السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و آله وصحبه ومن والاه
المجموعة الأولى:
س1: بيّن ما يشمله الدعاء بقول: {اهدنا الصراط المستقيم}.
هذا الدعاء اصطفاه الله لعباده, ورضيه لهم, وفرضه عليهم, في سورة جعلها سبحانه ركنا لا تتم صلاتهم إلا به, هو أول دعاء في الفاتحة بعد طلب الاستعانة من الله في (إياك نعبد وإياك نستعين), اشتمل هذا الطالب على أعظم المطلوبات وأجلها و أكثرها تأثير في حياة المسلم ومصيره وأنفعها له, وأشمل دعاء وأهمه به تتحقق العبودية لله سبحانه وتكتمل.
قال شيخ الاسلام(أنفع الدعاء, وأعظمه, وأحكمه دعاء الفاتحة <إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين > فإنه إذا هداه هذه الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته. فلم يصبه شر لا في الدنيا ولا في الآخرة, لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان, وهو محتاج إلى هذا الهدى في كل لحظة, وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب)أ.ه.
وحصول الهداية يترتب عليه حصول الرزق والنصر والتوفيق و, والخيرات والسعادة و العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. فالهدى يدل على العمل الصالح والذي بدوره يضمن طيب الحياة العاجلة والآجلة (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
والهداية كما ذكر شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله أن المراد بها العمل بما أمر الله به, وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور.
فالهداية المطلوبة هي في الحقيقة هدايتان تبنى أحدهما على الأخرى فتتحقق الهداية المنشودة بمعناها التام:
الأولى: هداية الدلالة والإرشاد بها تقوى البصيرة ويؤتى المؤمن بها فرقانا يفرق به بين الخير والشر والحق والباطل, وهي هداية العلم. وهي البصيرة في الدين.
الثانية: وهي معتمدة على الهداية الأولى ولكنها توازيها في الأهمية بل لا يتحقق الهدى إلا ببلوغ هذه المرتبة وهي هداية التوفيق والإلهام, يمعنى آخر هي العمل بالعلم المتحصل من الهداية الأولى, ومعلوم أن صاحب العلم بلا عمل كمن لا علم له فالنتيجة واحدة عند الجاهل وعند العامل فكلاهما بلا ثمرة . فهي طلب الإعانة على الطاعة والعصمة من الضلال في كل أحوال المؤمن وشؤونه.
وبقدر تحقق الاستهداء عند الداعي من حضور قلب ,وإحسان في الدعاء بالتضرع والتقرب والخوف والرجاء, وحسن الظن بالله والتوكل و الإنابه إليه, وإظهار الاضطرار إليه سبحانه في تحقق الهداية
ومن إحسان الاستهداء تفقد المرء لنيته في طلب الهداية ففي حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات) فكلما عدد المرء نيته و حددها و عظمها وبلغ بها طلب الإحسان والهدى التام من الله بقدر هذا يكون تحقق الهداية وكمالها وشمولها بحيث يبلغ الداعي درجات المحسنين.
ويتبادر سؤال عن الهداية المطلوبة وماهيتها واشتهر في كتب التفسير الإجابة على سؤال الحكمة من طلب الهداية من قبل مؤمن مهدي أصلا, فكانت الإجابة موضحة وكانت أقوال العلماء من وجوه :
الأول:أن طلب الهداية لا يلزم بالضرورة طلب أصلها المتواجد عند الداعي بداية, بل فيه طلب لاستمرار هذه الهداية فالحي لا يأمن الفتنة, والقلوب تتقلب.
ذهب ابن جرير و الزجاج والنحاس وجماعة من النحويين إلى أن المعنى ثبتنا على الهدى.
الثاني:الهدى هو معرفة التفاصيل والجزئيات التي لم يعرفها الإنسان من أمور يستقيم بها دينه وتسقيم بها دنياه من أعمال القلوب والجوارح. فالنصوص في كتاب الله وسنته تأتي بالكليات ويحتاج المرء أن يهديه الله لتفاصيلها علما وعملا.
الثالث: أن لكل عبد مرادات خاصة به في أمر الهداية يحتاج أن يهديه الله فيها.
ومما يدل على ما سبق قوله تعالى في سورة الفتح لخير البشر صلى الله عليه وسلم (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما), وقال تعالى في حق موسى وهارون في سورة فصلت ( وهديناهما الصراط المستقيم). ولابن القيم اهتمام بهذا الجواب رحمة الله عليه.
هذا والله أعلم.
----------------------------------------
س2: بيّن معنى الصراط لغة.
الصراط لغة هو الطريق الواضح الواسع السهل المستقيم الموصل إلى المطلوب.
