناها، ولا من جرى على لسانه سبقا من غير قصد لشدة فرح أو دهش، أو غير ذلك، لحديث «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان» وخبر الذي أخطأ من شدة الفرح.