المبحث الثالث عشر في التاءات:
ونعني بالتاءات هنا تاءات التأنيث التي يوقف عليها بالتاء لابالهاء، ولا نعني استيعاب التاءات في القرآن الكريم، وإلا لوجدنا أكثر من أربعين تاءاً، كل تاء تدل على أمر دون أختها، فهناك تاء الخطاب، وتاء المخاطب، وتاء الإخبار، وتاء الفعل، وتاء الفاعل، وما إلى ذلك مما يعتني به أهل النحو والبلاغة، وهذا كله لا يهم القارئ في شيء، وإنما نعني بها التاء الملحقة بآخر الأسماء ويوقف عليها بالتاء.
والتاءات التي يعتني بها القراء في القرآن الكريم خمسة أنواع:
أولها تاء تأنيث ممدودة، كالصلاة والزكاة والحياة وتقنية، ويوقف عليها بالهاء، وتوصل بالتاء وقد سبق بيانها في باب المد والقصر.
وتاء تأنيث غير ممدودة، كالصاخة والطامة والقيامة واللوامة وعبرة ومائة ووجهة، وتسمى هاء تأنيث غير ممدودة عارضة للسكون، وليس فيهما روماً ولا إشماماً، ويوقف عليهما بالهاء ويوصلان بالتاء.
النوع الثالث: تاء جمع المؤنث، كصالحات ومؤمنات وثمرات وجنات، وهي مد عارض للسكون كما تقدم، وتاء وصلاً ووقفاً، إلا في كلمات سنوضحها بعد قليل، وهي التي عناها الإمام ابن الجزري بقوله:
وكل ما اختلف = جمعاً وفرداً فيه بالتاء عرف
وستأتي.
النوع الرابع: تاء الفعل المؤنت، وهي التي تأتي لتأنيث من وقع عليه الفعل لا لتأنيث الفعل، كقوله: {انفطرت}، {انكدرت}، {كورت}، {انشقت}،{علمت}، {أحضرت} {قالت}، وتسمى ساكن أصلي، وكذلك نحو: {لا تنهر}، {لا تقهر}، فاعلم. كل ذلك يسمى ساكن أصلي، فأصل كورت كور، وإنما أنثت الشمس التي وقع عليه التكوير، وأصل انفطرت: انفطر وإنما أنثت السماء التي وقع عليها الانفطار. وأصل انشقت انشق، وإنما أنثت السماء التي وقع عليها الانشقاق، وأصل أحضرت أحضر وإنما أنثت النفس التي أحضرت إن خيراً أو شراً، وهكذا، لذا قلنا إنها تأتي لتأنيث من وقع عليه الفعل.
والنوع الخامس: تاء تأنيث الاسم وهو موضوع بحثنا كسنت وفطرت وكلمت ونعمت ورحمت وهكذا وإليك بيانها فنقول وبالله التوفيق:
ينقسم هذا النوع الخامس إلى مكرر وغير مكرر، ولنبدأ أولاً بالمكرر، عادين لكل موضع وأين هو في القرآن الكريم. فالمكرر ست كلمات:
أولاً: (رحمت) وهو في سبع كلمات الأول: {أولئك يرجون رحمت الله} تفف {أولئك يرجون رحمت}
الثاني: {إن رحمت الله قريب}بسورة الأعراف تقول: {إن رحمت} وحكمهما، عارض للسكون، غير ممدود، منصوب، فيهما السكون فقط.
الثالث: {رحمت الله وبركاته} بسورة هود، تقول: {رحمت}، وهو عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون والروم والإشمام،
الرابع: {ذكر رحمت ربك} بأول مريم وهو عارض للسكون، غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم.
خامساً: {فانظر إلى آثار رحمت الله} بسورة الروم، تقول: {فانظر إلى آثار رحمت} وهو عارض للسكون، غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم.
سادساً: {أهم يقسمون رحمت ربك} بسورة الزخرف، تقول: {أهم يقسمون رحمت} وهو عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيه السكون فقط.
سابعاً: {ورحمت ربك خير} بسورة الزخرف أيضاً، تقول: {ورحمت} ويوقف عليها بالسكون، والروم، والإشمام، فهي عارض للسكون غير ممدود مرفوع.
قال العلامة المتولي في كتابه اللؤلؤ المنظوم:
يرجون رحمت وذكر رحمت = ورحمت الله قريب فاثبت
ورحمت الله بهود مع إلى = آثار رحمت بزخرف كلا
وفيما عدا هذا يوقف عليه بالهاء، فيكون من قبيل هاء التأنيث غير المدودة العارضة للسكون، ولا روم فيها ولا إشمام.
النوع الثاني: نعمت، وهي في إحدى عشر موضع من القرآن، بيانها كالتالي:
أولاً: {واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب} سورة البقرة.
الثاني: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء} بسورة آل عمران.
الثالث: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم} بسورة المائدة.
الرابع: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله} بسورة إبراهيم.
خامساً: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} بسورة إبراهيم، أيضاً.
والوقف على هذه الخمسة بالسكون المحض، فهن عارض للسكون منصوب غير ممدود.
