علْمُ البَيانِ(1)
البيانُ: علْمٌ يُبحَثُ فيه عن التشبيهِ والْمَجازِ والكِنايةِ.(2)
___________________
(1) علمُ البيانِ
ثاني علومِ البلاغةِ الثلاثةِ
(2) (البيانُ: علْمٌ يُبْحَثُ فيه عن التشبيهِ والمَجازِ والكِنايةِ) أيْ: عن حقيقةِ كلٍّ منها وأقسامِه وشروطِ المقبولِ منها, والبْحَثُ عنها من حيث إن المتكلِّمَ الذي يريدُ أداءَ أي: معنًى بكلامٍ مطابِقٍ لمُقْتَضَى الحالِ يَتأتَّى له أن يُورِدَه بتراكيبَ مختلِفةٍ في الوضوحِ بكلٍّ من تلك الطرُقِ الثلاثةِ, سواءٌ كانت تلك التراكيبُ من طريقةِ التشبيهِ أو المَجازِ أو الكِنايةِ, فمِثالُ إيرادُ المعنى بتراكيبَ مختلِفةِ الوضوحِ من التشبيهِ فقط: خالدٌ كالبحرِ في السَّخاءِ، وخالدٌ كالبحرِ، وخالدٌ بحرٌ، وأوضحُها ما صُرِّحَ فيه بوجهِ الشبَهِ كالأوَّلِ, وأخفاها ما حُذِفَ فيه الوجهُ والأداةُ معاً كالأخيرِ. ومِثالُ إيرادِه بتراكيبَ مختلِفةِ الوضوحِ من الاستعارةِ فقط أن يُقالَ: رأيتُ بحراً في الدارِ، وطَمَّ خالدٌ بإنعامِه جميعَ الأنامِ، ولُجَّةُ خالدٍ تَتَلاطمُ بالأمواجِ، وأوضحُها الأوَّلُ, وأخفاها الوسَطُ. ومِثالُ إيرادِه بتراكيبَ مختلِفةٍ من الكِنايةِ فقط أن يُقالَ: خالدٌ مهزولُ الفَصِيلِ، وخالدٌ جَبانُ الكلبِ، وخالدٌ كثيرُ الرَّمَادِ، فهذه التراكيبُ تُفيدُ وصفَه بالجُودِ من طريقِ الكِنايةِ، وهي مختلِفةٌ في الوضوحِ، وأوضحُها الأوَّلُ, ومثالُ إيرادِه من عدَّةِ طرُقٍ أن يُقالَ: خالدٌ كحاتمٍ، ورأيتُ بحراً في قصْرِ خالدٍ، وخالدٌ كثيرُ الرَّمَادِ، هذا وعُلِمَ مما قَرَّرْنا أنَّ اعتبارَ هذا العلْمِ بعدَ اعتبارِ علْمِ المعاني؛ وذلك لأن علْمَ المعاني كما سَبَقَ علْمٌ يُعرَفُ به إيرادُ المعنى بكلامٍ مطابِقٍ لِمُقْتَضَى الحالِ، بخلافِ علْمِ البيانِ فإنه علْمٌ يُعْرَفُ به إيرادُ المعنى بكلامٍ مطابِقٍ لِمُقْتَضَى الحالِ من طرُقٍ مختلِفةٍ في الوضوحِ، مثلاً إذا كان المخاطَبُ يُنْكِرُ كَوْنَ حَسَنٍ مِضيافاً، فالذي يَقتضِيهِ المقامُ جُملةٌ مفيدةٌ لرَدِّ الإنكارِ, سواءٌ كان إفادتُها إيَّاه بدَلالةٍ واضحةٍ أو أوضَحَ أو خفيَّةٍ أو أَخْفَى، نحوُ: إنَّ حَسَناً لَمِضيافٌ، أو لَكثيرُ الرَّمادِ، أو لَمَهزولُ الفَصِيلِ أو لَجَبانُ الكلبِ فإفادتُها لذلك المعنى بدَلالةِ المطابَقةِ كالمثالِ الأوَّلِ من وظيفةِ علْمِ المعاني, وإفادتُها له بغيرِها من وظيفةِ علْمِ البيانِ.