695- بِلَا ولَامٍ طَالِبًا ضَعْ جَزْمَا = فِي الفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا
واجْزِمْ بِإَنْ ومَنْ وَمَا مَهْمَا = أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْمَا
696- وَحَيْثُمَا أَنَّى وحرفٌ إِذْمَا = كَإِنْ وَبَاقِي الأدواتِ اسْمَا
(بِلَا ولامٍ طَالبًا ضَعْ جَزْمَا فِي الفِعْلِ) "طَالبًا" حَالٌ مَنْ فَاعِلِ "ضَعْ" المُسْتَتِرِ، وَ"جَزْمًا" مَفْعولٌ بِهِ.
أيْ: تَجْزِمُ "لَا" واللامُ الطلبيتانِ الفِعْلَ المضارعَ، أَمَّا "لَا" فتكونُ للنهيِ، نَحوُ: {لا تُشْرِكْ باللهِ} وللدعاءِ. نحوُ: {لَا تُؤَاخِذْنَا} وَأَمَّا اللامُ فتكونُ للأمرِ، نحوُ: {لِيُنْفِقْ} وللدعاءِ نحوُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الطلبِ الأمرُ والنهيُ والدعاءُ، والاحترازُ بِهِ عَنْ غيرِ الطلبيتينِ، مِثْلُ "لَا" النافيةِ والزائدةِ واللامِ التِي يَنْتَصِبُ بَعْدَهَا المضارعُ، وقَدْ أَشْعَرَ أنَّهُمَا لَا يُجْزَمَانِ، فَعَلَي المُتَكَلِّمِ، وهو كذلكَ فِي "لَا" ونَذَرَ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1051- لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُهَا = مُرَدَّفَاتٍ عَلَى أَعْقَابِ أَكْوَارِ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1052- إِذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلَا نَعُدْ = لَهَا أَبَدًا مَا دَامَ فِيْهَا الجُرَاضِمُ
نَعَمْ، إِنْ كَانَ للمفعولِ جَازَ بِكَثْرَةٍ، نحوُ: "لَا أَخْرُجْ" و"لَا تَخْرُجْ" لِأَنَّ المَنْهِيَّ غيرُ المُتَكَلِّمِ، وأَمَّا اللامُ فَجَزْمُهَا لفِعْلَيِ المُتَكلمِ مَبْنِيَّيْنِ للفاعلِ جائزٌ في السَّعَةِ، لكنَّهُ قليلٌ، ومنهُ: "قُوْمُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ"، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وأَقَلُّ مِنْهُ جَزْمُهَا فِعْلَ الفاعلِ المُخَاطَبِ، كقراءةِ أُبَيٍّ وأَنَسٍ (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) وقولِهِ عليهِ السلامُ: ((لِتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ))، والأكثرُ الاستِغْنَاءُ عَنْ هَذَا بِفِعْلِ الأَمْرِ.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: زَعَمَ بعضُهُمْ أَنَّ أصْلَ "لَا" الطَلَبِيَّةِ لَامُ الأَمْرِ زِيْدَتْ عَلَيْهَا أَلِفٌ، َفانْفَتَحَتْ وزَعَمَ بعضُهُم أنَّها "لَا" النافيةُ، والجَزْمُ بَعْدَها بلامِ الأَمْرِ مُضْمَرَةً قَبْلَهَا، وحُذِفَتْ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ لَامَيْنِ فِي اللفظِ، وهُمَا ضَعِيْفَانِ.
الثانِي: لَا يُفْصَلُ بينَ لَا ومجزومِهَا، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1053- وَقَالُوا أَخَانَا لَا تَخْشَّعْ لِظَالِمٍ = عَزِيْزٍ وَلَا ذَا حَقَّ قَوْمِكَ تَظْلِمِ
فضرورةٌ وَأَجَازَ بعضُهُم فِي قليلٍ مِنَ الكلامِ، نحوُ: لاَ اليومَ تَضْرِبُ.
الثالثُ: حَرَكَةُ اللامِ الطلبيةِ الكَسْرُ، وفَتْحُهَا لغَةٌ، ويجوزُ تَسْكِيْنُهَا بعدَ الواوِ والفاءِ و"ثُمَّ"، وتَسْكِيْنُهَا بعدَ الواوِ والفاءِ أكثرُ مِنْ تَحْرِيْكِهَا، وليسَ بِضَعِيْفٍ بَعْدَ "ثُمَّ" ولَا قَليلٌ، ولَا ضرورةٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ.
الرابعُ: تُحْذَفُ لامُ الأمرِ، وَيَبْقَى عَمَلُهَا، وذلكَ عَلَى ثلاثةِ أَضْرُبٍ: كَثِْيرٍ مُطَّرِدٍ، وهو حَذْفُهَا بعدَ أمْرٍ بقولٍ: نحوُ: {قُلْ لِعِبَادِي الذِيْنَ آمَنُوا يُقِيْمُوا الصَّلَاةَ} وقليلٌ جَائِزٌ فِي الاختيارِ، وهو حَذْفُهَا بَعْدَ قولٍ غيرِ أمرٍ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1054- قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُهَا: = تِئْذَنْ فَإِنِّي حَمُوهَا وجَارُهَا
قَالَ المصنفُ: وليسَ مُضْطَرًا، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ائْذِنْ، قالَ: وليسَ لقائلٍ أنْ يقولَ: هَذَا مِنْ تَسْكِيْنِ المُتَحَرِّكِ، عَلَى أَنْ يكونَ الفعلُ مُسْتَحَقًّا للرفعِ، فَسُكِّنَ اضْطِرَارًا؛ لِأَنَّ الرَّاجِزَ لو قَصَدَ الرَّفْعَ لتَوَصَّلَ إليهِ مُستغنيًا عَنِ الفاءِ، فَكَانَ يقولُ: "تَأْذَنْ إِنِّي" وقليلٌ مخصوصٌ بالاضْطِرَارِ، وهو الحذفُ دُوْنَ تَقَدُّمِ قولِهِ بصيغةِ أَمْرٍ ولا بِخِلَافِهِ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1055- مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ = إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ أَمْرٍ تَبَالَا
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1056- فَلَا تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي = ولَكِنْ يَكُنْ للْخَيْرِ مِنْكَ نَصِيْبُ
انْتَهَى.
وَ(هَكَذَا بِلَمْ ولَمَّا) أيْ: "لمْ" و"لَمَّا" يَجْزِمَانِ المضارعَ مِثْلَ "لَا" واللامِ الطلبيتينِ، نحوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ} ونحوَ: {ولَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} {ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الذِيْنَ خَلُوا مِنْ قَبْلِكُمْ} ويَشْتَرِكَانِ فِي الحَرْفِيَّةِ، والاختصاصِ بالمضارعِ، والنفيِ، والجزم،ِ وقلبِ معنَى الفعلِ للمُضِيِّ، وتَنْفَرِدُ "لَمْ" بِمُصَاحَبَةِ الشَّرْطِ، نحوُ: {وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وجَوَازِ انْقِطَاعِ نَفْيِ مَنْفِيِّهَا عَنِ الحالِ بِخِلَافِ "لَمَّا"، فإنَّهُ يجبُ اتصالُ نَفْيِ مَنْفِيِّهَا بِحَالِ النطقِ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1057- فَإِنْ كُنْتُ مَأْكُولًا فَكُنْ خَيْرَ آكِلٍ = وإِلَّا فَأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ
ومِنْ ثَمَّ جَازَ "لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ"، وامْتَنَعَ "لَمَّا يَكُنْ ثُمَّ كَانَ"، والفصلُ بينَهَا وبينِ مَجْزُومِهَا اضْطِرَارًا كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1058- فَذَاكَ وَلَمْ إِذَا نَحْنُ امْتَرَيْنَا = تَكْنْ فِي الناسِ يُدْرِكْكَ المِرَاءُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1059- فَأَضْحَتْ مَغَانِيْهَا قِفَارًا رُسُوْمُهَا = كَأَنْ لَمْ سِوَى أَهْلٍ مِنَ الْوَحْشِ تُؤْهَلُ
