. إعراب {إن هذان لساحران}
1. هذه المسألة تفسيرية نحوية تتعلق بإعراب مفردات من القرآن الكريم ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب إعراب القرآن،* بعد استيفاء كتب المراتب السابقة.
2. قبل جمع أقوال علماء اللغة نحتاج إلى معرفة أقوال السلف في هذه المسألة، ولأجل ذلك سنكتفي بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير.
3. بدأت بجمع النقول أولا من جمهرة التفاسير، ثمّ أضفت إليها النقول التي تحصلت عليها *مسبوقة بإشارة ( *)
4. النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
· من التفاسير التي تنقل أقوال السلف:
- الكتب التي وجدت فيها:جامع البيان لابن جرير ، الكشف والبيان للثعلبي ، والهداية لمكي بن أبي طالب ، والمحرر الوجيز لابن عطية،والنكت والعيون للماوردي ، وزاد المسير لابن الجوزي، *وأحكام القرآن للقرطبي، *وتفسير ابن كثير.
-و بذلك تم إيجاد التفسير في جميع تفاسير السلف المذكورة و لله الحمد و المنة
المرتبة الأولى، كتب معاني القرآن :
- الكتب التي وجدت فيها:تفسير القرآن*ليحيى بن سلام البصري ، ومعاني القرآن لأبي زكريا*الفراء ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ، ومعاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج.
- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:معاني القرآن لأبي جعفر النحاس ، حيث أن سورة طه من السور المفقودة في التفسير
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد
المرتبة الثانية ، كتب غريب القرآن :
- الكتب التي وجدت فيها: لا يوجد
- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:غريب القرآن وتفسيره، لليزيدي ، و تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة ، و نزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني ، و ياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد ، تفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب والعمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب
- الكتب التي تعذرالوصول إليها: لا يوجد
المرتبة الثالثة كتب علماء اللغة :
- الكتب التي وجدت فيها: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي *، و كتاب فيه لغات القرآن للفراء ، و كتاب تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري
- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:*كتاب سيبويه ، و مختصر في النحو للكسائي
- الكتب التي تعذرالوصول إليها: كتاب مؤرّج السدوسي ، و *كتاب قطرب
المرتبة الرابعة* ،*التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية :
- الكتب التي وجدت فيها:الكشّاف للزمخشري والبحر المحيط لأبي حيّان، والدرّ المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها: ما جمع من تفسير ابن القيّم رحمه الله.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها:لا يوجد
ومن كتب المرتبة الخامسة:
- الكتب التي وجدت فيها: إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس ، ومشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب ، و التبيان في إعراب القرآن للعكبري،* وإعراب القراءات الشواذ، للعكبري أيضا ، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها: كتاب: إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ، وإعراب القراءات السبع وعللها، لابن خالويه أيضا،* وكتاب إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري ،
- الكتب التي تعذرالوصول إليها:لا يوجد
.........................................
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة
· قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :*({إن هذان لساحران } قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن.
* قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت ٤٢٧هـ)*:
قالوا إن هذان لساحران قرأ عبد الله:*واسروا النجوى إن هذان ساحران*«١»*بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إن بكسر الالف وجزم النون هذان بالألف على معنى ما هذان إلا ساحران،*نظيره:*قوله وإن نظنك لمن الكاذبين*«٢»*«٣»*قال الشاعر:
ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة الرحمن*«٤»
يعني ما قتلت إلا مسلما،*يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب:*إن ذان إلا ساحران*«٥»*، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء*«٦»*: إن هذين لساحران بالياء على الأصل،*قال أبو عمرو:*واني لأستحي من الله أن أقرأ إن هذان،*وقرأ الباقون:*إن بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه،*فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا: حدثنا أبو العباس الأصم قال:*حدثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدثنا الفراء قال: حدثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكن الراسخون*«٧»*والمقيمين*«٨»*وعن قوله في المائدة إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون*«٩»*وعن قوله إن هذان لساحران*«١٠»*فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان:*إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان:*قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ،*فقيل له:*ألم تغيره فقال:
دعوه فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا،*وقال آخرون:*هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفراء:*أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما*ويقولون:*كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه.*وقال الشاعر:
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم*«١»
أراد بين أذنيه.*وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهن فطر علاها*«٢»
أي عليهن وعليها.*وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وروي أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه فقال:*لعن الله ناقة حملتني إليك،*فقال ابن الزبير:*إن وصاحبها، يعني نعم.*وقال الشاعر:
بكرت علي عواذلي يلحينني وألومهنه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه*
أي نعم،*وقال الفراء:*وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال،*كما قالت العرب:*الذي ثم زادوا نونا يدل على الجمع فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول:*اللذون [ الكشف والبيان عن تفسير القرآن،* ج ٦ / ص ٢٥٠،٢٥١]
*قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت ٤٣٧هـ)* :
ثم قال تعالى ذكره:*{قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم}.
أي:*قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسرحهما.
وفي حرف ابن مسعود " إن هذان/ إلا ساحران*": أي: ما هذان يخفف "*إن " يجعلها بمعنى ما
ومن شدد*" إن "*ورفع*" هذان "،*فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال:*فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن*" إن "*تأتي بمعنى أجل. واختبار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو*" إن هذين "*لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل*" إن "*بمعنى*" أجل "ومعنى:*أجل: نعم.*ثم يقول:*أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي.
وكذكل كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ*" نعم "، وكذلك وقعت في أشعارها.*قال الشاعر:
قالت غدرت،*فقلت:*إن وربما ... نال العلي وشقى الخليل الغادر
وقال بان قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ... يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت أنه
وأنشد ثعلب:ليس شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء.
