يسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة تفسير سور: الحاقة، والمعارج، ونوح.
1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر ما استفدته من فقه الدعوة من خلال دراستك لتفسير سورة نوح، مع الاستدلال لما تقول.
1- أن الدعوة لابد لها من عدد من الأساليب ولا يظل الداعي جامدا على أسلوب واحد ، ومن بين الأساليب النافعة في الدعوة الترغيب {يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين * ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار}
2- أن الداعي لا يقنط المدعوين ، بل عليه أن يحببهم في ربهم ويدعوهم للتوبة مهما علت ذنوبهم أو كثرت {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا}.
3- من الأساليب النافعة في الدعوة: الترهيب بحسب ما يقتضيه مقام المخاطبين أو المدعوين {ما لكم لا ترجون لله وقارا}.
4- من الأساليب الناجحة: الاستدلال بما هو معلوم عند المدعو لإلزامه بما هو من لازمه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا }.
5- من الأساليب الناجحة كذلك الاستدلال بطريق الأولى {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}.
6- من الأساليب الناجحة التذكير بنعمة الله {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}.
7- على الداعي الإسرار أحيانا للمدعو وهذا قد يكون الأفضل في غالب الأحوال ، كما قد تقتضي المصلحة الجهر بالدعوة في أوقات أخرى {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} .
8- على الداعي أن يبادر لأمر الله بالدعوة والنصح لعباد الله، من قبل أن يأتي يوم لا يُرد فيه العذاب عن أحد { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ }.
9- رحم الله نبي الله نوح ظل مدة ألف عام إلا خمسون ثم دعا على قومه -وقد كانوا كفرة- بعد أن أوحى له الله أنه لن يؤمن أحدا -بعدُ- من قومه؛ فعلينا الرفق بإخواننا من عصاة المسلمين {رب اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}.
10- علينا بالصبر وتوطين النفس على الرفض وعدم الاستجابة بل والكيد والمكر بنا {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا }.
المجموعة الخامسة:
1. فسّر قوله تعالى:
{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)} يقول تعالى: {كلا} للردع والزجر عما تمنوه من الافتداء للهروب من عذاب جهنم ، فجهنم تتلظى أي تتلهب بشديد اللهب .
{ نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)} ومن شدتها فهي تبري الجلد واللحم عن العظم حتى لا يبقى إلا الفؤاد يصيح فيعاد خَلق الإنسان ثانية وهكذا، وقيل بل تبري خاصة الأطراف من ساقين ويدين، وقيل بل تبري جلدة الرأس وهامته ، وقيل بل مكارم الوجه، فنعوذ بالله منها.
{ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) } تنادي بصوت مسموع كل من أدبر في الدنيا عن الإيمان بقلبه، وتولى بجوارحه عن طاعة ربه.
{وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18( } وكان همه جمع المال في أوعية ، وفوق ذاك هو بخيلا به غير مؤدي حقه من زكاة ونفقات واجبة ومستحبة.
{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} والله سبحانه هنا يصف حال الإنسان من حيث طبيعته، فقد جبله ربه على الهلع، وفسره بالآيتين التاليتين بقوله:
{ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) } فإذا أصابه ضر من موت حبيب أو فقر أو مرض، انخلع قلبه وأصابه الفزع وجزع قانطا يائسا غير صابرا و لا راضيا.
{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) }. وإذا أصابته نعمه من ربه كولد ومال ونحوه أصابه الشرَه ولم يؤدِ حق الله فيه لا بزكاة ولا بنفقات واجبة أو مستحبة ، ولا أدى شكر نعمة الله عليه.
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالروح في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}.
قيل فيها:
1- اسم جنس لأرواح بني آدم برهم وكافرهم ، ذكره ابن كثير، وقاله السعدي.
قال ابن كثير: فإنّها -يقصد: أرواح ابن آدم- إذا قبضت يصعد بها إلى السّماء، كما دلّ عليه حديث البراء. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه، من حديث المنهال، عن زاذان، عن البراء مرفوعًا -الحديث بطوله في قبض الرّوح الطّيّبة-قال فيه: "فلا يزال يصعد بها من سماءٍ إلى سماءٍ حتّى ينتهي بها إلى السّماء السّابعة". واللّه أعلم بصحّته، فقد تكلم في بعض رواته، ولكنّه مشهورٌ، وله شاهدٌ في حديث أبي هريرة .
