). وتَنقسمُ الاستعارةُ(1) إلى(2) أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها(3) المستعارُ اسماً(4) غيرَ مُشتَقٍّ(5) كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدى(6).
وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها(1) المستعارُ فعْلاً(2) أو حرفاً(3) أو اسماً مشتَقًّا(4)،
نحوُ: رَكِبَ فلانٌ كَتِفَيْ غَريمِه. أي لازَمَه مُلازَمةً شديدةً(1)، و(2) قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أى تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ(3)،
و(1) نحوُ قولِه(2):
ولئن نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ(3) مُفصِحاً(4) ..... فلسانُ حالي بالشِّكايةِ(5) أَنطَقُ(6) أي أدَلُّ(7)
________________________
(1) (وتَنقسِمُ الاستعارةُ) باعتبارِ اللفظِ المستعارِ سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً.
(2) (إلى) قسمين إلى:
(3) (أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها) اللفظُ.
(4) (المستعارُ اسْماً) جامداً.
(5) (غيرَ مشتَقٍّ) بأن كان صادقاً على كثيرين من غيرِ اعتبارِ وصْفٍ من أوصافِه, سواءٌ كان اسمَ عينٍ أو اسمَ معنًى فالأوَّلُ نحوُ الأسدِ من قولِك رأيتُ أسداً في الحمَّامِ أي: رجلاً شجاعاً فشَبَّهَ الرجلَ الشجاعَ بالحيوانِ المفترِسِ بجامِعِ الْجَراءةِ في كلٍّ, ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن الأسدَ اسمٌ جامدٌ لعينٍ, وهو حقيقةُ الحيوانِ المعلومِ و.
(6) (كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدَى) في قولِه تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وقد تَقدَّمَ تقريرُ الاستعارةِ فيه والثاني نحوُ القتْلِ من قولِك هذا قتْلٌ أي: ضرْبٌ شديدٌ فشَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتْلِ بجامِعِ نهايةِ الإذايةِ في كلٍّ ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشَبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن القتْلَ اسمٌ جامدٌ لفعْلٍ هو سببُ خروجِ الحياةِ. وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ كالأمثلةِ المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ نحوُ: أظفارُ المنيَّةِ نَشَبَتْ بفلانٍ فشُبِّهَت المنيَّةُ بالسَّبُعِ بجامِعِ الاغتيالِ في كلٍّ؛ ثم استعيرَ اسمُ السَّبُعِ للمنيَّةِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه وهو الأظفارُ على طريقِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن اللفظَ المستعارَ فيه وهو السَّبُعُ اسمٌ جامدٌ غيرُ مشتَقٍّ لِعَيْنٍ, وإنما سُمِّيَتْ أصليَّةً – نسبةً للأصلِ بمعنى الكثيرِ الغالبِ – لكثرةِ أفرادِها في الكلامِ بخلافِ أفرادِ التبعيَّة ويَدُلُّ على ذلك أن كلَّ استعارةٍ تَبعيَّةٍ, معها أصليَّةٌ, ولا عَكْسَ, أو بمعنى ما كان مُسْتَقِلاّ لِجَرَيانِها واعتبارِها أوَّلاً من غيرِ توقُّفٍ على تقَدُّمِ استعارةٍ أخرى أو بمعنى ما يَنْبَنِي عليه غيرُه لكونِها أصلاً لتبعيَّةٍ مبنِيَّةٍ على استعارةٍ أخرى.
(1) (وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها) اللفظُ
(2) (المستعارُ فعْلاً) سواءٌ كان له مصدرٌ أو لا, كيَذَرُ ويَدَعُ ونِعْمَ وبِئْسَ, وسواءٌ كان مُجَرَّداً عن الحرفِ المصدريِّ أو مقترِناً به نحوُ: يُعْجِبُني أن تَقتُلَ كذلك؛ لأن الاستعارةَ للَّفْظِ المصرَّحِ به, وقالَ العِصامُ: في الفارسيَّةِ الْمُقْتَرِنُ بالحرفِ المصدريِّ استعارتُه أصليَّةٌ نَظَراً للتأويلِ بمصْدَرٍ.
(3) (أو حرْفاً) سواءٌ كان له معنًى واحدٌ فقط كَلَمْ فيكونُ فيه حقيقةً وفي غيرِه مَجازاً تبعيًّا أو كان له معانٍ متعدِّدةٌ متبادَرةٌ منه فيكونُ من قبيلِ المشترَكِ اللفظيِّ فيما وُضِعَ له على التحقيقِ وفي غيرِها مَجازاً تَبَعيًّا إن كان الحرفُ من غيرِ حروفِ الجرِّ والجزمِ والنصبِ، وإلا بأن كان منها فالبصريُّون على منْعِ نيابةِ بعضِها عن بعضٍ, ويُحْمَلُ ما وَردَ منه على التجوُّزِ في غيرِ الحرْفِ.