أي:*نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل:*إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضا بيعد، إنما يجوز التقديم في اللام
وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال:*التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى،*كما قال:*أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل:*إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل:*هي في موضعها، و*" لعجوز "*مبتدأ، وشهرية الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني:*ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب،*يقولون:*رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا باه الشجاع لصما
وأنشدوا أيضا: - تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمه لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء*" استحوذ "*على الأصل.
والقول الثالث:*قاله الفراء.*قال:*الألف في*" هذان "*دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت*" الذي "*ثم زدت عليه نونا، ولم أغيرها، فقلت*" الذين "*في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع:*يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس:*حكاه الزجاج.*قال:*القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا،*والمعنى:*أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس:*قاله ابن كيسان،*قال:*سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها،*فقلت:*القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد.*فقال إسماعيل:*ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به.*فقلت:*فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع:*حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب
روي أن عثمان وعائشة/ رضي الله عن هما قالا:*إن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما:*إن في الكتاب لحنا ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف*" إن "*فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفا عمله وهو غير محذوف، وإلا أنه أتى بـ*" هذان "، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون*" هذان "، فإنه جعل التشديد عوضا مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في:*" إن هذان "*قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك ، [ الهداية في بلوغ النهاية: ٧ / ٤٦٥٧_ ٤٦٦٣ ]
·قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :*(قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".
فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:
*
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
*
[المحرر الوجيز: 6/106]
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:
زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها
[المحرر الوجيز: 6/107]
وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة – منهم عائشة رضي الله عنها – وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين.[المحرر الوجيز: 6/108]
·* قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ):
قوله تعالى:*{قالوا إن هذان لساحران}*هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.*وقرأ الأكثرون:*إن هذان الساحران , فوافقوا المصحف فيها , ثم اختلفوا في تشديد إن فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب ,*ويكون معناها:*ما هذان إلا ساحران.*وقرأ أبي:*إن ذان إلا ساحران ,*وقرأ باقي القراء بالتشديد:*إن هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإعراب واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:*أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإثنين ونصبه وخفضه بالألف ,*وينشدون:
*
(فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما)
*
والوجه الثاني:*لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها , ولكن في*(إن)*هاء مضمرة تقديرها إنه هذان لساحران , وهو قول متقدمي النحويين.*الثالث:*أنه بنى (هذان)*على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.*الرابع:*أن*(إن)*المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ,*كما قال رجل لابن الزبير:*لعن الله ناقة حملتني إليك ,*فقال ابن الزبير:*إن وصاحبها.*وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
*
(بكى العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومهنة)
*
(ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه)
أي نعم
[ النكت و العيون : ٣/ ٤١١]
*
*
·* قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ)
*
واختلف القراء في قوله تعالى:*إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقرأ أبو عمرو بن العلاء:*«إِنَّ هذين»*على إِعمال*«إِنَّ»*وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ*«إِنْ هذان»*.*وقرأ ابن كثير:*«إِنْ»*خفيفه*«هذانّ»*بتشديد النون.*وقرأ عاصم في رواية حفص:*«إِنْ»*خفيفة*«هذان»*خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة،*والكسائي:*«إِنّ»*بالتشديد*«هاذان»*بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن**** عثمان وعائشة،*أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:
*
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ*«3»*في سورة النساء. وأما قراءة عاصم،*فمعناها:*ما هذان إِلا ساحران،*كقوله تعالى:*وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ*«4»*أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين،*وأنشدوا في ذلك:
*
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً ... حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
*
أي:*ما قتلت إِلا مسلماً.*قال الزجاج:
*
ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أبيّ بن كعبٍ أنه قرأ*«ما هذان إِلا ساحران»*، وروي عنه،*«إن هذان لساحران»*بالتخفيف، ورويت عن الخليل*«إِنْ هذان»*بالتخفيف والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد*«إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله:*«هاذان»*فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري: هي لغة لنبي الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش.*قال الزجاج:*وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب،*وهو رأس من رؤوس الرواة:*أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد،*يقولون:*أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان،*وأنشدوا:
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ ... مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا»
*
ويقول هؤلاء:*ضربته بين أُذناه وقال النحويون القدماء: ها هنا هاء مضمرة،*المعنى:*إِنه هذان لساحران.*وقالوا أيضاً:*إِن معنى*«إِنَّ»*: نعم*«هذان لساحران»*،*وينشدون:
*
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ*«2»
*
قال الزجاج:*والذي عندي، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد، فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وهو أن*«إِنَّ»*قد وقعت موقع*«نعم»*،*والمعنى:*نعم هذان لهما الساحران، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ. وأستحسن قراءة عاصم، والخليل، لأنهما إِمامان، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف.*وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال:*«ألف»*«هذان» هي ألف*«هذا»*والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون*«الذين»*بين الواحد والجمع.