وأَنَّها قَدْ تُلْغَي فَلَا يُجْزَمُ بِهَا قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ)، حَمْلًا عَلَى "لَا" وفِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) حَمْلًا عَلَى "مَا" وهُو أَحْسَنُ لِأَنَّ "مَا" تَنْفِي المَاضِي كَثِيْرًا بِخِلَافِ "لَا" وَأَنْشَدَ الأَخْفَشُ عَلَى إِهْمَالِهَا قَوْلَهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1060- لَوْلَا فَوَارِسْ مِنْ ذُهْلٍ وَأُسْرَتُهُمْ = يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالجَارِ
وصرَّحَ فِي أَوَّلِ (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ) بِأَنَّ الرفعَ لغةُ قومٍ، وتَنْفَرِدُ "لَمَّا" بِجَوازِ حَذْفِ مَجْزُومِهَا، والوقفِ عَلَيْهَا فِي الاختيارِ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1061- فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءًا وَلَمَّا = فَنَادَيْتُ القُبُورَ فَلَمْ يُجِبْنَهْ
أيْ: وَلَمَّا أَكُنْ بَدْءًا قَبْلَ ذلكَ، أَيْ: سيِّدًا وتقولُ: "قَارَبْتُ المَدينةَ ولَمَّا" أيْ: ولَمَّا أَدْخُلْهَا وهو أَحْسَنُ مَا خَرَجَ عليهِ قِراءةُ مَنْ قَرَأَ {وَإِنَّ كُلًا لَمَّا} ولا يجوزُ ذلكَ فِي "لَمْ" وَأَمَّا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1062- احْفَظْ وَدِيْعَتَكَ التِي اسْتُودِعْتَهَا = يَوْمَ الأَعَازِبِ إِنْ وَصَلْتَ وَإِنْ لَمِ
فضرورةٌ وبِكَوُنِ مَنْفِيِّهَا يَكونُ قريبًا مِنَ الحالِ، ولَا يُشْتَرَطُ ذلكَ فِي مَنْفِيِّ "لَمْ" تقولُ: لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ فِي العامِ الماضيِ مُقِيْمًا، ولا يجوزُ "لَمَّا يَكُنْ".
وقالَ المُصَنِّفُ: كَوْنُ مَنْفِيِّ لَمَّا يكونُ قريبًا مِنَ الحالِ غَالِبٌ لَا لَازِمٌ.
وبِكَوْنِ مَنْفِيِّهَا، يُتَوَقَّعُ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَنْفِيِّ "لَمْ" أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}، أَنَّهُم لَمْ يَذُوْقُوهُ إِلَى الآنِ، وأنَّ ذَوْقَهُم لهُ مُتَوَقَّع ٌ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيْمَانُ فِي قُلُوْبِكُمْ} مَا فِي "لَمَّا" مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤلاءِ قَدْ آمَنُوا فِيْمَا بَعْدُ، انْتَهَى.
وهَذَا بالنسبةِ إِلَى المستقبلِ فَأَمَّا بالنسبةِ إِلَى الماضِي، فَهُمَا سِيَّانِ فِي التَّوَقُّعِ وعَدَمِهِ، مِثَالُ التَّوَقُّعِ: "مَالَ قُمْتُ وَلَمْ تَقُمْ" أو "وَلَمَّا تَقُمْ"، ومِثَالُ عَدَمِ التوقعِ أَنْ تَقومَ ابتداءً، "لَمْ يَقُمْ" أو "لَمَّا يَقُمْ".
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): ومِنْهَا "لَمْ" وَ"لَمَّا" أُخْتُهَا، يَعْنِي مِنَ الجَوَازِمِ، فَقَيَّدَ لَمَّا بِقَولِهِ "أُخْتُهُا" احْتِرَازًا مِنْ "لَمَّا" بِمَعْنَى إِلَّا ومِنْ "لَمَّا" التِي هِيَ حرفُ وُجُودٍ لِوُجودٍ، وكذلكَ فَعَلَ الشارحُ، فَقَالَ: احْتَرَزْتُ بِقَوْلِي: "أُخْتُهَا" مِنْ "لَمَّا" الحِيْنِيَّةِ، ومِنْ لَمَّا بمعنَى "إِلَّا" هذَا كلامُهُ.
وإِنَّمَا لمْ يُقَيِّدُهَا هُنَا بذلكَ، وكذلكَ فَعَلَ فِي (الكَافِيَةِ)، لأنَّ هَاتينِ لَا يَلِيْهِمَا المضارعُ لأَنَّ التِي بمعنَى "إِلَّا" لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى جُمْلَةٍ اسميةٍ، نحوُ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فِي قِراءةِ مَنْ شَدَّدَ المِيْمَ، أَوْ عَلَى المَاضِي لفْظًا لا معنًى، نحوُ: أُنْشِدُكَ اللهَ لَمَّا فَعَلْتَ أَيْ: إِلَّا فَعَلْتَ والمعنَى: مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَكَ وَالتِي هِي حرفُ وُجُودٍ لوجودٍ لا يَلِيْهَا إلا ماضٍ لَفْظًا ومعنًى، ونحوُ: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوْدًا} وأَمَّا قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
أَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ: لَمَّا سِقَاؤُنَا = وَنْحنُ بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
فَقَدْ تَقَدَّمَ الكلامُ عليهِ فِي بابِ الإضافةِ، وتسميةِ الشارحِ "لَمَّا" هَذِهِ حِيْنِيَّةٌ ِهو مذهبُ ابْنِ السَّرَّاجِ وتَبِعَهُ الفَارِسِيُّ، وتَبِعَهُمَا ابْنُ جِنِّيٍ، وتَبِعَهُمْ جَمَاعَةٌ، أَيْ أَنَّهَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى "حِيْنَ" وقَالَ المصنفُ، بِمَعْنَى "إِذْ" وهُو أَحْسَنُ، لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالمَاضِي، وبالإضافةِ إِلَى الجُمْلَةِ وعِنْدَ ابْنِ خَرُوْفٍ أَنَّهَا حَرْفٌ.
الثانِي: حَكَى اللَّحْيَانِي عَنْ بَعْضِ العربِ أنَّهُ يَنْصِبُ بـ"لَمْ" وقالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): زَعَمَ بعضُ الناسِ أَنَّ النصبَ بـ"لَمْ" لُغَةُ اغْتِرَارٍ بِقراءةِ بَعْضِ السَّلَفِ (أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ) ويقولُ الرَّاجِزُ:
1063- فِي أَيِّ يَوْمَيِّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ = أَيَوْمَ ِلَمْ يُقْدَرَ أَمْ يَوْمَ ِقَدِرْ
وهُو عندَ العلماءِ محمولٌ عَلَى أَنَّ الفِعْلَ مُؤَكَّدٌ بالنونِ الخَفِيْفَةِ، فَفَتَحَ لَهَا مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفَتْ وَنُوِّنَتْ، هَذَا كلامُهُ وفِيْهِ شُذُوذَانِ: تُوْكِيْدُ المَنْفِيِّ بـ"لَمْ" وحذفُ النونِ لغيرِ وَقْفٍ ولَا ساَكِنَيْنِ.
الثالثُ: الجمهورُ عَلَى أَنَّ "لَمَّا" مُرَكَّبَةٌ مِنْ "لَمْ" و"مَا" وقِيْلَ: بَسِيْطِةٌ.
الرابعُ: تَدْخُلُ هَمْزَةُ الاستفهامِ عَلَى "لَمْ" و"لَمَّا" فَيَصِيْرَانِ "أَلَمْ" و"أَلَمَّا" باقِيَتَيْنِ عَلَى عَمَلِهِمَا، نَحْوُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيْمًا}، ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
عَلَى حِيْنِ عَاتَبْتُ المَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا = وَقُلْتُ: أَلَمَّا أَصْحُ والشيبُ وَازِعُ
ولمَّا فَرَغَ مِمَّا يَجْزِمُ فِعْلًا واحِدًا انْتَقَلَ إِلَى مَا يَجْزِمُ فعلينِ فَقَالَ: (وَاجْزِمْ بِإَنْ وَمَنْ ومَا ومَهْمَا * أَيٍّ مَتَى أَيَّانِ أَيْنَ إِذْ مَا وحَيْثُمَا أَنَّي) فهذِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ أَدَاةٍ، كُلُّهَا تَجْزِمُ فِعْلَيْنِ نَحوُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحْاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} {وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} ونحوُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ونحوُ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ}.
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1064- أَرَى العُمْرَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ = ومَا ئَنْقِصُ الأيامُ والدهرُ يَنْفَدُ
ونحوُ: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِيْنَ} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1065- وَمَهْمَا يَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيْقَةٍ = وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى الناسِ تُعْلَمِ
ونحوُ: {أَيَّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى} وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1066- لَمَّا تَمَكَّنَ دُنْيَاهُمْ أَطَاعَهُمْ = فِي أَيِّ نَحْوٍ: يُمِيلُوا دِيْنَهُ يَمِلْ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1067- مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ = تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوْقِدِ
وقولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
1068- مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ = رَوَانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتَسْتَطَارَا
ونحوُ قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1069- أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنْ غَيْرَنَا، وَإِذَا = لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرًا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1070- إِذَا النَّعْجَةُ العَجْفَاءُ كانتْ بِقَفْرَةٍ = فَأَيَّانَ مَا تَعْدِلْ بِهِ الرِّيْحُ تَنْزِلُ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1071- أَيْن تَصْرِفْ بِنَا العُدَاةَ تَجِدْنَا = نَصْرِفُ العِيْسَ نَحْوَهَا للتَّلَاقِي
ونحوُ قولِهِ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1072- صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرٍ = أَيْنَمَا الرِّيْحُ تُمُيْلُهَا تَمِلْ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1073- وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمَرٌ = بِهِ تَلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1074- حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدَّرْ لكَ الـ = ـلَّه ُنَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1075- خَلِيْلَيَّ أَنَّي تَأْتِيَانِي تَأْتِيَا = أَخًا غَيْرَ مَا يُرْضِيْكُمَا لَا يُحَاوِلُ
(وحرفٌ إِذْ مَا) أَيْ: إِذْ مَا حرفٌ (كَإِنْ) معْنًى وِفَاقًا لسِيْبَويْهِ، لَا ظَرْفَ زَمَانٍ زِيْدَ عَلَيْهَا مَا كَمَا ذَهَبَ إليهِ المُبَرِّدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وابْنُ السَّرَّاجِ والفَارِسِيُّ (وبَاقِي الأدواتِ أَسْمَا) أَمَّا "مَنْ" و"مَا" و"مَتَى" و"أَيٌّ" و"أيَّانَ" و"أَيْنَ" و"أَنَّي" و"حَيْثُمَا" فباتفاقٍ، وأَمَّا "مَهْمَا" فَعَلَى الأَصَحِّ.
وتَنْقَسِمُ هذِهِ الأسماءُ إلى ظَرْفٍ وغَيْرِ ظَرْفٍ، فغيرُ الظرفِ "مَنْ" و"مَا" و"مَهْمَا"، فـ"مَنْ" لتِعَمْيِمِ أُوْلِي العَلَمِ، و"مَا" لِتَعْمِيْمِ مَا تَدَلُّ عليهِ، وهِي موصولةٌ، وكِلْتَاهُمَا مُبْهَمَةٌ فِي أَزْمَانِ الربطِ، و"مَهْمَا" بِمَعْنَى "مَا" ولَا تَخْرُجُ عَنِ الاسْمِيَّةِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ أنَّها تكونُ حَرْفًا، ولَا عَنِ الشرطيةِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تكونُ اسْتِفْهَامًا، ولا تُجَرُّ بإضافةٍ، وَلَا بِحَرْفِ جَرِّ، بِخِلَافِ "مَنْ" و"مَا" وذُكِرَ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ) أَنّ "مَا" و"مَهْمَا" قَدْ يَرِدَانِ ظَرْفَي زَمَانٍ، وقَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): جَمِيْعُ النحويينَ يَجْعَلُونَ "مَا" و"مَهْمَا" مَثْلَ"مَنْ" فِي لُزُوْمِ التَّجَرُّدِ عَنِ الظرفيةِ، مَعَ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا ظرفينِ ثَابِتٌ فِي أَشْعَارِ الفُصَحَاءِ مِنَ العربِ، وأَنْشَدَ أَبْيَاتًا، مِنْهَا فِي "مَا" قولُ الفَرَزْدَقِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1076- ومَا تَحْيَ لَا أَرْهَبْ وإِنْ كُنْتُ جَارِمًا = ولوْ عَدَّ أَعْدَائِي عَلَيَّ لَهُمْ ذَحْلًا
وقولُ ابْنِ الزُّبَيْرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1077- فَمَا تَحْيَ لَا نَسْأَمْ حَيَاةً وَإِنْ تَمُتْ = فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَا العَيْشِ أَجْمَعَا
وفِي "مَهْمَا" قولُ حَاتِمٍ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1078- وإِنَّكَ مَهْمَا تَعْطِ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ = وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا
وقولِ طِفَيْلٍ الغَنَوِيِّ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1079- نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا شُتَيْمٍ يَدَّعِي = مَهْمَا يَعِشْ يَسْمَعْ بِمَا لَمْ يُسْمَعِ
قَالَ ابْنُهُ: وَلَا أَرَى فِي هَذِهِ الأبياتِ حُجَّةً، لأنَّهُ يَصِحُّ تَقْدِيْرُهَا بالمَصْدَرِ، ا هـ.
وَأْصْلُ "مَهْمَا" "مَا مَا" الأُوْلَى شَرطيةٌ، والثانيةُ زائدةٌ، فَثَقُلَ اجْتِمَاعُهُمَا فَأُبْدِلَتْ أَلِفُ الأُوْلَى هَاءً. هَذَا مَذْهَبُ البَصْرِيِّيْنَ، ومذهبُ الكُوْفِيِّيْنَ أَصْلُهَا "مَهْ" بِمَعْنَى اكْفُفْ زِيْدَتْ عَلَيْهَا "مَا"، فَحَدَثَ بالتركيبِ معنًى لمْ يَكُنْ، وأَجازَهُ سِيْبَويْهِ، وقِيْلَ: إِنَّهَا بَسِيْطَة ٌ.
وأَمَّا "أَيْ" فَهِيَ عَامَّةٌ فِي ذَوِي العِلْمِ وغيرِهِمْ، وهي بِحَسْبِ مَا تُضَافُ إليهِ فِإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى ظَرْفِ مَكَانٍ؛ فَهْيِ ظَرْفُ مَكَانٍ، وإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى ظَرْفِ زَمَانٍ فَهِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى غَيِرْهِمَا؛ فهي غيرُ ظَرْفٍ.
وأَمَّا الظَرْفُ فَيَنْقَسِمُ إِلى زَمَانِيٍ وَمَكَانِيٍ، فالزمانِيُّ: "مَتَى" و"أَيَّانَ" وهُمَا لتعميمِ الأزمنةِ، وكسْرُ هَمْزَةِ "أَيَّانَ" لُغَةُ سَلِيْمٍ، وقُرِئَ بِهَا شَاذًّا، والمكانِيُّ، "أَيْنَ" وَ"أَنَّى" و"حَيْثُمَا" وَهِي لِتَعْمِيْمِ الأَمْكِنَةِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: هذِهِ الأدَوَاتُ فِي لِحَاقِ "مَا" عَلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ، ضَرْبٍ لَا يَجْزِمُ إلا مُقْتَرِنًا بِهَا، وهو "حَيْثُ" و"إِذْ" كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيْعُهُ، وأَجَازَ الفَرَّاءُ الجَزْمَ بِهِمَا بِدُونِ "مَا". وضَرْبٍ لَا يَحْلَقُهُ "مَا"، وهو "مَنْ" و"مَا" و"مَهْمَا" و"أَنَّى" وأَجَازُهُ الكوفيونَ في "مَنْ" و"أَنَّى"، وضَرْبٍ يَجُوزُ فِيهِ الأمرانِ، وهو "إِنْ" و"أَيٌّ" و"مَتَى" و"أَيْنَ" و"أَيَّانَ"، ومَنَعَ بعضُهُم فِي "أَيَّانَ"، والصحيحُ الجَوازُ.
