القارئ: (ففصاحة الكلمة سلامتها من تنافر الحروف ومخالفة القياس والغرابة).
الشيخ: يلحظ أن الحديث عن فصاحة الكلمة هنا لم يأتِ وصفاً للكلام الفصيح ما قيل بعد هذا عند المؤلفين وعند غيرهم من
البلاغيين ليس وصفاً للكلام الفصيح وإنما هو استثناء لما ليس بفصيح، فصاحة الكلمة سلامتها من تنافر الحروف ومخالفة
القياس والغرابة.
إذاً: هو ذكر الأشياء التي ينبغي أن تسلم منها الكلمة حتى تكون فصيحة ولم يذكر الجوانب التي ينبغي أن تتوافر في الكلمة حتى
تكون فصيحة وإنما التي تتجنبها الكلمة - فهذا ما يسمى بالشرط السلبي، وهو يومئ إلى مسألة مهمة جداً هو أن الأصل في
الكلمات التي ترد عن العرب أنها فصيحة إلا ما حصل منه تنافر في الحروف أو مخالفة للقياس كما سنعرف، وقد يكون لي
تحفظ على كلمة (مخالفة للقياس) والغرابة؛ هذه الأمور الثلاثة التي يمكن أن تكون مستثناة مما يوصف بالفصاحة وما عدا ذلك
يمكن وصفه بالفصاحة.
القارئ: فتنافر الحروف وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها نحو الظش للموضع الخشن، والهعخع
لنبات ترعاه الإبل،والنقاخ للماء العذب الصافي، والمستشزر للمفتول.
الشيخ: هذا هو تعريف تنافر الحروف:( وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان) هذه الكلمة التي يحصل فيها التنافر يثقل
على اللسان النطق بها، ويعسر النطق بها وذكروا لذلك أمثلة مثل الظش والهعخع والنقاخ والمستشزر هذا طبعاً ما يمكن أن يعبر
عنه بتنافر الحروف، العلماء ذكروا أسباب التنافر، ما ضابط التنافر؟
ضابط التنافر هو صعوبة اللفظ إذا صعب على الإنسان أن ينطق بالكلمة، فهذا يؤميء وهذا مؤشر إلى أن فيها تنافراً في
حروفها، لكن كيف يحصل التنافر هل هو من الحروف التي تتقارب في المخرج كما ذكر بعض العلماء، أو غير ذلك لكن
المرجع في ذلك إلى الجانب الذوقي وصعوبة النطق وعسره على المتكلم وهو بلا شك يتفاوت فهناك تنافر خفيف وهناك تنافر
ثقيل، الهعخع كلمة صعبة جداً، الظش أخف منها قليلاً، المستشزر أخف لولا كثرة ألفاظها لكانت أخف من الظش وهكذا، إذاً:
حتى التنافر هو على درجات فمنه، كلما صعب كلما كان من الدرجة الأعلى وكلما خف كلما كان أقرب إلى ما يخلو من التنافر
لكن هذه السمة ما تزال موجودة فيه.
القارئ: (ومخالفة القياس كون الكلمة غير جارية على القانون الصرفي كجمع بوق على بوقات في قول المتنبي:
فـإن يــك بـعـض النـاس سيـفاً لـدولـة ........ففـي الناس بـوقـات لـها وطبـول
إذ القياس في جمعه للقلة أبواق، وكموددة في قوله:
إن بــــــنـيّ للـئـــام زهــــدة مـالي....... فــي صــدورهـم مـن مـوددة
والقياس مودة بالإدغام).
الشيخ: هذا هو الشرط الثاني الذي وضعه البلاغيون لفصاحة اللفظة المفردة يعنى أن تخلو اللفظة المفردة من مخالفة القياس.
في الحقيقة ماذا يراد بالقياس، القياس كما أوضح أيضاً المؤلف في شرحه أن الكلمة لا تكون جارية على القانون الصرفي،
العلماء حينما أحصوا أو تتبعوا المفردات اللغوية استطاعوا أن يضعوا أوزاناً قياسية لبعض المفردات وهناك بعض المفردات
ليست لها أوزان قياسية وإنما حتى في كتب التصريف يقال هذا سماعي.
إذاً: نحن لو قلنا مخالفة القياس الصرفي، فالقياس لا يشمل كل المفردات هذا جانب، من المآخذ على هذه الصيغة لهذا الشرط.
أما الجانب الثاني فهو أن عدداً من المفردات خالفت القياس الصرفي ولكنها فصيحة ولذلك يقولون هو شاذ قياساً فصيح
استعمالاً.