[ زاد المسير في علم التفسير: ٣/١٦٤ ، ١٦٥ ]
*
·* قال أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ٦٧١ ):
*
قوله تعالى:*(إن هذان لساحران)*٢٠: ٦٣ قرأ أبو عمرو" إن هذين لساحران". ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.*وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم:*في رواية حفص عنه" إن هذان ٢٠: ٦٣"*بتخفيف" إن"" لساحران"*وابن كثير يشدد نون" هذان". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران.*وقرأ المدنيون والكوفيون:" إن هذان"*بتشديد" إن"" لساحران ٢٠: ٦٣"*فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب.*قال النحاس:*فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ" إن هذان إلا ساحران"*وقال الكسائي في قراءة عبد الله:" إن هذان ساحران"*بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي" إن ذان إلا ساحران"*فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.*قلت:*وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض.*وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو:*إني لأستحي من الله [تعالى*«١»] أن أقرأ" إن هذان ٢٠: ٦٣". وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى" لكن الراسخون في العلم"*«٢»*ثم قال:" والمقيمين"*«٣»*وفي" المائدة"" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون"*«٤»*[المائدة: ٦٩]*و" إن هذان لساحران ٢٠: ٦٣"*فقالت: يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه:*في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم.*وقال أبان بن عثمان:*قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان،*فقال:*لحن وخطأ،*فقال له قائل:*ألا تغيروه؟*فقال:*دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حرما.*القول الأول من الأقوال الستة:*أنها لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم. وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف،يقولون:*جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان،*ومنه قوله تعالى:" ولا أدراكم به ١٠: ١٦"*[يونس: ١٦]*على ما تقدم*«١». وأنشد الفراء لرجل من بني أسد*«٢»*-*قال:*وما رأيت أفصح منه: فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما*«٣»
*
ويقولون:*كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه،*قال شاعرهم:*«٤»
*
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
*
وقال آخر:*«٥»
*
طاروا علاهن فطر علاها
*
أي عليهن وعليها.*وقال آخر:*«٦»
*
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
*
أي إن أبا أبيها وغايتها.*قال أبو جعفر النحاس:*وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري،*وهو الذي يقول:*إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة
المهدوي:*وحكى غيره أنها لغة لخثعم.*قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه:*واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب،*قال أبو جعفر فقول سيبويه:*وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون" إن هذان"*جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى" استحوذ عليهم الشيطان"*«١»*[المجادلة: ١٩]*ولم يقل استحاذ، فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك" إن هذان"*ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كان الأئمة قد رووها.*القول الثاني:*أن يكون" إن"*بمعنى نعم،*كما حكى الكسائي عن عاصم قال:*العرب تأتي ب"- إن"*بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن" إن"*تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان،*قال النحاس:ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه.*الزمخشري:*وقد أعجب به أبو إسحاق.*النحاس:*وحدثنا علي بن سليمان، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد [هذا*«٢»] فحدثني، قال حدثني عمير بن المتوكل، قال حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بن عبد المطلب، قال حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن علي- وهو ابن الحسين- عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين،*قال:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره:" إن الحمد لله نحمده ونستعينه"*ثم يقول:" أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سعيد بن العاص"*قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو" إن الحمد لله"*بالنصب إلا أن العرب تجعل" إن"*في معنى نعم كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في*«٣»] خطبها بنعم.*وقال الشاعر في معنى نعم: قالوا غدرت فقلت إن وربما ... نال العلا وشفى الغليل الغادر
*
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
*
بكر العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومهنه
*
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
*
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل:" إن هذان لساحران"*بمعنى نعم ولا تنصب.*قال النحاس:*أنشدني داود بن الهيثم،*قال أنشدني ثعلب:
*
ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء
*
قال النحاس:*وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا،*وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا:*اللام ينوى بها التقديم،*كما قال:
*
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
*
آخر:
*
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من الشاة بعظم الرقبه
*
أي لخالي ولأم الحليس،*وقال الزجاج:*والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ.*المهدوي:*وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني.*قال أبو الفتح:" هما"*المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد.*القول الثالث:*قاله الفراء أيضا [قال*«١»]: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها كما قلت:" الذي"*ثم زدت عليه نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك.*القول الرابع:*قاله بعض الكوفيين قال الألف في" هذان"*مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير.*القول الخامس:*قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء ها هنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران،*قال ابن الأنباري:*فأضمرت الهاء التي هي منصوب" إن"*و" هذان ٢٠: ٦٣"*خبر" إن"*و" ساحران"*يرفعها" هما"*المضمر [والتقدير*«٢»] إنه هذان لهما ساحران. والأشبه*«٣»*عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم" إن"*و" هذان"*رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء.*القول السادس:*قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية،*فقال:*إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي،*فقلت:*بقولك،*فقال:*سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال:" هذا"*في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة،*وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فقال:*ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به،*قال ابن كيسان:*فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم
*
[ الجامع لاحكام القرآن: ١١/٢١٦ _ ٢١٩ ]
*
· قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :*({قالوا إن هذان لساحران} هذه لغةٌ لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إن هذين لساحران" وهذه اللّغة المشهورة، وقد توسّع النّحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.
*
والغرض أنّ السّحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرّجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السّحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على النّاس، وتتبعهما العامّة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.*[تفسير القرآن العظيم: 5/ 301-302]
*
*
....................................
