العشرة بكسر العين الاجتماع([2]) يقال لكل جماعة: عشرة ومعشر([3]) وهي هنا: ما يكون بين الزوجين، من الأُلفة والانضمام([4]) (يلزم) كلا من (الزوجين العشرة) أي معاشرة الآخر (بالمعروف)([5]) فلا يمطله بحقه([6]) ولا يتكره لبذله([7]) ولا يتبعه أذى ومنة([8]).
لقوله تعالى ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[([9]) وقوله ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ[([10]) وينبغي إمساكها مع كراهته لها، لقوله تعالى ]فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[([11]).
قال ابن عباس: ربما رزق منها ولدا فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا([12]) (ويحرم مطل كل واحد) من الزوجين (بما يلزمه لـ) لمزوج ا(لآخر([13]) والتكره لبذله) أي بذل الواجب، لما تقدم([14]) (وإذا تم العقد لزم تسليم) الزوجة (الحرة التي يوطأُ مثلها)([15]) وهي بنت تسع([16]) ولو كانت نضوة الخلقة([17])
ويستمتع بمن يخشى عليها، كحائض([18]) (في بيت الزوج) متعلق بتسليم([19]) (إن طلبه) أي طلب الزوج تسليمها([20]) (ولم تشترط) في العقد (دارها، أو بلدها) فإن اشترطت عمل بالشرط، لما تقدم([21]) ولا يلزم ابتداء تسليم محرمة، ومريضة، وصغيرة، وحائض، ولو قال لا أطأ([22]) وإن أنكر أن وطأه يؤذيها، فعليها البينة([23]).
(وإذا استمهل أَحدهما) أي طلب المهلة ليصلح أَمره (أُمهل العادة وجوبًا)([24]) طلبا لليسر والسهولة([25]) (لا لعمل جهاز) بفتح الجيم وكسرها([26]) فلا تجب المهلة له([27]) لكن في الغنية: تستحب الإجابة لذلك([28]) (ويجب تسليم الأَمة) مع الإطلاق (ليلا فقط)([29]) لأنه زمان الاستمتاع للزوج([30]) وللسيد استخدامها نهارا، لأنه زمن الخدمة([31]) وإن شرط تسليمها نهارًا، أو بذله سيد، وجب على الزوج تسلمها نهارا أيضًا([32]).
(ويباشرها) أي: للزوج الاستمتاع بزوجته في قبل، ولو من جهة العجيزة([33]) (ما لم يضر) بها([34]) (أو يشغلها عن فرض) باستمتاعه([35]) ولو على تنور، أو ظهر قتب([36]) (وله) أي للزوج (السفر بالحرة) مع الأَمن([37]) لأنه عليه السلام وأصحابه كانوا يسافرون ينسائهم([38]) (ما لم تشترط ضده) أي أن لا يسافر بها، فيوفي لها بالشرط([39]).
وإلا فلها الفسخ كما تقدم([40]) والأَمة المزوجة ليس لزوجها ولا سيدها سفر بها بلا إذن الآخر([41]) ولا يلزم الزوج لو بوأَها سيدها مسكنا أن يأتيها فيه([42]) ولسيد سفر بعبده المزوج، واستخدامه نهارا([43]) (ويحرم وطؤها في الحيض)([44]) لقوله تعالى ]فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[ الآية([45]) وكذا بعده قبل الغسل([46]) (و) في (الدبر)([47]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأْتوا النساء في أَعجازهن» رواه ابن ماجه([48]).
ويحرم عزل بلا إذن حرة([49]) أو سيد أمة([50]) (وله إجبارها) أي للزوج إجبار زوجته (على غسل حيض) ونفاس([51]) وجناية، إذا كانت مكلفة([52]).
(و) غسل (نجاسة)([53]) واجتناب محرمات([54]) وإزالة وسخ ودرن (وأَخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره) كظفر([55]) ومنعها من أكل ما له رائحة كريهة، كبصل وكراث([56]) لأنه يمنع كمال الاستمتاع([57]) وسواء كانت مسلمة أو ذمية([58]) ولا تجبر على عجن، أو خبز، أو طبخ، أو نحوه([59]) (ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة) في رواية([60]).
والصحيح من المذهب له إجبارها عليه، كما في الإنصاف وغيره([61]) وله منع ذمية من دخول بيعة، وكنيسة([62]) وشرب ما يسكرها([63]) لا ما دونه([64]) ولا تكره على إفساد صومها، أو صلاتها، أو سبتها([65]).
([1]) والقسم، وما يتعلق بهما، وقوله: عشرة النساء. أي عشرة النساء الرجال، أو عشرة الرجال النساء، ليصح تفسيره بقوله: وهي ... الخ.
([2]) والمخالطة، وعاشره معاشرة؛ وتعاشروا تخالطوا.
([3]) كمسكن، وعشرة بكسر العين، وفي الآية الكريمة ]يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ[ وقال عليه الصلاة والسلام «يا معشر قريش».
