الشيخ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد,وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.., -على رسول الله-
كان الكلام في الدرس الماضي عن الحديث الحسن, وذكرت لكم أن بعض أهل العلم يرى أن الحديث الحسن هو الحديث الصالح للعمل, فيكون معناه أعم من معنى الحديث الصحيح, أو أدنى درجات الصحيح. [كلام ليس له فائدة علمية]
أقول: فيكون معناه أعم مما حصره فيه ابن الصلاح رحمه الله تعالى, والاختلاف في الحقيقة.. الخلاف أقول: والخلاف [كلام ليس له فائدة علمية]فالخلاف كثير في الحديث الحسن,وبالذات في تحديد مفهوم الترمذي -رحمه الله- للحديث الحسن,وبالذات في قوله: هذا حديث حسن صحيح؛ إذ كيف يمكن أن يجمع بين وصف الحسن والصحة؟!
والحسن قسيم للصحيح بناء على ما ذكره ابن الصلاح فمن بعده ، وقلت لكم:إن مما يمكن أن يحدد مفهوم الترمذي إلى حد ما ، لو نظرنا في بعض الأحاديث التي ذكر أن الإجماع قد انعقد على ترك العمل بها,أو نحو هذه العبارة ، وذكرت لكم حديثين: حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سبعا من غير خوف ولا مطر. وحديث: ((من شرب الخمر فاجلدوه)) حتى ذكر في الرابعة: ((فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)).
وكنت قلت لكم: إنها أربعة أحاديث التي ادعى الترمذي ترك العمل بها, منها هذان الحديثان, وحديثان آخران لا أذكرهما, فأحد الإخوة أثابه الله أتى بهذين الحديثين, وكلام الترمذي عنهما,وكان الترمذي -رحمه الله- ذكر في آخر كتابه (الجامع) هذه العبارة: قال: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به, وقد أخذ به بعض أهل العلم, ما خلا حديثين: حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة,والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سقم. وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه,فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)).
وخرج الأخ هذين الحديثين من جامع الترمذي, ولم ينقل عن الترمذي أنه قال عن أحد هذين الحديثين: إنه صحيح ولا حسن, وإن كان ظاهر كلامه عن حديث ابن عباس أنه يرى صحته, لكنه لم يطلق عليه وصف الحسن ، ثم نقل الأخ عن الحافظ ابن رجب في شرح العلل أنه قال: وقد روى الترمذي في كتاب الحج حديث جابر في التلبية عن النساء, ثم ذكر الإجماع أنه لا يلبي عن النساء ، فهذا ينبغي أن يكون حديثا ثالثا مما لم يؤخذ به عند الترمذي.انتهى كلام ابن رجب.
قال الترمذي عن هذا الحديث: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد أجمع أهل العلم علىأن المرأة لا يلبي عنها غيرها, بل هي تلبي عن نفسها, فهذا حديث ثالث, وأنا أذكر أن هناك أيضا حديثا رابعا, لكن عهدي به طويل جدا.
فعلى كل حال الذي يهمنا وقد حصل,وهو أن ما نقله الأخ جزاه الله خيرا, أخشى من الطول,وإلا ذكرت لكم الكلام عن الحديثين, مع العلم أنه لا يخرج عما ذكرت, فإن كان يهمكم يمكن نقرؤه.
على كل حال هذا الذي جاء عن هذين الحديثين يقوي في الحقيقة المقولة التي ذكرها الشيخ محمد عبد الرازق حمزة رحمه الله, وقد ذكرت أيضا قبله,وهي أن المراد بالحديث الحسن هو المعمول به, ولكن لا يزال الموضوع بحاجة إلى إثراء,لكن على كل حال ما وجد في هذين الحديثين يقوي جدا هذا المفهوم .
وأما ما نقله الشيخ ناصر -حفظه الله- عن الترمذي أنه أطلق الصحة فقط على أحاديث معمول بها,فهذا أولا يفتقر إلى الاطلاع على نسخ الترمذي, وأنا قلت لكم سابقا: إن نسخ الترمذي من أكثر الكتب اختلافا, وتجد في هذه النسخة ما ليس في تلك النسخة, وهلم جرا ، بل لا أعلم أن كتابا من الكتب الستة أكثر اختلافا في نسخه من كتاب الترمذي, لا من حيث تعقيبات الترمذي, ولا من حيث الترتيب, ولا من حيث وجود الأحاديث أيضا وهكذا, فلو فرضنا أن جميع نسخ الترمذي اتفقت على إطلاق لفظ الصحة فقط على هذه الأحاديث التي نقلها الشيخ ناصر من الأحاديث المعمول بها, فهذا يمكن أن ينظر فيه على حدة: هل يقصد الترمذي حينما يطلق على حديث من الأحاديث وصف الحسن حصر الأحاديث التي يعمل بها في هذا اللفظ, بحيث إن ما لم يطلق عليه وصف الحسن يعني: أنه غير معمول به؟
هذه مسألة تختلف عما ذكرناه, وهو أن الأحاديث التي ادعى الترمذي على ترك العمل بها لم يطلق عليها وصف الحسن, هذه مسألة أخرى, وهي أوضح وأبين من الأمثلة التي أوردها الشيخ ناصر.
فعلى كل حال أنتم تأخذون هذا -إن شاء الله- من قبيل الفائدة, وليس من الضروري أن يقطع فيه بجواب الآن, ولكن طالب العلم دائما يتتبع الخير حيثما كان, ويتتبع مسائل أهل العلم وما ذكروه, فإن وجد هناك ما يرجح أحد الاحتمالين أو أحد الاحتمالات الكثيرة فالحمد لله, وإن لم يجد فالأمر بحمد الله لا يضطرنا إلى أن نثير شغبا ولا ما إلى ذلك.
فما يذكره ابن الصلاح من تعريف للحديث الحسن هذا غاية ما هنالك,أن يقال: إن الحديث الحسن بناء على هذا التعريف يصبح داخلا في عموم الأحاديث المحتج بها والأحاديث المقبولة, وهذا شيء لا أظنه يخالف ما كان عليه الأئمة ؛ لأننا لو نظرنا في حال ذلك الراوي الذي أخرج الحديث الحسن عن حد الصحيح,وهو الراوي الذي خف ضبطه؛ فإن هذا الراوي في ترجمته سنجد من أقوال أهل العلم ما يدل على احتجاجهم بحديثه, وهذه هي الزبدة التي نريدها, وهي الاحتجاج بحديث هذا الراوي.
أما مسألة التقسيم فيقال عن حديثه: حسن. وعن حديث من هو أعلى شأنا منه: حديث صحيح ، فهذه المسألة اعتبارية, وكما ذكرنا سابقا أن هناك من الأئمة السابقين من كان لا يفرق بين الصحيح والحسن, فهذا دليل على أن الأمر في هذه المسألة -إن شاء الله- واسع ، لكن الذي يهمنا بالتحديد هو كونهم يطلقون وصف الحسن على الحديث الذي يصلح للعمل به, بحيث يدخل في ذلك الحديث الضعيف على قواعد بعض أهل العلم, كالإمام أحمد وغيره ، فهذا الذي يهمنا أكثر.
نبدأ الآن في الكلام على المباحث الأخرى, وما يتعلق بالحديث الضعيف والمسند والمتصل وغيرها.