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
·******* * قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ):
*
وأما قول الله تبارك وتعالى*{إن هذان لساحران}*فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال إن الله تبارك اسمه أنزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثنى بالألف في كل وجه مرفوعا فيقولون رأيت الرجلان ومررت بالرجلان وأتاني الرجلان وإنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد واللين
*
قال الشاعر(إن لسلمى عندنا ديوانا ... اخرى فلانا وابنه فلانا)
*
(كانت عجوزا غبرت زمانا ... وهي ترى سيئها إحسانا)
*
(نصرانة قد ولدت نصرانا ... أعرف منها الجيد والعينانا)
*
(ومقلتان أشبها ظبيانا ... )
رفع المثنى في كل وجه وقال العينانا فنصب نون الاثنين لأنه جعل النون حرفا لينا فصرفها إلى النصب
*
وقال بعضهم في هذا النحو
*
(بمصرعنا النعمان يوم تألبت ... علينا تميم من شظى وصميم)
*
(تزود منا بين اذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
*
قال أذناه وهو في موضع الخفض وقد يكون إن في معنى نعم في بعض لغات العرب قال الشاعر(بكرت علي عواذلي ... يلحينني وألومهنه)
*
(ويقلن شيب قد عراك ... وقد كبرت فقلت إنه)
*
أي نعم وأجل وقال آخر(شاب المفارق إن إن من البلى ... شيب القذال مع العذال الواصل)
*
أي نعم نعم وقال آخر
*
(قال سليمى ليت لي بعلا يمن ... يغسل عن رأسي وينسيني الحزن)
*
(وحاجة ليست لها عندي ثمن ... مستورة قضاؤها منه ومن)
*
(قالت بنات العم يا سلمى وإن ... كان فقيرا معدما قالت وإن)
*
(قالت وإن قالت وإن قالت وإن)
*
أي نعم
*
قال الإمام الخليل بن أحمد وأنا أقرؤها إن شئتم مخففة على الأصل*{إن هذان لساحران}*أي ما هذان إلا ساحران قال الشاعر(غدر ابن جلموز بفارس بهمة ... عند اللقاء ولم يكن بمعرد)
*
(ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد)
*
أي ما قتلت إلا مسلما وفي قراءة عائشة رضي الله عنها*{إن هذان لساحران}
*
وأما قول الشاعر
*
(فلم ترعيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف)
*
قال رأيته ولم يقل رأيتهن لأن الهاء صلة وليست بكناية وكذلك قول الله جل اسمه في سورة الجن*{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}*الهاء صلة وليست بكناية
*
[ كتاب الجمل في النحو :١٥٧ -١٦٠]
*
*
·******* قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ):*(قوله: {قالوا إن هذان لساحران} [طه: 63] سعيدٌ، عن قتادة قال: يعنون موسى وهارون.تفسير القرآن العظيم: 1/265]
*
·******* قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):*(وقوله:*{إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،
عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء*{لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة}*وعن قوله في المائدة*{إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}*وعن قوله:*{إنّ هذان لساحران}*فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب.*وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
... ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم*{إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
*
فأطرق*إطراق*الشجاع*ولو*يرى مساغـاً*لنابـاه*الشـجـاع*لصمّـمـا
*
قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك – وإن كان قليلاً – أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ).*[معاني القرآن: 2/184،183]
·******* قال*يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ*(ت: 207هـ): **في*[2: 293-294]: (اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القرآن أحب إلي من خلافه، وقد كان أبو عمرو يقرأ:*{إن هذين لساحران}*ولست أجترئ على ذلك وقرأ:*{فأصدق وأكونَ}*فزاد الواو في الكتاب ولست أستحب ذلك).
وقال في*[1/245]: (القراءة لا تقرأ بكل ما يجوز في العربية).
وقال في*[3/68]*عن بعض القراءات: (رأيتها في مصحف الحارث بن سويد التيمي من أصحاب عبد الله وكان مصحفه دفن في أيام الحجاج).[معاني القرآن]
·******* * أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (ت ٢٠٧هـ)*
أهل الحجاز وبنو أسد يقولون:*هذان، بنون*[خفيفة]*مخفوضة،*وكذلك:*هاتان،*وكثير من قيس وتميم يقولون:*هذان قالا ذاك، فيخفضون النون، ويشددونها،*وكذلك قوله:*{فذانك}،*تقول تميم وقيس:*{فذانك}، ممدود،*وزعم الرواسي أن بعض أهل الحجاز تقول:*{فذانيك برهانان}، يخفف النون، ويزيد بعدها الياء، ويقولون جميعا في النصب بتحويل الألف إلى الياء،*كما يفعل بالاثنين:*رأيت هذين، وهاتين، واللغة في النون على ما وصفت لك وبنو الحارث بن كعب يقولون:*إن هذان قالا ذاك، ورأيت هذان، ويفعلون ذلك بكل اثنين، فيجعلون نصبهما وخفضهما بالألف،*فيقولون:*رأيت هذان، ومررت بهذان،*فنرى أن قوله في طه:*{إن هذان لساحران}؛ من هذه اللغة.
*
وفيه وجه رأيته:*وذلك أن تقول: كانت*«هذا»*معها ألف مجهولة، فلما احتاجوا إلى التثنية زادوا نونا؛ ليكون فرق ما بين الواحد والاثنين، ولا نذهب بالألف إلى أنها ألف تثنية، فيكون بالألف في كل حال، كما كانت*«الذين»*بالياء في كل حال.
حدثني محمد،*قال:*حدثنا الفراء،*قال:*وحدثني أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،*أنها سئلت عن قوله:*{إن هذان لساحران}، و*{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}،*وعن قوله:*{لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة}،*فقالت:*يا ابن أخ، هذا غلط من الكاتب.
وفي قراءة عبد الله:*«وأسروا النجوى أن هذان ساحران»، بغير لام،*وهو مثل قوله:*{ونودوا أن تلكم الجنة}،*{وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
وأنشدني في لغة بني الحارث بعض الأسد: وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
وأنشدني بعضهم،*لهوبرة الحارثي:
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وأنشدني الكسائي،*لبعض بني الحارث:
فإن بجنبا سحبل ومضيقه ... مراق دم لن يبرح الدهر ثاويا
أهل الحجاز وبنو أسد يقولون:*هما اللذان قالا ذاك، بنون خفيفة،*وقيس وتميم:*هما اللذان قالا ذاك، ولا تشدد النون في شيء من اللغات في التثنية إلا في هذين، وهاتين، واللذين، واللتين،*وبعض ربيعة وبنو الحارث بن كعب يقولون:*هما اللذا قالا ذاك، بحذف النون، وهما اللتا قالا ذاك.
