القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة، ولا كيفية،كما نطق به كتاب ربنا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}،وتفسيره على ما أراده الله تعالى، وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد،لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا؛فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم،ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه.
الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، اللهم نسألك علما نافعا، وعملا صالحا، وقلبا خاشعا، ودعاء مسموعا،اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا،وزدنا علما وعملا يا أرحم الراحمين.
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: "والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة، ولا كيفية،كما نطق به كتاب ربنا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره} وتفسيره على ما أراده الله تعالى، وعلمه،وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال،ومعناه على ما أراد،لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا"
هذه المسألة مسألة عظيمة جدا؛وهي مسألة رؤية الرب جل وعلا في الجنة، ورؤية الله جل جلاله في جنات النعيم هي أعلى ما يلتذ به أهل الجنة، فأهل الجنة أعلى نعيمهم رؤية وجه الله جل وعلا؛ وذلك لأنه منتهى الجمال، ولأن في الرؤية الرضا، ولأن في الرؤية الإكرام، ولأن في الرؤية صلاح القلب برؤية محبوبه جل وعلا، فكل أنواع الجمال التي يتعلق بها المتعلقون، إنما هي بعض جمال صفات الرب جل وعلا، يعني: أنها شيء من جمال الصفات،كما أن رحمة الله جل وعلا منها جزء يتراحم به الناس، وكذلك جمال الحق جل وعلا في ذاته، وصفاته وأفعاله من جمال أفاض على هذا الوجود, فصارت الأشياء جميلة لما أفاض عليها جل وعلا من جماله سبحانه وتعالى،كما قال ابن القيم رحمه الله: (غير مسموع) سائر هذه الأكوان (غير مسموع) عند ذي العرفان فكل جمال يطمع إليه الطامع (غير مسموع).الدنيا أو من أنواع الجمال والتلذذ(غير مسموع) فإنه ليس (غير مسموع) فإن الرؤية لله جل وعلا هي الغاية،التي شمر إليها المشمرون،فإذا كانت الجنة غاية في تشمير المشمر،وفي تعبد العابد فإن أعلى نعيم الجنة، وأعظم نعيم الجنة أن يرى المؤمنون ربهم جل وعلا كما قال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} نظرت إلى الرحمن فاكتست الوجوه نضرة وجمالا وبهاء وحسنا،تبارك ربنا وتعالى.
قال: "والرؤية حق لأهل الجنة"، يعني: أن الرؤية ثابتة،وهي حق لا مرية فيه، ولا شك فيه،وهي حق لأهل الجنة، فأهل الجنة يرون ربهم جل وعلا ويتلذذون بذاك النعيم.
قال: "بغير إحاطة، ولا كيفية" فنفى الإحاطة؛لأن رؤية الله جل وعلا لا يمكن أن تكون بإحاطة للمرء كما قال سبحانه: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}،فرؤية الله جل وعلا رؤية عيان، لكن لا يمكن أن يحاط بالله جل وعلا رؤية، كما لا يمكن أن يحاط بالله جل وعلا علما {ولا يحيطون به علما} ولكن أصل العلم بالله جل وعلا ثابت، وكذلك الرؤية لا يحاط بها،فلا تدرك،لا تدرك الرب جل وعلا الأبصار {لا تدركه الأبصار}، لكن أصل الرؤية موجود، فالمنفي إذن في الآيات الإحاطة، وهذا ليس في الرؤية وحدها، ولكن في كل صفات الله جل وعلا؛فإن الله سبحانه بذاته، وبصفاته لا يحاط به علما، ولا يحاط بالله جل وعلا إدراكا ورؤية.
قال: "ولا كيفية" يعني: لا تكيف رؤية الناس لربهم جل وعلا،وإنما هي حق على ما جاء في الأدلة، والكيفية منفية؛ لأن رؤية الناس لله جل وعلا، يعني للناس المؤمنين في الجنة؛فإن رؤية المؤمنين لله جل وعلا في الجنة تبع لصفاته، وصفات الرب جل وعلا لا تعرف كيفيتها،فرؤية الرائي للرب جل وعلا في دار النعيم، والقلوب والحضور والسعادة ليست رؤية إحاطة،ولا تكيف بكيفية؛لأن الله جل وعلا في علوه لا يعلم كيف ذلك، ولأن الله جل وعلا في رؤية الخلق, في رؤية المؤمنين إليه لا تعلم كيفية ذلك، ولأن الله جل وعلا في كشف الحجاب الذي يحجبه عن رؤية الخلق إليه لا تعلم كيفية ذلك،فربنا أعلى، وأعظم مما يدور في الذهن، أو مما يقوم عليه الخاطر، أو يتوهمه المتوهم.
فبذلك نثبت الرؤية دون نظر في كيف تكون هذه الرؤية، لكنها رؤية العيان، رؤية بالعينين ليست رؤية قلب، وإنما هي رؤية عينين،كما سيأتي ذلك في الأدلة، وكما استدل المصنف رحمه الله بقوله: "كما نطق به كتاب ربنا" ذكرنا لكم أن هذا من الذي استعمله أهل العلم كثيرا؛أن ينسب القول والنطق والكلام للقرآن،يعنون بذلك من تكلم به وهو الرب جل وعلا،فقوله: "كما نطق به كتاب ربنا" لا بأس به، ويستعمله كثير من أهل العلم من المحققين والأئمة.
قال جل وعلا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} هذه الآية فيها إثبات رؤية أهل الجنة للرب جل وعلا، وأن وجوه من رأى الرب جل وعلا ستكون ناضرة، يعني: حسنة بهية تعلوها النضرة، والنضرة كما دعا النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: نضر الله وجه امرئ.. أو قال: ((نضر الله امرءا سمع مقالتي،فأداها كما سمعها)) الحديث،دعا له بنضارة الوجه، يعني بالحسن، والبهاء والجمال،وهذا إنما هو لأهل الإيمان {وجوه يومئذ ناضرة} يعني: يوم القيامة،تلك الوجوه ناضرة حسنة بهية، وتلك الوجوه {إلى ربها ناظرة}، ناظرة إلى الرب جل وعلا يعني: رائية ربها جل وعلا،تنظر الوجوه إلى الرب جل وعلا.
ووجه استشهاد المصنف بهذه الآية؛ آية سورة القيامة،من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن النظر عدي بإلى، وتعدية النظر بإلى تفيد أن معناه الرؤية،كما سيأتي بيان ذلك في المسائل،قال: ناظرة إلى ربها، وناظرة.. والنظر يأتيلمعان فإذا عدي بإلى كان المراد رؤية العيان.
الوجه الثاني: أنه جعل النظر إلى الرب جل وعلا مضافا إلى الوجوه، فجعل الوجوه هي التي تنظر إلى ربها،قال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فالوجوه ناظرة إلى ربها ومحل الرؤية والنظر في الوجه هو العينان.
الوجه الثالث: أنه قال {يومئذ ناضرة} والنضرة وهي الحسن والبهاء، والسرور والحبور،الذي يعلو الوجوه، والاطمئنان،هذا إنما يكون بالرؤية؛ لأنها منتهى النعيم واللذة لا بالانتظار الذي لا يدرى هل بعده نعيم أم بعده غير ذلك، فكون الأوجه بالنظر صارت ناضرة، يعني: حسنة بهية،دل على أن هذا إنما هو الرؤية؛ لأنه أثر الرؤية، وأما مجرد الانتظار فليس كل منتظر للرب جل وعلا ينضر وجهه، بل من المنتظر من يكردس في جهنم والعياذ بالله،وسيأتي مزيد بيان أوجه الاستدلال في المسائل إن شاء الله تعالى.
