المجموعة الخامسة:
--------------------
س1: ما الحكمة من تعدية فعل الهداية بنفسه في آية {اهدنا الصراط المستقيم}
القاعدة في مثل هذه المسائل مراعاة معاني الحروف، وما يحتمله السياقُ من المعاني المضمَّنة بالتعدية، وما يناسب مقاصد الآيات، وهذا يختلف من موضع لآخر, فليس كلّ تعدية بحرف يكون المعنى جامداً عليها؛ إذ لا بدّ من مراعاة السياق.
- فالتعدية بـ إلى, مثل قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم} يتضمّن فعل الهداية معنى الدعوة أي تهديهم وتدعوهم إلى صراط مستقيم؛ ففيه بيان أنّك على الهداية وأنّك مع اهتدائك تدعوهم إلى صراط مستقيم دعوة حقّ أنت مهتدٍ فيها.
- والتعدية باللام: مثل قوله تعالى على لسان أهل الجنّة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} فهو لبيان تحقيق ثمرة الهداية وبيان اختصاصها بالمهتدي.
وقوله: {قل الله يهدي للحق} أي يهدي من استهداه حتى يكون على الحقّ -تحقق ثمرة الهداية- وأن الله يهيّئ لعبده ما يتحقّق به أنّه على الهدى.
- والتّعدية بالفعل نفسه كما في قوله {اهدنا الصراط المستقيم} يشمل كل ما تقدّم من البيان والدلالة والإلهام والتوفيق والتهيئة, فهو معنى جامع.
قال ابن القيّم رحمه الله: (فالقائل إذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو طالبٌ من الله أن يُعرِّفَه إيَّاه ويبّينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه؛ فيجعل في قلبه علمَه وإرادتَه والقدرةَ عليه؛ فجَرَّدَ الفعلَ من الحرف، وأتى به مجرَّدا معدىً بنفسه ليتضمَّن هذه المراتب كلَّها، ولو عُدِّيَ بحرفٍ تعيَّن معناه وتخصَّص بحسب معنى الحرف؛ فتأمَّله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها)ا.هـ.
س2: ما فائدة وصف الصراط بأنّه مستقيم؛ إذا كان الصراط في اللغة لا يسمّى صراط حتى يكون مستقيماً؟
- من جهة التخريج البياني:
1- قيل أنه وصف كاشف للتأكيد على استقامته.
2- قيل أنه معنى زائد؛ فيكون مؤكّدًا للتقييد المستفاد من التعريف في لفظ "الصراط".
- من جهة أُخرى:
هذا الوصف يفيد بأنَّ هذا الصراط صوابٌ كلّه لا خطأ فيه ولا ضلال, من هُدي إليه فقد هدي للحقّ، قال ابن جرير رحمه الله: (وإنّما وصفه اللّه بالاستقامة، لأنّه صوابٌ لا خطأ فيه).
س3: ما المراد بالإنعام في قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم}
** الإنعام يأتي في القرآن على معنيين:
1- إنعام عام: وهو إنعامٌ بالفتنة والإبتلاء, وهو عام للمؤمنين والكافرين.
2- إنعام خاص: وهو إنعام منَّة واجتباء، وهو الإنعام بالهداية إلى ما يحبه الله عز وجل ويرضاه
** والإنعام المقصود في الآية هو الإنعام الخاص بالهداية والتوفيق والاجتباء ودفع كيد الشيطان وشرّ النفس، فإنعام الله تعالى على عبده في هدايته إلى صراطه المستقيم يشمل كلَّ ما ذُكِر وغيره مما لا يحيط به العبد علماً؛ والله تعالى محيط بكلّ ما يحتاجه العبد من نعمه ليهتدي بهداه ويسلم من سخطه وعقابه؛ فكان قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} كافياً في وصف الصراط المستقيم الذي يريد الهداية إليه وفيه.
س4: هل يقتضي تفسير المغضوب عليهم والضالين باليهود والنصارى حصر المراد عليهم؟ وضّح إجابتك.
لا يقتضي قصر هذا الوصف عليهم؛ لأنه وصف له سبب؛ من فعله لقي مثل جزائهم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
ولأجل هذا اشتهر تحذير السلف رحمهم الله تعالى من التشبه باليهود والنصارى؛ لئلا يصيب من تشبّه بهم من جنس ما أصابهم من الجزاء.
وأقوال السلف على أن:
- سبب الغضب على اليهود أنَّهم لم يعملوا بما علموا تكبرًا وعنادًا وحسدًا فهم يكتمون الحقَّ، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويعادون أولياء الله؛ فاستحقّوا غضب الله.
- والنصارى ضلوا لأنّهم عبدوا الله على جهل،واتّبعوا أهوائهم وابتدعوا وغلوا في دينهم, فكانوا ضُلّالاً لأنَّهم ضيّعوا ما أنزل الله إليهم, فضلّوا بذلك ضلالاً بعيداً.
س5: ما معنى "لا" في قوله تعالى: {ولا الضالين}؟
أحسن ما قيل في هذه المسألة: أُتِيَ بحرف "لا" للتأكيد على أن المراد بالضالين طائفة غير الطائفة المعطوفة عليها، فلو قيل: (غير المغضوب عليهم والضالين) لأوهم ذلك أن الوصفين لطائفة واحدة, وهذا أحد الأوجه التي ذكرها ابن القيّم رحمه الله.
- أقول أهل اللغة:
1- "لا" زائدة ، وهو قول معمر بن المثنى ، وردّه الفراء وابن جرير.
2- "لا" بمعنى "غير" ، والإتيان بها هنا للتنويع بين الحروف، وهذا معنى قول الفراء.
3- لئلا يتوّهم أن "الضالين عطف على الذين" وهذا قول مكي بن أبي طالب في الهداية وقول الواحدي في البسيط.
4- "لا" مؤكدة للنفي الذي تضمنه معنى "غير"، وهذا القول ذكره مكي بن أبي طالب وابن القيّم.
5- لإفادة المغايرة الواقعة بين النوعين وبين كلّ نوع بمفرده، فدخلت "لا" للتصريح بأنّ المراد صراط غير هؤلاء وغير هؤلاء، وهذا القول ذكره ابن القيّم رحمه الله وجهاً.
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة مسائل التفسير
1- ينبغي معرفة كافّة الأقوال في المسألة وعدم الإكتفاء بالراجح أو قول الجمهُور فقط
2- تعدّد النصوص واختلافها ليس متعارضًا بالظرورة بل يمكن الجمع بين عدة أقوال في المسألة الواحدة.
3- محاولة الجمع بين النصوص في المسألة الواحدة هو الأولى ما أمكن إذا لم يكن هناك تعارض ظاهر أو مانع.
4- يجب مراعاة فهم السلف الصالح للنصوص -وخاصة القرون المفضّلة الأولى- لأنهم أهل اللغة وعدم الخروج بقول شاذ.
5- تطلّب الحق عند البحث في المسألة وعدم الانطلاق من حُكم ورؤية مسبّقة لإثبات وجهة نظر معينة أو الإنتصار لرأي أو مذهب.
6- وبناءً على النقطة السّابقة فينبغي فهم النصوص على الظاهر وعدم تأويل النص أو تحميل السياق ما لا يتحمّله من المعاني.
7- دعاء الله وطلب العون منهُ واستحضار ضعف العبد عن إدراك الحقّ بنفسه وجُهده وإن عَظُم, فالله وحدهُ يهدي للحقّ والرشد, فلا مُبيّن للحقّ إلا هو, ولا هادي له إلا هو سبحانه بفضله وكرمه.
تمّ بحمد الله.