قال ابن جرير: أجمعت الحجة من أهل التأويل جميعا أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه, وكذلك في لغة جميع العرب, فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي: أمير المؤمنين على صراط.. إذا اعوج الموارد مستقيم أ.ه
وقد نقل عن أبو منصور الزهري عن بعض أهل اللغة أن السراط سمي سراطا لأنه يسترط المارة (أي يسعهم ويستوعبهم).
قالت العرب : لا تكن حلوا فتسترط . أي: تُبْتَلَع.
وقال ابن القيم :الصراط ما جمع خمسة أوصاف:أن يكون طريقا مستقيما, سهلا,مسلوكا, واسعا,موصلا إلى المقصود, فلا تسمي العرب الطريق المعوج ولا الصعب ولا المسدود صراطا.
و أصل الصاد منقلبة عن السين, ولكنها كتبت في المصاحف بالصاد لتحمل أوجه أخرى وردت عن القراء فقد قرأها ابن كثير المكي رحمه الله ( السراط),وفي قراءة لأبي عمرو (الزراط), ومن القراء من يشم الزاي بالصاد.
_________________________________________
س3: ما الحكمة من حذف متعلّق الإنعام في قوله تعالى: {أنعمت عليهم}؟
كل حذف في القرآن له حكمة, واعتنى بذلك أهل التفسير أشد العناية, فتدرجوا رحمهم الله ما بين طرفي نقيض طرف تكلف قولا فلم يقبل و طرف كلامه صحيح في نفسه وله وجه استدلال صحيح فكان معتبرا مقبولا.
مما ورد في الحكمة المحتملة من الحذف ما يلي ذكره:
1- لإفادة العموم في كل ما من شأنه تحقق الهداية التامة
2- لما يحتاجه العبد من هدايات كثير في كل أمر من أموره.
3- لتشمل ما ينفع ويقرب إلى الله وما يدفع الشر والضرر ويحقق السلامة في الدنيا والآخرة.
وهذا نظير الحذف في قوله تعالى( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) لم يحدد سبحانه أقوم في ماذا لإرادة العموم, أي أقول في كل أمر من أمور الدين وأبوابه في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والدعوة والسياسة وكل ما يحتاجه المسلم فردا ومجتمعا في دينهم ودنياهم.
___________________________________________
س4: ما الحكمة من تكرار ذكر الصراط؟
جاء الصراط أولا معرفا بأل ثم معرفا بالإضافة على الرغم من قربهما إلا أنه سبحانه لم يختصر ذكر الصراط, وفي ذلك نكت أشار إليها الشيخ حفظه الله, ففي كل موضع حكمة, ومناسبة, و فائدة لا تتحقق في الآخر.
الموضع الأول:معرفا بأل للعهد الذهني دلالة على أنه طريق واحد معين وهو وحده الصحيح السهل المفضي للعاقبة الحسنة والمآل المحمود. فكان طلبه ابتداءا من أهم المهمات وأولاها بتجريده دون ذكر شيء معه ولا يحتاج زيادة وصف .
الموضع الثاني: ناسب أن يكون الطلب أكثر تفصيلا وأتى على ذكر من يستأنس باتباعهم, وليفيد أن طريق مسلوك آمن مؤكد إيصاله للمطلوب.
قال ابن القيم رحمه الله _وهذا كما لو دللت رجلا على طريق لا يعرفها وأردت توكيد الدلالة وتحريضه على لزومها و ألا يفارقها, فأنت تقول: هذه الطريق الموصلة إلى مقصودك, ثم تزيد ذلك عنده توكيدا وتقويه فتقول وهي الطريق التي سلكها الناس والمسافرون وأهل النجاة إفلا ترى كيف أفاد وصفك بأنها طريق السالكين الناجيم قدرا زائدا على وصفك لها بأنها طريق موصلة وقريبة سهلة مستقيمة فإن النفوس مجبولة على التأسي والمتابعة فإذا ذكر لها من تتأسى به في سلوكها أنست واقتحمتها فتأمله) أ.ه
___________________________________________
س5: ما سبب توافق السلف في تفسير المراد بالمغضوب عليهم والضالين؟
لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وصف اليهود بأنهم هم المغضوب عليهم ووصف النصارى بالضالين. وهو وصف له سبب وعلى هذا فكل من شابهمم و
أتى بالسبب الذي أتوا به ينطبق عليه وصفهم.
و الحديث صححه جماعة من أهل العلم, واستشهد لصحة معناه جماعة من أهل العلم, وأشهرهم ابن تيمية رحمه الله (وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث(.. من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت) والضمير عائد على اليهود كما دل عليه سياق الكلام .
وقال تعالى في سورة المجادلة (ألم ترى إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم..) وهم المنافقون الذين تولوا اليهود باتفاق أهل التفسير, وسيلاق الآية يدل على ذلك.
و في آل عمران (وباؤوا بغضب من الله) وهذا بيان أن اليهود مغضوب عليهم.
