القارئ: قال: مسند الإمام أحمد
وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني,عن مسند الإمام أحمد: إنه صحيح.فقول ضعيف؛فإن فيه أحاديث ضعيفة,بل موضوعة,كأحاديث فضائل مرو,وشهداء عسقلان البرث الأحمر عند حمص, وغير ذلك,كما قد نبه عليه طائفة من الحفاظ.
ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا,مع أنه لا يوازيه كتاب مسند في كثرته، وحسن سياقاته في أحاديث كثيرة جداً,بل قد قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريباً من مائتين.
الشيخ: (طيب) الكلام على كل حال فيما يتعلق بمسند الإمام أحمد لن أطيل الكلام عنه، من أراد أن يتعرف على الكتاب يمكن يراجع شريط أو بعض أشرطة الدورة التي في جدة؛فأنا في هذا اليوم كنت تكلمت هناك عن مسند الإمام أحمد,لكن فيما يتعلق بالكلام الذي ذكره الحافظ ابن كثير ههنا نعم: إن مسند الإمام أحمد رحمه الله هناك من ادعى أنه مما ألف في الصحيح,مثل أبي موسى المديني الحافظ,وعمدته في هذا عبارة أتت عن الإمام أحمد,أنه ذكر أنه ألف كتابه هذا من سبعمائة ألف حديث,قال: فما اختلفتم فيه من الأحاديث فارجعوا إليه؛فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة.
وأظن أني قد ذكرت لكم سابقاً إن كلمة: ليس بحجة,لا تعني أن جميع ما في مسند الإمام أحمد محتج به، بل فيه ما هو محتج به وما غير محتج به,ولكنه قصد: جميع الأحاديث التي يمكن أن يحتج بها.
والدليل على هذا - أي:أن هذا الكتاب ليس من الكتب التي ألفت في الصحيح المجرد,كما ادعى ذلك أبو موسى المديني- أن فيه أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة، ومن الأحاديث الموضوعة هذه الأمثلة الثلاثة التي نبه عليها الحافظ ابن كثير,وهذا التنبيه من ابن كثير كما قلت لكم سابقاً: يأتي من إمام عارف بهذا الكتاب,مطلع على خفاياه؛ لأنه كما قلت: يحفظ المسند عن ظهر قلب، فهو يعرف حقيقة هذا الكتاب أكثر من معرفة أي إنسان آخر لم يحفظه، فأحاديث فضائل مرو وعسقلان والبرث الأحمر عند حمص تجدون الشيخ أحمد شاكراً ذكر هذه الأحاديث الثلاثة,وهي من الأحاديث التي فعلاً النكارة فيها ظاهرة:
فانظروا مثلاً إلى حديث فضل مرو وعسقلان، حديث فضل عسقلان، يقول: عسقلان أحد العروسين,يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفاً,لا حساب عليهم
الـوجـه الـثـانـي
حديث فضل عسقلان، يقول: عسقلان أحد العروسين,يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفاً,لا حساب عليهم.وبالنسبة لمرو كونه في بعث خراسان,ثم أنزلوا مدينة مرو؛فإنه بناها ذو القرنين... إلى آخر الحديث، وحديث البرث الأحمر: ((يبعث الله)) حينما ذكر دمشق قال: ((يبعث الله منها سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب فيما بين البرث الأحمر وبين كذا)).
هذه الأحاديث الثلاثة في فضائل هذه البلدان وهذه البقع,هي من الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع؛ فهناك في الحقيقة اختلاف كبير في كون مسند الإمام أحمد رحمه الله يوجد فيه أحاديث موضوعة أولا يوجد.
خلاصة ذلك: أن الحافظ العراقي يرى أن في المسند أحاديث موضوعة,وابن الجوزي أورد في كتابه: (الموضوعات) جملة من هذه الأحاديث الموضوعة التي في مسند الإمام أحمد.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر وغيرهما ممن وافقهما على قولهما, فيرون أن ما في المسند من أحاديث موضوعة,إنما هي من زيادات القطيعي,أو من زيادات عبد الله بن الإمام,أو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد بالشطب عليها فكتبت من تحت الشطب,أو مما وجده عبد الله بخط أبيه, أي: ليس من أحاديث المسند,فألحقها بأحاديث المسند,إلى غير ذلك من الدفاعات التي ستجدونها إذا سمعتم للشريط الذي من أشرطة الدورة التي في جدة.
لكن مع هذا فمسند الإمام أحمد من الكتب المهمة جداً,كما قال ابن كثير: لا يوازيه مسند في كثرته. يعني: في كثرة أحاديثه وحسن سياقاته، نعم أحاديثه المسندة أو أحاديثه عموماً,وكلها مسندة,بلغت حوالي ثلاثين ألف حديث بغير المكرر,ومع المكرر بلغت حوالي أربعين ألف حديث,وهذا لا يوجد لكتاب من كتب الدنيا بالنسبة لما عرفناه واطلعنا عليه إلا ما ذكر من معجم الطبراني,بأن أحاديثه تبلغ ثمانين ألفاً أو ستين ألفا.
ولكن هذا مع الآثار وأقوال العلماء,وما إلى ذلك,أما بالنسبة للأحاديث المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام,فأحاديث مسند الإمام أحمد أكثر من أحاديث معجم الطبراني الكبير.
ثم نبه الحافظ ابن كثير إلى أن هناك بعض الأحاديث التي فاتت الإمام أحمد,وهي أحاديث صحيحة، وهذا فعلاً صحيح مثل حديث: أم زرع,حينما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)).والحديث معروف,بل كما قيل: إن هناك بعض الصحابة الذين فات الإمام أحمد ذكرهم في المسند والإتيان بأحاديثهم,وذكر الحافظ ابن كثير أنهم قريب من مائتين,وتجدون تعليق الشيخ أحمد شاكر على هذا بكلام مؤداه: أن هذا العدد مبالغ فيه,وأن ما فات الإمام من مسانيد الصحابة يعتبر عدداً قليلاً، ولأنه اكتفى بأحاديث بديلة عن تلك الأحاديث التي من مسند أولئك الصحابة الذين تركهم.
لكن هذا الدفاع يبدو لي أن فيه شيئاً من الضعف؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله لم يكن يَختصر، لم يكن قصد الاختصار لهذا الكتاب حتى يستغني بأحاديث صحابة عن أحاديث صحابة آخرين؛ لأنه يخرج الحديث الواحد من عدة طرق,فلماذا لا يقتصر على طريق واحدة ويورد أحاديث أخرى لصحابة آخرين؟ هذا لا ينسجم مع المنهج الذي وجدنا الإمام أحمد رحمه الله يسير عليه في كتابه هذا.
فعلى كل حال الكتاب يعتبر من الكتب الأمهات,وكتاب عظيم القدر,نافع جداً,لكن الإمام أحمد لم يقصد تأليفه في الصحيح الذي لا يخالطه شيء من الضعيف، وإنما قصد جمع أكثر عدد من الأحاديث التي هي أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة ضعفاً محتملاً,وما كان فيه من أحاديث موضوعة فيمكن الاعتذار عنها بما ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر,رحم الله الجميع.