(ومِنْهَا)؛ أي: مِن شُرُوطِ الصَّلاةِ (استِقْبَالُ القِبْلَةِ)؛ أي: الكَعْبَةِ أو جِهَتِهَا لِمَن بَعُدَ.
سُمِّيَت قِبْلَةً لإقْبَالِ النَّاسِ علَيْهَا، قالَ تعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ}. (فلا تَصِحُّ الصَّلاةُ بدُونِه)؛ أي: بدُونِ الاستِقْبَالِ, (إلاَّ لعَاجِزٍ)؛ كالمَرْبُوطِ لغَيْرِ القِبْلَةِ والمَصْلُوبِ وعندَ اشتِدَادِ الحَرْبِ، و(إِلاَّ) لـ(ـمُتَنَقِّلٍ راكبٍ سائرٍ), لا نَازِلٍ (في سَفَرٍ) مُبَاحٍ طَوِيلٍ أو قَصِيرٍ, إذا كانَ يَقْصِدُ جِهَةً مُعَيَّنَةً فلَهُ أن يَتَطَوَّعَ على رَاحِلَتِه حيثُ ما تَوَجَّهَت بهِ, (ويَلْزَمُه افتِتَاحُ الصَّلاةِ) بالإحرامِ إن أَمْكَنَهُ (إليها)؛ أي: إلى القِبْلَةِ, بالدَّابَّةِ أو بنَفْسِه, ويَرْكَعُ ويَسْجُدُ إن أَمْكَنَهُ بلا مَشَقَّةٍ، وإلا فإِلَى جِهَةِ سَيْرِه، ويُومِئُ بهِما، ويَجْعَلُ سجُودَهُ أَخْفَضَ, ورَاكِبُ المِحَفَّةِ الوَاسِعَةِ والسَّفِينَةِ والرَّاحِلَةِ الوَاقِفَةِ, يَلْزَمُه الاستِقْبَالُ في كُلِّ صَلاتِه.
(و) إِلاَّ لمُسَافِرٍ (مَاشٍ)؛ قِيَاساً على الرَّاكبِ, (ويَلْزَمُه)؛ أي: المَاشِيَ (الافتِتَاحُ) إليها (والرُّكُوعُ والسُّجُودُ إليها)؛ أي: إلى القِبْلَةِ؛ لتَيَسُّرِ ذلك عليه، وإن داسَ النَّجَاسَةَ عَمْداً, بَطَلَتْ، وإن دَاسَهَا مَرْكُوبُه, فلا، وإن لم يُعْذَرْ مَن عَدَلَتْ بهِ دَابَّتُه, أو عَدَلَ إلى غَيْرِ القِبْلَةِ عَن جِهَةِ سَيْرِه معَ عِلْمِه، أو عُذِرَ وطَالَ عُدُولُه عُرْفاً, بَطَلَتْ.
(وفَرْضُ مَن قَرُبَ مِن القِبْلَةِ)؛ أي: الكَعْبَةِ, وهو مَن أَمْكَنَهُ مُعَايَنَتُها أو الخَبَرُ عَن يَقِينٍ- (إِصَابَةُ عَيْنِهَا) ببَدَنِه كُلِّه, بحيثُ لا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَن الكَعْبَةِ، ولا يَضُرُّ عُلُوٌّ ولا نُزُولٌ.
