38/289 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِن الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادَ: وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
(وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِن الْعَرَبِ). وَوَرَدَ تَعْيِينُهُمْ أَنَّهُمْ دِعْلٌ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ . (ثُمَّ تَرَكَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
لَفْظُهُ فِي الْبُخَارِيِّ مُطَوَّلاً عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَن الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ فُلاَناً أَخْبَرَنِي عَنْك أَنَّك قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ: كَذَبَ، إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْراً، أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْماً يُقَالُ لَهُم: الْقُرَّاءُ، زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلاً إلَى قَوْمٍ مِن الْمُشْرِكِينَ، فَغَدَرُوا وَقَتَلُوا الْقُرَّاءَ دُونَ أُولَئِكَ، وكانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْراً يَدْعُو عَلَيْهِمْ.
(وَلِأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ نَحْوُهُ) أي: مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ (مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادَ: فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا). فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: ثُمَّ تَرَكَهُ. أي: فِيمَا عَدَا الْفَجْرَ.
وَيَدُلُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ قَوْلُهُ: "فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي كُلِّ صَلاَتِهِ".
هَذَا، وَالْأَحَادِيثُ عَنْ أَنَسٍ فِي الْقُنُوتِ قَد اضْطَرَبَتْ وَتَعَارَضَتْ فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ، فَقَالَ: أَحَادِيثُ أَنَسٍ كُلُّهَا صِحَاحٌ، يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعضاً وَلاَ تَنَاقُضَ فِيهَا، وَالْقُنُوتُ الَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وَالَّذِي وَقَّتَهُ غَيْرُ الَّذِي أَطْلَقَهُ، فَالَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ هُوَ إطَالَةُ الْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ، الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ الْقِيَامِ)).
وَالَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدُ هُوَ إطَالَةُ الْقِيَامِ لِلدُّعَاءِ، فَفَعَلَهُ شَهْراً يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ، وَيَدْعُو لِقَوْمٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَطْوِيلُ هَذَا الرُّكْنِ لِلدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ، إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، كَمَا دَلَّ لَهُ الْحَدِيثُ: أَنَّ أَنَساً كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِماً حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ. وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ صَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
فَهَذَا هُوَ الْقُنُوتُ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَنَسٌ : "إنَّهُ مَا زَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا". وَالَّذِي تَرَكَهُ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى أَقْوَامٍ مِن الْعَرَبِ، وَكَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَمُرَادُ أَنَسٍ بِالْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا زَالَ عَلَيْهِ- هُوَ إطَالَةُ الْقِيَامِ فِي هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ، بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَبِالدُّعَاءِ، هَذَا مَضْمُونُ كَلاَمِهِ.
وَلاَ يَخْفَى أَنَّهُ لاَ يُوَافِقُ قَوْلَهُ: "وأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا"، وَأَنَّهُ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ، وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَامٌّ لِلصَّلَوَاتِ كلِّها.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: بِأَنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)) إلَى آخِرِهِ؛ فَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَلاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عَقِيبَ آخِرِ رُكُوعٍ مِن الْفَجْرِ سُنَّةُ جَمَاعَةٍ مِن السَّلَفِ وَمِن الْخَلَفِ, الْهَادِي، وَالْقَاسِمُ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِن اخْتَلَفُوا فِي أَلْفَاظِهِ، فَعِنْدَ الْهَادِي بِدُعَاءٍ مِن الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِحَدِيثِ: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)). إلَى آخِرِهِ.
39/290 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَقْنُتُ إلاَّ إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ.
صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(وَعَنْهُ) أي: أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَقْنُتُ إلاَّ إذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ).
أَمَّا دُعَاؤُهُ لِقَوْمٍ فَكَمَا ثَبَتَ، أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا دُعَاؤُهُ عَلَى قَوْمٍ فَكَمَا عَرَفْتَهُ قَرِيباً؛ وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي النَّوَازِلِ، فَيَدْعُو بِمَا يُنَاسِبُ الْحَادِثَةَ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ فِي النَّوَازِلِ قَوْلٌ حَسَنٌ؛ تَأَسِّياً بِمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ عَلَى أُولَئِكَ الْأَحْيَاءِ مِن الْعَرَبِ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: نَزَلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَادِثُ؛ كَحِصَارِ الْخَنْدَقِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ قَنَتَ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ يُقَالُ: التَّرْكُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَن الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَكَأَنَّهُم اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ:
40/291 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، أَفَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أي بُنَيَّ، مُحْدَثٌ.