قال: "وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه"،تفسيره يعني: تفسير النظر إلى الرب جل وعلا،على ما أراده الله تعالى وعلمه.التفسير هنا يراد به أحد نوعي التفسير؛ وذلك أنه جعل الرؤية حق،ونفى في الرؤية التي هي حق،ويثبتها الإحاطة والكيفية،فدل على أنه يثبت معنى الرؤية الذي يعلمه السامع للكلام من ظاهر الكلام،فما نفي الإحاطة والكيفية دل على أن قوله:"الرؤية حق لأهل الجنة" أن الرؤية على ظاهرها، وهذا هو المعنى الأول للأشياء،هو المعنى المتبادر للذهن في الصفات،نقول: هذا على ما يتبادر إلى الذهن،فصفة الرحمة معروفة، وصفة الكلام معروفة،إلى آخره.
والنوع الثاني من التفسير: هو التفسير لتمام المعنى وللكيفية؛فإن تمام المعنى والكيفية لا يعلمها إلا الله جل وعلا،كما قال سبحانه: {وما يعلم تأويله إلا الله} على من وقف هنا،فأراد بالتأويل الذي هو التفسير تمام المعنى والكيفية.
فإذن تفسير النظر إلى وجه الله الكريم،تفسير النظر إلى الرب الكريم جل وعلا بتمام معناه لا نعلمه،تفسيره على ما أراده الله تعالى هو حق، وتمام المعنى،لا نعلم كيف ذلك هل كيف تعطى العيون القدرة؟ النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: أرأيت ربك؟قال: ((نور أنى أراه))، وقال: ((رأيت نورا)) كما في الصحيح من حديث أبي ذر.وموسى عليه السلامسأل ربه {قال ربي أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}،قال طائفة من السلف: كشف الله جل وعلا من الحجاب قدر هذه أنملة واحدة،فساح الجبل،فردت الرؤية طلب الرؤية على موسى؛ لأنه لم يقدر على ذلك.
وكذلك قال جل وعلا.. قال عليه الصلاة والسلام:((حجابه النور،لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) فإذن الناس ليس عندهم القدرة على الرؤية،فكيف تكون عندهم القدرة على الرؤية؟ وكيف تكون قواهم؟ وكيف تكون قدرهم؟وكيف يعطون؟ وعلى أي حال تكون الرؤية؟ وتفصيل ذلك على تمام معناه هذا كله لا يعلم كما قال، وتفسيره يعني بتمام معناه بما يزيد على إثبات الرؤية، وأنها حق على ما أراد الله تعالى وعلمه لا ندخل في ذلك متأولين ولا متوهمين كما ذكر بعد ذلك.
وهذه الكلمة تشبه ما ذكره ابن قدامة، وغيره عن الإمام أحمد، وعن الإمام الشافعي في الآيات والأحاديث التي فيها إثبات الصفات؛ صفات الرب جل وعلا، أنهم قالوا: أمروها كما جاءت،لا كيف، ولا معنى. وهذه استدل بها بعض أهل التأويل على أنهما،يعني الإمامين يعنيان بذلك التأويل،لا كيف،فلا نكيف الصفات، ولا معنى،لا نثبت المعنى، بل نفوض المعنى والكيفية.وهذا ليس بمراد؛ بل المراد من قولهم: لا كيف ولا معنى،أن إمرار الصفات كما جاءت, معناه إثبات الصفات على ما دل عليه ظاهر الكلام؛ لأن الصفة لا تثبتها إلا بما دل عليه ظاهر الكلام، ونفي الكيفية عن الصفة يعني الكيفية التي نحا إليها المجسمة، ونفي المعنى بقولهم: لا كيف ولا معنى يعني: المعنى الذي ذهب إليه المؤولة الذي يخالف ظاهر الكلام، ويخالف الإمرار كما جاءت.
فإذن الإمرار كما جاءت بما يفهم،فمن كيف فقد صار مجسما، أو صار مكيفا؟ ومن تأول المعنى فقد دخل بما يخرج،دخل في الكلام بما يخرج اللفظ عن ظاهره، لهذا قول القائل: لا كيف ولا معنى،يعني: لا كيف كما يقول المجسمة، ولا معنى كما يقول المؤولة،بما يخرج تلك الأحاديث والآيات،بل تلك الآيات والأحاديث عن ظاهرها المتبادر منها،من إثبات صفات الرب جل وعلا،والأمور الغيبية بعامة،وقال كما قال هنا: "تفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه".
قال: "وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال" وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام رؤية المؤمنين لربهم جل وعلا بالتواتر،عد ذلك متواتر في أكثر من عشرين حديثا جاءت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في إثبات الرؤية بأحاديث متنوعة،مختلفة في ألفاظها وفي طرقها،من عدد كبير من الصحابة, فهي متواترة.
ولهذا كفر طائفة من أهل السنة من أنكر رؤية الرب جل وعلا؛لأنه إنكار للمتواتر من القرآن، وللمتواتر من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: "فهو كما قال، ومعناه على ما أراد،لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا"، "لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا" يعني: نخرج هذا الظاهر بتأويل، ولا متوهمين بأهوائنا بما يجعل للرؤية كيفية معينة، فنثبت الرؤية بكيفية،أو لأجل الكيفية،ننفي الرؤية كما ذهب إليه المعتزلة،وكما ذهب المجسمة، فالمعتزلة توهموا أن الرؤية تكون بكيفية،فنفوا،والمجسمة توهموا أن الرؤية تكون بكيفية، فأثبتوها على تلك الكيفية.
إذا تبين لك هذا المعنى الآن لكلام الماتن رحمه الله تعالى،ففي هذه المسألة العظيمة مسألة الرؤية مسائل:
المسألة الأولى: أن المؤمن في تعلقه بربه جل وعلا،في عبادته سبحانه بأنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الإنعام عليه بأن يكون من أهل الجنة،هذا أعظم الإنعام؛لأن من دخل الجنة قد رضي الله عنه، ومتعه بملاذها وحبورها وسرورها، وأفاض عليه الزيادة، وهي رؤية وجه الله الكريم، ومن أحب تعلق بالمحبوب، وإذا تعلق القلب بالمحبوب لم يهدأ له بال، ولا يقر له قرار حتى يلقى محبوبه راضيا عنه، متمتعا بلذة النظر إليه ومحادثته، وتحيته،كما قال سبحانه: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما} فهذا أعلى أنواع التمتع.
والقلب إذا خشع لله جل وعلا،وتلذذ بتلاوة القرآن، وبالصلاة،وعلم أن هذه من اللذات الحاضرة التي هي التلاوة والصلاة،فكيف بأعظم اللذات وهو رؤية الرب جل وعلا؟! وهي الغاية كما ذكرها العلماء،التي شمر إليها المشمرون،الذين تعلقت قلوبهم بالرب جل وعلا.
المسألة الثانية: أن أهل السنة والجماعة جعلوا الرؤية حقا، والرؤية بالعينين، وهذه الرؤية جاءت فيها آيات كثيرة، وأحاديث متواترة عنه عليه الصلاة والسلام،وأجمع أهل التفسير من الصحابة والتابعين على القول بالرؤية، ولم ينكرها أحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ومن الأدلة على أن الرؤية حق قول الله جل وعلا: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}،وقوله جل وعلا: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}،وقوله جل وعلا: {على الأرائك ينظرون}،وقوله جل وعلا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}،وقوله جل وعلا عن الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}،وقوله جل وعلا: {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} ونحو ذلك من الأدلة.
وكذلك الأدلة التي فيها ذكر لقاء الله جل وعلا،كلها صالحة للاحتجاج بها على رؤية الله سبحانه،كقوله سبحانه: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فسرها طائفة من العلماء،من السلف فمن بعدهم،بأن لقاء الله هو رؤيته، و هو المعروف لغة. وكذلك في قوله جل وعلا: {تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما} قال ثعلب،وهو من علماء اللغة المبرزين العارفين: أجمع أهل اللغة.قال: أجمع أهل اللغة على أن اللقيا ههنا هي الرؤية؛ وذلك لأنه لا يمكن ملاقاة وتحية وخطاب في اللغة إلا برؤية، والأدلة على ذلك متنوعة في كل دليل فيه ذكر الرؤية لله جل وعلا، أو فيه ذكر اللقاء، أو ما فسر بالسنة برؤية الله جل وعلا.