(4) (أو اسْماً مشتَقًّا) من الأسماءِ المشتَقَّاتِ من المصدَرِ, وهي اسما الفاعلِ والمفعولِ والصفةُ المُشبَّهةُ واسمُ التفضيلِ وأسماءُ الزمانِ والمكانِ والآلةِ والتصغيرِ والاسمُ المنسوبُ, فهذه ثلاثةُ مواضعَ تَجرِي التصريحيَّةُ في جميعِها, ولا تَجري المَكْنيَّةُ إلا في الاسمِ المشتَقِّ فقط، أما وجهُ كَوْنِ الاستعارةِ تَبعيَّةً في الفعلِ فلأن معناه مُلاحَظٌ فيه النسبةُ إلى فاعلٍ ما، وهذا المعنى متوقِّفٌ على غيرِه لا يصلُحُ للموصوفيَّةِ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْن الحقيقيِّ والمَجازيِّ، ثم يُستعارُ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, ثم يُشتَقُّ منه الفعلُ كما هو مذهبُ السلفِ أو بعدَ إجراءِ تشبيهِ المصْدَرَيْن يَسْرِي منه إلى ما في ضِمْنَي الفعلين, ثم يُستعارُ الفعلُ من معناه الحقيقيِّ إلى معناه المَجازيِّ وهذا هو مذهبُ العِصامِ.
(1) (نحوُ: ركِبَ فلانٌ كَتِفي غَريمِه. أي: لازَمَه ملازَمةً شديدةً) ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه على مذهبِ السلفِ: شَبَّهَ اللُّزومَ الشديدَ بالركوبِ بجامِعِ السُّلْطةِ والقهرِ والغَلَبةِ في كلٍّ, واستُعيرِ لفظُ المُشبَّهِ به, وهو الركوبُ, للمشبَّهِ, وهو اللزومُ, ثم اشْتُقَّ من الركوبِ بمعنى اللزومِ, رَكِبَ بمعنى لَزِمَ, على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ، ويقالُ على مذهبِ العِصامِ: شبَّهَ اللزومَ بالركوبِ بجامعِ السلطةِ والقهْرِ والغَلَبَةِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من معنى المصدَرَيْنِ الذي هو الْحَدَثُ المطلَقُ إلى معنى الفعلين الذي هو الحَدَثُ المقَيَّدُ بالزَّمَنِ الماضي, ثم استُعيرَ رَكِبَ لمعنى لَزِمَ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ.
(2) (و) أما وجهُ كونِها تبعيَّةً في الحرفِ فلأن معناه غيرُ مستقِلٍّ بنفسِه فلا يَصلُحُ للموصوفيَّةِ التي يَقتضيها التشبيهُ أعني لا يَتأتَّى كونُه مشبَّهاً ومشبَّهاً به أو محكوماً عليه ومحكوماً به فلا تَتأتَّى الاستعارةُ فيه إلا إذا أَجْرَى التشبيهَ أوَّلاً في متعلِّقِ معناه الكُلِّيِّ كالظرفيَّةِ لِفِي, ثم يَسْرِي التشبيهُ من متعلِّقِه إلى معناه الخاصِّ فيُستعارُ من معناه الخاصِّ الحقيقيِّ إلى معناه المَجازيِّ نحوُ.
(3) (قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ. أي: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ}) يُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مُطلَقَ ارتباطٍ بينَ مَهْديٍّ وهدًى بمطلَقِ ارتباطٍ بينَ مُسْتَعْلِي ومُسْتَعْلًى عليه بجامِعِ التمكُّنِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من الكلِّيَّيْن إلى الجزئيَّاتِ, ثم استُعِيرَتْ على من جُزْئِيٍّ من جُزئيَّاتِ المُشبَّهِ به لِجُزْئِيٍّ من جزئِيَّاتِ المُشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ.
(1) (و) أما وجْهُ كونِها تبعيَّةً في الاسمِ المشتَقِّ فلأن معناه وهو الحدَثُ ملاحَظٌ فيه النسبةُ إلى الفاعلِ أو نائبِه فلا يكونُ باعتبارِ ذلك صالحاً لموصوفيَّةٍ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْنِ, نظيرَ ما تَقدَّمَ في الفعْلِ وذلك في التصريحيَّةِ.
(2) (نحوُ قولِه) أي: الشاعرِ:
(3) ( ولئِنْ نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ) أي: بشكْرِ إحسانِك وعطفِك, متعلِّقٌ بقولِه.