إذاً: ما دام فيه شذوذ في القياس، فلو أطلقنا هذه القاعدة لكان محكوماً عليه بأنه غير فصيح لكن حينما يقال فصيح استعمالاً فهنا
نوع من الاستثناء من هذه القاعدة. ولذلك يعني يحسن ألاّ يقال مخالفة القياس، وإنما يقال مخالفة ما ورد عن واضع اللغة، ما
ورد في كلام واضع اللغة، أو ما ورد في اللغة المروية عن العرب، لماذا؟ لأننا في هذه الحالة سنخرج من قضية القياس، ونعمم
حتى تكون السماعية داخلة في الموضوع، ومالا ينضبط بقاعدة القياس وخرج عنه وهو فصيح قد ورد في كتاب الله جل وعلا
عدد من الكلمات لا تخضع للقاعدة الصرفية ولهذا كيف يمكن أن نحكم على قاعدة صرفية بأنها تخطئ وهي قد جاءت بعد القرآن
الكريم، هذا طبعاً من الأشياء التي يمكن أن تؤخذ على كلام البلاغيين في هذا الجانب.
وذكر المؤلف نماذج أو أمثلة على هذه المخالفة ففي صيغ الجمع مثلاً في كلمة بوق في قول المتنبي جمعها على بوقات مع أن
هذا الجمع قياسي والجمع يتساهل فيه يعني اللغويون يمكن كثيراً ما لا جمع له يمكن أن يجمع جمعاً مؤنثاً سالماً، لكن هذا لأن له
جمعاً معهوداً ومعروفاً ولم يأخذ به المتنبي فقال بوقات بدل أبواق.
وهذا طبعاً جمع القلة، هذا يتصل باختيار صيغة الجمع إذا وجد صيغة مألوفة، فلا ينبغي أن تلجأ إلى صيغة غير مألوفة، فأنت
خالفت في هذا، طبعاً على كلام اللغويين.
أما موددة فهي كلمة اجتمع فيها مثلان الثاني منهما متحرك.
القاعدة عند اللغويين: أنه إذا اجتمع مثلان الثاني منهما متحرك يدغم الثاني في الأول ولذلك الأصل أن يقال مودة - مثل الأجلل
بدل الأجلّ، مصوون بدل من مصون وهكذا من العبارات التي يمكن أن تكون مخالفة للقياس وبالإمكان أن ترجع إلى القياس.
إذاً: قد يكون الداعي هو الجانب يعني وزن في الشعر هو سبب في هذا الجانب لكني أتمنى أن يؤكد على أن المخالفة هو لما ورد
عن واضع اللغة، وكلمة واضع اللغة طبعاً المقصود بها ليست شخصاً معيناً، وإنما ما ورد في كلام المتحدث باللغة من كلمات
ندخل المخالف قياساً الفصيح استعمالاً فيها لأن إطلاقها بهذا الشكل قد يوقعنا في حرج الحكم على بعض الألفاظ المخالفة للأقيسة
الصرفية أو التصريفية أو لبعض الأقيسة التصريفية بأنها غير فصيحة، وهذا طبعاً فيه مزلق خطير.
القارئ: (والغرابة كون الكلمة غير ظاهرة المعنى نحو تكأكأ بمعنى اجتمع وافرنقع بمعنى انصرف، واطلخم بمعنى اشتد).
الشيخ: نحن أمام مصطلح يحتاج إلى تحرير المصطلح الثالث من المصطلحات التي ذكرها البلاغيون وأنه يمثل أحد العيوب
الثلاثة التي يمكن أن تطلق على المفردة فإذا صارت الكلمة غريبة حينئذٍ توصف بأنها غير فصيحة وهذا أيضاً إطلاق لا ينبغي
التسليم به، لماذا؟
أولاً: الغرابة مسألة نسبية، فلو أنني جمعت مجموعة من الأشخاص وذكرت بعض المفردات وقلت كل واحد يسجل الكلمات
الغريبة عليه في هذا النص سأجد أن النص يشتمل على مائة كلمة مثلاً أربعة سجلوا عشر كلمات وثلاثة سجلوا ثلاث كلمات أو
أربع كلمات وواحد ربما يسجل كلمة واحدة وواحد ربما لا يسجل أي كلمة.
إذاً: تفاوت هؤلاء في تسجيلهم للغريب معنى ذلك أنه قد يكون شيء غريب عليّ أنا لكنه ليس غريباً عليك.
ولذلك قضية النسبية في مسألة الحكم على الغرابة، كيف يمكن أن تضبط، قالوا خروجاً من هذا إن الغرابة هي ما كان غريباً
عن من يملك ثروة لغوية ضخمة بحيث يمكن أن يكون حجة في هذا الجانب وإلا لو أننا أطلقناها لوقعنا في حرج شديد وهناك
كتب مؤلفة في غريب القرآن وكتب مؤلفة في غريب الحديث بل عشرات الكتب،فهل كلما يمكن يوصف بأنه غريب يعني ليس
بفصيح هنا طبعاً المسألة تحتاج منا إلى تأمل وتريث فمسألة الغرابة نسبية.
