8/106 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا القُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً. رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا القُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالخَمْسَةُ).
هَكَذَا فِي نُسَخِ بُلُوغِ المَرَامِ، وَالأَوْلَى وَالأَرْبَعَةُ قَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِهَا كَذَلِكَ (وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَذَكَرَ المُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ، وَعَبْدُ الحَقِّ، وَالبَغَوِيُّ، وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الحَدِيثُ ثُلُثُ رَأْسِ مَالِي، وَمَا أُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ أَحْسَنَ مِنْهُ؛ وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: خَالَفَ التِّرْمِذِيَّ الأَكْثَرُونَ فَضَعَّفُوا هَذَا الحَدِيثَ؛ فَقَدْ قَالَ المُصَنِّفُ: إنَّ تَخْصِيصَهُ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صَحَّحَهُ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ تَصْحِيحَهُ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَنْ صَحَّحَهُ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفاً: اقْرَؤُوا القُرْآنَ مَا لَمْ تُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ فَلاَ وَلاَ حَرْفاً. وَهَذَا يُعَضِّدُ حَدِيثَ البَابِ؛ إلاَّ أَنَّهُ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ حُجَّةَ فِي الحَدِيثِ لِمَنْ مَنَعَ الجُنُبَ مِن القِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَةُ فِعْلٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ من ذَلِكَ لِأَجْلِ الجَنَابَةِ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْساً.
وَالقَوْلُ بِأَنَّ رِوَايَةَ: "لَمْ يَكُنْ يَحْجُبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ القُرآنِ أَوْ يَحْجِزُهُ شَيْءٌ سِوَى الجَنَابَةِ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَالبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ ، أَصْرَحُ فِي الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِ القِرَاءَةِ عَلَى الجُنُبِ مِنْ حَدِيثِ البَابِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ فَإِنَّ الأَلْفَاظَ كُلَّهَا إخْبَارٌ عَنْ تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ حَالَ الجَنَابَةِ.
وَلاَ دَلِيلَ فِي التَّرْكِ عَلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ".
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَذَا، وَلَكِنَّ الحَقَّ أَنَّهُ لاَ يَنْهَضُ عَلَى التَّحْرِيمِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ حَالَ الجَنَابَةِ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ نَحْوِهَا؛ إلاَّ أَنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَرَأَ شَيْئاً مِن القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: ((هَكَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ، فَأَمَّا الجُنُبُ فَلاَ وَلاَ آيَةً)).
قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ مَوْثُوقُونَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ، وَأَصْلُهُ ذَلِكَ، وَيُعَاضِدُ مَا سَلَفَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعاً: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ)) الحَدِيثَ، فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ القِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتِّلاَوَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ غِشْيَانِهِ أَهْلَهُ، وَصَيْرُورَتِهِ جُنُباً.
وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا غَشِيَ أَهْلَهُ فَأَنْزَلَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتَنِي نَصِيباً)) لَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، فَلاَ يُرَدُّ بِهِ إشْكَالٌ.