2- هم خلقٌ من خلق اللّه. يشبهون النّاس، وليسوا أناسًا، قاله أبو صالح ، ذكره ابن كثير.
3- هو جبريل؛ ويكون من باب عطف الخاصّ على العامّ ، ذكره ابن كثير، واختاره الأشقر.
4- هو مَلَكٌ آخَرُ عظيمٌ غيرُ جِبريلَ،ذكره الأشقر.
ب: معنى قوله تعالى: {وإنه لحسرة على الكافرين}.
قيل:
1- إن تكذيب الكفار يكون عليهم حسرة يوم القيامة، قاله الطبري وحكاه عن قتادة بمثله، وقاله أبو مالك، ذكره ابن كثير .
2- القرآن يكون حسرة على الكافرين يوم القيامة؛ أن لم يصدقوا به ولم يعملوا بهديه، ذكره ابن كثير، وقاله السعدي والأشقر.
دليله: قوله تعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به}. ذكره ابن كثير.
3: بيّن ما يلي:
أ: معنى المداومة على الصلاة في قوله: {الذين هم على صلاتهم دائمون}.
قيل فيها:
1- يؤدون الصلاة المكتوبة لوقتها، قاله الأشقر.
2- يحافظون على أوقاتها وواجباتها. قاله ابن مسعودٍ، ومسروقٌ، وإبراهيم النّخعي، ذكره ابن كثير.
3- السّكون والخشوع، قاله عتبة بن عامرٍ، ذكره ابن كثير.
دليله: قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الّذين هم في صلاتهم خاشعون}، ومنه الماء الدّائم، أي: السّاكن الرّاكد، ذكره ابن كثير.
4- مُدَاوِمونَ عليها في أَوقاتِها بشُروطِها ومُكَمِّلاَتِها ، قاله السعدي.
5- المراد بذلك الّذين إذا عملوا عملًا داوموا عليه وأثبتوه، ذكره ابن كثير.
دليله: ما جاء في الصّحيح عن عائشة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أحبّ الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ". وفي لفظٍ: "ما داوم عليه صاحبه"، قالت: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا عمل عملًا داوم عليه. وفي لفظ: أثبته، ذكره ابن كثير.
الترجيح:
لعل المراد بدوامها هو القولان الأخيران ، فيكون معنى دوامها أدائها بأوقاتها وجميع شرائطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها على وجه الدوام، وكذا إن صلوا شيئا من النوافل فهم يداومون عليها ولا يقطعونها أو يتهاونون فيها بحجة أنها ليست بفرض، والله أعلم.
ب: مناسبة الجمع بين الإيمان بالله والحضّ على الإطعام في قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم . ولا يحضّ على طعام المسكين}.
لأن الإيمان حق لله والإطعام حق للعباد، فالله يبين أن هؤلاء من وصوفاتهم أنهم غير محسنين في عبادتهم لربهم وكذا غير محسنين لعباده ، وذلك أن الإيمان بالله يبعث على الرحمة بخلق الله والإحسان إليهم ، وكما قال الشيخ السعدي أن مدار السعادة أمران: 1- الإخلاص الذي أصله الإيمان، 2- الإحسان ورأسه دفع حاجة المحتاجين بإطعامهم ما يقتاتون به .
ج: فضل الاستغفار.
الاستغفار يفتح للعبد أبواب الخير؛
1- وأولها وأهمها أبواب السماء، كما قال تعالى: {يرسل السماء عليكم مدرارا} ، لذا كان السلف إن أرادوا الاستسقاء يستغفرون الله ويذكرون آيات الاستغفار ومنها هذه الآيات، كما ذكر ابن كثير عن عمر رضي الله عنه.
2- وهو وسيلة لتحصيل المال والأولاد، كما قال تعالى: {ويمددكم بأموال وبنين}.
3-وهو أيضا وسيلة لتحصيل الخصب على الأرض وإظهار بركاتها من نبات وخضرة ومياه جارية، كما قال تعالى : {ويجعل لكم جنات وأنهارا}.
4- وعموما هو من وسائل إدرار الله الرزق على العباد، لأن الله إن غفر للعبد فقد استجاب له دعوته إن توفرت الأسباب وانعدمت الموانع؛ وذلك أن الذنوب أحد موانع إجابة الدعاء، وإن العبد ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه كما ثبت في الحديث {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا}.