وأما من سنة النبي عليه الصلاة والسلام،فكما ذكرت لكم الأدلة كثيرة جدا بلغت مبلغ التواتر، فمنها قوله عليه الصلاة والسلام:((إنكم سترون ربكم يوم القيامة،كما ترون البدر ليلة التمام،لا تضامون في رؤيته)) والحديث الآخر قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((هل ترون الشمس في وسط النهار؟هل تضامون فيها؟)) قالوا: لا.قال:((هل ترون القمر ليلة البدر؟ هل تضامون فيه؟)) قالوا: لا.قال: ((فإنكم سترون ربكم كما ترون الشمس وسط الظهيرة،لا تضامون فيها،وكما ترون القمر ليلة التمام،لا تضامون فيه)).
وفيه أيضا قوله عليه الصلاة والسلام،فيما رواه مسلم في الصحيح،في تفسير قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} من حديث صهيب رضي الله عنه،قال عليه الصلاة والسلام: ((الزيادة)) في حديث طويل ((الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم))، وأيضا في الباب قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الجنة:((جنتان من ذهب وما فيهما،وجنتان من فضة وما فيهما،وليس بين القوم، وبين أن يروا ربهم إلا أن يكشف الحجاب)) نسأل الله سبحانه المن والكرم برؤيته جل وعلا، وأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا، وأن نلقاه وهو راض عنا سبحانه؛إنه جواد كريم.
هذه الآيات والأحاديث فيها تقرير لقول أهل السنة واضح الدلالة، ولا نخوض في ذلك بتقرير الأوجه اللغوية لما ذكر؛ لأنها بتكاثرها، وتواردها بلغت مبلغ القطع في هذه المسألة؛حيث إن المسألة ليست بالخفية،حتى قال الإمام أحمد لمن قال له: إن فلانا ينكر الرؤية، قال: كافر.كافر يعني؛ لأن هذه لا تحتمل التأويل وليس ثم فيها شبهة.
المسألة الثالثة: أن قول أهل السنة في الرؤية،أن الرؤية حق لأهل الجنة، وللمؤمنين في عرصات القيامة، والرؤية التي للمؤمنين هي رؤية سرور، وتلذذ، وإكرام،واختلف أهل السنة في رؤية الله جل وعلا في الموقف،هل هي للمؤمنين وحدهم أم للمؤمنين والمنافقين،أم للناس جميعا؟على ثلاثة أقوال: ولك الأقوال في مذهب أهل السنة، يعني قال بها طائفة، وكما قال الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: إن الخلاف في هذه المسألة يعني هل يرى الكفار ربهم يوم القيامة، أو لا يرون؟ هل يراه المنافقون، أو لا يرون؟لا ينبغي أن تكون من المسائل التي يشدد فيها الخلاف،بل الأمر فيها خفيف.هذا نص عبارته، المذاهب فيها كما ذكرت لكم ثلاثة،فجمهور أهل السنة والحديث على أن الرؤية للمؤمنين في عرصات القيامة وقالت طائفة...
الـوجـه الـثـانـي
...ذهب إلى ذلك الإمام ابن خزيمة، كما نص عليه في كتاب (التوحيد).
القول الثالث: إن الرؤية للجميع؛ للمؤمنين، والمنافقين، والكفار،واستدلوا على أن الكافر يحجب،استدلوا على ذلك بأن الكافر يحجب {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} قالوا: فكونه حجب يومئذ دل على أنه قبل ذلك لم يكن محجوبا؛ لأن الكلام في الآخرة، وأما في الدنيا فالكل محجوب عن رؤية الرب جل وعلا،وهذه الأقوال جمعت النظر في الرؤية، ويظهر لي أن رؤية الرب جل وعلا نوعان:
رؤية إكرام، ولذة، ونعيم، وإنعام، وحبور، وسرور،فهذه للمؤمنين في الجنة،وللمؤمنين في عرصات القيامة،فهي من الطمأنينة في الآخرة.
والنوع الثاني من الرؤية: رؤية حساب، وتقرير، وتعريف،فهذه هي التي يمكن أن يقال: إنها مرادة في حديث المنافقين،فيما ثبت في الصحيح،أن الله جل وعلا يأتي الأمة، وفيهم منافقوها، ثم يأتهيم في غير الصورة التي رأوها من قبل، ثم.. فيأمرهم بالسجود فلا يسجدون يقولون: نحن هنا حتى يأتي ربنا، ثم بعد ذلك يكشف الرب عن ساق فيعرفونه،فيسجد المؤمنون، ويبقى من لم يكن يسجد مخلصا في الدنيا،يريد أن يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا، فهذا يدل على أن هذه الرؤية رؤية تعريف، ورؤية حساب،وهذا النوع من الرؤية لا ينبغي أن يكون الخلاف فيه؛ لأن الحديث دل عليه.
فإذن الرؤية التي نقول: إنه أجمع أهل السنة على أنها للمؤمنين هي رؤية التنعم والتلذذ،وفي ضمن ذلك رؤية التعريف، وأما رؤية الله جل وعلا للتعريف والحساب فهذه كل يراه بحسب حاله،والله أعلم بكيفية ذلك، وتفسيره، أما الكفار فعامة أهل العلم،إلا من شذ،إلا من شذ وقل،يقولون: إن الكافر لا يرى الله جل وعلا، لا رؤية تعريف،ولا رؤية تلذذ من باب أولى؛ لأن الكافر محل العذاب والنكال، وأجابوا عن استدلالهم بقوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} بأن ها استدلال بالمفهوم، بمفهوم يومئذ {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} وهم محجبون في الدنيا عن الرؤية، وكذلك محجوبون في الآخرة عن الرؤية، وكلمة يومئذ ليس لها مفهوم كما قال جل وعلا: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} وكما في قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} ففي آيات كثيرة علقت أشياء تحصل يوم القيامة بيومئذ، وقد يكون جنسها، أو بعض أطرافها يحصل في الدنيا إما بالعموم أو بالخصوص.
المقصود من رد الاستدلال أنه ليس كلمة يومئذ،ليس لها مفهوم،لا نفهم منه أنهم حجبوا يومئذ،فمعنى ذلك أنهم قبل ذلك،يعني قبل الحجب يومئذ لم يكونوا محجوبين، بل كانوا محجوبين، ثم صاروا محجوبين،لكن توعدهم وبين حالهم بقوله: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم} فحجبوا، ثم صاروا صالين للجحيم.
المسألة الرابعة في مذاهب الناس في الرؤية،المذاهب فيها متعددة،منها يعني من خالف قول أهل السنة،أشهرها مذهبان:
مذهب من منع الرؤية، وتأول كل النصوص الواردة في ذلك، وهم المعتزلة،قبلهم الجهمية، والخوارج بعامة، والإمامية من الروافض، بل الروافض بعامة؛ لأن الزيدية ينكرون الرؤية كقول المعتزلة، وهذا القول له حججه، واستدلالاته ستأتي.
الثاني المشهور من أثبت الرؤية، ولكن قال: الرؤية ليست إلى جهة، وإنما تكون إدراكا،وهذا هو قول الأشاعرة ومن نحا نحوهم،فردوا قول المعتزلة بأن الرؤية ممتنعة في إثباتها، ووافقوهم في أنه ليس على العرش رب، وأن الله سبحانه ليس في جهة،جهات العلو،فقالوا: الرؤية لا إلى جهة.وكيف تكون رؤية إذن وليست إلى جهة؟!