أنشدني بعضهم:
أبني كليب إن عمي اللذا ... خلعا الملوك وفككا الأغلالا
[ كتاب فيه لغات القرآن:٩٤ ،٩٥ ]
*
*
*
·******* قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):*(*{إنّ هذان لساحران}*قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ*[مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران}*مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
*
فمن*يك*أمسى*بالمدينة*رحله فـإنــيّ*وقـيّــارٌ*بـهــا*لـغـريـب
*
وقوله:
*
إنّ*شرخ*الشّباب*والشّعر*الأسود مــا*لـــم*يـعــاص*كـــان*جـنـونـا
*
وقوله:
*
إنّ*السـيـوف*غـدوّهـا*ورواحـهـا* تركت*هوزان*مثل*قرن*الأعضب
*
ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه*وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران).*[مجاز القرآن: 2/23،22]
*
·******* قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :*(*{قالوا إن هذان لساحران }
وقال:*{إن هذان لساحران}*خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.*[معاني القرآن: 3/5،4]
*
·******* قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):*(باب ما ادّعي على القرآن من اللحن،*وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه:*{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}*وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
*
تـزوّد*منَّـا*بيـن*أذنـاه*ضـربـة دعته*إلى*هابي*التراب*عقيم
*
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
*
أيَّ*قلـوصِ*راكـبِ*تـراهـا طارُوا*علاهنَّ*فَطِرْ*عَلاها
*
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ*{المقيمون الصلاة}،
وقرأ*{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة:*{والصابرون فى البأساء والضراء}*ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
*
وإلا*رسـومُ*الـدّار*قفـراً*كأنّـهـا كتابٌ*مَحَاهُ*البَاهليُّ*بنُ*أَصْمَعَا
*
وقرأ بعضهم:*{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}*اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]
·******* قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :*(وقوله عزّ وجلّ:*{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم – في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران – بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة – رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:
*
فأطرق*إطراق*الشّجاع*ولو*رأى مساغـا*لنابـاه*الشّـجـاع*لصمّـمـا
*
وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:
*
ويقلـن*شيـب*قـد*عــلّاك*وقد*كبرت*فقلت*إنّه
*
ويحتجون بأن هذه اللام – أصلها – أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
*
خالي*لأنت*ومن*جرير*خالهينل*العلاء*ويكرم**الأخـوالا
*
وأنشدوا أيضا:
*
أمّ*الحلـيـس*لعـجـوز*شـهـربـهترضى*من*الشاة*بعظم*الرّقبه
*
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي – واللّه أعلم – وكنت عرضته على عالمينا – محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن*{إن هذان لساحران}*بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية..*[معاني القرآن: 3/365-361]
*
·******* * قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي (ت ٣٣٨هـ)*:
قالوا إن هذان لساحران فيه ست قراءات*«٥»*قرأ المدنيون والكوفيون إن هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إن هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن.
*
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة.*وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلا ساحران وقال الكسائي:*في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء*: في حرف أبي إن ذان إلا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.*قال أبو جعفر:*القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم،*كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
*
تأتي بإن بمعنى نعم،*وحكى سيبويه:*أن*«إن»*تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان .*قال أبو جعفر:*ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه.*وحدثنا علي بن سليمان قال:*حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري،*ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال:*حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.قال:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول:*«إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص»*«٢»*قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل*«إن»*في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم،*وقال الشاعر في معنى نعم: قالوا:*غدرت فقلت إن وربما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر*«٣»
*
وقال ابن قيس الرقيات*
*
بكر العواذل في الصبوح ... يلمنني وألومهنه
*
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت،*فقلت:*إنه
*
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل:*إن هذان لساحران بمعنى نعم.
*
قال أبو جعفر:*أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:*
*
ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء*
*
أي:*نعم، فهذا قول.*وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء:*هذا على لغة بني الحارث بن كعب.*قال الفراء:*يقولون: رأيت الزيدان،*ومررت بالزيدان وأنشد:*
*
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة،*وللفراء قول آخر قال:*وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها،*كما قلت:*الذي،*ثم زدت عليها نونا فقلت:*جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك.*قال أبو جعفر:*وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير.*قال أبو إسحاق:*النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة،*والمعنى:*إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال،*قال أبو جعفر:*وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين،*وإن شئت أجبتك بقولي فقلت:*بقولك،*فقال:*سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد،*فقال:*ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به،*فقلت:*فيقول القاضي*«به»*حتى يؤنس به فتبسم.*قال أبو جعفر:*القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا،*وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا:*اللام ينوى بها التقديم.*وقال أبو إسحاق:*المعنى إن هذان لهما ساحران،*ثم حذف المبتدأ كما قال:*
*
أم الحليس لعجوز شهربه*
*
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري،*وهو الذي يقول إذا قال سيبويه:*حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره.*ومن بين ما في هذا قول سيبويه:*واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين، وهو حرف الإعراب.*قال أبو جعفر:*فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان،*جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز:*استحوذ عليهم الشيطان*[المجادلة: ١٩]*ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا.
[ إعراب القرآن:٣ /٣٠ _٣٣]
*
·******* * قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) :
*
وَأما قَول الله تَعَالَى:*(إِن هَذَانِ لساحران)*(طه: 63)*فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
*
قَالَ:*وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون،*إلاّ عَاصِمًا:*(إنّ هَذَانِ لساحران)*.
*
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ*(إنْ هَذَانِ)*بتَخْفِيف*(إنْ)*.
*
ورُوي عَن الْخَلِيل*(إنْ هَذَا لساحران)*.
*
قَالَ:*وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو:*(إنّ هذَيْن لساحران)*، بتَشديد*(أنّ)*وَنصب*(هذَيْن)*قَالَ
أبوإسحاق: والحجّة فِي*(إنّ هَذَانِ لساحران)*بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد،*يَقُولُونَ:*رَأَيْت الزيدان.
*
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
*
قَالَ:*وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة،*الْمَعْنى:*إنّه هَذَانِ لساحران.
*
قَالَ:*وَقَالَ بَعضهم:*(إِن)*فِي معنى*(نعم)*، الْمَعْنى:*نعم هَذَانِ لساحران؛*وَأنْشد:
*
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
*
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
*
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا:*إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي*(الَّذين)*فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
*
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
*
قَالَ أَبُو إِسْحَاق:*وأجودها عِنْدِي أَن،*(أَن)*وَقعت موقع*(نعم)*، وَأَن اللَّام وَقعت موقعها،*وَأَن الْمَعْنى:*نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
*
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
*
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
*
قَالَ:*وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل:*(إنْ هَذَانِ لساحران)*.