سادساً: {وبنعمت الله هم يكفرون} بسورة النحل، وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم.
سابعاً: {يعرفون نعمت الله} بسورة النحل أيضاً، كل هذا يوقف عليه نعمت بالتاء.
ثامناً: {واشكروا نعمت الله} بالنحل تقول: {نعمت}.
تاسعاً: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله} سورة لقمان، وهي عارض للسكون غير ممدود مجرور فيها السكون والروم
عاشراً: {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم} بسورة فاطر.
الحادي عشر: {فذكر فما أنت بنعمت ربك} بسورة الطور، وهو عارض للسكون، غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم.
وعلى هذا فإن كانت نعمتَ فهو عارض للسكون غير ممدود منصوب، وإن كانت نعمتِ فهو عارض للسكون غير ممدود مجرور، الأول فيه السكون. والثاني فيه السكون والروم، ويوقف على الكل نعمت بالتاء المفتوحة.
وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء، نعمَه فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون، وليس فيها روم ولا إشمام كما تقدم.
وقد جمع هذه الكلمات الإمام المتولي في اللؤلؤ المنظوم فقال:
ونعمت الله عليكم في البقر = كفاطر وآل عمران اشتهر
والثان في العقود مع حرفين = جاء بإبراهيم آخرين
ثم ثلاثة بنحل أخرت = وموضع الطور ولقمان ثبت
النوع الثالث: من المكرر كلمة (امرأت)، وتوجد في سبع مواضع من القرآن الكريم، إليك بيانها:
الأول: {إذ قالت امرأت عمران} بسورة آل عمران.
الثاني: {قالت امرأت العزيز} وحكمهما عارض للسكون غير ممدود، مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام تقول: امرأت.
الثالث: {امرأت العزيز تراود} بسورة يوسف ، وحكمها كالأولين.
رابعاً: {وقالت امرأت فرعون} بسورة القصص، وحكمها كما مضى.
خامساً: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون} بالتحريم، وهي عارض للسكون غير ممدود، منصوب، فيه السكون فقط.
سادساً، وسابعاً: {امرأت نوح وامرأت لوط} بالتحريم وحكمهما عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيه السكون فقط، كل هذا يوقف عليه: امرأت، وضابط ذلك كل امرات أتت مع زوجها يوقف عليها بالتاء، وما سوى ذلك يوقف عليها بالهاء، فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون، ولا روم فيها ولا إشمام.
قال العلامة المتولي:
وامرأت مع زوجها قد ذكرت = فهاؤها بالتاء رسماً وردت
النوع الرابع: من المكرر كلمة: سنت، وتوجد في خمس مواضع من القرآن الكريم إليك بيانها:
أولاً – {فقد مضت سنت الأولين} بسورة الأنفال، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام.
ثانياً، وثالثاً، ورابعاً: {فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلاً ولن تجد لسنت الله تحويلا} كله بسورة فاطر.
والأولى: حكمها عارض للسكون، غير ممدود منصوب، فيه السكون فقط،.
والثانيتان: عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم.
خامساً: {سنت الله التي قد خلت في عباده} بآخر غافر، وحكمها عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيه السكون فقط.
كل ذلك يوقف عليه هكذا: سنت، وما سواه يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم ولا إشمام، كما تقدم.
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم:
سنت فاطر وفي الأنفال = حرف كذا في غافر ذو بال
الخامس من المكرر: لفظ: (لعنت)، وقد ذكرت في موضعين من القرآن الكريم:
أولاً: {فنجعل لعنت الله على الكاذبين} بسورة آل عمران،
ثانياً: {أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} بسورة النور.
وهما عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيه السكون فقط، تقول: لعنت وما سوى ذلك فلعنه بالهاء وتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون، ولا روم ولا إشمام.
قال العلامة المتولي:
لعنت في عمران وهو الأول = وموضع النور وليس يشكل
السادس من المكرر كلمة معصيت وهي في موضعين من القرآن الكريم بسورة المجادلة {ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول} {فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول}، يوقف عليهما هكذا: (معصيت) وحكمهما عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم. ولا ثالث لهما في القرآن الكريم.
فهذا ما تكرر من التاء المفتوحة في القرآن الكريم، ذكرنا كلاً في موضعه بفضل الله تعالى، وإليك عد مالم يكرر:
أولا: كلمت وهي في قوله: {وتمت كلمت ربك الحسنى} بسورة الأعراف، تقول: {وتمت كلمت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام وما سواها يوقف عليها بالهاء كلمه فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون، ولا روم ولا إشمام.
الثاني: بقيت وهي في قوله تعالى: {بقيت الله خير لكم} بسورة هود، وحكمها كالأول تماماً ويوقف عليها هكذا: {بقيت}. وما سواه يوقف عليه بالهاء، فيكون من قبيل هاء التأنيث كما تقدم.
ثالثاً: {قرت عين لي} بسورة القصص، يوقف عليها هكذا: {وقالت امرأة فرعون قرت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه الثلاثة، ويوقف على ماسواه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة كما تقدم.
