5/1284 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لا نَعْلَمُ أَحَداً رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ.
قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: كَانَ أَيُّوبُ يَرْفَعُهُ تَارَةً، وَتَارَةً لا يَرْفَعُهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لا يَصِحُّ رَفْعُهُ، إلاَّ عَنْ أَيُّوبَ، مَعَ أَنَّهُ شَكَّ فِيهِ.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ رَفَعَهُ تَارَةً، وَوَقَفَهُ أُخْرَى، وَلا يَخْفَى أَنَّ أَيُّوبَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، لا يَضُرُّ تَفَرُّدُهُ بِرَفْعِهِ، وَكَوْنُهُ وَقَفَهُ تَارَةً لا يَقْدَحُ فِيهِ؛ لأَنَّ رَفْعَهُ زِيَادَةُ عَدْلٍ مَقْبُولَةٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى وَحَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعاً، فَقَوِيَ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفاً، فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؛ إذْ لا مَسْرَحَ لِلاجْتِهَادِ فِيهِ.
وَإِلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلاً، قَالَ: وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلاً، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ، لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ فِي يَمِينٍ، وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى الْكَفَّارَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ الاتِّصَالِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، مُتَّصِلاً بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا، وَلا يَضُرُّهُ التَّنَفُّسُ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَدُلُّ لَهُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: ((فَقَالَ)). وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِن التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: قَدْرَ حَلْبَةِ النَّاقَةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهُ الاسْتِثْنَاءُ أَبَداً مَتَى يَذْكُرُ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ تَقَارِيرُ خَالِيَةٌ عَن الدَّلِيلِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الأَقَاوِيلَ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ تَبَرُّكاً أَوْ وُجُوباً، كمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}، فَيَكُونُ الاسْتِثْنَاءُ رَافِعاً لِلإِثْمِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهِ، أَوْ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ النَّدْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ. وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ حَلَّ الْيَمِينَ، وَمَنْعَ الْحِنْثِ.
وَاخْتَلَفُوا: هَل الاسْتِثْنَاءُ مَانِعٌ لِلْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِاللَّهِوَغَيْرِهِ مِن الظِّهَارِ وَالنَّذْرِ وَالإِقْرَارِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لا يَنْفَعُ إلاَّ فِي الْحَلِفِ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَاسْتَقْوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}.
قَالَ: الاسْتِثْنَاءُ أَخُو الكَفَّارَةِ، فَلا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إلاَّ الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْعِتْقُ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعاً: ((إِذَا قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ تَطْلُقْ، وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَإِنَّهُ حُرٌّ)).
إلاَّ أَنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ. وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيمَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ، أَوْ لا يَشَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشَاؤُهُ اللَّهُ، بِأَنْ كَانَ وَاجِباً أَوْ مَنْدُوباً أَوْ مُبَاحاً فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَالَ التَّكَلُّمِ؛ لأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ، فَلا تَبْطُلُ الْيَمِينُ، بَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لا يَشَاؤُهُ، بِأَنْ يَكُونَ مَحْظُوراً أَوْ مَكْرُوهاً، فَلا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، فَجَعَلُوا حُكْمَ الاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ حُكْمَ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ، فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ لا تُطَابِقُهُ هَذِهِ الأَقْوَالُ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَكْفِي فِي الاسْتِثْنَاءِ النِّيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: بَابُ النِّيَّةِ فِي الأَيْمَانِ؛ يَعْنِي: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَمَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْعُمُومِ، إلاَّ مِنْ عَدَدٍ مَنْصُوصٍ، فَلا بُدَّ مِن الاسْتِثْنَاءِ بِاللَّفْظِ.