*
وَقَالَ غَيره:*العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على*(إنّه)*،*وَالْمرَاد:*إِنَّه لكذلك، وإنّه على ما تقول .
[ كتاب تهذيب اللغة :١٥/٤٠٦ ، ٤٠٧]
*
·******* * قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت ٤٣٧هـ) :
*
قوله*{إن هذان لساحران}*من رفع هذان حمله على لغة لبني الحارث بن كعب يأتون بالمثنى بالألف على كل حال قال بعضهم
*
... تزود منا بين أذناه طعنة ... دعته هابي التراب عقيم ...
*
وقيل إن بمعنى نعم وفيه بعد لدخول اللام في الخبر وذلك لا يكون الا في شعر كقوله ... أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه ...
*
وكان وجه الكلام لأم الحليس عجوز وكذلك كان وجه الكلام في الآية ان حملت ان على معنى نعم إن لهذان ساحران كما تقول نعم لهذان ساحران ونعم لمحمد رسول الله وفي تأخر اللام مع لفظ ان بعض القوة على نعم وقيل إن المبهم لما لم يظهر فيه اعراب في الواحد ولا في الجمع جرت التثنية على ذلك فأتي بالألف على كل حال وقيل الهاء مضمرة مع ان وتقديره انه هذان لساحران كما تقول إنه زيد منطلق وهو قول حسن لولا أن دخول اللام في الخبر يبعده فأما من خفف إن فهي قراءة حسنة لأنه أصلح الاعراب ولم يخالف الخط لكن دخول اللام في الخبر يعترضه على مذهب سيبويه لأنه يقدر أنها المخففة من الثقيلة ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر لنقص بنائها فرجع ما بعدها الى أصله واللام لا تدخل في خبر ابتداء أتى على أصلة إلا في شعر على ما ذكرنا وأما على مذهب الكوفيين فهو من أحسن شيء لأنهم يقدرون إن الخفيفة بمعنى ما واللام بمعنى إلا فتقدير الكلام ما هذان إلا ساحران فلا خلل في هذا التقدير إلا ما ادعوه أن اللام تأتي بمعنى إلا .
[ مشكل إعراب القرآن: ٢/٤٦٦ _٤٦٨]
*
*
*
·******* * قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) :
*
قرأ أبو عمرو إن هذان لساحران على الجهة الظاهرة المكشوفة.*وابن كثير وحفص:*إن هذان لساحران،*على قولك:*إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
*
وقرأ أبى:*إن ذان إلا ساحران.*وقرأ ابن مسعود:*أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إن هذان لساحران هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.*وقال بعضهم:*إن بمعنى نعم. ولساحران خبر مبتدأ محذوف،*واللام داخلة على الجملة تقديره:*لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
[ الكشاف : ٣/٧٢ [
*
·******* * قال عبد الرحمن بن محمد الأنباري ( أبي البركات الأنباري )
(ت 577 هـ) :
*
قوله تعالى : ( إن هذان لساحران ،* . من قرأه بالألف، أتى به على لغة بني الحرث بن كعب ، فإنهم يقولون : مررت برجلان ، وقبض منه درهمان . وقال الشاعر :
*تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقیم
*وقيل : ( إن ) بمعنى ( نعم ) كما روی .: أن رجلا جاء إلى الزبير يستحمله فلم يحمله ، فقال له : لعن *الله ناقة حملتني إليك، فقال : إن وراكبها . أي : نعم .
وقال الشاعر:*
بكر العواذل في الصبو
ح يلمنني *وألومهنه
*ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنه
أي : نعم . وتقدير الآية : نعم هذان لساحران . كقول الشاعر :
*أم الحليس لعجوز شهربة
* إلا أن هذا الوجه فيه ضعف ، لدخول اللام في الخبر ، وهو قليل في كلامهم .
*
*
*وقيل : إن الهاء مضمرة مع ( إن ) كما تقول : إنه زيد ذاهب، وفيه أيضا ضعف ، لأن هذا إنما يجيء في الشعر كقول الشاعر :
*إن من لام في بني بنتِ حسا
نَ *ألُمه وأعصِه في الخطوب
*
وقيل : لأن ( هذان ) لما لم *يظهر الإعراب في واحده وجمعه ، حملت التثنية على ذلك ، وهذا أضعف من القول الذي قبله .
ومن قرأ ( إن ) بالتخفيف كان فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون ( إن ) مخففة من الثقيلة ، ولم يعملها لأنها إنما عملت لشبه الفعل ، فلما حذف منها النون ، و خففت ضعف وجه الشبه فلم تعمل .
والثاني : أن تكون ( إن ) بمعنى ( ما ) واللام بمعنى (إلا) وتقديره ، ما هذان إلا ساحران . وهذان الوجهان يخرجان على مذهب الكوفين .
[ البيان في غريب إعراب القرآن:٢/ ١٤٤_١٤٦ ]
*
·******* * قال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري(ت 616هـ):
قَالَ تَعَالَى:*(قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى:*(إِنَّ هَذَيْنِ)*: يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ إِنَّ، وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ ; وَهِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ. وَيُقْرَأُ*(إِنَّ)*بِالتَّشْدِيدِ،*وَهَذَانِ بِالْأَلِفِ ; وَفِيهِ أَوْجُهٌ ; أَحَدُهَا:*أَنَّهَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.*وَالثَّانِي:*إِنَّ فِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْضًا. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ الَّتِي فِي الْخَبَرِ ; وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
*
وَقَالَ الزَّجَّاجُ:*التَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ.
*
وَالثَّالِثُ:*أَنَّ الْأَلِفَ هُنَا عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ فِي كُلِّ حَالٍ.*وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي الْحَارِثِ ; وَقِيلَ:*لِكِنَانَةَ.
