الرَّاوِي:
هُو أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالبٍ، وُلِدَ فِي المَدِينَةِ ونَشَأَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، كَانَ عَاقِلاً حَلِيماً مُحِبًّا للخَيْرِ، بَايَعَهُ أَهْلُ العِرَاقِ بَعْدَ اسْتِشْهَادِ أبيهِ، ثُمَّ تَنَازَلَ لمُعَاوِيَةَ فِي العَامِ الوَاحِدِ والأَرْبَعِينَ مِن الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ فسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ لاجْتِمَاعِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ، تُوُفِّيَ فِي العَامِ الوَاحِدِ والخَمْسِينَ مِنَ الهِجْرَةِ بالمَدِينَةِ ودُفِنَِ بالبَقِيعِ. وَقَدْ رَوَى ثَلاثَةَ عَشَرَ حَدِيثاً.
مَوْضُوعُ الحَدِيثِ:
تَرْكُ المَشْكُوكِ فِيهِ.
المُفْرداتُ:
(سِبْطِ) السِّبْطُ هو وَلَدُ الوَلَدِ سَوَاءٌ كان ذَكَراً أو أُنْثَى، ويَغْلِبُ عَلَى وَلَدِ البِنْتِ مُقَابِلِ الحَفِيدِ وَلَدِ الابْنِ، مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبَطِ وهو الشَّجَرَةُ لَهَا أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ وأَصْلُها وَاحِدٌ، والسِّبْطُ عِنْدَ اليَهُودِ، أي: القَبِيلَةُ.
(ورَيْحَانَتِهِ) الرَّيْحَان هو كُلُّ نَبْتٍ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ، والمُرَادُ أَنَّهُ نَبْتٌ طَيِّبٌ مِنْ شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ مِنْ قِبَلِ أبيهِ؛ إِذْ هو أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيانِ، وأُمُّه فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، فهو طَيِّبٌ في مَنْبِتٍ طَيِّبٍ؛ أو لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَشُمُّهُ ويُقَبِّلُهُ ويَقُولُ: ((رَيْحَانَتِي)) لحُبِّهِ لَهُ كَمَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ لطِيبِهِ وطِيبِ رَائِحَتِهِ، وفي الحَدِيثِ: ((هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)) أي: الحَسَنُ والحُسَيْنُ.
(حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) الحِفْظُ: هو المَنْعُ مِنَ الضَّيَاعِ واسْتِظْهَارُ الشَّيْءِ.
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى: قُوَّةِ ذَاكِرَةِ الحَسَنِ؛ إِذْ حَفِظَ هَذَا وهو صَغِيرٌ دُونَ العَاشِرَةِ.
ويَدُلُّ عَلَى: حِرْصِ الصِّغَارِ عَلَى التَّعَلُّمِ.
ويَدُلُّ عَلَى: نَشْرِ العِلْمِ حَتَّى مِنَ الصِّغَارِ.
(دَعْ مَا يَرِيبُكَ) (دَعْ) بمَعْنَى: اتْرُكْ وهو فِعْلُ أَمْرٍ وَلَيْسَ الأَمْرُ للوُجُوبِ، وإِنَّمَا هو للنَّدْبِ للتَّحَلِّي بمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. والَّذِي صَرَفَهُ عَنِ الوُجُوبِ أنَّه أَرَادَ إِرْشَادَهُ إلى طُمَأْنِينَةِ القَلْبِ ومَنْعِ الرَّيْبِ والشَّكِّ، فهو نُصْحٌ وتَوْجِيهٌ وإِرْشَادٌ.
وهَذَا مِنَ البَلاغَةِ أَنْ يَخْرُجَ الأَمْرُ عَنْ مَعْنَاهُ الحَقِيقِيِّ إِلَى مَعْنًى آخَرَ لا يُقْصَدُ بِهِ الوُجُوبُ، ومنه :
-الدُّعَاءُ ،مِثْلَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي}.
- ومِنْهُ: التَّهْدِيدُ، مِثْلَ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}.
- ومنه: الاسْتِحْبَابُ، مِثْلَ: {وأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}...
(مَا يَرِيبُكَ) أي: مَا يُصِيبُكَ بِهِ الرَّيْبُ والشَّكُّ، وعَدَمُ الطُّمأنينَةِ، والاضْطِرَابُ، والقَلَقُ.
(إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) أي: إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي لا تَشُكُّ فِيهِ.
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى: الوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهاتِ.
ويَدُلُّ على: اتِّقَاءِ الشُّبُهاتِ، وقَدْ مَرَّ مَعَنَا المُشْتَبِهَاتُ وتَوْجيهُ الإِسلامِ فيها، وهذا تَوْجيهٌ آخَرُ يُؤَكِّدُ التَّوْجِيهَ الأَوَّلَ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتْرُكُونَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الحَلالِ خَشْيَةَ الوُقُوعِ فِي الحَرَامِ، بَلْ وَرَدَ عَنِ ابنِ سِيرِينَ أَنَّه غَرِمَ أَرْبَعِينَ أَلْفاً فِي بَيْعَةٍ شَرَاهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَغِشَّ بِهَا غَيْرَهُ.
والعَمَلُ عَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ سَوِيًّا وسَلِمَ مِنَ الوَسْوَسَةِ، أَمَّا إِذَا ابْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ فَلْيَطْرَحْهَا ولا يَتْرُكْ للشَّيْطَانِ مَجَالاً؛ لأَنَّه بالوَسْوَسَةِ سَيُعِيدُ الوُضُوءَ والصَّلاةَ ويَخْلَعُ ثِيابَهُ ويَشُكُّ في أَهْلِهِ ويَعِيشُ في وَسْوَسَةٍ شَدِيدَةٍ.
(حَسَنٌ صَحِيحٌ) أي: حَسَنٌ مِنْ طَرِيقٍ، وصَحِيحٌ مِن طَرِيقٍ آخَرَ، أو أَنَّهُ شَكٌّ مِن الرَّاوِي هَلْ حَسَنٌ أَمْ صَحِيحٌ.
والصَّحِيحُ: مَا رَوَاهُ عَدْلٌ تَامُّ الضَّبْطِ مُتَّصِلُ السَّنَدِ, وسَلِمَ مِنَ الشُّذُوذِ والعِلَّةِ القَادِحَةِ.
والحَسَنُ: مِثْلُهُ إِلاَّ أَنَّهُ خَفِيفُ الضَّبْطِ.
الفَوَائِدُ:
1- مِنْ أَسْبَابِ تَحْصيلِ العِلْمِ الحِفْظُ.
2- العَمَلُ عَلَى نَشْرِ العِلْمِ.
3- اتِّقَاءُ الشُّبُهاتِ.
4- الحَذَرُ مِنَ الوَسْوَسَةِ.
5- فَضْلُ الوَرَعِ مِنَ الإِنْسَانِ السَّوِيِّ.
6- الحِرْصُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ القَلْبِ.
7- الأَخْذُ بالأَحْوَطِ بَعِيداً عَنِ الشُّبُهاتِ.
8- طَرْحُ الشَّكِّ والأَخْذُ باليَقِينِ.
9- ضَبْطُ الرُّواةِ في سِياقِ الحَدِيثِ.
10- الحِرْصُ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّغَارِ.
***