أما قول المعتزلة، والخوارج،ويشهر هذا القول في زماننا،هذا طوائف الروافض، والزيدية، والإباضية من الخوارج،ويستدلون لهم،فمن أدلتهم قوله جل وعلا حين سأل موسى عليه السلام الرؤية قال: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل...} إلى آخره،قالوا: وجه الاستدلال أنه نفى رؤيته لله جل وعلا،وموسى الكليم أحق الناس بالرؤية، والنفي بلن يفيد التأبيد.
والجواب عن هذه الحجة،التي أدلى بها أوائل المعتزلة، ومن شابههم إلى يومنا هذا ـ أن النفي بلن في اللغة لا يفيد التأبيد، وإنما يفيد النفي المجرد، وأما من قال: إنه يفيد التأبيد،وهو الزمخشري في (الكشاف) وفي كتابه (المفصل) في النحو, فإنه باطل،ورده ابن مالك في الكافية الشافية بقوله:(ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله (غير مسموع) وسواه فاعبدا)، ورده أيضا ابن هشام في أوضح المسالك قال: ولو تفيد تأبيد النفي،خلافا لمن قاله،ويدل على ذلك أن الله جل وعلا قال: {ولن يتمنوه أبدا} يعني: الموت فقال: {ولن يتمنوه أبدا} فنفي بالتأبيد بكلمة أبدا وباستعمال لن نفى تمنى، وأثبت أنه يتمنونه يوم القيامة،قال جل وعلا: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} يعني: ليميتنا ربك {قال إنكم ماكثون} فدل على أن نفيهم بلن، وبكلمة أبدا لم يفد التأبيد المستغرق للدنيا والآخرة معا.
فإذن أفاد أولا: أن قوله:{لن يتمنوه أبدا} أنه لما استعمل أبدا دل على أن لن لا تفيد التابيد.
والثاني: على أن كلمة لن لم تفد التأبيد؛ لأنهم تمنوا الموت في الآخرة، فدلت على أنها تفيد النفي في الدنيا.
ومن أدلتهم أنهم قالوا: إن النظر في القرآن، وفي اللغة يفيد الانتظار، وهو أصله وليس أصل النظر الرؤية، فالآيات التي فيها ذكر النظر تفيد الانتظار،فقوله جل وعلا: {فهل ينظرون إلا} يعني: فهل ينتظرون،وقوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} يعني: منتظرة (غير مسموع) ويستدلون عليه بقول الشاعر: (وجوه يوم بدر ناظرات إلى الرحمن يأتي بالفلاح)، ناظرات إلى الرحمن،قالوا: معناها منتظرات.
وهذا القول في الاستدلال بمعنى النظر والإتيان عليه بهذا الشاهد اللغوي ليس على ما قالوا؛وذلك أن اللغة فيها أفعال تختلف بالتعدية كثيرة جدا،فيكون للفعل، يكون للفعل معان متعددة مختلفة بأنواع التعبير، ومنها فعل انتظر، ونظر, ومصدر ذلك، واسم الفاعل ناظر، وتبيين ذلك أن يقال كما أوضحه الشارح وغيره من أهل اللغة: إن كلمة النظر، وما اشتق منها تارة تتعدى بنفسها،فيكون المعنى الانتظار،يعني تصل إلى المفعول بنفسها فيكون معناه الانتظار، وتارة تتعدى بفي فيكون المعنى التفكر والاعتبار،وتارة تتعدى بإلى فيكون المعنى الرؤية، وقد يكون مع الرؤية الانتظار بحسب السياق،لكن لا يمكن أن تتعدى بإلى ويكون انتظارا بلا رؤية،لا يمكن ولم يأت في أي شاهد في لغة العرب، ولا في القرآن، ولا في السنة أن النظر يتعدى بإلى ويكون معناه الانتظار المجرد من الرؤية، بل النظر إذا تعدى بإلى صار معناه الرؤية، وقد يكون على قله مع الرؤية الانتظار، وهذا له نظائر في اللغة يطول الكلام ببيانها.
فإذن قوله جل وعلا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} كونه عدى الفعل، عدى اسم الفاعل ناضرة الذي يعمل عمل فعله عداه بإلى دل على أن المراد الرؤية، وكونه أضاف هذه الرؤية للوجوه التي هي مكان،أضاف النظر إلى الوجوه التي هي مكان الرؤية، دل على أن الرؤية تكون بآلة في هذه الوجه وهي العينان.
من أدلتهم أيضا قوله جل وعلا: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قالوا: فنفي الإدراك، ونفي الإدراك مستلزم لانتفاء الرؤية.
والجواب: أن هذا غلط كبير؛ لأن نفي الإدراك لا يستلزم انتفاء الرؤية؛فإنه قد ترى الشيء، ولا تدركه،يعني لا تحيط به،فهذه السماء نراها، ولا أحد يشك في أنه يرى السماء،ولو قلت لأي أحد يرى السماء: هل تدرك السماء رؤية وتحيط بها؟فسيكون جواب كل أحد: لا،يعني لا يدركها رؤية، وإنما يرى منها ما يمكنه أنيرى،وكما قال جل وعلا: {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا} ووجه الدلالة أنه نفى الإدراك، ومع نفي الإدراك أثبت الله جل وعلا الترائي، وهو رؤية كل جمع للآخر،فقال: {فلما تراءى الجمعان} هذا الجمع رأى الجمع، وذاك الجمع رأى الجمع،ومع ذلك قال أصحاب موسى: {إنا لمدركون}،فقال موسى:{كلا} يعني: لن ندرك،يعني: لن يحاط بنا.
فالإحاطة.. نفي الإحاطة لا يستلزم أن تنفى الرؤية، بل نفي الإحاطة يستلزم إثبات الرؤية نقيض ما قالوا،وهو الوجه الثاني من الاستدلال عليهم بهذه الآية، وهو أن نفي الإدراك ليس كمالا، والقاعدة المعروفة أن كل نفي في القرآن فكماله بإثبات ضده،فربنا جل وعلا قال: {لا تدركه الأبصار}؛وذلك لكمال سعته سبحانه وتعالى، وكمال علوه، وكمال استغناه عن خلقه،إلى غير ذلك من أفراد صفات الجلال للرب جل وعلا،فلا يقال: إنه لا يدرك، ويكون المراد كمالا،إلا وأصل ذلك ثابتا، وهو أنه في محل من يرى، أو في كل الرؤية،مثال ذلك: أنك لو قلت:إنني لم أر العقل، ولم أر الفهم، ولم أر القلب، ولم أر السمع،ولم أر الإبصار، وهكذا الصفات، ولم أر الرحمة، ولم أر الرأفة... إلى آخرها،فإن نفي هذه الرؤية ليس كمالا في أن هذه الأشياء ترى، ولكنك عجزت؛ لأنك متى ما قلت في شيء إنك لا تراه، أو لا تدركه رؤية، فإنما يكون كمالا،إذا كان في محل ما يمكن أن يرى، أما الأشياء التي لا ترى أصلا فإنه ليس من الكمال أن تنفي الرؤية عنها، فكونك تنفي الرؤية عن الرحمة لا يعد هذا كمالا في الرحمة، وإنما هكذا وجدت، كونك تنفي الرؤية عن الإبصار والإدراك لا يدل على كمال فيها،فإذن دل نفي الإدراك عن الرب جل وعلا أن نفي الإدراك لأجل أنه عظيم جل وعلا، فإنه يرى، ولكنه لا يدرك.
والإدراك ينقسم إلى قسمين:إدراك برؤية، وإدراك بعلم.
والإدراك بعلم نفاه الله جل وعلا في قول سبحانه: {ولا يحيطون به علما}،وإدراك الرؤية نفاه الله جل وعلا في هذه الآية، وهذه الآية في إدراك الرؤية لا في إدراك العلم،دل عليها قوله بعد النفي: {وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} فكونه سبحانه يدرك الأبصار يعني يراها، وخص الإدراك بإدراك الأبصار؛ لأن الأبصار هي محل نفي الإدراك السابق، فقال: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}،فلما قال: {لا تدركه الأبصار} دلنا على أن المنفي هو إدراك الرؤية، لا إدراك العلم.