*
وَيُقْرَأُ*(إِنْ)*بِالتَّخْفِيفِ،*وَقِيلَ:*هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
*
وَقِيلَ:*هِيَ بِمَعْنَى*«مَا»*وَاللَّامُ بِمَعْنَى*«إِلَّا»*وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ
[ التبيان في إعراب القرآن: ٢/ ٨٩٤ ،٨٩٥ ]
·******* * قال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري(ت 616هـ):
قوله تعالى: «إن هذان)، يقرأ بتشديد النون الأولى والثانية وبألف ، *أما الألف فقد استوفيت الكلام فيها في [۲۰۱] الإعراب(۳). وأما تشديد النون الثانية فلأنهم زادوا النون فيه عوضا من الألف المحذوفة، وذلك أن المفرد فيه ألف وألف التثنية، وقد حذفت إحداهما).
ويقرأ (هذين) بسكون النون)، وهي مخففة من الثقيلة، والتقدير إنه هذان .
ويقرأ (ذان) بغير هاء، وواحده ذا و (ها) زائدة للتنبيه، فيجوز أن تستعمل بغير هذه الزيادة .
ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء .
*
[ إعراب القراءات الشواذ : ٢/ ٧٦،٧٧]
·******* * قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥هـ) :
*
وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إن بتشديد النون هذان بألف ونون خفيفة لساحران واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران وخبر إن الجملة من قوله هذان لساحران واللام في لساحران داخلة على خبر المبتدأ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.
*
وقال الزجاج:*اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد.*وقيل:*ها ضمير القصة وليس محذوفا، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها إن هذان لساحران وضعف ذلك من جهة مخالفته خط المصحف. وقيل إن بمعنى نعم، وثبت ذلك في اللغة فتحمل الآية عليه وهذان لساحران مبتدأ وخبر واللام في لساحران على ذينك التقديرين في هذا التخريج، والتخريج الذي قبله وإلى هذا ذهب المبرد وإسماعيل بن إسحاق وأبو الحسن الأخفش الصغير، والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائما وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب، ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حكي ذلك عن الكسائي، ولبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذرة.*وقال أبو زيد:*سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا.
*
وقرأ أبو بحرية وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وحميد وابن سعدان وحفص وابن كثير إن بتخفيف النون هذا بالألف وشدد نون هذان ابن كثير، وتخريج هذه القراءة واضح وهو على أن أن هي المخففة من الثقيلة وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة على رأي البصريين والكوفيين، يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى إلا. وقرأت فرقة إن ذان لساحران وتخريجها كتخريج القراءة التي قبلها، وقرأت عائشة والحسن والنخعي والجحدري والأعمش وابن جبير وابن عبيد وأبو عمرو إن هذين بتشديد نون إن وبالياء في هذين بدل الألف، وإعراب هذا واضح إذ جاء على المهيع المعروف في التثنية لقوله فذانك برهانان إحدى ابنتي هاتين*«١»*بالألف رفعا والياء نصبا وجرا.*وقال الزجاج:*لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف.*وقال أبو عبيد:
*
رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذن ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها،*وقالت جماعة منهم عائشة وأبو عمرو:*هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وقرأ عبد الله إن ذان إلا ساحران قاله ابن خالويه وعزاها الزمخشري لأبي.*وقال ابن مسعود:*إن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من النجوى انتهى. وقرأت فرقة ما هذا إلا ساحران
[ البحر المحيط: ٧/٣٤٩ ،٣٥٠ ]
*
·******* * قال أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (ت ٧٥٦هـ) :
قوله:*{إن هذان}*: اختلف القراء في هذه الآية الكريمة: فقرأ ابن كثير وحده*«إن هذان»*بتخفيف إن، والألف، وتشديد النون. وحفص كذلك إلا أنه خفف نون*«هذان»*. وقرأ أبو عمرو*«إن»*بالتشديد*«هذين»*بالياء وتخفيف النون. والباقون كذلك إلا أنهم قرؤوا/*«هذان»*بالألف.
*
فأما القراءة الأولى وهي قراءة ابن كثير وحفص فأوضح القراءات معنى ولفظا وخطا؛ وذلك أنهما جعلا*«إن»*المخففة من الثقيلة فأهملت، ولما أهملت كما هو الأفصح من وجهيها خيف التباسها بالنافية فجيء باللام فارقة في الخبر. ف*«هذان»*مبتدأ، و*«لساحران»*خبره، ووافقت خط المصحف؛ فإن الرسم*«هذن»*بدون ألف ولا ياء وسيأتي بيان ذلك.
وأما تشديد نون*«هذان»*فعلى ما تقدم في سورة النساء، وقد أتقنت ذلك هناك وأما الكوفيون فيزعمون أن*«إن»*نافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، وهو خلاف مشهور وقد وافق تخريجهم هنا قراءة بعضهم*«ما هذان إلا ساحران»*.
وأما قراءة أبي عمرو فواضحة من حيث الإعراب والمعنى. أما الإعراب ف*«هذين»*اسم*«إن»*وعلامة نصبه الياء. و*«لساحران»*خبرها، ودخلت اللام توكيدا.*وأما من حيث المعنى : *فإنهم أثبتوا لهما السحر بطريق تأكيدي من طرفيه، ولكنهم استشكلوها من حيث خط المصحف؛ وذلك أن رسمه «هذن»*بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خط المصحف.*قال أبو إسحاق:*«لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف»*.*وقال أبو عبيد:*«رأيتهما في الإمام مصحف عثمان»*هذن*«ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء، ولا يسقطونها»*.