(و) فَرْضُ (مَن بَعُدَ) عَن الكَعْبَةِ استِقْبَالُ (جِهَتِهَا), فلا يَضُرُّ التَّيَامُنُ ولا التَّيَاسُرُ اليَسِيرُ إن عُرِفَا، إلاَّ مَن كانَ بمَسْجِدِه صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ لأنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةٌ، (فإِنْ أَخْبَرَهُ) بالقِبْلَةِ مُكَلَّفٌ (ثِقَةٌ) عَدْلٌ ظَاهِراً وبَاطِناً (بيَقِينٍ), عَمِلَ به حُرًّا كانَ أو عَبْداً, رَجُلاً أو امرَأَةً، (أو وَجَدَ محَارِيبَ إِسْلامِيَّةً, عَمِلَ بها)؛ لأنَّ اتِّفَاقَهُم عَلَيْهَا معَ تَكْرَارِ الأَعْصَارِ, إِجْمَاعٌ عليها، فلا تَجُوزُ مُخَالَفَتُها حيثُ عِلْمُهَا للمُسْلِمِينَ، ولا يَنْحَرِفُ, (ويُسْتَدَلُّ عليها في السَّفَرِ بالقُطْبِ), وهو أَثْبَتُ أَدِلَّتِهَا؛ لأنَّه لا يَزُولُ عَن مَكَانِه إلا قَلِيلاً، وهو نَجْمٌ خَفِيٌّ شِمَالِيٌّ, وحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كفَرَاشَةِ الرَّحَى، في أَحَدِ طَرَفَيْهِ الجَدْيُ والآخَرِ الفَرْقَدَانِ، يكونُ وراءَ ظَهْرِ المُصَلِّي بالشَّامِ، وعلى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ بمِصْرَ، (ويُسْتَدَلُّ عليها بالشَّمْسِ أو القَمَرِ ومَنَازِلِهِمَا)؛ أي: مَنَازِلِ الشَّمْسِ والقَمَرِ، تَطْلُعُ مِن المَشْرِقِ وتَغْرُبُ بالمَغْرِبِ، ويُسْتَحَبُّ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ القِبْلَةِ والوَقْتِ، فإن دَخَلَ الوَقْتُ وخَفِيَتْ عليهِ, لَزِمَهُ – أي: التَّعَلُّمُ- ويُقَلِّدُ إن ضَاقَ الوَقْتُ، (وإن اجتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فاخْتَلَفَا فِي جِهَةٍ, لم يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ), وإن كانَ أَعْلَمَ مِنْهُ، ولا يَقْتَدِي بهِ؛ لأنَّ كُلاًّ مِنْهُما يَعْتَقِدُ خَطَأَ الآخَرَ، (ويَتْبَعُ المُقَلِّدُ) لجَهْلٍ أو عَمًى (أَوْثَقَهُمَا)؛ أي: أَعْلَمَهُما وأَصْدَقَهُمَا وأَشَدَّهُمَا تَحَرِّياً لدِينِه (عندَه)؛ لأنَّ الصَّوَابَ إليهِ أَقْرَبُ، فإنْ تسَاوَيَا, خُيِّرَ، وإذا قَلَّدَ اثنَيْنِ لم يَرْجِعْ برُجُوعِ أَحَدِهِمَا، (ومَن صَلَّى بغَيْرِ اجتِهَادٍ) إن كانَ يُحْسِنُه, (ولا تَقْلِيدٍ) إن لم يُحْسِنِ الاجتِهَادَ, (قَضَى)-ولو أَصَابَ- (إن وَجَدَ مَن يُقَلِّدُه)، فإن لم يَجِدْ أَعْمَى أو جَاهِلٌ مَن يُقَلِّدُه, فتَحَرَّيَا وصَلَّيَا, فلا إِعَادَةَ، وإن صَلَّى بَصِيرٌ حَضَراً فأَخْطَأَ، أو صَلَّى أَعْمَى بلا دَلِيلٍ مِن لَمْسِ مِحْرَابٍ أو نَحْوِه أو خَبَرِ ثِقَةٍ, أَعَادَ.
(ويَجْتَهِدُ العَارِفُ بأَدِلَّةِ القِبْلَةِ لكُلِّ صَلاةٍ)؛ لأنَّها وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، فتَسْتَدْعِي طَلَباً جَدِيداً، (ويُصَلِّي بـ) الاجتِهَادِ (الثَّانِي)؛ لأنَّه تَرَجَّحَ في ظَنِّه, ولو كانَ في صَلاةٍ, ويَبْنِي، (ولا يَقْضِي ما صَلَّى بـ) الاجتِهَادِ (الأَوَّلِ)؛ لأنَّ الاجتِهَادَ لا يَنْقُضُ الاجتهَادَ، ومَن أُخْبِرَ فيها بالخَطَأِ, لَزِمَهُ قَبُولُه، وإن لم يَظْهَرْ لمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ في السَّفَرِ صَلَّى على حَسَبِ حَالِه.