والأدلة التي استدلوا بها متنوعة كثيرة،لا نشغلكم بها معروفة، وهذه المسألة من أطول المسائل التي فيها الكلام، لكن دائما المؤمن أحق بالحجة من غيره، وفهم الحجة يكون بالأناة،تتأنى في فهم احتجاج أهل السنة؛فإننا ولله الحمد بتجرد لا نعلم مسألة قال فيها أهل السنة قولا، واستندوا فيها إلى الأدلة، ويكون فيها ثم فيها شبهة،لا في الأصول؛ أصول صفات الرب جل وعلا، ولا في الغيبيات بعامة؛لأن قولهم مبرأ من الهوى،لا يدخلون متوهمين بأهوائهم، ولا متأولين بآرائهم وقلوبهم، وإنما يثبتون ما ثبت في الكتاب والسنة، وإنما هم مستسلمون لنصوص الوحي،كما سيأتي إن شاء الله في الدرس القادم بإذن الله تعالى.
من العجيب أن الحجج عند المعتزلة يحتجون بما ذكرنا، ويغضون حجج أهل السنة على حسب أقوالهم بتفسير النظر،كما قلنا،بأنها ناظرة،يعني: منتظرة،إلى آخر ما ذكرت لكم،لكنهم إذا أتت السنة والأحاديث في تفسير الآيات، وفي إثبات الرؤية،وهي بالغة مبلغ التواتر، فإنهم يشرقون، ولا يستطيعون حتى الإبانة عن وجه ردها، يعني: أنهم يقلقون، ولا يحسنون إبانة، ولا تفقه لهم قولا،قد سمعت كلام بعضهم،سمعته بأذني،وقرأت كلام بعضهم أيضا بعيني، فما أحسنوا جوابا، ولا خلصوا إلى قول يردون به الأدلة من السنة،لهذا قال طائفة من المحققين من أهل السنة: إن تأويل نصوص المعاد، والبعث، والقبر، والصراط،والجنة والنار ونحو ذلك ما يحصل، يعني: في عرصات القيامة، وما يحصل في السماء أسهل بكثير من تأويل الآيات، وأحاديث الرؤية؛ لأنه بلغت مبلغ التواتر، وأكدت بأنواع من التأكيدات، وعرض لها وبينت بأنواع من البيان،بما يقطع معه السامع أن المراد بها ظاهرها على حقيقتها،حتى عند قول من يجيز القول بالمجاز، أو التأويل،الذي ينحو إليه أولئك فإن هذه لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على غيرها بقطع.
فإذن الحجة فيها قوية وقاطعة، وإنما هو الهوى،نسأل الله جل وعلا السلامة والعافية، ولكن يجب على المؤمن الموحد أن يعلم الأدلة، ووجه الحجة؛حتى يدلي بحجته في تلك المسائل، أما قول الأشاعرة في المسألة وهو أنهم قالوا: يرى إدراكا،لا إلى جهة فإنه عجيب،فإن قول المعتزلة في نفي الرؤية أقرب إلى العقل من قول الأشاعرة، يعني إلى عقلي وفهمي, خلافا لقول الشارح: إن قول الأشاعرة أقرب إلى العقل من قول من نفى، بل الحقيقة العكس،من نفى الرؤية؛ لأنه لا يثبت العلو، قال: مادام أننا لا نثبت العلو، فالرؤية لا يمكن أن تكون إلا إلى جهة،الإنسان كيف يرى؟لابد إلى جهة يراه، أما يرى شيئا ليس أمامه، ولا خلفه، ولا عن يمينه، ولا عن شماله، وليس بأعلى منه،ولا أسفل منه،فكيف يراه؟! وأين يراه؟!
لاشك أن هذا العقل يرده،ولهذا نقول: قول الأشاعرة: إنه يرى،لا إلى جهة، يعني: لا يرى في جهة العلو، ويرى إدراكا،فإن هذا ولو كان إثباتا للرؤية فهو غير مقبول عقلا، والواجب.. ولا مقبول سمعا، والواجب إثبات النصوص التي جاء فيها ذلك، وإثبات ما دلت عليه من أن الرؤية تكون على ما أخبر الله جل وعلا، وأن الله سبحانه يطلع إلى أهل الجنة، وأنه يكشف الحجاب،فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إلى الرب جل وعلا، وأنه سبحانه مستو على عرشه،كما يليق بجلاله وعظمته،وأن عرش الرحمن فوق الجنة،يعني سقف الجنة،وهكذا في أدلة كثيرة، فمن نفى علو الرحمن جل وعلا،وقال: هو سبحانه في كل مكان،فكيف يقبل إثباته؟!فكيف يقبل إثباته للرؤية؟!
لا شك أن قول الأشاعرة عجيب، وليس لهم حجة من جهة سمعية، ولا من جهة عقلية،إلا شيئا واحدا،وهو أنهم أصلوا نفي علو الله جل وعلا، وأنه سبحانه في كل مكان، وفرعوا عليه أن الرؤية لما حاءت بها الأدلة،قالوا: يرى لا إلى جهة، وهذا باطل.
المسألة الخامسة: أن رؤية المؤمنين في الجنة لربهم جل وعلا عامة في الإنس والجن،للرجال وللنساء، وللملائكة أيضا {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} فالملائكة في الجنة، يعني: طائفة منهم في الجنة، وفي الجنة المؤمنون من الجن والإنس،ومن الرجال والنساء، ولم يدل دليل على اختصاص الرؤية بالرجال دون النساء،ولا على اختصاص الرؤية بالإنس دون الجن، وهذه فيها أقوال؛فمن أهل العلم من قال: إن الرؤية للإنس دون الجن.وهذا خلاف الصواب كما ذكرنا؛ لأن الآيات عامة في الرؤية لكل مؤمن،فمن دخل الجنة رآه.
قالت طائفة أيضا من أهل العلم: إن الرؤية للرجال دون النساء، واحتجوا على ذلك بقوله جل وعلا: {حور مقصورات في الخيام} وأن القصر في الخيام يدل على عدم خروجهن من ذلك. والصواب أن الرجال والنساء من المكلفين من الجن والإنس يرون ربهم جل وعلا إذا كانوا من أهل الجنة.
وأما الاستدلال بالآية فعجيب؛ لأن الآية أولا في الحور، والحور خلق ينشئهن الله جل وعلا إنشاءاً في الجنة، وليسوا من المكلفين في الدنيا.
الثاني: أن الله جل وعلا قال: {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون}،وقال جل وعلا في الآية الأخرى: {على الأرائك ينظرون} فمن نعيم أهل الجنة أنهم يتمتعون هم وأزواجهم على الأرائك فيتكئون، وينظرون، وإخراج النساء من الاتكاء وده الآية،فكذلك إخراجهم من النظر وده الآية،لهذا نقول: غلط من قال: إن الرؤية للرجال دون النساء، فالنساء يرون ربهم جل وعلا كمايراه الرجال؛ لأنهم مكلفون متعبدون، والنعيم عام للإنسان الذي يدخل الجنة من الرجال والنساء جميعا.نسأل الله الكريم من فضله، باب فيه مسائل نذكر مسألة مشهورة:
المسألة السادسة: رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه،وهل حين المعراج رأى ربه أم لا؟ اختلف فيها أهل العلم على أقوال:
القول الأول: من ينفي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه جل وعلا،يعني بعينيه.
القول الثاني: من يثبت الرؤية،إما بالقلب أو بالعينين.
والقول الثالث: التوقف، والتوقف لا ينبغي أن يكون قولا لكن هكذا قيل.
