50 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً وَفِي قَدَمِهِ مِثْلُ الظُّفَرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَقَالَ: ((ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ حَسَنٌ: معَ أنَّ العلماءَ اخْتَلَفُوا في صِحَّتِه:
فقدْ قالَ أبو دَاودَ: هذا حديثٌ غيرُ معروفٍ عن جَريرِ بنِ حازِمٍ، ولم يَرْوِهِ إلاَّ ابنُ وَهْبٍ، وله شاهدٌ عندَ مسلمٍ (243) موقوفٌ على عُمَرَ.
وقالَ المُنْذِرِيُّ: في إسنادِه بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيدِ، وفيه مَقالٌ.
وقالَ الإمامُ أحمدُ: إسنادُه جَيِّدٌ، وقد صَحَّحَه ابنُ خُزَيْمَةَ وأبو عَوَانَةَ والضِّياءُ المَقْدِسِيُّ، وقالَ البَيْهَقِيُّ: رُوَاتُه كلُّهم ثِقاتٌ مُجْمَعٌ على عَدَالَتِهِم.
ويَكْفِي أنْ نَسُوقَ ما قالَه ابنُ القَيِّمِ على هذا الحديثِ في تهذيبِ السُّنَنِ، قالَ: عَلَّلَ المُنْذِرِيُّ وابنُ حَزْمٍ هذا الحديثَ بروايةِ بقيَّةَ له، وزَادَ ابنُ حَزْمٍ أن رَاوِيَه مجهولٌ.
والجوابُ عن هاتيْنِ العلَّتَيْنِ:
أمَّا الأولى: فإنَّ بَقِيَّةَ ثِقَةٌ صدوقٌ حافظٌ، وإنما نُقِمَ عليه التدليسُ، فإذا صَرَّحَ بالسماعِ فهو حُجَّةٌ، وقدْ صَرَّحَ في هذا الحديثِ بسماعِه له.
وأمَّا العِلَّةُ الثانيةُ: فباطلةٌ؛ فجهالةُ الصحابِيِّ لا تَقْدَحُ بالحديثِ؛ لثبوتِ عدالتِهم، والحديثُ لمعناه شواهدُ تَعْضُدُهُ في البُخَارِيِّ (165)، ومسلمٍ (242) عن أبي هُرَيْرَةَ وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو وعائشةَ، قالُوا: إن رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأَى رجلاً تَوَضَّأَ فتَرَكَ موضِعَ ظُفُرٍ على قَدَمِهِ، فأَبْصَرَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: ((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)).
مفرداتُ الحديثِ:
- قَدَمِهِ: القَدَمُ مُؤَنَّثَةٌ، وهي: ما يَطَأُ الأرضَ مِن رِجلِ الإنسانِ، وفوقَها الساقُ، وبينَهما المَفْصِلُ الرُّسْغُ.
- الظُّفُرِ: فيه لغتانِ، أَجْوَدُهما: ضمُّ الظاءِ والفاءِ، جمعُه أظفارٌ، هو: جِسْمٌ يَكَادُ يكونُ شَفَّافاً، موجودٌ على ظهرِ السُّلاَمِيَةِ الأخيرةِ مِن أصابعِ اليديْنِ والقَدَمَيْنِ.
- لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ: أَصَابَ السهمُ إصابةً: وَصَلَ الغرضَ, فالمعنى: أَخْطَأَه الماءُ فلم يَصِلْ إليه.
- أَحْسِنْ وُضُوءَكَ: أَحْسِنْ فِعْلَ الشيءِ؛ أي: أَجِدْ صُنْعَه فأَتِمَّ وُضُوءَكَ وأَحْسِنْه.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- وُجُوبُ تعميمِ أعضاءِ الوضوءِ، وأنَّ تَرْكَ شيءٍ مِن العُضْوِ – ولو قليلاً – لا يَصِحُّ معَه الوُضوءُ.
2- مَشْرُوعِيَّةُ إحسانِ الوضوءِ؛ وذلك بإتمامِه وإسباغِه، وهذا نصٌّ في الرِّجلِ وقِياسٌ في غيرِها.
3- أنَّ القدميْنِ من أعضاءِ الوضوءِ، وأنه لا يَكْفِي فيهما المَسْحُ، بل لا بُدَّ مِن الغَسْلِ، كما جاءَ صريحاً في آيةِ المائدةِ الآيةِ رَقْمِ 6.
4- وُجُوبُ المُوَالاةِ بينَ أعضاءِ الوُضوءِ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَه بأنْ يَرْجِعَ لِيُحْسِنَ وُضُوءَه كلَّه؛ مِن أجلِ تأخيرِ غَسْلِ الرِّجلِ عن بَقِيَّةِ الأعضاءِ، ولو لم تُعْتَبَرِ المُوَالاَةُ لاقْتَصَرَ على أَمْرِهِ بِغَسْلِ ما تَرَكَه فقَطْ.
5- تَعَيُّنُ الماءِ في الوُضوءِ، فلا يَقُومُ غيرُه مقامَه.
6- وجوبُ المبادرةِ إلى الأمرِ بالمعروفِ وإرشادِ الجاهلِ والغافلِ لتصحيحِ عبادتِه.
7- أنَّ إحسانَ الوضوءِ هو بإتمامِه وإسباغِه؛ لِيَعُمَّ جميعَ العضوِ المغسولِ.
8- خَصَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعقابَ بالعقابِ بالنارِ؛ لأنَّها التي لم تُغْسَلْ غالباً، والمرادُ صاحِبُ الأعقابِ؛ لأنهم كانوا لا يَسْتَقْصُونَ غَسْلَ أرجلِهِم في الوُضُوءِ.
9- في الحديثِ استحبابُ تحريكِ الخاتَمِ والساعةِ في اليَدِ؛ لِيَحْصُلَ اليقينُ إلى وُصُولِ ماءِ الوُضوءِ إلى ما تَحْتَ ذلكَ.
خلافُ العلماءِ:
ذَهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى وجوبِ استيعابِ أعضاءِ الوضوءِ بالماءِ؛ لِمَا ثَبَتَ في الصحيحيْنِ: ((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)). وذَهَبَ الإمامُ أبو حنيفةَ: إلى أنه يُعْفَى عن نصفِ العضوِ أو رُبُعِه، أو أَقَلَّ مِن الدِّرْهَمِ، وهي رواياتٌ تُحْكَى عنه، والصحيحُ عنه: أنه يَجِبُ الاستيعابُ.