(ثم سوء الحفظ إن كان لازماً).
الشيخ:
هذا أحد أسباب الطعن في الراوي، وهو سوء الحفظ.
المؤلف رحمه الله ذكر تعريفه في أكثر من موضع ذكر في الشرح أنه: من كان خطؤه مثل صوابه.
-وفي موضعٍ قال: من لم يكن غلطه أقل من صوابه.
فمعنى ذلك أنه يكون غلطه إما مساوياً للصواب أو أكثر، وهذا التعريف الثاني يوافق
فاحش الغلط الذي مر معنا، يعرفونه: يكون خطؤه أكثر من صوابه.
وفي موضعٍ ثالثٍ ذكر المؤلف رحمه الله لما ذكر أسهل عبارات الجرح قال:
لين وسيئ الحفظ، وذكر أن المتوسط أغلظ في الجرح من سيئ الحفظ، ذكر فاحش الغلط، فهذا يدل على أنه عنده فاحش الغلط أعظم من سيئ الحفظ.
لكن لما كانت هنا أوضح، فيقال: إن سيئ الحفظ من لم يكن غلطه أقل من صوابه يريد بها أنه هو الذي تساوى خطؤه مع صوابه، وهذا الكلام ليس على سبيل التحديد، يعني: إذا كان له مائة حديث يكون الغلط في خمسين، أو في ستين، هذا ما يمكن، ولكن يعني كثرةً نسبيةً، يعني: تكثر أخطاؤه، هذا النوع الذي هو سيئ الحفظ، الأغلاط التي تقع في الرواية وتنشأ عن سوء الحفظ. إما أن تكون لازمة يعني للإنسان:
- ليست في حال معينة.
- ليست في راوٍ معين.
- ولا في زمانٍ دون زمانٍ.
- ولا في علم دون علم، ولكن وصف الرجل الذي وصفه به العلماء أن هذا الرجل ضعيف في حفظه، أو سيئ الحفظ هذا السوء الملازم.
كما في رِشدين بن سعد المصري، هذا سيئ الحفظ، ما قالوا: إنه سيئ الحفظ في وقتٍ، وثقةً في وقتٍ، أو سيئ الحفظ إذا روى عن فلان، وثقة إذا روى عن فلان، وإنما وصفوه بأنه سيئ الحفظ، فمثل هذا يكون حديثه حديثا ضعيفاًَ، يوصف حديثه بأنَّه شاذ إذا تفرد به على رأي؛ لأنه تقدم عندنا الرأي الذي اختاره المؤلف في الشاذ، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو، الراجح للأرجح، هنا يقول: على رأي، وهم الذين يقولون: إن تفرد الضعيف يسمى شاذاً.
فإذاً:
صار عندنا الشاذ إما يطلق مع المخالفة، يعني: مخالفة الثقة أو المقبول لمن هو أوثق منه، فيجتمع فيه شيئان:
- المخالفة.
- والثقة.
أو أنه مجرد تفرد الضعيف، فإذا تفرد الضعيف، فيسمى حديثه شاذاً على رأي جماعة من العلماء.
***
القارئ:
(أو طارئاً فالمختلط)
.
الشيخ:
هذا النوع الثاني من أنواع سوء الحفظ،يكون سوء الحفظ طارئاً ليس لازماً، وهذا هو المختلط.
الاختلاط هو:
كما ذكر العلماء فساد يعتري الإنسان فيذهب بعقله.
فساد في العقل يصيب الإنسان، فيذهب معه الحفظ أو تختلط عليه الأحاديث، فلا يميز بينها، هذا يسمونه المختلط.
الاختلاط هذا نوعان:
-نوعٌ يأتي لكبر السن، إذا كبرت سن الإنسان ولحقه الخرف اختلط، فصار لا يعرف أحاديثه ولا يحفظها وينساها، مثل هذا يقع لبعض الحفاظ، وفي كثير من المختلطين هكذا كعبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، وابن مسعود المعروف بالمسعودي، كسعيد الجريري كسعيد بن أبي عروبة، كعطاء الخراساني. هؤلاء اختلطواْ.