أما القول الأول: وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير ربه،فهذا هو القول الذي عليه الجماهير، ولما قال مسروق لعائشة رضي الله عنها: إن قوما يقولون: إن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه.فقالت عائشة: لقد قف شعري. يعني: وقف شعري مما قلت و وهذا مما يدل على تعظيم الصحابة لربهم جل وعلا،وأنهم قدروه سبحانه حق قدره، وأن منزلة النبي عليه الصلاة والسلام في قلوبهم مهما علت وعظمت فإنهم يعلمون عظمة الرب جل وعلا، وعظيم صفاته سبحانه وتعالى،قالت: لقد قف شعري مما قلت،من زعم أن محمداعليه الصلاة والسلام رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.
وفي حديث أبي ذر عند مسلم،أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل فقيل له: هل رأيت ربك؟ قال: ((رأيت نورا)), وفي الرواية الأخرى: ((نور أنى أراه))، قوله: ((رأيت نورا)) يعني الحجاب؛فإن الله جل وعلا نور، وحجابه نور،((رأيت نورا)) يعني رأى الحجاب، ولم ير الرب جل وعلا،ولهذا في الرواية الثانية قال: ((نور أنى أراه))، يعني ثم نور حاجب فكيف أراه؟ وهذا هو الصحيح في أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير ربه بعينيه، بل لا يرى أحد ربه بعينيه في الدنيا.
وأما من قال: إن محمداعليه الصلاة والسلام رأى ربه بعينيه، أو بقلبه،وهو منسوب إلى ابن عباس،وقالته طوائف قليلة من الناس،فهذا بناء على آية سورة النجم، والاستدلال بها فيه نظر.
أما القول بالتوقف فلا يصلح؛ لأن الحديث دال على نفي الرؤية،مع كلام عائشة رضي الله عنه.
نكتفي بهذا القدر، وثم مسائل كثيرة في رؤية الله جل وعلا نرجئها، أو نطويها، والمسألة من أراد المزيد فيها فليراجعها في مظانها.أسأل الله سبحانه أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،وعلى آله وصحبه وسلم.نرجئ الأسئلة.هذا يكفي.
(غير مسموع) في صورة (غير مسموع) النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((رأيت البارحة ربي في أحسن صورة))؛ لأن بيانه كامل عليه الصلاة والسلام، ما أحد يرى في اليقظة ولا في المنام الرب جل وعلا، إن رآه في المنام فهو يرى إيمانه بالله يتمثل لك إيمانا بالله.
ـ...................
ـ كيف؟
ـ ممكن يقع عليه.
ـ الرؤية في المنام جائزة،ممكن أن يرى إيمانه، ممكن بالقلب،يتمثل لك إيمانا (غير مسموع) الرؤية في المنام جائزة،ممكن أن يرى إيمانه،أقول هذا يمكن ما نقول: إنها تقع،لكن يمكن أن يقع، وقد حصلت لعدد من (غير مسموع)
ـ وهذه القدرة خاصة بالأبصار،أم أنها التأمل (غير مسموع) كله.
ـ نقول: قدرة فقط،لا ندخل في (غير مسموع) يعني يكونون مؤهلين قادرين على ذلك،عندهم استعداد خاص (غير مسموع) يعني من أوجه الاستدلال (غير مسموع) هذا يعني قريب من كلام الشافعي وكلام الإمام أحمد وسفيان في الاستدلال بالآية،لما حجب أهل الكفر عن رؤيته دل على أن أهل الإيمان يتمتعون برؤيته،هذا كلام الإمام أحمد، والشافعي له قريب منه،كررها الطحاوي (ماشي) نقول: لا بأس بها (غير مسموع) لكنها تعرف بالحجاب، والتقريب في الشيء الواضح كلما قل الشيء (غير مسموع) أقول ما في حديث، بل أقول أحاط بالقمر رؤية، ولا أحاط بالشمس رؤية، ولا أحاط بالسماء رؤية،أحاطه يعني رآه من كل الجهات (غير مسموع) يعني الرؤية على أدنى درجات،على أدنى درجات, شوف أي شيء حتى الشمس (غير مسموع) فكيف بالإحاطة بجميع الجهات،كلما عظم الشيء وبعد،وعلا عظم وبعد وعلاتقل نسب الإدراك يعني (غير مسموع) النجم البعيد،تراه ربنا جل وعلا أعظم من كل شيء سبحانه،إذا كان أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تراءون الكوكب الدري في السماء، يعني مثل ما تشوف على أقرب (غير مسموع) مثل ما تشوف،مثل ما تشوف النجم فكيف برؤية الرب سبحانه وتعالى؟ ليس فيها إدراك،ولا إحاطة،ولا كيفية،نسأل الله أن يمن علينا، وعليكم برؤيته بمنه وكرمه ورحمته،اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،أما بعد..,
فنجيب على بعض الأسئلة بين يدي الدرس:
سؤال: سؤال يقول: هل يجب على طالب العلم ألا يحدث بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عالما صحته، ودرجته، ومن خرجه، وكذلك الآثار عن السلف؟
جواب: الجواب: أن هذا لا يلزم، فإذا سمع بحديث،أو قرأه في كتاب،سمعه من مأمون،من عالم، أو قرأه في كتاب عالم يوثق به فإنه له أن يحدث بذلك، وإذا كان لا يدري فيقول... سقط... جاء في الحديث ونحو ذلك.
وباب الآثار أسهل من الأحاديث، يعني الآثار عن الصحابة، أو عن السلف أسهل من الأحاديث المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم،لكن لا ينبغي لطالب العلم أن يجزم بحديث، وهو لا يعلم صحته،يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وهو لا يعلم صحته، يعني لا ينسبه قولا للنبي عليه الصلاة والسلام، أما إذا قال: جاء في الحديث،ذكر العالم الفلاني في الحديث كذا وكذا، أو في الأثر فهذا لا بأس به؛جرت عليه سنة أهل العلم،يقولون: وفي الحديث كذا، أو ويروى كذا، وهذا لا بأس به، وفي أحد الرسائل التي أرسلها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى أحد علماء عصره، وذكر فيها حديثا،يعني ذكر المرسل إليه حديثا، فأجابه الشيخ محمد رحمه الله بقوله: إن المرء،أو طالب العلم لا ينبغي له أن يجزم بنسبة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يكون متثبتا في ذلك؛ لأن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد،بل يقول ويذكر، أو يروى، أو وفي الحديث،ولا شك أن التثبت والإسناد أولى.
سؤال: يقول: ذكر السؤال الثاني، ذكر العلماء أن لفظ الجلالة أصله إله، فأدخلت الألف واللام وحذفت الهمزة، وأدغمت اللام في التي تليها.والسؤال هو ألا يتنافى هذا مع كون أسماء الله عظيمة؟
جواب: لفظ الجلالة، واسم الله، الله اختلف العلماء فيه هل هو مشتق، أم هو غير مشتق، والخلاف واسع،والذي يرجحه جمع كثير من المحققين وهو المعتمد عند أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى،أن لفظ الجلالة مشتق، ومعنى كونه مشتقا أن اسم الله دال على المعبود بحق دلالة مطابقة، يعني: أن كلمة الله أصلها الإله، والإله هو المعبود،أما من يقول: إنه ليس بمشتق فيقول: إن الله علم على الذات؛ذات الرب جل وعلا، وليس فيه معنى.
والقاعدة العامة عندنا أن اللغة في الأسماء لابد أن تكون دالة على معان، فالاسم يكون دالا على معنى أسماء الله الحسنى،دالة على معان فيها، فليس ثم اسم ليس له دلالة على معنى، والدلالة على المعنى تارة تكون دلالة جامدة، وتارة تكون دلالة مشتقة، وهذا في اسم الله الأعظم، أو في اسم الله،الله ولفظ الجلالة العظيم هذا مشتق من إله؛ لأن العرب تسهل في مثل هذا كثيرا، والبحث فيه بحث نحوي، وصار في.. وأكثر العلماء منه.
المقصود منه من الجواب، أن اسم الله مشتق، ولا ينافي هذا التعظيم لفظ الجلالة؛لأننا كما نقول: إن الجبار يتنوع إلى عدة معان، أو يدل على عدة معان، ومشتق من كذا، واسم الله العظيم مشتق، واسم الرحمن مشتق من الرحمة، وهكذا، فالذين يقولون: إن الاشتقاق ينافي التعظيم،هذا ينخرم الكلام فيما أوردوه في جميع الأسماء الحسنى، فأسماء الله الحسنى كلها مشتقة، والاسم الله مشتق من الألوهة، وهي العبادة؛ لأن الله علم على المعبود بحق،علم على المعبود بحق.
السؤال الذي يليه (وين) السؤال (كلام غير مسموع).
يعني هذا بحث آخر،هذا بحث آخر،يعني هل تظن أن أسماء الله جل وعلا هي قبل اللغات،لا،هي اللغات دالة على أسماء الله جل وعلا وصفاته،كما تدل اللغات على أشياء أخر، ولا يعني هذا أنها مواضعة؛ لأن الناس اصطلحوا عليها, ليس كذلك؛لأن الله جل وعلا علم آدم الأسماء كلها،علم آدم الأسماء كلها، فالأسماء ومن ضمنها أسماء الله جل وعلا معلمة، فكذلك في اللغات دلالة الكلمة على أنها اسم من أسماء الله، هذا بتعليم وليس العباد الذين يضعون أسماء لله جل وعلا، فهذا لا يعني أن أسماء الله جل وعلا بالمواضعة، يعني: بالاصطلاح،يعني: الناس وضعوها، واشتقوا هذا من هذا إلى آخره يعني: أنهم هم الذين فعلوا ذلك،لا،أسماء الله جل وعلا الله سبحانه لم يزل له الأسماء الحسنى والصفات العلا قبل أن يخلق الخلق.
هذا على كل حال بحث لغوي طويل،لا أظن يسع مثل هذا المقام أن يفصل فيه اللغات في نشأتها كيف نشأت اللغات؟ اللغة العربية كيف نشأت؟ هل آدم عليه السلام كان يتكلم باللغة العربية، ما قبل إبراهيم عليه السلام؟ هل كان يتكلم باللغة العربية؟نوح عليه السلام هل كان يتكلم باللغة العربية؟ الله جل وعلا جعل من آياته اختلاف الألسن، والألوان، فأصل اللغات أسماء علمها ربنا جل وعلا آدم، ثم حصل هناك أنواع من الاشتقاق، وتداخل الناس لما تفرقوا في اللغات،اللغات بعضها يأخذ من بعض.
وعند العلماء المعاصرين؛يعني علماء اللغة،علماء فقه اللغة، وخاصة اللغات السامية، بل دلتهم البحوث، والكتابات القديمة التي وجدوها في الجدران، وفي الآثار القديمة،على أن مجموعة من الكلمات كانت مشتركة ما بين اللغات، وهذا طبعا يدل على أن أصل اللغات واحد، وهذا لاشك فيه، ثم بعد ذلك بدأت تتوسع اللغات، وتختلف،فلهذا جاء في الحديث: ((أول من فتق لسانه عن العربية الفصحى إسماعيل عليه السلام ))، إذن فتق لسانه من الذي فتق اللسان؟ ومن الذي.. يعني، هذه القواعد التي أوردها العلماء،قواعد النحو هذا استنتاج لا يتصور أن قواعد النحو أن العرب اجتمعت في مؤتمر عام،وقالت بوضع ها القواعد للغتنا،ما هو موجود، كذلك أغرب منه في العلل، والاشتقاق.
ولهذا قال بعض العلماء في العلل الضعيفة: هذه أضعف من علة نحوي؛ لأنها مستنتجة،فإذا قال العال:م إن مثلا تقول محمد قادم... سقط... ثم تقول لمحمد قادم ثم تقول: إن محمدا لقادم، محمد قادم خبر أكد باللام الأولى في الجملة الثانية لمحمد قادم، واللام هذه لام التأكيد،لام الابتداء لها حق الصدارة،إن محمدا لقادم هنا أخرت، ولذلك سميت (إيش) المزحلقة؛ لأنها زحلقت من المبتدأ حين كان فيه لمحمد قادم إلى الخبر،فصارت إن محمدا لقادم هنا لماذا حصل هذا يأتي النحاة، ويوجهون ذلك، وثم كتب كثيرة في علل النحو لا تحصى، وهي عدة مدارس في التعليل الأحكام النحوية،من تعليلاتهم يقول: إن العرب من عادتها أن تكرم الضيف، من عادة العرب أن تكرم الضيف،فلما أتت اللام ضيفا على محمد قادم كان لها حق الصدارة، فلما أتى الضيف الجديد إن تأخرت اللام؛ لأنها كانت في الجملة موجودة فتأخرت و.. يعني هذه كلها التماسات، كذلك إذا قال: كان،لماذا كان نصبت الخبر، ورفعت الاسم؟(ليش؟) لأنها مشبهة بالفعل، أوهي فعل،فعل ماض ناقص، وكذلك الأخوات إن وأخوات إن إن وليس و.. إلى آخره إن، أن وليس ولعل... وإلى آخره (طيب) هذه (ليش) انعكست فيها القضية مخالفة لكان؟ لأنها تقاعدت كان،وهذه وهذه بعضها يشبه بعض،يعني كان وأخواتها وإن وأخواتها بالدخول على الجملة الاسمية، ففرقوا بينها.
إذن كل هذا نخلص منه إلى شيء مهم جدا في علم اللغة، وهو أن صنعة العلوم إنما أتت بعد انتهاء اللغة،فإذن هي التماس،إذا قال لك عالم: إن كلمة الله كانت إله، ثم أدخلت هذا من جهة التحليل؛ لأن العرب صنعت ذلك على مراحل, لكن هذا من جهة التحليل، تقول لك: ولكثرة الاستعمال صارت كذا،يعني هذا من جهة،من جهة التحليل يعني: اعكس المسألة وقل؛ لأن لفظ الجلالة الله موضوع؛ لكثرة الاستعمال، فجاء على لفظ لله، وكم يأتي على لفظ الإله؛ لأنه موضوع لكثرة الاستعمال، وهذه انتبه لها قاعدة في اللغة.
ولهذا يخطئ بعض الذين يعتنون بمباحث الاشتقاق، ويستغربون بعضها من هذه الجهة،يظنون أن العرب اجتمعت، ووضعت للغتها قواعد، والصحيح الذي لا ينبغي المحيد عنه أنه ليس ثم وضع في اللغة،وعلم الوضع (اللي) يسمى علم الوضع، إنما هو تقريب للعلوم التي خلفت في هذه الأمة، وليس هو وضع العرب، العرب ما اجتمعت،العرب متفرقة, العرب كانت في اليمن، ثم تفرقت، والعرب القديمة يعني العرب العاربة، ثم العرب المستعربة، وتفرقت، واللغةبدأت تتدرج وتنمو وتصل إلى مراحل في نموها،فاللغة مثل الإنسان،اللغة مثل الإنسان؛مر به طفولة، ثم مر به شباب، ثم مر به فتوة وقوة، ثم يمر به اكتهال... إلى آخره، فهذه اللغة تمر بهذه المرحلة، أما اللغة العربية فثبتت وقويت،ولم تمر بها فترة الكهولة التي تسمى فترة الكهولة؛ لأن فيها القرآن،القرآن هو الذي أبقاها حية قوية في شبابها، فلهذا كل ما تراه من التعليلات عند النحويين، أو الذين يعتنون بالنحو، ويوغلون فيه بحثا هي كلها في ظنهم أن فيما يستبعدون، أو يقبلون أن المسألة ليست هكذا، وإنما هي هكذا؛ لأن ما كانت فيه إله وكيف يكون إله؟ أو كيف يشتق هذا من هذا، والعرب ما اشتقت هذا من هذا، وإنما الوضع الأول هو كذا،الوضع الأول في الأسد هو كذا،الوضع الأول في الجناح هو الطائر، (مين اللي) يقول هذا الكلام؟ كل هذا (مين اللي) يقوله؟يقولون: الجناح للطائر،من الذي قال: إن الجناح للطائر؟من؟هل ثم برهان؟
ولذلك يأتون عند قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} فيقولون: هنا استعارة؛ لأن الجناح للطائر،واستعير للإنسان استعارة استعارة، يعني مجاز،من الذي قال: إن العرب وضعت الجناح للطائر؟ما في ـ واضح؟ ـ فإذن الذين يبحثون المباحث اللغوية،وهذه تنتبه لها؛ لأن من أوغل في المباحث اللغوية دون معرفة بأصولها والتحقيق فيها قد تدخل عليه إشكالات في العقيدة، لهذا اعتنى المعتزلة بالمباحث اللغوية، وصدوا كثيرا من الناس عن الحق في مسائل الاعتقاد؛ظنا منهم أنهم حققوا المسائل العقدية،فينتبه إلى هذه القاعدة؛ أنه لا يتصور في القواعد التي وضعت في هذه الأمة القواعد العلمية في النحو، أو في الأصول، أو في أي فن من الفنون، أو في المصطلح، أنها وضعت هكذا باجتماع، واتفق العلماء على هذا، لا،هي التماس.