قلت:*وهذا لا ينبغي أن يرد به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نصوا هم أنه لا يجوز القراءة بها فليكن هذا منها، أعني مما خرج عن القياس.*فإن قلت:*ما نقلته عن أبي عبيد مشترك الإلزام بين أبي عمرو وغيره،*فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادة الياء يعترض عليهم بزيادة الألف:*فإن الألف ثابتة في قراءتهم، ساقطة من خط المصحف. فالجواب ما تقدم من قول أبي عبيد أنهم رآهم يسقطون الألف من رفع الاثنين، فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء.
وذهب جماعة منهم عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو إلى أن هذا مما لحن فيه الكاتب وأقيم بالصواب.
يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل، فلم يقرأه الناس إلا بالياء على الصواب.
وأما قراءة الباقين ففيها أوجه،*أحدها:*أن*«إن»*بمعنى نعم، و*«هذان»*مبتدأ، و*«لساحران»*خبره، وكثر ورود*«إن»*بمعنى نعم وأنشدوا:
*بكر العواذل في المشي ... ب يلمنني وألومهنه
*
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
*
أي:*فقلت: نعم. والهاء للسكت.*وقال رجل لابن الزبير:*لعن الله ناقة حملتني إليك فقال:*«إن وصاحبها»*أي: نعم. ولعن صاحبها. وهذا رأي المبرد وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردود من وجهين،*أحدهما:*عدم ثبوت*«إن»*بمعنى نعم،*وما أورده مؤول:*أما البيت فإن الهاء اسمها،*والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره:*إنه كذلك. وأما قول ابن الزبير فذلك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف وحذف خبر*«إن» للدلالة عليه،*تقديره:*إنها وصاحبها ملعونان،*وفيه تكلف لا يخفى والثاني:*دخول اللام على خبر المبتدأ غير المؤكد ب*«إن»*المكسورة،*لأن مثله لا يقع إلا ضرورة كقوله:
*أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
وقد يجاب عنه:*بأن*«لساحران»*يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف دخلت عليه هذه اللام تقديره: لهما ساحران وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايته عنه.
الثاني:*أن اسمها ضمير القصة وهو*«ها»*التي قبل*«ذان»*وليست ب*«ها»*التي للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة،*والتقدير:*إن القصة ذان لساحران. وقد ردوا هذا من وجهين،*أحدهما:*من جهة الخط، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تكتب*«إنها»*فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى:*{فإنها لا تعمى الأبصار}*[الحج: ٤٦]*فكتبهم إياها مفصولة من*«إن»*متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميرا، وهو واضح الثاني:*أنه يؤدي إلى دخول لام الابتداء في الخبر غير المنسوخ. وقد يجاب عنه بما تقدم.
الثالث:*أن اسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبرا ل*«إن»*،*التقدير:*إنه،*أي:*الأمر والشأن. وقد ضعف هذا بوجهين،*أحدهما:*حذف اسم*«إن»*، وهو غير جائز إلا في شعر، بشرط أن لا تباشر*«إن»*فعلا كقوله:
*إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء
/ والثاني:*دخول اللام في الخبر.
وقد أجاب الزجاج بأنها داخلة على مبتدأ محذوف تقديره:*لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخه المبرد، أعني جوابه بذلك.
الرابع:*أن*«هذان»*اسمها، و*«لساحران»*خبرها. وقد رد هذا بأنه كان ينبغي أن يكون*«هذين»*بالياء كقراءة أبي عمرو.
وقد أجيب عن ذلك:*بأنه على لغة بني الحارث وبين الهجيم وبني العنبر وزبيد وعذرة ومراد وخثعم. وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي.*قال أبو زيد:*«سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا»*، يجعلون المثنى كالمقصور فيثبتون ألفا في جميع أحواله، ويقدرون إعرابه بالحركات،*وأنشدوا قوله:
*فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
أي:*لنابيه.*وقوله:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
أي:*غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود:*«أن هذان ساحران»*بفتح*«أن»*وإسقاط اللام: على أنها وما في حيزها بدل من*«النجوى»*كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره.*وفيه نظر:*لأن الاعتراض بالجملة القولية بين البدل والمبدل منه لا يصح. وأيضا فإن الجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة، وكذا قاله الزمخشري أولا فكيف يصح أن يجعل*«أن هذان ساحران»*بدلا من*«النجوى»*؟ .
[ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون : *٨/٦٣ _٦٨]
*
·******* *قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) :
جملة*{ قَالُوا إنْ هذان لساحران }*بدل اشتمال من جملة*{ وأسَرُّوا النجوى }*، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذُكر منها هذا القول ، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه ، فهو زبدة مخيض النجوى . وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه .*
*
وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى :*قال بعضهم : هذان لساحران ،*فقال جميعهم :*نعم هذان لسَاحران ، فأسند هذا القول إلى جميعهم ، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها .*وقال بعضهم لبعض :*نعم هو كذلك ، ونطقوا بالكلام الذي استقرّ عليه رأيهم ، وهو تحققهم أنّ موسى وأخاه ساحران .*
*
واعلم أنّ جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله*« هاذان »*ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر . وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ*( هذانِ )*أكثر تواتراً بقطع النظر عن كيفيّة النطق بكلمة*( إنّ )*مشدّدة أو مخفّفة ، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون*( إنّ )*ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا*( إنْ )*بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة .*
*
وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .*
*
فأما قراءة الجمهور*{ إنّ هذان لساحران }*بتشديد نون*( إنّ )*وبالألف في هذان وكذلك في لساحران ، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة . وأظهرها أن تكون*( إنّ )*حرف جواب مثل : نعم وأجَل ، وهو استعمال من استعمالات*( إنّ )*،*أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات :*
*
ويقلْن شيب قد عَلا *** كَ وقد كبِرت فقلت إنّه
*
أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ،*فقال الأعرابي :*لعَن الله ناقة حملتني إليك .*قال ابن الزّبير :*إنّ وراكِبَها . وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في*« تفسيره »*.*وقال :*عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد*( يعني المبرد )*، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد*( يعني القاضي الشهير )*فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .*