وهو: اسمٌ فضْلَةٌ تَالٍ لواوٍ بمعنَى "معَ", تاليةٍ لجملةٍ ذَاتِ فعلٍأو اسمٍ فيه معناه وحروفُه؛ كـ: "سِرْتُ والطَّرِيقَ", و:"أنَا سَائِرٌ والنِّيلَ".
فخرَجَ باللفظِ الأوَّلِ نحوُ: "لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ", ونحوُ: "سِرْتُ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ"؛ فإنَّ الواوَ داخلةٌ في الأولِ على فعلٍ, وفي الثاني على جُملةٍ, وبالثاني نحوُ: "اشْتَرَكَ زيدٌ وعمرٌو", وبالثالثِ نحوُ: "جِئْتُ معَ زَيْدٍ", وبالرابعِ نحوُ: "جاءَزَيْدٌ وعَمْرٌو قبلَه أو بعدَه", وبالخامسِ نحوُ: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُه", فلا يجوزُ فيه النصْبُ؛ خلافاً للصَّيْمريِّ, وبالسادسِ نحوُ: "هذا لكَ وأباكَ" فلا يُتَكَلَّمُ بهِ؛ خلافاً لأبي عليٍّ.
فإنْ قُلْتَ: فقد قالوا: "ما أنتَ وزَيْداً", و"كيفَ أنتَ وزيداً".
قلتُ: أكثرُهم يرفَعُ بالعطفِ, والذينَ نصَبوا قَدَّروا الضميرَ فاعلاً لمحذوفٍ, لا مُبْتدأً, والأصلُ: ما تكونُ؟ وكيفَ تصنَعُ([1])؟ فلَمَّا حُذِفَ الفعلُ وحدَه بَرَزَ ضميرُه وانفصَلَ.
والناصبُ"للمفعولِ معَه" ما سبَقَه من فعلٍ أو شِبْهِه([2])،لا الواوُ؛ خلافاً للجُرْجانيِّ, ولا الخلافُ؛ خلافاً للكُوفِيِّينَ, ولا محذوفٌ, والتقديرُ: سِرْتُ ولابَسْتُ النيلَ. فيكونُ حينَئذٍ مفعولاً به؛ خلافاً للزجَّاجِ.
فصلٌ: للاسمِ بعدَ الواوِ خمسُ حالاتٍ:
(1) وُجوبُ العطفِ؛ كما في: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُه", ونحوِ: "اشترَكَ زَيْدٌ وعَمْرٌو", ونحوِ: "جاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو قبلَه أو بعدَه"؛ لِمَا بَيَّنَّا([3]).
(2) ورُجْحَانُه كـ: "جاءَ زيدٌ وعَمْرٌو"؛ لأنَّه الأصْلُ, وقد أمكَنَ بلا ضعفٍ.
(3) ووجوبُ المفعولِ معَه, وذلك في نحوِ: "ما لك َوَزَيْداً", و:"ماتَ زيدٌ وطُلُوعَ الشمسِ"؛ لامتناعِ العطفِ في الأولِ من جهةِ الصناعةِ, وفي الثاني من جهةِ المعنَى.
(4) ورُجحانُه وذلك في نحوِ قولِه:
257- فكُونُوا أَنْتُمُ وبَنِي أَبِيكُمْ([4]) ونحوِ: "قُمْتُ وزَيْداً" لضعفِ العطفِ في الأوَّلِ من جِهةِ المعنَى, وفي الثاني من جهةِ الصناعةِ.
(5) وامتناعُهما؛ كقولِه:
258- عَلَفْتُها تِبْناً ومَاءً بَارِدَا([5]) وقولِه:
259- وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيونَا([6]) أمَّا امتناعُ العطفِ؛ فلانتفاءِ المشاركةِ, وأما امتناعُ المفعولِ معَه؛ فلانتفاءِ المَعيَّةِ في الأولِ, وانتفاءِ فائدةِالإعلامِ بها في الثاني.
ويجِبُ في ذلك إضمارُ فعلٍ ناصبٍ للاسمِ على أنه مفعولٌ به, أي: وسَقَيْتُها ماءً, وكَحَّلْنَ العُيونا, هذا قولُ الفارسيِّ والفَرَّاءِ ومَن تَبِعَهما.
وذهَبَ الجَرْمِيُّ والمازنيُّ والمُبَرِّدُ وأبو عُبيدَةَ والأصْمَعيُّ واليَزيدِيُّ إلى أنَّه لا حذْفَ, وأنَّ ما بعدَ الواوِ معطوفٌ, وذلك على تأويلِ العاملِ المذكورِ بعاملٍ يَصِحُّ انصبابُه عليهما, فيُؤَوَّلُ زَجَّجْنَ بحَسَّنَّ, وعَلَفْتُها بأنَلْتُها.
([1]) ههنا ثلاثةُ أُمورٍ يَتَّضِحُ بها كلامُ ابنِ هشامٍ رَحِمَهُ اللهُ تمامَ الاتضاحِ، وأنا مُبَيِّنٌ لك هذهِ الأمورَ بَياناً لا يَبْقَى معَه عندَك خفاءٌ في شيءٍ منها.
الأمرُ الأولُ: أنَّه قد ورَدَ الاسمُ الواقعُ بعدَ الواوِ المسبوقةِ بـ"ما أنتَ"، أو بـ"كيفَ أنتَ، مرفوعاً، وورَدَ منصوباً أيضاً، والكثيرُ في كلامِ العربِ ورُودُه مرفوعاً، ومن ذلكَ قولُ الشاعرِ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ 1/151.
وكُنْتَ هُنَاكَ أَنْتَ كَرِيمَ قَيْسٍ = فَمَا القَيْسِيُّ بعدَكَ والفَخَارُ
ومن ذلك قولُ الآخرِ:
وكُنْتَ امْرَأً مِن أهْلِ نَجْدٍ، وأهْلُنَا = تَهَامٍ، فَمَا النَّجْدِيُّ والمُتَغَوِّرُ
ومن ذلك قولُ زيادٍ الأعْجَمِ:
تُكَلِّفُنِي سَوِيقَ التَّمْرِ جَرْمٌ = ومَا جَرْمٌ ومَا ذَاكَ السَّوِيقُ
ومن ذلك قولُ المُخبَّلِ:
يَا زِبْرِقانُ أخَا بَنِي خَلَفٍ = مَا أنْتَ– وَيْبَ أَبِيكَ– والفَخْرُ
وعلى الرفعِ الواردِ في هذه الأبياتِ ونحوِها تكونُ الواوُ للعَطْفِ، ويكونُ الاسمُ المرفوعُ معطوفاً على (أنتَ).
ومن شَواهدِ مَجِيءِ الاسمِ مَنْصوباً قولُ أسامةَ بنِ حَبِيبٍ الهُذَلِيِّ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ أيضاً:
ما أنْتَ والسَّيْرَ في مَتلَفٍ = يُبَرِّحُ بالذكَرِ الضابِطِ
ومنه قولُ الآخرِ:
أُتُوعِدُنِي بقَوْمِكَ يَا ابْنَ حَجْلٍ = أُشَابَاتٍ يُخَالُونَ العِبَادَا
بمَا جَمَّعْتَ مِن حَضَنٍ وعَمْرٍو = وما حَضَنٌ وعَمْرٌو والجِيَادَا
الشاهدُ في هذا البيتِ في قولِه: (وَالْجِيَادَا). فأمَّا قولُه قبلَه: (وعَمْرٌو) فالواوُ فيهِ واوُ العطْفِ.
الأمرُ الثاني: أنَّ ابنَ هشامٍ قدَّرَ الفعلَ ههنا بقولِه: (والأصْلُ: ما تكونُ, وكيفَ تَصْنَعُ). وسِيبَوَيْهِ قدَّرَ الفعلَ من لفظِ الكونِ في الموضِعَيْنِ، وجعَلَ الفعلَ مُضارِعاً بعدَ "كيفَ"، ومَاضِياً بعدَ"ما"، فقالَ: (كأنَّه قالَ: كيفَ تكونُ أنتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ، وما كُنْتَ وزَيْداً). وهو الذي يدُلُّ عليهِ كلامُ ابنِ مالكٍ؛ فإنَّه قالَ في الألفيَّةِ:
وبعدَ مَا استفهامٍ$ أو كَيْفَ نَصَبْ = بفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ العَرَبْ
وقالَ في شرحِ كَافِيَتِه: (وقَدْ رُوِيَ عن بعضِ العربِ النَّصْبُ بعدَ"كيفَ" و"مَا" الاستفهاميَّةِ، على إضمارِ "كانَ"، نحوُ: ما أنتَ والكلامَ فيما لا يَعْنِيكَ=؟ وكيفَ أنتَ وقَصْعَةٍ مِن ثَرِيدٍ). اهـ.
الأمرُ الثالثُ: قد اختَلَفَ الذينَ تَبِعوا سِيبَوَيْهِ في تقديرِ فعلٍ من مادَّةِ الكونِ، في موضعيْنِ: أوَّلُهما: هل يَجوزُ جعلُ الفعلِ معَ"ما" مُضارعاً, ومعَ "كيفَ" ماضياً؟ أم يُلْتَزَمُ تَقْدِيرُه مَاضِياً معَ "ما", وتقديرُه معَ "كيفَ" مُضارعاً؛ كما قَدَّرَه سِيبَوَيْهِ؟ فقالَ السِّيرافيُّ: يجوزُ تقديرُ الماضي والمضارعِ جَمِيعاً معَ كلٍّ منهما؛ لأنَّ التفريقَ في عبارةِ سِيبَوَيْهِ ليسَ مُراداً له. وإطلاقُ ابنِ مالكٍ في عبارةِ النظْمِ (بفِعْلِ كَوْنٍ) يُومِئُ إلى اختيارِه هذا الرأْيَ، وقالَ ابنُ ولادٍ: ولا يَجوزُ إلاَّ تقديرُ الماضي معَ "ما", والمضارعُ معَ "كيفَ"؛ كما قَدَّرَه سِيبَوَيْهِ، وقالَ جارُ اللهِ الزَّمَخشريُّ في المُفَصَّلِ: (وأمَّا في قولِكَ: ما أنتَ وعَبْدُ اللهِ، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةٌ من ثَرِيدٍ. فالرفْعُ، إلاَّ عندَ ناسٍ من العربِ، يَنْصِبونَه على تأويلِ: ما كنتَ أنتَ وعبدَاللهِ، وكيفَ تكونُ أنتَ وقَصْعَةً من ثَرِيدٍ؟ قالَ سِيبَوَيْهِ: لأنَّ كنتَ وتكونُ يَقَعانِ هنا كثيراً. وهذا البابُ قياسٌ عندَ بعضِهم، وعندَ آخَرِينَ مَقْصورٌ على السماعِ). اهـ.
وهذا الكلامُ يُومِئُ إيماءً إلى اختيارِ تقديرِ كانَ بعدَ "ما" بلفظِ الماضي، ويكونُ بعدَ "كيفَ" بلفظِ المضارعِ، وإنْ كانَ يَحْتمِلُ أنْ يكُونَ ذلك غيرَ مرادٍ له، وأنْ يكُونَ إنَّما نقَلَ عبارةَ سِيبَوَيْهِ.
والموضعُ الثاني الذي اختْلَفَ فيهِ الذينَ قَدَّروا فعلَ الكونِ تَبَعاً لسِيبَوَيْهِ: هل تُعْتبَرُ (كانَ) و(يكونُ) فعليْنِ تامَّيْنِ أمْ يُعْتبرانِ ناقصيْنِ؟ ذهَبَ ابنُ خَروفٍ إلى أنَّهما فعلانِ نَاقصانِ، وعلى هذا يكونُ اسمُ الاستفهامِ– وهو "ما"، أو كيفَ– في مَحَلِّ نصبٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ، قالَ الأَشْمُونِيُّ: (والأصلُ: ما تكونُ وزيداً، وكيفَ تَكُونُ وقَصْعَةً، فاسمُ كانَ مُسْتَكِنٌ، وخَبَرُها ما تَقدَّمَ عليها من اسمِ استفهامٍ).اهـ.
والقولُ بأنَّ"كانَ" و"تكونُ" هنا ناقصتانِ هو المختارُ، وذهَبَ أبو عليٍّ الفارسيُّ إلى أنَّ"كانَ" و"تَكُونُ" تامَّانِ، وعلى هذا يكونُ فَاعِلُهما ضميراً مُستتِراً فيهما، وأمَّا (كيفَ) ففي مَحلِّ نصْبٍ حالٌ، وأمَّا (ما) فتكونُ نائبةً عن مَصْدرٍ يقَعُ مَفْعولاً مُطْلقاً، وتقديرُ الكلامِ: أيُّ كونٍ من الأكوانِ كُنْتَ وزيداً، وهذا رأيٌ ضعيفٌ, نرَى ألاَّ تأخُذَ به.
([2]) قولُ ابنِ هشامٍ: (مَا سَبَقَه مِن فعلٍ أو شِبْهِه). هو تابعٌ فيه لابنِ مالكٍ في قولِه في الألفيَّةِ:
بمَا مِنَ الفعلِ وشِبْهِه سَبَقَ ذَا = النَّصْبَ، لا بالواوِ، في القولِ الأحَقّْ
وهما يُشيرانِ بذلك إلى أنَّه لا يَجوزُ تقديمُ المفعولِ معَه على العاملِ فيه، فلا يُقالُ: والنِّيلَ سِرْتُ. ولا يُقالُ: والنِّيلَ أنا سَائِرٌ. وهذا مِمَّا لا خلافَ فيه، وكذلك لا يَجوزُ أنْ يَتوَسَّطَ المفعولُ معَه بينَ العاملِ ومصاحبِه، فلا يُقالُ: سَارَ والنِّيلَ زَيْدٌ.
وقد خالَفَ في هذه الصُّورةِ أبو الفتحِ بنِ جُنِّي، ذهَبَ في كتابِه (الخَصائصِ) إلى أنَّه يَجوزُ أنْ يَتوسَّطَ المفعولُ معَه بينَ العاملِ ومُصاحبِه، وبعبارةٍ أُخْرَى أجازَ أنْ يَتقدَّمَ المفعولُ معَه على مصاحبِه، واستَدَلَّ على ما ذهَبَ إليه بوُرودِه في شِعْرِ العربِ، من ذلك قولُ الحَماسِيِّ:
أَكْنِيهِ حِينَ أُنادِيهِ لأُكْرِمُهُ = ولا أُلَقِّبُه والسَّوأةَ اللَّقَبَا
فإنْ أصلَ الكلامِ: ولا أُلَقِّبُه اللَّقَبَ والسَّوأةَ، ونظيرُ ذلك قولُه:
جَمَعْتَ وَفَحْشاً غِيبَةً ونَمِيمةً = ثَلاثَ خِصالٍ لسْتَ عَنْهَا بمُرْعَوِي
فإنَّ أصلَ الكلامِ: جَمَعْتَ غِيبةً ونَمِيمةً وفُحْشاً.
والجوابُ عن هذا الاستدلالِ أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ تَالِيَ الواوِ في هذيْنِ البَيتيْنِ مفعولٌ معه، بل هو مَعطوفٌ، وتَقَدُّمُه على المعطوفِ عليهِ ضرورةٌ لا يُقاسُ عليها، كما تَقدَّمَ المعطوفُ في قولِ الأحْوَصِ:
ألاَ يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ = عَلَيكِ ورَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ
([3]) في المثالِ الأوَّلِ لم تَتقدَّمْ على الواوِ جُمْلةٌ، وفي المثالِ الثاني ما بعدَ الواوِ ليسَ فَضْلةً يَسْتغنِي الكلامُ عنه؛ لأنَّ الاشتراكَ لا يقَعُ إلاَّ من اثنيْنِ، وفي المثالِ الثالثِ الظرْفُ المذكورُ بعدَ الاسمِ المُقترِنِ بالواوِ يَنْفِي المصاحبةَ بينَ ما قبلَ الواوِ وما بعدَها.
([4]) 257-لم أقِفْ لهذا الشاهدِ على نسبةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّف صَدْرُ بيتٍ من الوافرِ، والنُّحاةُ يَرْوُونَ عَجُزَه هكذا:
*مَكَانَ الكُلْيتيْنِ مِن الطِّحَالِ*
وقد وجَدْتُ هذا العَجُزَ في كلمةٍ للأقرعِ القُشَيريِّ, لكنْ معَ صدرٍ آخرَ، وهاكَ ثلاثةَ أبياتٍ من هذهِ الكلمةِ فيها هذا العَجُزُ؛ لتَتبيَّنَ حقيقةُ الأمرِ:
فَلا تَفْعَلْ فإِنَّ أخَاكَ جَلْدٌ = عَلَى العَزَّاءِ فِيهَا ذُو احْتِيالِ
وإِنَّا سَوْفَ نَجعَلُ مَوْلَيَيْنَا = مَكَانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحَالِ
ونَغْنَى فِي الحَوَادِثِ عن أَخِينَا = كَمَا تَغْنَى اليَمِينُ عَنِ الشِّمالِ
اللغةُ: (جَلْدٌ) – بفتحِ الجيمِ وسكونِ اللامِ– صفةٌ مُشبَّهَةٌ من الجلادةِ، وهي الاصطبارُ على الشدائدِ وعلى اقتحامِ المَكارِه, (العَزَّاءِ) المرادُ بها الأمورُ التي يَشُقُّ احتمالُها، وهي فَعَلاءُ, من قولِهم: (عَزَّ فُلاناً يَعِزُّه), بمعنَى غَلَبَه وقَهَرَه، ومنه قولُهم: مَن عَزَّ بَزَّ. وقالوا: مَن حَسُنَ منه العَزَاءُ، هَانَتْ عليه العَزَّاءُ، وقالَ الشاعِرُ:
كأنَّ القَلْبَ لَيلَةَ قِيلَ يُغْدَى = بلَيْلَى العَامِرِيَّةِ أو يُرَاحُ
قَطَاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَبَاتَتْ = تُجاذِبُهُ وقَدْ عَلِقَ الجَنَاحُ
(مَوْلَيَيْنَا) مُثَنَّى مَوْلًى، وللمَوْلَى مَعانٍ كثيرةٌ, منها الناصِرُ والمُعِينُ، وابنُ العَمِّ، ومنها المالِكُ والمملوكُ، وكانَ للعربِ ضَرْبانِ من الولاءِ: أحدُهما: وَلاية العَتاقةِ، والآخرُ: وَلاءُ المُناصرةِ أو الحِلْفِ.
الإعرابُ: (كُونُوا) فعلُ أمرٍ مُتصرِّفٌ من كانَ الناقصةِ, مَبنِيٌّ على حَذْفِ النونِ، وواوُ الجماعةِ اسمُه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ, (أنْتُمُ) ضَمِيرٌ منفصلٌ مُؤكِّدٌ للضميرِ المُتَّصِلِ, الذي هو واوُ الجماعةِ, (وبَنِي) الواوُ واوُ المَعيَّةِ, حرفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من لإعرابِ, و"بَنِي": مفعولٌ معَه مَنصوبٌ بالياءِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مُذكَّرٍ سَالِمٌ، وهو مضافٌ، وأبي من (أَبِيكُمْ) مضافٌ إليهِ مجرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وهو مُضافٌ, وضميرُ المُخاطَبِينَ مُضافٌ إليهِ, (مَكانَ) ظرفُ مكانٍ منصوبٌ بالفتحةِ, (والكُلْيَتَيْنِ) مضافٌ إليهِ مَجْرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ, (من) حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وحُرِّكَ للتخَلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ, (الطِّحالِ) مَجْرورٌ بمِن، وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بقولِه: مَكَانَ. لأنَّ فيهِ رائِحَةَ الفعلِ.
الشاهدُ فيه قولُه: (وبَنِي أَبِيكُمْ). فإنَّه نَصَبَه على أنه مفعولٌ معَه, ولم يَرْفَعْه بالعطفِ على اسمِ (كُنْ) الذي هو واوُ الجماعةِ معَ وجودِ التأكيدِ بالضميرِ المُنفصِلِ.
والنصْبُ على أنَّه مَفْعولٌ معَه في هذا البيتِ راجحٌ من جهةِ المعنَى؛ لأنَّ الرفعَ على العطفِ يدُلُّ على أنَّ بَنِي أَبِيهِم مأمورونَ بأنْ يكُونَوا معَهم في مكانٍ يُشْبِهُ مكانَ الكُلْيتيْنِ من الطِّحالِ, كما أنَّهم هم مأمورونَ بذلك أيضاً، وليسَ ذلك مراداً، وإنَّما مُرادُه أنْ يَأْمُرَ المُخاطَبِينَ وحدَهم بأنْ يكُونَوا معَ بني أبيهم كالكُلْيتيْنِ من الطِّحالِ، فافْهَمْ هذا وتَدَبَّرْهُ جَيِّداً تُدْرِكْ ما فيهِ من لُطْفٍ ودِقَّةٍ في المعنَى.
([5]) 258-يجعَلُ بعضُ العلماءِ هذا الشاهدَ صَدْراً لبيتٍ يُنشِدونَه هكذا:
عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً = حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
وهكذا رواهُ ابنُ هشامٍ في شرحِ الشُّذورِ (رَقْمِ 115)، وبعضُهم يجعَلُ هذا الشاهدَ عَجُزاً لبيتٍ يُنشِدونَه هكذا:
لَمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عَنْها وَارِداً = عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً
ولم أقِفْ له على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوابِقَ أو لَوَاحِقَ تُؤيِّدُ إحدَى الروايتيْنِ، والظاهرُ أنَّ التكملةَ التي تُذْكَرُ معَه مصنوعةٌ، فإنَّ التكَلُّفَ فيها يكادُ يُنادِي بذلك.