(4) (مُفْصِحاً) منصوبٌ على الحاليَّةِ، أي: ولئن نطقْتُ بلسانِ المقالِ حالَ كوني مُفْصِحاً بشكْرِ بِرِّكَ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أي: فلا يكونُ لسانُ مقالي أقوى من لسانِ حالي أُقيمَ مُقامَه لازِمُه، وهو قولُه:
(5) (فلسانُ حالي بالشكايةِ) مُتعلِّقٌ بقولِه:
(6) (أَنْطَقُ) أي: فلسانُ حالي أنطَقُ بالشِّكايةِ منكَ؛ لأن ضُرَّكَ أكثرُ من بِرِّكَ.
(7) (أي أدَلُّ) يُقالُ في تقريرِ الاستعارةِ فيه: شُبِّهَت الدَّلالةُ الواضحةُ بالنطقِ بجامعِ إيضاحِ المعنى وإيصالِه للذهْنِ في كلٍّ واسْتُعِيرَ النطْقُ للدَّلالةِ الواضحةِ, واشْتُقَّ من النطقِ بمعنى الدَّلالةِ الواضحةِ اسمُ التفضيلِ ((أَنْطَقُ)) بمعنى ((أدَلُّ)) على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبَعيَّةِ. وأما مثالُ المَكْنيَّةِ التبَعيَّةِ في المشتَقِّ. فقولُك: يُعْجِبُني إراقةُ الضاربِ دمَ الباغِي. ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتلِ بجامعِ شدَّةِ الإيذاءِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ القتلُ للضرْبِ الشديدِ, واشتُقَّ من القتلِ بمعنى الضرْبِ الشديدِ قاتَلَ بمعنى ضَارَبَ ضرْباً شديداً, ثم حُذِفَ ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمِه, وهو الإراقةُ على سبيلِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ التبَعيَّةِ هذا وبَقِيَ من مواضعِ التبعيَّةِ موضعان: أحدُهما اسمُ الفعْلِ ولا يكونُ إلا في التصريحيَّةِ, لا فرْقَ بينَ أن يكونَ اسمَ فعْلٍ مشتَقٍّ أو غيرِ مشتَقٍّ فالأوَّلُ نحوُ: نَزَالِ بمعنى انْزِلْ تريدُ به ابْعُدْ, فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ: شَبَّهَ معنى البُعْدِ بمعنى النزولِ بجامعِ مطلَقِ المفارَقةِ في كلٍّ, واستُعيرَ لفظُ النزولِ لمعنى البُعدِ, واشتُقَّ منه نَزَالِ بمعنى ابْعُدْ. والثاني: نحوُ: صَهْ بمعنى اسْكُتْ عن الكلامِ تريدُ به اتْرُكْ فعْلَ كذا فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ شَبَّهَ ترْكَ الفعْلِ بمعنى السكوتِ عن الكلامِ بجامعِ مطلَقِ التَّرْكِ في كلٍّ, واستُعيرَ لفظُ السكوتِ لمعنى تَرْكِ, الفعْلِ واشتُقَّ منه اسْكُتْ بمعنى اتْرُك الفعلَ، وعَبَّرَ بدَلَ اسكُتْ بصَهْ. والموضِعُ الثاني الاسمُ المبهَمُ أعني الضميرُ واسمُ الإشارةِ واسمُ الموصولِ, ويكونُ في التصريحيَّةِ والمَكْنيَّةِ، فمثالُ الأُولى: استعارةُ هذا لأمرٍ معقولٍ، فتقولُ في إجرائِها: شَبَّهَ مطلَقَ المعقولِ بمطلَقِ المحسوسِ بجامِعِ قَبولِ التمييزِ والتعيينِ في كلٍّ فسَرَى التشبيهُ إلى جزئيَّاتِه فاستُعِيرَ لفظُ هذا الموضوعِ لِجُزْئَي المُشبَّهِ به لِجُزْئَي المُشبَّهِ على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ. ومثالُ الثانيةِ قولُك لِجَلِيسِك المشغولِ عنك: أنتَ مطلوبٌ منك أن تسيرَ إلينا الآنَ فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مطلَقَ مخاطَبٍ بمطلَقِ غائبٍ, فسَرَى التشبيهُ للجزئيَّاتِ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على الثاني, وهو ضميرُ الغائبِ للمخاطَبِ, ثم حُذِفَ وذُكِرَ المخاطَبُ ورُمِزَ إلى المحذوفِ بذكْرِ لازِمِه, وهو طلبُ السيرِ منه إليك. فتَحَصَّلَ مما تَقدَّمَ أن هذه الاستعارةَ سُمِّيَتْ تَبَعيِّةً؛ لأن جريانَها في الأفعالِ والأسماءِ المشتَقَّاتِ وأسماءِ الأفعالِ تابعٌ لجريانِها أوَّلاً في الجوامدِ, أي: لاستعارةٍ أخرى في المصادرِ, ولأن جريانَها في الحروفِ والأسماءِ المبهمَةِ تابعٌ لجريانِها في كلِّيَّاتِ معانيها أي: لاستعارةٍ أخرى في متعلِّقِ معانيها.