([4]) الألفة بالضم، أي والعشرة المبوب لها: هي ما يكون بين الزوجين من الائتلاف، والاجتماع، وقال الحارث المحاسبي: ثلاثة أشياء قليلة، أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.
([5]) من الصحبة الجميلة, وكف الأذى.
([6]) مع قدرته على أدائه.
([7]) أي بما عليه من حق الآخر، بل ببشر وطلاقه.
([8]) لأن هذا من المعروف المأمور به.
([9]) أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم، قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله» وكان من أخلاقه أنه جميل العشر، دائم البشر. وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيكم.
([10]) قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، وحقه عليها أعظم من حقها عليه، لقوله تعالى ]وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ وقوله صلى الله عليه وسلم «لو كنت آمرا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» لعظم حقه عليها؛ وقال «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
ويسن لكل منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، لقوله تعالى ]وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ[ قيل: هو كل واحد من الزوجين، ولقوله صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم» وقوله «خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته».
وقال ابن الجوزي: معاشرة المرأة بالتلطف، مع إقامة هيبة، ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله، ولا يفشي إليها سرًا، يخاف إذاعته، ولا يكثر من الهبة لها، وليكن غيورا من غير إفراط، لئلا ترمى بالشر من أجله. اهـ. وعليها أن تبدي له كل ما يدعوه إليها، ويزيدها في مودته، وتصطاد به قلبه.
([11]) أي فعسى أن يكون صبركم، في إمساككم لهن مع الكراهة، فيه خير
كثير لكم، في الدنيا والآخرة، ندب تعالى إلى إمساك المرأة مع الكراهة، لأن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودا، أو محمود عاد مذموما، ولا تكاد تجد محبوبًا ليس فيه ما تكره، فليصبر على ما يكره لما يحب.
([12]) وفي الصحيح «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر».
([13]) المطل الدفع عن الحق، بوعد، وبابه قتل.
([14]) أي من وجوب المعاشرة بالمعروف، وعدم التكره لبذله، للآيات والأخبار.
([15]) إن طلبه، لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض، كما تستحق تسليم الصداق إن طلبته، ونصه: التي يمكن الاستمتاع بها. واعتبار الحرية، لما يأتي في الأمة.
([16]) لأنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع، وليس على التحديد، وإنما ذكروه لأنه الغالب، وفي هذا الوقت لا يمكن تقييدها بالتسع، بل التي يوطأ مثلها.
([17]) أي مهزولة الجسم، لكن إن خافت على نفسها بالإفضاء من عظمه، فلها منعه من جماعها، وعليه النفقة، ولا يثبت له خيار الفسخ.
([18]) أي يستمتع بها كما يستمتع من الحائض بما دون الفرج، ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها، وعبالة ذكره، ونحو ذلك، ويجوز أن تنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة.
([19]) أي وإذا تم العقد، لزم تسليم الزوجة الحرة، في بيت الزوج.
([20]) لأن الحق له، فلا يجب بدون طلبه.
([21]) أي في الشروط في النكاح، ولم يكن له طلبها إلى بيته، وفي المبدع: فإن شرطته لزم الوفاء به، وإنما يلزم على قول الشيخ، وعليه فله طلبها، ولها الفسخ بمخالفته، ويجب تسليم نفسها في دارها، ويلزم الزوج تسلمها إن بذلته إذا كانت ممن يجب تسليمها، وتلزمه النفقة، تسلمها أو لا.
([22]) لم يقبل قوله، وذلك لأن هذه الأعذار تمنعه الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، وإن كانت غير مرجوة الزوال وجب التسليم، لئلا يؤدي إلى عدم التسليم، بخلاف ما لو كانت عنده أولا، ثم مرضت، أو حاضت، فإنه يلزم تسليمها إليه، ويلزمه تسليمها إذا طلبته.
([23]) لأن الأصل عدم ذلك، أشبه سائر الدعاوي، وهذا فيما إذا كانت ممن يجب تسليمها.
([24]) كاليومين والثلاثة، كذا ذكره في الإقناع وغيره، والمرجع في ذلك إلى العرف، لأنه لا تقدير فيه، فيرجع فيه إلى العادة.
([25]) لأن ذلك من حاجتهما، فإذا منعا منه كان تعسيرا، فوجب إمهالهما.
([26]) ما تجهز به إلى بيت الزوج.
([27]) أي لعمل الجهاز، وكذا لو سأل هو ذلك.
([28]) إن استمهلت هي أو أهلها ما تتهيأ به، من شراء جهاز وتزين، أو استمهل هو وولي من به صغر أو جنون مثله، إذا طلب المهلة، على التفصيل السابق.
([29]) حيث لم يكن هناك شرط.
([30]) أي لأن الليل هو زمن الاستمتاع في الغالب.
([31]) ولأنها مملوكته، عقد الزوج على إحدى منفعتيها، فلم يجب تسليمها في غير وقتها، كما لو آجرها لخدمة النهار.
([32]) لأن الزوجية تقتضي وجوب التسليم والتسلم مع البذل ليلاً ونهارًا، وإنما منع منه في حق الأمة نهارا لحق السيد، فإذا بذله فقد ترك حقه، فعاد إلى الأصل في الزوجية.
([33]) لقوله تعالى ]نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[ فجاز كل وقت، على أي صفة كانت، وإنما التحريم مختص بالدبر دون ما سواه.
([34]) أي باستمتاعه بها، لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف، ومن زاد عليها في الجماع صولح على شيء، لأنه غير مقدر، فرجع إلى اجتهاد الحاكم، قال الشيخ: فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم، كالنفقة وكوطئه إذا زاد. اهـ. وجعل ابن الزبير أربعا بالليل، وأربعا بالنهار، وصالح أنس رجلا على ستة.
([35]) فليس له ذلك، وحيث لم يضرها، ولم يشغلها عن فرض، فله الاستمتاع بها، ولا يجوز لها تطوع بصوم، ولا صلاة، وهو شاهد إلا بإذنه.
([36]) أي وله الاستمتاع بها، ما لم يضرها أو يشغلها، ولو كانت على تنور، لما رواه أحمد وغيره «أو كانت على ظهر قتب» يعني راكبة.
([37]) بلا إذنها إذا كان الطريق، أو البلد الذي يريده غير مخوف.
([38]) كما هو مستفيض عنه صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم.
([39]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج».
([40]) أي فيما إذا شرطت بلدها.
([41]) لما في ذلك من تفويت حقه عليه.
([42]) أي الزوج في ذلك المسكن، لأن السكنى للزوج، لا لها.
([43]) ولو منعه من التكسب، لتعلق المهر والنفقة بذمة سيده.
([44]) وكذا نفاس إجماعًا، وتقدم في باب الحيض.
([45]) فدلت الآية على تحريم وطء الحائض حال جريان دم الحيض، وهو إجماع.
([46]) لقوله تعالى ]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ[ أي اغتسلن أو تيممن لعدم الماء، أو عجز عن استعماله.
([47]) أي ويحرم وطؤها في الدبر، بالإجماع.
([48]) وله عن أبي هريرة «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها»
وعنه «من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد» قال الشيخ: وطء المرأة في الدبر حرام، بالكتاب والسنة، وقول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى، وقوله تعالى ]أَنَّى شِئْتُمْ[ أي في صمام واحد كما تقدم، فإن فعل عزر إن علم تحريمه، وإن تطاوعا فرق بينهما، قال الشيخ: كما يفرق بين الرجل الفاجر، وبين من يفجر به من رقيقه.
([49]) قال الوزير وغيره: أجمعوا على أنه ليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها، ولأحمد: نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وثبت عن ابن عباس نحوه، ولمسلم عن عائشة قال «ذلك الوأد الخفي» ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها، والجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجا عن الفرج.
([50]) أي ويحرم عزل عن أمة، إلا بإذن سيدها عند الجمهور، لأن الحق في الولد له، وله أن يعزل عن سريته بلا إذنها، ويعزل وجوبا عن الكل بدار حرب بلا إذن.
([51]) سواء كانت زوجة، أو أمة، أو سرية، لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه.
([52]) لا إجبار من دون البلوغ، ولا ذمية كما سيأتي، لأن الوطء لا يقف عليه، لإباحته بدونه، جزم به في الإقناع، وصحح في الإنصاف إجبار الذمية المكلفة، وهو مقتضى المنتهى.
([53]) أي وللزوج إجبار زوجته، على غسل نجاسة، لأنه واجب عليها.
([54]) أي وله إجبارها على اجتناب المحرمات، وأداء الواجبات، فلو امتنعت عن الصلاة أدبها، فإن صلت وإلا حرم عليه الإقامة معها، كما سيأتي.
([55]) فإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه، لأنه لحقه.
([56]) وثوم، ونتن، إذا تأذى به.
([57]) فكان له منعها منه.
([58]) فهما سواء في حقه.
([59]) كطحن، وكنس بيت، وغير ذلك، وقال الشيخ: يجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف، من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، وقاله طائفة من الأصحاب.
([60]) وهو ما جزم به في الإقناع، وقدمه غير واحد.
([61]) وهو مقتضى المنتهى وغيره.
([62]) فلا تخرج إلا بإذن الزوج.
([63]) لأنه محرم عليها، وله منعها من تناول محرم.
([64]) أي ولا تمنع من دون ما يسكرها، لاعتقادها حله في دينها، وأقرت عليه، وله إجبارها على غسل فمها من سائر النجاسات، لأنه يمنع من القبلة.
([65]) بوطء أو غيره، لأنه يضر بها، ولأنها بذلت الذمة، وعقدت على إقرارها على دينهم، ولا يشتري لها ولا لأمته الذمية زنارا، لأنه إعانة على إظهار شعارهم، بل إن أرادت فتشتري هي لنفسها.