وفيه نوع من الاختلاط لا تعلق له بالكبر، وإنما يختلط الإنسان لعارضٍ من العوارض التي تصيبه:
- إما يمرض فيلحق عقله شيءٌ. تختلط عليه الأحاديث معه.
أو تجيئه مصيبة من احتراق كتب، أو يعمى بصره، أو يسرق بيته وماله، فيحصل له الاختلاط من هذه الأشياء، الاختلاط بنوعيه هذا طارئٌ على الحفظ، وليس أصلياً، هذا طارئ.
سيئ الحفظ، أو سوء الحفظ الملازم، هذا كل ما جاءنا الحديث وفيه هذا الراوي، قلنا: هذا ضعيف.
سوء الحفظ الطارئ، هذا للرجل فيه حالان:
الحال الأولى:حال القبول.
والثانية:حال الرد.
فالمختلطون قسمان:
- قسم تميز حديثه
يعني: تعرف أحاديثه التي رويت عنه قبل الاختلاط، والأحاديث التي رويت عنه بعد الاختلاط، هذا النوع نقبل أحاديثه التي سمعت منه قبل الاختلاط، وأما التي سمعت منه في الاختلاط، فلا تقبل منه.
والنوع الثاني:
الذي ما تميز ما تعرف أحاديثه التي قبل الاختلاط أو بعده، هذا يترك حديثه، يضعف حديثه كله، كما حصل لليث بن أبي سليم، اختلط ولم تميز أحاديثه فترك.
أما النوع الأول:
وهو الذي تميز، فهذا ننظر في الراوي، ننظر بحسب القواعد التي ذكرها العلماء في المختلطين، وهذه غالباً ينصون على الرواة، يقولون: مثلاً سعيد بن إياس الجريري إذا نظرنا فيه لا نضعف كل حديث يرد فيه سعيد بن إياس، سعيد ثقة، لكنه ضُعِّف لاختلاطه، ففي ببعض الأحاديث فيها سعيد الجريري نقول: هذا حديث صحيح.
وفيه بعضها نقول: هذه أحاديث ضعاف ولا نقبلها، وهي التي سمعت منه في الاختلاط، فإذا روى عنه مثلاً: حديث رواه حماد بن زيد، عن الجريري نجد أن العلماء يقولون: حماد سمع منه قبل الاختلاط فنقول: هذا حديث سعيد صحيح، وسعيد في هذا الموضع ثقة، روايته صحيحة.
لكن إذا جاء إسنادٌ آخر قال: يزيد بن هارون، عن سعيد الجريري، نقول: هذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه الجريري، وروايته هذه في الاختلاط؛ لأن الراوي عنه يزيد بن هارون، وقد سمع منه في الاختلاط كذلك، مثل: سعيد بن أبي عروبة إذا وجدنا أحداً من الرواة الذين رووا عنه قبل الاختلاط، فهؤلاء نصحح حديثهم، وإذا رووا عنه في الاختلاط كابن مهديٍّ، وغندر نقول: هذا الحديث ضعيف.
- وأحياناً يقولون:
من سمع منه بالكوفة فقبل الاختلاط، وأحاديثه في البصرة فيها اختلاط.
- أو إذا روى عنه الشاميون، فهذا قبل الاختلاط، وإن كان من رواية البغداديين عنه، فبعد الاختلاط، فهي مميزة على كل.
***
القارئ:
(ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئا فالمختلط، ومتى توبع سيئ الحفظ بمعتبر، وكذا المستور والمرسل والمدلَّس صار حديثهم حسناً، لا لذاته، بل بالمجموع).
الشيخ:
لما تكلم المؤلف رحمه الله على السيئ الحفظ، وبين قسميه، بين هنا درجة حديث سيئ الحفظ والمجهول، وحديث المرسِل، وحديث المدلِّس، فذكر رحمه الله أن المستور إذا توبع، وأن سيء الحفظ إذا توبع، وأن المدلِّس إذا توبع، وأن المرسِل إذا توبع، انتقل حديثهم من الضعف إلى الحسن لغيره.
المتابعة تقدم معنا أنها قسمان:
- متابعة تامة.
- ومتابعة قاصرة.