وقال في النصارى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة..)إلى قوله( ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرا و ضلوا عن سواء السبيل) وهذا خطاب للنصارى كما دل عليه السياق, ولهذا نهاهم عن الغلو, وهو مجاوزة الحد, كما نهاهم عنه في قوله (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) ( ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله....الآية. واليهود المقصرون عن الحق, والنصارى غالون فيه. أ.ه.
فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي r أنه قال ( اليهود مغضوب عليهم, والنصارى ضلال) رواه أحمد والترمذي و ابن جرير وابن أبي حاتم وابن خزيمة في التوحيد وابن حبان والطبراني في الكبير من طرق عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي , وعباد بن حبيش مجهول
ورواه ابن جرير والطبراني في الأوسط وتمام في فوائده من طريق عبدالله بن جعفر الرقي, عن سفيان بن عيينة, عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي, عن عدي قال : سمعت رسول اللهr يقول ( المغضوب عليهم: اليهود, والضالين النصاري.) أسناد ظاهره الصحة ورجاله ثقات , لكن له عله أن سعيد بن منصور رواه عن سفيان عن إسماعيل مرسلا وهو كذلك في تفسير سفيان في الدر المنثور للسيوطي.
وقد ورد حديثان في ذات المعنى لكنه لا تصل لدرجة الصحيح بل هي في درجة الحسن ومن دونه ومنها روايات شديد الضعف والحديثان هما
الحديث الأول:حديث بُدَيل بن ميسرة , قال أخبرني عبدالله بن شقيق, أنه أخبره من سمع النبي بوادي القرى وسأله رجل فقال يارسول الله من هؤلاء.؟
قال هؤلاء المغضوب عليهم, وأشار إلى اليهود. قال فمن هؤلاء, قال: هؤلاء الضالون _يعني النصارى.
وروى هذا الحديث اين مردويه وابن كثير في تفسيرهما, من طريق إبراهيم بن طهمان, عن بديل, عبد بن شقيق, عن أبي ذر رضي الله عنه, وقد حسن بن حجر هذا الاسناد. وللحديث طرق أخرى فيها اضطراب فمنها الموصول ومنها المنقطع. كما ذكر الشيخ حفظه الله.
و الحديث الثاني الذي رواه الطبراني في الأوسط حديث سلمان بن أرقم البصري _متروك الحديث عند أحمد ويحيى بن معين _عن الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي بن كعب رضي الله عنه وفيه ( المغضوب عليهم (اليهود), ولا الضالين (النصارى) (وأبو سلمة لم يسمع من أبي بن كعب فقد ولد أبو سلمة 22ه).
__________________________________________
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة
مسائل التفسير.
مما استفدته بفضل الله و منته و تيسير الله أن نكون تحت اشراف شيخنا بارك الله فيه وونفع بمعلمه وجزاه عنا خير الجزاء
المنهج الشامل الوافي للتعامل مع الآيات و السير وفق نقاط مهمة كماَ و كيفاَ
حيث تعلمنا مراعاة التالي:. سرد كل الأقوال الواردة في تفسير الآية مع نسب كل قول إلى أصحابه وحجة كل قول مع التعليق.
#بيان ما عليه الجمهور.
#الترجيح وبيان الأصح مع الدليل (لصاحب العلم)
. أن أقوى الأدلة الداعمة هي ماكان من القرآن الكريم، ثم ما سنة رسول الله صلى الله عليه مع التنبه لصحة الحديث و درجته و قوته سندا و متنا .
#أنه لا بد من التثبت من نسبة الأقوال إلى مفسر بعينه
#أنه قد ينسب لعالم نص و يحتمل أن يكون صحيحا وضعيفا في إسناده أو متنه ، ومما ينسب للعلماء الرأي المستخرج والمستنبط (ومنها ماهو ظاهر وغير ظاهر).
#من التفاسير ما اعتمد النقل المجرد دون تثبت و ينقل منها لتفسير آخر وعند التحقيق لا يجد لها أصلا معتبرا .
. بيان حدود الضعف المقبول و الغير مقبول في ما يرد من أحاديث في تفسير الآية.
تمييز ما يمكن جبره من ضعف في السند و ما لا يمكن جبره.
أن كل قول صحيح في نفسه و يدل عليه السياق مقبول عند المفسرين
في التفسير المعتبر مراعاة المعنى اللغوي و مناسبة مقصد الآية
#أن شهرة القول وانتشاره لا يدل بالضرورة على صحته،فقد تكون مجازفة من أحد الرواة و وانتشرت عنهم.
العلم بالرواة والمفسرين و أزمنتهم مهم معرفته للمفسر.
#مراعاة عدم مخالفة آية أو حديث صحيح لقبول القول .
هذا والله أعلم
والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله