(2) (والإجماعُ حُجَّةٌ على العصْرِ الثاني، وفي أيِّ عصرٍ كانَ، ولا يُشْتَرَطُ انقراضُ العصْرِ على الصحيحِ، فإنْ قُلْنَا: انقراضُ العصْرِ شَرْطٌ، يُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ وُلِدَ في حياتِهم وتَفَقَّهَ وصارَ مِنْ أهلِ الاجتهادِ، ولهم أنْ يَرْجِعُوا عنْ ذلكَ. والإجماعُ يَصِحُّ بقولِهم، وفِعْلِهم، وبقولِ البعضِ وفعْلِ البعضِ، وانتشارِ ذلكَ وسكوتِ الباقينَ عنْهُ).
الموجودُ في أكثرِ النسَخِ هكذا: (الإجماعُ حُجَّةٌ على العصْرِ الثانِي) فيكونُ المرادُ التَّوْطِئَةَ لِمَا سيَذْكُرُهُ فيما بَعْدُ مِنْ أنَّ الإجماعَ هلْ يكونُ حُجَّةً على أهلِ العصرِ حتَّى لا يَجوزَ لهم الرجوعُ؟
وسيأتي بيانُ ذلكَ فيما ذَكَرَهُ بعدُ في انقراضِ العصرِ.
وفي بعضِ النسَخِ:
(والإجماعُ حُجَّةٌ في العصرِ الثانِي) وهذا فيهِ تَعريضٌ بأنَّ إجماعَ التابعينَ حُجَّةٌ، خِلافًا لأهلِ الظاهرِ؛ فإنَّهُم قالُوا: الإجماعُ الْمُحْتَجُّ بهِ إجماعُ الصحابةِ، فأمَّا مَنْ بَعْدَهم فلا، واعْتَمَدوا على أنَّ الإحاطةَ بأقوالِ الْمُجْمِعِينَ في أيَّامِ الصحابةِ كانتْ مُمْكِنَةً؛ لاشتهارِ العلماءِ وانحصارِ عددِهم. فأمَّا بعدَ الصحابةِ فلا؛ فإنَّ العُلماءَ تَفَرَّقُوا في الأمصارِ، واخْتَلَفوا في الأَقْطَارِ، وكَثُرُوا بحيثُ لا يَحْصُرُهم عددٌ، ولا يَجْمَعُهم بلدٌ، ولا يُمْكِنُ الوقوفُ على قولِهم.
وأُجيبَ عنْ ذلكَ:
بأنَّ إجماعَ العلماءِ على قَوْلٍ في كلِّ عَصْرٍ مُمْكِنٌ، بأنْ يَجْمَعَهم إمامٌ قاهرٌ ويَسْتَنْطِقَهم في حُكْمِ الواقعةِ.
وفي هذا الجوابِ نَظَرٌ للمُتَأَمِّلِ.
وقالَ قومٌ: إجماعُ الصحابةِ حُجَّةٌ، وكذلكَ إجماعُ التابعينَ.
- فأمَّا مَنْ بَعْدَهم فلا حُجَّةَ في إجماعِ عصرٍ مِن الأعصارِ.
ولهذا قالَ: (وفي أيِّ عصْرٍ كانَ) أيْ: لا يَخْتَصُّ بعصرِ الصحابةِ ولا بعَصْرِ التابعينَ، بلْ أيُّ عصْرٍ اتَّفَقَ إجماعُ عُلماءِ أهلِهِ على واقعةٍ كانَ ذلكَ حُجَّةً على مَنْ بعْدَهم إلى انقراضِ الدُّنيا.
والقولُ بتَصَوُّرِ الإجماعِ في كلِّ عَصْرٍ هوَ المشهورُ مِنْ مَذْهَبِ أهلِ الأصولِ.
والتحقيقُ يَقتضِي خِلافَ ذلكَ؛ فإنَّ غايَةَ ما نَفْرِضُ وُجودُ إمامٍ قاهرٍ نافذِ الكلمةِ في أقطارِ الإسلامِ بحيثُ لا يُخَالَفُ، ولا تَخْفَى عليهِ أحوالُ أهلِ الأمصارِ على ما جَرَتْ بهِ عادةُ الملوكِ الْمُنَقِّبِينَ عنْ أحوالِ الرَّعَايا، فإذا تَقَدَّمَ هذا المَلِكُ بجَمْعِ العلماءِ في عصرِهِ، فجُمِعَ لهُ خَلْقٌ منهم، فسُئِلُوا عنْ حُكْمِ واقعةٍ، فأَجَابُوا جميعًا بجوابٍ واحدٍ -وهذا معَ كَوْنِهِ يَكادُ يَمْتَنِعُ عادةً وُقوعُهُ، ولمْ يُسْمَعْ فيما مَضَى بِمِثْلِهِ معَ وُجودِ الملوكِ القاهرينَ الْمُعْتَنِينَ بأحكامِ الوقائعِ- إذا وَقَعَ لمْ يَحْصُلِ العلْمُ باتِّفاقِهم كلِّهم على ذلكَ؛ فإنَّ مِن الجَائِزِ وُجودَ خامِلٍ مِنْ أهلِ العلْمِ لمْ يَعْثُرْ عليهِ المندوبُ بجَمْعِ العُلماءِ؛ لِخُمولِهِ أوْ لعَداوةٍ بَيْنَهُ وبينَ الْمُنَبِّهِ على أهلِ العلْمِ.
ثمَّ الحاضرونَ يُمْكِنُ أنْ يكونَ بعضُهم أظهَرَ الوِفاقَ تَقِيَّةً؛ لِخَوْفِهِ مِنْ إظهارِ الخِلافِ الهلاكَ، أوْ أَظْهَرَ الوِفاقَ؛ لاعتقادِهِ أنَّ كلَّ مُجْتَهِدٍ في الفروعِ مُصيبٌ، أوْ لأنَّهُ هابَ المخالِفينَ فوَافَقَهم، كما جاءَ عن ابنِ عبَّاسٍ في العَوْلِ لَمَّا خالَفَ فيهِ.
- فقيلَ لهُ: هلاَّ قُلْتَ ذلكَ في زمانِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟
فقالَ: كانَ رَجُلاً مَهِيبًا، فَهِبْتُهُ.
وأُجيبَ عنْ هذا:
بأنَّ الإمكانَ الْمُجَرَّدَ عنْ قرائنِ الوُجودِ لا يَقْدَحُ في العلْمِ؛ فإنَّ العاقلَ يَعْلَمُ أنَّ النِّيلَ مَثلاً يَجْرِي ماءً فُراتًا، معَ أنَّهُ مُمْكِنٌ أنْ يَنقلِبَ ذَهَبًا أوْ دَمًا عَبِيطًا، فَإِمْكَانُ ذلكَ لا يَقْدَحُ في العلْمِ بحالِهِ، فكذلكَ إمكانُ تَخَلُّفِ بعضِ العلماءِ أوْ مُوافَقَةِ بعضِهم ظاهرًا معَ مُخالَفَتِهِ في الباطنِ، لا يَقْدَحُ في العلْمِ بإجماعِ عُلماءِ العَصْرِ على حُكْمِ الواقعةِ إذا اتَّفَقَ جميعُهم كما ذُكِرَ.
وفي هذا الجوابِ نَظَرٌ مِنْ جِهاتٍ:
أحدُها:
أنَّهُ قِياسٌ أُكْمِلَ بهِ دليلُ الإجماعِ، وإثباتُ الإجماعِ بالقياسِ مُمْتَنِعٌ؛ فإنَّ الإجماعَ أَقْوَى مِن القِياسِ، فلا يَثْبُتُ الأَقْوَى بالأَضْعَفِ.
والثانيَةُ:
أنَّهُ جَمْعٌ بينَ الْمُمْتَنِعِ عادةً والمُمْكِنِ عادةً؛ فإنَّ تَغَيُّرَ النِّيلِ عمَّا هوَ عليهِ مُمْتَنِعٌ في العادةِ، وإنْ كانَ مُمْكِنًا بالإضافةِ إلى قُدرةِ الحقِّ تعالى.
- بخِلافِ الإعراضِ عنْ خاملٍ أوْ عَدُوٍّ أوْ إظهارِ كلمةِ التَّقِيَّةِ؛ فإنَّهُ مُمْكِنٌ عادةً، ووُقوعُ مِثلِ ذلكَ في الأَعْصَارِ دليلُ إمكانِهِ عَادةً.
والثالثةُ:
قَطْعُ الْجَمْعِ بينَهما بإظهارِ افتراقِهما في الحقيقةِ؛ فإنَّ ما ذُكِرَ مِنْ تَغَيُّرِ حالِ النِّيلِ لو اقْتَرَنَ بهِ قَرينةٌ تَقتضِيهِ لمْ يَبْعُدْ وُقوعُهُ، وإنَّما قُطِعَ بعَدَمِ وُقوعِهِ لعَدَمِ القرائنِ الْمُقتضيَةِ لهُ، بخِلافِ ما نحنُ بِصَدَدِهِ مِنْ جَمْعِ عُلماءِ العصْرِ في مَكانٍ واحدٍ، واتِّفاقِهم على قولٍ واحدٍ في مَحَلِّ نَظَرٍ واجتهادٍ؛ فإنَّ القرائنَ الظاهرةَ كُلَّها تَمْنَعُ مِنْ وُقوعِ مِثلِ ذلكَ، وعَدَمُ وُقوعِهِ فيما مَضَى أَقرَبُ شاهدٍ على امتناعِه، وفيما يُرْوَى عن الإمامِ أحمدَبنِحَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ مِن الإنكارِ على مُدَّعِي الإجماعِ إشارةٌ إلى ذلكَ.
وفي بعضِ النُّسَخِ: (والإجماعُ حُجَّةٌ على العصْرِ الثاني، وأيِّ عَصْرٍ كانَ).
وليسَ في هذهِ العبارةِ كثيرُ فائدةٍ؛ فإنَّها لا تَقتضِي أكثرَ مِنْ أنَّ الإجماعَ إذا انْعَقَدَ كانَ حُجَّةً أَبَدًا.
والعبارةُ الأُولَى: فيها تَعَرُّضٌ لِمَا ذَكَرْناهُ مِنْ رَدِّ القولِ بإجماعِ الصحابةِ فقطْ، والقولِ بإجماعِ الصحابةِ والتابعينَ فقطْ.
وإذا أَجْمَعَ أهلُ العصْرِعلى شيءٍ مِن الأحكامِ الشرعيَّةِ، هلْ يُشْتَرَطُ لانعقادِ الإجماعِ، وكونِهِ حُجَّةً، انقراضُهم أمْ لا؟
فيهِ قولانِ لأهلِ الأصولِ:
أحدُهما: يُشْتَرَطُ؛ لأمرَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ الْمُجْمِعِينَ لا يَخْلُو إمَّا أنْ يَجوزَ لهم خِلافُ ما قالُوهُ أوَّلاً، أوْ لا يَجوزَ لهم ذلكَ.
فإنْ كانَ الأَوَّلُ، فالإجماعُ لمْ يَنعقِدْ؛ لأنَّ الإِجماعَ المنعَقِدَ لا يَجوزُ لأحَدٍ خِلافُهُ.
- وإنْ كانَ الثاني لَزِمَ تَرجيحُ قولِهم الأوَّلِ على الثاني مِنْ غيرِ مُرَجِّحٍ؛ لأنَّ التقديرَ أنَّ مَصدَرَ القولَيْنِ سَوَاءٌ.
الثاني: أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ لَمَّا قالَ: (كانَ رَأْيِي ورأيُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أنَّ أُمَّهاتِ الأولادِ لا يُبَعْنَ، وقدْ رَأَيْتُ أنَّهُنَّ يُبَعْن).
- فقالَ لهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: (رَأْيُكَ في الجماعةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ)، فلولا أنَّ انقراضَ العصرِ شَرْطٌ لانعقادِ الإِجماعِ، وإلاَّ كانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قدْ خَرَقَ الإِجماعَ برأْيِهِ الثاني في أُمَّهَاتِ الأولادِ، وكانَ الإِنكارُ عليهِ بغيرِ كلمةِ (أَحَبُّ إلَيْنَا)؛ فإنَّها تَقتضِي اشتراكَ القولَيْنِ في جوازِ الأَخْذِ بهما، وإنَّما أحدُهما أَرْجَحُ مِن الآخَرِ.
والقولُ الثاني:
وصَحَّحَهُ جماعةٌ مِنْ أهلِ الأصولِ: أنَّ الانقراضَ لا يُشْتَرَطُ، بلْ كُلَّمَا اتَّفَقُوا على الحكْمِ انْعَقَدَ الإِجماعُ؛ فإنَّهُم حينئذٍ كُلُّ الأمَّةِ المشهودُ لهم بالعِصمةِ، فلوْ لمْ يَكُنْ قولُهم حُجَّةً جازَ عليهم الخطأُ، ولمْ تَتَحَقَّق العِصمةُ المشهودُ بها شَرْعًا.
ومِنْ أَدِلَّةِ هذا القولِ، أنَّ الانقراضَ لوْ كانَ شَرْطًا لامْتَنَعَ حصولُ الإِجماعِ، واللازمُ مُنْتَفٍ فالملزومُ كذلكَ. بيانُ الْمُلازَمَةِ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أَجْرَى العادةَ بأنَّ أهلَ كلِّ عَصْرٍ لا يَأْتِي الموتُ على جميعِهم حتَّى يَنْشَأَ مِنْ أهلِ العصرِ الثاني مَنْ يُساوِيهم أوْ يُقارِبُهم، والوقوعُ شاهدٌ بذلكَ؛ فإنَّ جماعةً مِن التابعينَ أَفْتَوْا معَ وُجودِ خَلْقٍ مِن الصحابةِ، كالحَسَنِ البَصْرِيِّ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ وسعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، كلُّ هؤلاءِ كانوا يُفْتُونَ معَ وُجودِ جَماعةٍ مِن الصحابةِ.
- وكذلكَ عَصْرُ التابعينَ، لمْ يَنْقَرِضْ حَتَّى نَشَأَ خَلْقٌ مِنْ أَتباعِهم، وصَارُوا مِنْ أهلِ الاجتهادِ، وهكذا إلى آخِرِ الزمانِ.
- فلوْ كانَ انقراضُ العصرِ شَرْطًا فاللاَّحِقُونَ بأهلِ الإِجماعِ يُعْتَبَرُ وِفَاقُهم، ويَقْدَحُ في اتِّفاقِ أولئكَ خِلافُهم.
فإنْ قيلَ:
إذا انْقَرَضَ الأَوَّلونَ انْعَقَدَ الإِجماعُ على اللاحقينَ وحَرُمَ عليهم الخلافُ، لَزِمَ أنْ يكونَ قولُهم مُعْتَبَرًا ثمَّ يَصِيرُ غيرَ مُعْتَبَرٍ مِنْ غيرِ مُوجِبٍ لذلكَ، وذلكَ مُحالٌ، فتَعَيَّنَ أنْ يُقالَ: يُعْتَبَرُ انقراضُهم أيضًا على الوِفاقِ، لكنَّ انقراضَهم إنَّما يَتِمُّ بعدَ ظُهورِ خَلْقٍ مِنْ أَتْبَاعِهم، فلا بُدَّ مِنْ وِفاقِهم وانقراضِهم على ذلكَ، ويَعودُ الكلامُ في أَتباعِهم، وهكذا أبدًا، فيَمْتَنِعُ انعقادُ الإِجماعِ في شيءٍ مِن الأحكامِ، وقدْ عُلِمَ وُجودُ الإِجماعِ في أيَّامِ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وظَهَرَ في أيَّامِ التابعينَ وبَعْدَهم، فعُلِمَ ثُبُوتُ المُلازَمَةِ، وانتفاءُ اللازمِ فالملزومُ كذلكَ، فلا عِبْرَةَ بالانقراضِ.