الثانِي: ذُكِرَ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ) أَنَّ "إِنْ" قَدْ تُهْمَلُ حَمْلًا عَلى "لَوْ" كقراءةِ طَلْحَةَ (فَإِمَّا تَرَيْنَ) بياءٍ ساكنةٍ ونونٍ مفتوحةٍ، وأَنَّ "مَتَى" قَدْ تُهْمَلُ حَمْلًا عَلَى "إِذَا"، ومَثَّلَ بالحديثِ "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَلٌ أَسِيْفٌ، وإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ الناسَ" وفِي (الارْتِشَافِ): ولَا تُهْمَلُ حَمْلًا عَلَى "إِذَا" خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، يَعْنِي "مَتَى".
الثالثُ: لمْ يُذْكَرْ هُنَا مِنَ الجَوَازِمِ "إِذَا" و"كَيْفَ" و"لَوْ".
أمَّا "إِذَا"، فالمشهورُ أنَّهُ لا يُجْزَمُ بِهِ إِلَّا فِي الشِّعْرِ لَا فِي قليلٍ مِنَ الكلامِ وَلا فِي الكلامِ، إِذَا زِيْدَ بَعْدَهَا "مَا" خِلافًا لِزَاعِمِ ذَلكَ، وقَدْ صَرَّحَ بِذلكَ فِي (الكَافِيَةِ) فَقَالَ:
وَشَاعَ جَزْمٌ بِإِذَا حَمْلًا عَلَى = مَتَى وَذَا فِي النَّثْرِ لَنْ يُسْتَعْمَلَا
وقَالَ فِي شَرْحِهَا: وَشَاعَ فِي الشِّعْرِ الجزمُ بـ "إِذَا" حَمْلاً عَلَى "مَتَى" فَمِنْ ذلكَ إِنْشَادُ سِيْبَويْهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1080- تَرْفَعُ لِي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لِي = نَارًا إِذَا خَمِدَتْ نِيْرَانُهُمْ تَقِدِ
وكإِنْشَادِ الفَرَّاءِ [مِنَ الكَامِلِ]:
1081- اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى = وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
لَكِنَّ ظاهرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) جوازُ ذلكَ فِي النَّثْرِ عَلَى قِلَّةٍ، وهو مَا صَرَّحَ بِهِ فِي (التَّوُضِيْحِ) فَقَالَ: هُو فِي النثرِ نادِرٌ، وفِي الشِّعْرِ كثيرٌ، وجُعِلَ مِنْهُ قُوْلُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لعَلِيٍّ وفاطمةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((وَإِذَا أَخَذْتُمَا مَضْاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وثَلَاثِيْنَ)) الحديثِ.
وأمَّا "كيفَ" فيُجَازَى بِهَا معنًى لا عَمَلًا خِلافًا للكُوْفِيِّيْنَ، فإنَّهُم أَجَازُوا الجزمَ بِهَا قِيَاسًا مُطْلَقًا، ووافَقَهُمْ قُطْرُبُ، وقيلَ: يجوزُ بشرطِ اقترانِهَا بـ"مَا".
وأمَّا "لَوْ" فَذَهَبَ قَومٌ مِنْهُم ابْنُ الشَّجَرِيِّ إلَى أَنَّها يُجْزَمُ بِهَا فِي الشِّعْرِ، وعليهِ مَشَى المُصَنِّفُ فِي (التوضيحِ)، ورُدَّ ذلكَ فِي (الكَافِيَةِ) فَقَالَ:
وجَوَّزَ الجَزْمَ بِهَا فِي الشِّعْرِ = ذُوْ حُجَّةٍ ضَعَّفَهَا مَنْ يَدْرِي
وتَأَوَّلَ فِي شَرْحِهَا قَوْلَهُ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1082- لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ = لاحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1083- تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ = إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
ووقَعَ لهُ فِي (التَّسْهِيْلِ) كلامانِ: أَحَدُهُمَا: يَقْتضِي المنعَ مُطلقًا، والثانِي: ظاهِرُهُ مُوَافَقُةُ ابْنِ الشَجَرِيِّ.