اللغةُ: (عَلَفْتُها): تقولُ: عَلَفْتُ الدابَّةَ أعْلِفُها عَلْفاً– من بابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْباً– إذا أطْعَمْتَها وقَدَّمْتَ لها ما تَأْكُلُه، وتقولُ: أعْلَفْتُها – بالهمزةِ–واسمُ ما تُقَدِّمُه لها من الطَّعَامِ عَلَفٌ – فتحِ العينِ واللامِ جَمِيعاً– وجَمْعُه عِلافٌ، مثل جَبَلٍ وجِبَالٍ وجَمَلٍ وجِمَالٍ, (تِبْناً) بكسرِ التاءِ وسكونِ الباءِ– قَصَبُ الزرعِ بعدَ أنْ يُدَاسَ, (شَتَتْ) يُرْوَى في مكانِه: (بَدَتْ), وهما بمعنًى واحدٍ, (هَمَّالةً) صيغةُ مُبالَغَةٍ, من قولِهم: هَمَلَتِ العينُ بالدمْعِ، وهَمَلَ السَّحابُ بالمطَرِ يَهْمُلُ هُمُولاً– مثلُ قَعَدَ يَقْعُدُ قُعُوداً– وهُملاناً أيضاً؛ وذلك إذا انهَمَرَتْ وفاضَتْ بهِ وكَثُرَ نُزولُه منها, (الرَّحْلَ) كلُّ شيءٍ يَعُدُّه المسافرُ لسَفَرِه: مِن وعاءٍ لمَتاعِه، ومَرْكَبٍ لبَعيرِه، وجَمْعُه أَرْحُلٌ ورِحَالٌ، مثلُ فَلْسٍ وأفْلُسٍ, وسَهْمٍ وأَسْهُمٍ وسِهَامٍ, (وَارِداً) أي: مُوافياً لِمَا قَصَدْتُ إليه بسَفَرِي وبَالِغاً إيَّاهُ.
الإعرابُ: (عَلَفْتُها) فعلٌ ماضٍ، وتاءُ المُتكَلِّمِ فَاعِلُه، والضميرُ العائدُ على رَاحِلَتِه مفعولٌ أوَّلُ, (تَبْناً) مَفْعولٌ ثانٍ, (ومَاءً) الواوُ حرفُ عطفٍ، ماءً مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وسَقَيْتُها ماءً, (بَارِداً) نَعْتُ الماءِ، ونعتُ المنصوبِ منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ، والواوُ– على هذا – قد عَطَفَتْ جملةً على جملةٍ.
الشاهدُ فيه قولُه: (وماءً). فإنَّ عُلماءَ العربيَّةِ مُجْمِعونَ على أنَّه لا يَجوزُ أنْ يكُونَ (مَاءً) معطوفاً على قولِه: (تِبْناً). عَطْفَ مُفْرَدٍ على مُفرَدٍ معَ بقاءِ قولِه: (عَلَفْتُهَا). على معناهُ الأصليِّ الذي وُضِعَ له في لسانِ العربِ، والسرُّ في ذلك أنَّ مِن شَرْطِ عطفِ المُفْرَدِ على المفردِ أنْ يكُونَ العاملُ في المفردِ المعطوفِ عليهِ مِمَّا يَصِحُّ أنْ يَتَسَلَّطَ على المفردِ المعطوفِ، وههنا لا َيجوزُ لك أنْ تقولَ: عَلَفْتُها مَاءً بارداً. لأنَّ العَلْفَ خَاصٌّ بما يُطْعَمُ.
وقد ذكَرَ العلماءُ – بعدَ ذلك – في تخريجِ مثلِ هذا التعبيرِ ثَلاثةَ تَخْريجاتٍ:
التخريجُ الأوَّلُ: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مفعولاً معَه، ذكَرَ هذا الوجْهَ ابنُ عَقِيلٍ في شرحِه على الألفيَّةِ، وصدَرَ به التخريجاتُ، وقدْأبطَلَه المُؤلِّفُ ههنا؛ كما أبطَلَ صِحَّةَ عطفِه على ما قبلَه، ووَجْهُ إبطالِه أنَّ الماءَ لا يُشارِكُ التِّبْنَ, لا في معنَى العَلْفِ ولا في زَمانِ العلْفِ، فلَمَّا لم يُشارِكْهُ في معنَى العَلْفِ لم يَصِحّض أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). معطوفاً على قولِه: (تِبْناً). ولَمَّا لم يُشارِكُه في الزمانِ– بسَبَبِ أنَّ الناقَةَ لا تَشْرَبُ الماءَ في وَقْتِ تناوُلِها التِّبْنَ – لم يَصِحَّ أنْ يكُونَ (ومَاءً) مَفْعولاً معَه أيضاً، فإنَّ مِن شرطِ انتصابِ الاسْمِ على أنَّه مفعولٌ معَه أنْ يكُونَ مشاركاً لِمَا قبلَه في زمانِ تَسَلُّطِ العاملِ عليهِ، ويدُلُّ على هذا اشتراطُهم أنْ تكُونَ الواوُ السابقةُ عليهِ دَالَّةً على المصاحبةِ.
والتخريجُ الثاني: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مَعْطوفاً على قولِه: (تِبْناً). بعدَ التأويلِ في العاملِ، فعَلَى هذا التخريجِ لا يَبْقَى معنَى قولِه: (عَلَفْتُها): أطْعَمْتُها وقَدَّمْتُ لها ما تأكُلُه، كما هو معناهُ الوضْعِيِّ، بل معناهُ هنا الآنَ أعَمُّ من ذلكَ، فنحنُ نُؤَوِّلُه فنُرِيدُ به معنًى أَوْسَعَ مِن معناهُ اللُّغويِّ، كأنْ نُرِيدَ به معنَى (قَدَّمْتُ لَهَا) أو معنَى (أنَلْتُهَا) أو معنَى (أعْطَيْتُها) وما أشْبَه ذلك، وهذا تخريجُ الجَرْمِيِّ والمازنيِّ والمُبرِّدِ وأبي عُبَيدةَ والأصمعيِّ واليَزِيديِّ وغيرِهم من العُلماءِ.
والتخريجُ الثالثُ: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مَفْعولاً به لفعلٍ مَحْذوفٍ يَقْتَضِيهِ السياقُ؛ كما ذَكَرْناهُ في بيانِ إعرابِ هذا الشاهدِ، وتَكُونَ جملةُ: (وسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِداً) مَعْطوفةً بالواوِ على جُمْلةِ: (علَفْتُهَا تِبْناً). فالفَرْقُ بينَ هذا التخريجِ والذي قبلَه أنَّ الواوَ في هذا التخريجِ عَطَفَتْ جُمْلةً على جملةٍ، وفي التخريجِ السابقِ عَطَفَتْ مُفْرداً على مفردٍ، وهذا تخريجُ كثيرٍ من العلماءِ، وأوْجَبَهُ أبو عليٍّ الفارسيُّ والفرَّاءُ والزَّوْزنِيُّ شارِحُ المُعَلَّقاتِ.
ومثلُ هذا البيتِ في احتمالِ التخريجيْنِ؛ الثاني والثالثِ, قولُ لَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ من مُعَلَّقَتِه:
فَعَلاَ فُرُوعُ الأَيْهَقَانِ، وأَطْفَلَتْ = بالجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا ونَعَامَهُا
(عَلاَ: ارْتَفَعَ وبسَقَ وطَالَ، والأيهاقُ: ضَرْبٌ من النبْتِ، وهو الجرجيرُ البَرِّيُّ، والجَلْهَتانِ: جَانِبَا الوادي، وأطْفَلَتْ: ولَدَتْ وصارتْ ذَاتَ أطْفالٍ) يَحتمِلُ أنَّه أرادَ: أطْفَلَتْ ظِباؤُها وبَاضَتْ نَعامُها؛ لأنَّ النعامَ لا تَلِدُ وإنَّما تَبِيضُ, ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ: نُتِجَتْ ظِبَاؤُها ونَعَامُها، فوضَعَ أطْفَلَتْ في مَوْضعِ نُتِجَتْ.
ومثلُه قولُ الآخرِ:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أنْفَهُ = وعَيْنَيهِ أَنَّ مَوْلاهُ صَارَ لَهُ وَفْرُ
يَهْجُوُ رَجُلاً بأنَّه يَشْتَدُّ غَيْظُه وكَمْدُه إذا ما رأَى أحدَ أصدقائِه قد أيْسَرَ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ يَجْدَعُ أنْفَه ويَفْقَأَ عَيْنَيهِ؛ إذ الجَدْعُ لا يَكونُ إِلاَّ للأنْفِ، ويَحْتمِلُ أنَّه أرادَ تَرَاهُ كأنَّ اللهَ يُذْهِبُ أنفَه وعَيْنَيْهِ، فوَضَعَ يَجْدَعُ في مَوضعِ يُذْهِبُ.
ومثلُه قولُ الآخرِ:
يَا لَيْتَ بَعْلِكِ قَدْ غَدَا = مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً
يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ مُتَقلِّداً سَيْفاً وحَامِلاً رُمحاً؛ لأنَّ التقَلُّدَ لا يكونُ إلاَّ للسَّيْفِ، ويَحْتمِلُ أنه أرَادَ مُستعمِلاً سَيْفاً ورُمحاً.