رابعاً: فطرت في قوله تعالى: {فطرت الله التي فطر الناس} بسورة الروم، يوقف عليها هكذا فطرت، وحكمها عارض للسكون غير ممدود منصوب فيها السكون فقط، ولا ثاني له في القرآن.
خامساً: شجرت في قوله: {إن شجرت الزقوم} بالدخان، يوقف عليها هكذا: {إن شجرت} وهي عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيها السكون فقط، وما سواها يوقف عليه بالهاء فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة كما تقدم.
سادساً: جنت في قوله: {فروح وريحان وجنت نعيم} تقرأ هكذا: {فروح وريحان وجنت} بسورة الواقعة، وهي عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام، وما سواها يوقف عليه بالهاء فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة كما تقدم.
سابعاً: ابنت وهي في قوله: {ومريم ابنت عمران} بالتحريم، تقول: {ومريم ابنت} وهي عارض للسكون غير ممدود منصوب، فيها السكون فقط، ولا ثاني لها في القرآن.
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم:
معصيت الرسول ثم فطرت = قرت عين وبقيت ابنت
شجرت الدخان ثم كلمت = الاعراف جنت التي في وقعت
وهذا كله معنى قول الناظم:
ورحمت الزخرف بالتا زبره = ................
وزبره أي كتبه.
.................... = الاعراف روم هود كاف البقرة
نعمت ها ثلاث نحل إبرهم ....................
يعني: إبراهيم.
............................... = معاً أخيرات عقود الثاني هم
يعني المرتبطة بقوله: {إذ هم قوم}.
لقمان ثم فاطر كالطور = عمران لعنت بها والنور
أي: لعنت التي في آل عمران، وفي سورة النور.
وامرأت يوسف عمران القصص = تحريم معصيت بقد سمع يخص
شجرت الدخان سنت فاطر = كلاً والانفال وأخرى غافر
وقوله: كلاً يعني كل الذي في فاطر.
قرت عين جنت في وقعت = فطرت بقيت وابنت وكلمت
أوسط الاعراف وكل ما اختلف = جمعاً وفرداً فيه بالتاء عرف
ومعنى قوله (وكل ما اختلف جمعاً وفرداً) يعني كلمات سبعة اختلف فيها القراء جمعاً وإفراداً ويقف عليها حفص بالتاء المفتوحة وإليك بيانها:
أولاً: (كلمات) بسورة الانعام ويونس والطول أي غافر ففي سورة الأنعام {وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلا} تقول:{وتمت كلمت}
الوجه الثاني
وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون والروم والإشمام وفي يونس: {كذلك حقت كلمت ربك} تقرأ هكذا: {كذلك حقت كلمت}، وحكمها كالتي قبلها، وربما جهرت بالهمس ليظهر التسجيل جيداً، وفي غافر: {وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا} وهي كالسابقتين نطقاً وحكماً. قرأ الثلاثة الكوفيون بالإفراد، وباقي القراء بالجمع، وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير المدودة العارضة كما تقدم.
ثانياً: {غيابت الجبب} بسورة يوسف، في الموضعين، يوقف عليها هكذا: {يجعلوه في غيابت} {وألقوه في غيابت}، وحكمهما عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم. وقرأهما نافع بالجمع والباقي بالإفراد.
ثالثاً: {كأنه جمالت صفر} بالمرسلات، تقرأ هكذا {كأنه جمالت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع, فيه الثلاثة: السكون والروم والإشمام. وقرأ بتوحيدها حمزة والكسائي وخلف وحفص والباقي بجمعها {جمالات}.
رابعاً: في سورة العنكبوت {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} يوقف عليها هكذا {آيات} وهي مد عارض للسكون مرفوع، فيه القصر والتوسط والمد بالسكون، والقصر والتوسط والمد بالإشمام، والقصر بالروم. سبعة أوجه. وقرأ بتوحيده حمزة والكسائي وخلف وشعبة، والباقي بالجمع.
خامساً: {وهم في الغرفات آمنون} بسورة سبأ، يوقف عليها هكذا: {وهم في الغرفات}، وحكمه مد عارض للسكون مجرور، فيه الثلاثة: القصر والتوسط المد والقصر بالروم، أربعة أوجه، وقرأ بتوحيده حمزة وخلف هكذا: {وهم في الغرفه}.
سادساً: قوله: {وما تخرج من ثمرات} بسورة فصلت، وَقف عليها حفص هكذا: {وما تخرج من ثمرات}، وهي في الحكم كالتي قبلها، وجمعها نافع وابن عامر و أبو جعفر وحفص، وقرأ الباقون بالإفراد: {وهم في الغرفة}.
سابعاً: قوله: {فهم على بينت منه} بسورة فاطر، وتقرأ هكذا: {فهم على بينت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم، قرأها نافع والكسائي وشعبة وأبو جعفر بالجمع، والباقون بالتوحيد.
فهذه هي الكلمات السبع التي اختلف فيها القراء جمعاً وفرداً، وهي معنى قوله رضي الله عنه:
وكل ما اختلف = جمعاً وفرداً فيه بالتاء عرف
أي عرف عن حفص وقفه على هذه المواضع بالتاء المفتوحة. وقد تم هذا المبحث بحمد الله وتوفيقه.