وما تَمَسَّكَ بهِ مُشْتَرِطُو الانقراضِ:
أوَّلاً: مِنْ أنَّ كِلاَ قَوْلَي الْمُجْمِعينَ سَوَاءٌ، الأوَّلُ والثاني -فلا يَجوزُ ترجيحُ أحدِهما على الآخَرِ- ممنوعٌ؛ فإنَّ القولَ الأوَّلَ لَمَّا أَجْمَعوا عليهِ حُكِمَ لهُ بأنَّهُ حَقٌّ، وما بعدَ الحقِّ إلاَّ الضلالُ، والضلالُ لا يَجوزُ على جُملتِهم، ولا يَجوزُ لبعضِهم الْمَصيرُ إليهِ، فظَهَرَ رُجحانُ القولِ الأوَّلِ على ما بعدَهُ.
وما تَمَسَّكَ بهِ ثانيًا: مِنْ قِصَّةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ في بيعِ أُمَّهاتِ الأولادِ، فقدْ قيلَ: لمْ يُسَوِّغْ لهُ المخالَفَةَ عَدَمُ انقراضِ العصْرِ، إنَّما سَوَّغَ لهُ المخالَفَةَ أنَّهُ كانَ أَظْهَرَ الخِلافَ في أيَّامِ عُمَرَ، فلمْ يَنْعَقِدْ على ذلكَ إجماعٌ، وقالَ بقولِهِ غَيْرُهُ، وإنَّما ظَهَرَ قولُ عُمَرَ وعُمِلَ بهِ؛ لأنَّهُ كانَ الخليفةَ، وليسَ للمُجْتَهِدِ مَنْعُ الإِمامِ المجتَهِدِ مِنْ رَأْيِهِ، فأَنْفَذَ عمرُ ما ظَهَرَ لهُ وأَشْهَرَهُ بحيثُ شاعَ في الآفاقِ.
وفي قولِ عَبِيدَةَ: (رَأْيُكَ في الجَمَاعَةِ)، إشارةٌ إلى أنَّ ما تَقَدَّمَ لمْ يكُنْ إِجماعًا.
وفي هذا نَظَرٌ؛ فإنَّ قولَهُ: (كانَ رَأْيِي ورَأْيُ عُمَرَ أنَّ أُمَّهاتِ الأولادِ لا يُبَعْنَ)، صريحٌ في أنَّهُ كانَ يُوافِقُ عمرَ على ذلكَ، ثمَّ رَجَعَ عنهُ، فمِنْ أينَ ثَبَتَ خِلافُهُ لهُ؟
ولوْ ثَبَتَ أنَّهُ خالَفَهُ كانَ قولُهُ هذا صريحًا في أنَّهُ رَجَعَ إلى رَأْيِهِ، والوِفاقُ بعدَ الخِلافِ يَرْفَعُ الخِلافَ.
فلعلَّ الأقرَبَ في الجوابِ عنْ هذهِ القَضِيَّةِ أنْ يُقالَ: كانَ رَأْيُهُ ورأيُ عمرَ أنَّهُنَّ لا يُبَعْنَ، معَ أنَّ غيرَهما مِن الصحابةِ كانَ يَرَى بَيْعَهُنَّ، فلمْ يَنْعَقِد الإِجماعُ إذْ ذاكَ؛ فلهذا جازَ لِعَلِيٍّ الرجوعُ عنْ ذلكَ الرأيِ الأَوَّلِ.