([6]) 259-هذا الشاهدُ من كلامِ الراعِي النُّمَيريِّ، واسمُه عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ عَجَزُ بَيْتٍ من الوافرِ، وصَدْرُه قولُه:
*إِذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً*
وبعدَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ به هنا قولُه:
أَنَخْنَ جِمَالَهُنَّ بذَاتِ غِسْلٍ = سَرَاةَ اليَوْمِ يَمْهَدْنَ الكُدُونَا
وأنشَدَ ياقوتٌ قبلَ هذا البيتِ قولُه:
وأظْعَانٍ طَلَبْتُ بذَاتِ لَوْثٍ = يَزِيدُ رَسِيمُها سَرَعاً ولِينَا
اللغةُ: (الغَانِيَاتِ) جمعُ غَانِيَةٍ، وهي المرأةُ التي غَنِيَتْ بجَمالِها عن الحُلُيِّ والزِّينةِ, ويُقالُ: هي التي غَنِيَتْ بزَوْجِها عن التعَرُّضِ للرجالِ، وأصْلُ الغانياتِ جَمْعُ غَانِيَةٍ, اسمُ فَاعِلٍ مُؤَنَّثٌ من (غَنِيَ فُلانٌ بالمَكانِ): إذا أقامَ به ولم يَبْرَحْهُ، فكأنَّهُنَّ مُقِيماتٌ بخُدُورِهِنَّ لا يُفارِقْنَها؛ كقولِه تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيَامِ}. كما قَالُوا: امرأةٌ مُخَدَّرَةٌ. وهي التي حُبِسَتْ في الخِدْرِ لا تَبْرَحُهُ, (بَرَزْنَ) تقولُ: (بَرَزَ فُلانٌ يَبْرُزُ بُرُوزاً). بوَزْنِ قَعَدَ يَقْعُدُ قُعُوداً: إذا ظَهَرَ, (زَجَّجْنَ) دَقَّقْنَ، وتقولُ: رَجُلٌ أَزَجُّ، وامْرأَةٌ زَجَّاءُ): إذا كانَ قد دَقَّقَ حَاجِبَه ورَقَّقَه في طُولٍ, (ذَاتِ غِسْلٍ) بكسرِ الغَيْنِ وسُكونِ السنِّ– موضِعٌ بينَ اليَمامةِ والنِّبَاجِ, كانَ لبَنِي كُلَيْبِ بنِ يَرْبُوعَ ثم صَارَ لبني نُمَيْرٍ.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتقبَلُ من الزمانِ خَافِضٌ لشَرْطِه منصوبٌ بجوابِه، مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ, (ما) زائدةٌ, (الغَانياتُ) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وجملةُ الفعلِ المحذوفِ وفاعِلِه المذكورِ في مَحلِّ جَرٍّ بإضافةِ"إذا" إليها, (بَرَزْنَ) بَرَزَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونونُ النِّسوةِ فَاعِلٌ، مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ رفعٍ، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ مُفَسِّرَةٌ, (يَوْماً) ظرفُ زمانٍ مَنْصوبٌ ببَرَزَ, (وزَجَّجْنَ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، زَجَّجَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونونُ النِّسْوةِ فاعلُه مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ رفعٍ, (الحَوَاجِبَ) مفعولٌ بهِ لزجَّجَ, منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (والعُيُونَا) الواوُ حرفُ عطفٍ، العُيُونَا: مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: وزَجَّجْنَ الحواجبَ وكَحَّلنَ العُيونَ، والجملةُ معطوفةٌ بالواوِ على الجملةِ قبلَها، أو العُيونُ معطوفٌ على الحواجبِ, بتأويلِ زَجَّجْنَ بفعلٍ يَصِحُّ أنْ يَتناوَلَ الحَوَاجِبَ والعيونَ مَعاً، مثلَ: حَسَّنَّ أو جَمَّلْنَ وما أشْبَهَ ذلك.
الشاهدُ فيه قولُه: (زَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا). فإنَّ الفعلَ المذكورَ في هذه العبارةِ لا يَصِحُّ أنْ يَتعدَّى إلى ما قبلِ الواوِ, وما بعدَها جميعاً معَ بقائِهِ على معناهُ الأصلُ، فما بعدَ الواوِ؛ إمَّا أنْ يكُونَ معمولاً لفعلٍ محذوفٍ يَصِحُّ أنْ يَتعَدَّى إليهِ، وتَكُونَ الواوُ قد عَطَفَتْ جملةً على جملةٍ، وإِمَّا أنْ يتأوَّلَ في الفعلِ, فيَجْعَلَ معناهُ أوْسَعَ من معناه الأصليِّ, بحيثُ يَتناوَلُ ما بعدَ الواوِ وما قبلَها، وتكونُ الواوُ قد عَطَفَتْ مفرداً على مفردٍ، على نحوِ ما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ وقَرَّرْنا بإيضاحٍ في شرحِ الشاهدِ السابقِ.