الغرابة: هي أن يخفى المعنى على المتلقي، أن يخفي معنى الغرابة على المتلقي. قد يخفى المعنى عليّ أنا أيها المتلقي لكنه لا
يخفى عليك أنت أيها المتلقي الآخر، ولذلك كيف أحكم هل آخذ بما أراه أنا أو بما تراه أنت هذه مسألة تحتاج إلى ضابط ولذلك ما
خفي عن علماء اللغة يمكن أن يكون هذا فيصلاً في هذه المسألة، والأمثلة التي وردت وذكرها المؤلف مثل تكأكأ بمعنى اجتمع
وانفرقع بمعنى انصرف واطلخم بمعنى اشتد طبعاً هذه الآن أصبحت يعني الذين يسمعونها صارت ليست غريبة عليهم يعرفونها
تماماً، فهل زوال غرابتها يعني زوال عدم فصاحتها هذه المسألة تحتاج منا إلى شيء من التأنـي.
إذاً مسألة الغرابة مسألة نسبية لكن كيف صارت الغرابة يعني مخلة بالفصاحة هو ما يمكن أن ينبه عليه بأن المتكلم والمتلقي
ينبغي أن يسيرا سيراً متوازناً.
نطق المتكلم يتبعه فهم المتلقي.
الكلمة الغريبة إذا وردت إلى أذن المتلقي قد تجعله يتوقف ويتريث في الفهم قليلاً لماذا؟ لأنه يريد أن يستحضر ما دلالة هذه
اللفظة حتى يفهم، توقفه هذا يجعل المتكلم يسبقه في الكلام وربما فاته.. ومن هنا تأتي قضية المسايرة فكأن الكلمة الغريبة
أصبحت موضعاً يتوقف المتلقي فيه عن الاستمرار في متابعة المتكلم وهذا هو سبب عدم فصاحتها؛ لأن الأصل أن يتساير
المتكلم والمتلقي، المتكلم في النطق، والمتلقي في الفهم فإذا نطق المتكلم كلمة غريبة لا يعرفها المتلقي فمعنى ذلك أنه تسبب في
تعثر المتلقي في المتابعة، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلتهم يذكرون هذه الغرابة لكن كما أسلفت هي غرابة نسبية.
وهي تختلف عن الشرطين السابقين، الشرط الأول: التنافر، صفة ثابتة ما تتغير، قد تتغير إذا حاول الإنسان أن يعيد الكلمة أكثر
من مرة فالشخص الذي يقرأ كلمة الظش أو الهعخع أول مرة قد لا ينطقها كما ينبغي لكن إذا استمر الإنسان نطق أكثر من مرة
فربما يجيد، هل إجادته تنفي؟ لا، ما تنفي، ما تنفي التنافر لأنه ما يزال النطق صعباً وعسراً على المتكلم. أما الغرابة فلا،
الغرابة تزول بمجرد معرفة المعنى، لكن هنا أريد التنبيه على أمر يمكن أن تجتمع العيوب الثلاثة في كلمة واحدة، فالهعخع مثلاً
هي متنافرة وهي في الوقت نفسه غريبة لأنه ما يعرف حتى لو فسر ما معنى الهعخع وقيل إنها كلمة أيضاً مستدعاة بمعنى أنها
ليس لها أصل، لكن قيل أنها طبعاً لنبات ترعاه الإبل.
كيف أصل كيف أعرف الفرق بين الشرط الأول التنافر والشرط الثاني المخالفة والشرط الثالث الغرابة، يقال أن الكلمة ينظر
إليها من ثلاث زوايا:
الزاوية الأولى: هي المادة التي تتكون منها الكلمة،الحروف التي تتكون منها إذا كان العيب في الحروف التي تتكون منها المادة
فهو عيب يوصف بالتنافر.
وإذا كان العيب يتصل بالصيغة التي بنيت عليها أصبحت عليها الكلمة فهو عيب في المخالفة مخالفة القياس [ غير مسموعة ] أو
مخالفة الوضع كما نقترح.
وإذا كان العيب في المعنى الذي هو الجهة الثالثة التي ينظر إليها يعني هي سهلة في النطق لكنه لا يـعرف معناها هذا طبعاً
الغرابة:
إذاً: إذا كان في المادة فهو تنافر.
وإذا كان في الصيغة فهو مخالفة للقياس.
وإذا كان في المعنى فهو الغرابة.