ولهذا المجتهد إذا بلغ في الاجتهاد مبلغا عظيما، وصارت عنده آلات الاجتهاد، له أن يخالف،له أن يخالف ابن جرير (اللي) ذكرت المثال عنه، ابن جرير لا يمثل مدرسة البصريين في النحو، ولا يمثل مدرسة الكوفيين في النحو، وإنما له مدرسة مستقلة في تفسيره،تارة يذهب إلى هؤلاء، وتارة يذهب إلى هؤلاء عندما يملي عليه الراجح، وما يسمعه وما يحفظه من كلام العرب، كذلك في القراءات ما عنده شيء اسمه قراءات سبع، ولا قراءات عشر، وإنما عنده قراءات (إيش) أمصار, إذا كنت اطلعت على التفسير لماذا يصنع هذا؟ لأنه لا يتقيد بمصطلحات أهل العلم، وبمواضعات أهل العلم،نحن إذا تقدمنا في العلم ترى أن تمر على العلم، وترى أن العلم يسبح في القرون،يسبح في القرون هكذا،بين مد وجزر بالتواليف،وفي صنع أهل العلم،لكن هل هذا هو العلم، أو هو وضع لقواعد العلم؟هو وضع لقواعد العلم؛ لأن العلم موجود قبل ذلك، العلوم موجودة قبل ذلك، العلوم اللغوية والشرعية، والحديث كله موجود قبل ذلك، وإنما وضعوا القواعد، ووضع القواعد هذا هل هو إجماع، أو اجتهاد؟
اجتهاد،ليس ثم قواعد علم من العلوم مجمع عليه، وإنما تجد في العلم ما هو مجمع عليه في النحو،في مسائل مجمع عليها في الفقه،في مسائل مجمع عليها في المصطلح،في مسائل مجمع عليها في الأصول؟ ثم مسائل مجمع عليها،وتجد أن المسائل المجمع عليها في كل فن قليلة.
إذن فننتبه إلى أن التعليلات التي تؤتلف في العلوم المختلفة، إنما هي التماس (بس) هذه تهتم بها لذلك من أتى يحلل لك هي التماس،قد يكون صاحبه مصيبا في التماسه، وفي تعليله،وقد لا يكون كذلك،مثلا الكلمة المشهورة، أو البحث في.. عند قوله تعالى: {إنْ هذان لساحران} {إن هذانْ لساحران} في قراءة،قراءة سبعية متواترة {إنَّ هذان لساحران} طيب إنَّ ما تنصب الاسم؟لماذا ما صارت: إنَّ هذين لساحران؟ بدؤوا يعللون،منهم من يخطئ القارئ،ومنهم.. هذا غلط علمي كبير لماذا؟لأنك تحكم قواعد وضعها النحاة على الحق المطلق الذي هو القرآن ذا منها قراءة متواترة،فهي الحق، فيجب أن تبحث في القواعد، لا العكس، فالقواعد اصطلاحية، القواعد اصطلاحية،يأتي في مسند أبي يعلى في مطالعته عند حديث قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام:((إن هذان لشيطانان)) في الحديث (اللي) في المتن قال:((إن هذين لشيطانان)) لدى بحث أنا على الآية وأعرف كلام المحققين عليها وما يتعلق،استغربت،إن هذين لشيطانان يخرم القاعدة، وإذا به في الحاشية يقول في الأصل:((إن هذان لشيطانان))، وهذا يخالف القاعدة النحوية فغيرتها إلى ((إن هذين لشيطانان)) طبعا سيطرت القواعد النحوية على الحق المطلق،سيطرت القضايا الاصطلاحية كلها على الحق المطلق.
هذه قضية كبيرة في العلم، وفي نشأة العلوم وتوسع العلوم،فطالب العلم طالب العلم ينبغي له أن يرتقي في هذه المسائل، ولا يعجل،فمسائل الاشتقاق في أسماء الله جل وعلا هي من هذه،من هذه الباب،فينبغي أن ينظر إليها نظرا....
السؤال: هل نصيحة للذين يتأخرون عن الصلاة؟
جواب: جزاك الله خيرا، الإخوة الذين لا تدركهم الصلاة ينبغي أن يصلوا في مساجدهم مع الجماعات،ثم بعد ذلك يدركون معنا الدرس،لكن يأتون بعد الصلاة أربع خمس جماعات،هذا لا يقال،فنرجوا إنه من المرة القادمة ما نرى جماعات بعد الصلاة، صلوا في المساجد، وأتوا إن شاء الله.
السؤال: ما هي ضوابط خوارم المروءة؟
جواب: المروءة ملكة تحمل على البعد عما يشين، وإذا كان كذلك فالمرجع فيها العرف،فخوارم المروءة هي المسائل التي من تعاطاها، أو قامت به صار مقدوحا فيه عند أهل الإيمان، أوعند المستوين،أهل الاستواء في، والقصد، والاعتدال من أهل الإيمان،لهذا تختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة،يعني مثلا تجد أن أهل الحديث ماذا قالوا؟ بعض أهل الحديث قدح في فلان بأنه رآه مرة يأكل في السوق وقالوا: الأكل في السوق يخرق المروءة، يعنى رآه أمام الناس في الشارع يأكل، أو مثل الآن يأكل في مطعم مثلا،عندهم سابقا هذا من خوارم المروءة، لكن الآن اختلف، اختلف الحال؛ فقد يحتاج المرء إلى مثل هذه الأشياء، ولا يعد خارما لمروءته، فخوارم المروءة هذه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فإذا كان هذا الشيء لا يفعله أهل المروءة،ومن فعله قدح فيه فهذا يعد خارما من خوارم المروءة، والعدل من الناس هو الذي يجتنب خوارم، خوارم المروءة.
السؤال: صلينا لغير القبلة،ثم علمنا بذلك قبل خروج الوقت،فهل تلزمنا الإعادة؟
جواب: هذا فيه تفصيل،إذا كانت الصلاة صليتم لغير القبلة في الحضر،في بلد فـ.. لغير القبلة اجتهاداً منكم فإن هذا تعيد،تعيد الصلاة سواء كنت في الوقت، أو خارج الوقت، وأما إذا صليت لغير القبلة في البرية باجتهاد،باجتهاد منك لعدم وجود محاريب،لعدم وجود من يدلك على القبلة الصحيحة فقد أديت ما عليك،ولا يلزمك أن تعيد سواء في الوقت، أو خارج الوقت.نعم سم الله.