(1) ذلكَ بأنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(2)وَكُلُّ شَيْءٍ إليهِ فَقِيرٌ.
(3)وَكُلُّ أَمْرٍ عليه يَسِيرٌ.
(4) لا يَحْتَاجُ إلى شَيْءٍ.
(5){لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
(1) هذا وصفٌ أَزَلِيٌّ، لا يُقَالُ بأنَّهُ ما اسْتَفادَ القدرةَ إِلَّا بعدَ أنْ خَلَقَ وأَوْجَدَ المَخْلُوقاتِ، بلْ القدرةُ صفةٌ أَزَلِيَّةٌ، وَإِنَّمَا كونُهُ أَوْجَدَ المَخْلُوقاتِ فهذا أَثرٌ ناتِجٌ من كونِهِ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
واللَّهُ هو الذي وَصَفَ نفسَهُ بأنَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ من الموجوداتِ وَمِن المعدوماتِ، لم يُقَيِّدْ قُدْرَتَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، ولا يَجُوزُ التقِييدُ بأنَّهُ قديرٌ على كذا، ولا يُقَالُ: إنَّهُ على ما يشاءُ قديرٌ، إِنَّمَا هذا خاصٌّ بَجَمْعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} (الشُّورَى: 29) وهذه قضيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ.
(2)لا شَيْءَ يُمْكِنُ أنْ يَسْتَغْنِيَ عن اللَّهِ, لا من المَلَائِكَةِ, ولا السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ, ولا الجنِّ ولا الإنسِ، ولا الجامداتِ من الجبالِ, ولا البحارِ، كلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إلى اللَّهِ: { يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطِر: 15).
فكلُّ شَيْءٍ إليهِ فقيرٌ، لا الأَوْلِيَاءِ ولا السَّمَاوَاتِ، ومَن يَقُولُ: إِنَّ الأَوْلِيَاءَ لهم قُدْرَةٌ غيرُ قُدْرَةِ البَشَرِ وَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ في الكونِ، وَإِنَّهُم يَنْفَعونَ ويَضُرُّونَ من دونِ اللَّهِ، فذلكَ من قولِ الكفرةِ والمشركينَ، فلَيْسَ للأولياءِ والرُّسُلِ والمَلَائِكَةِ غِنًى عن اللَّهِ ولا تَصَرُّفٌ مِن دُونِهِ.
وهذا مِمَّا يُبْطِلُ عبادةَ غيرِ اللَّهِ من الأصنامِ ونحوِهَا، كيفَ تَعْبُدُ أشياءَ فقيرةً وَتَنْسَى الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كلِّ شَيْءٍ؟! ولهذا لَمَّا قالَ بعضُ علماءِ القُبُورِيَّةِ لِعَامِّيٍّ من أهلِ التوحيدِ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الأَوْلِيَاءَ لا يَنْفَعُونَ ولا يَضُرُّونَ؟
قالَ: نقولُ: إِنَّهُم لا يَنْفَعونَ ولا يَضرُوُّنَ.
قالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يقولُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عِمْرَان: 169)؟
قالَ: وهَل اللَّهُ قالَ: يَرْزُقُونَ، أو يُرْزَقُونَ؟
قالَ: بلْ قالَ: (يُرْزَقُونَ) بِضَمِّ الياءِ.
قالَ: إِذَنْ أَنَا أَسْأَلُ الذي يَرْزُقُهُم ولا أَسْأَلُهُم. فَانْخَصَمَ ذلك العالِمُ بِحُجَّةِ العَامِّيِّ الذي هو على الفِطْرَةِ.
(3) {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82).
فَهُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيُحْيِي المَوْتَى بعدَ فَنَائِهِم، وذلكَ يَسِيرٌ عليهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا يُكَلِّفُهُ شيئًا ولا يَشُقُّ عليهِ، خلافَ المَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ يَتَكَلَّفُ بِفِعْلِ الأشياءِ، أو يَعْجَزُ عنها، أَمَّا اللَّهُ فليسَ شَيْءٌ عليه صَعْبًا، {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (لُقْمَان: 28).
(4) اللَّهُ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عن كلِّ شَيْءٍ، فاللَّهُ ليسَ بِحَاجَةٍ إلى الخلقِ؛ لِأَنَّهُ هو الغنيُّ، فهو الذي يُعْطِي الخلقَ سُبْحَانَهُ.
(5)هذا نَفْيٌ للتشبيهِ عن اللَّهِ سُبْحَانَهُ، والكافُ لتأكيدِ النفْيِ، مثلَ: {وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} (النِّسَاء: 70)
الأصلُ: وَكَفَى اللَّهُ عَلِيمًا، ولكنْ جاءَت الباءُ للتأكيدِ.
وليسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ من الأشياءِ، لا المَلَائِكَةِ ولا الأَنْبِيَاءِ والرُّسُلِ, ولا الأَوْلِيَاءِ, ولا أيِّ مَخْلُوقٍ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشُّورَى: 11) فَسَمَّى نَفْسَهُ السميعَ البصيرَ.
فالآيةُ في أَوَّلِهَا رَدٌّ على المُشَبِّهَةِ، وفي آخِرِهَا رَدٌّ على المُعَطِّلَةِ، وَدَلَّتْ على أنَّهُ لا يَلْزَمُ من إثباتِ الأسماءِ والصفاتِ التَّشْبِيهُ بالمَخْلُوقاتِ، فَسَمْعُ وَبَصَرُ المَخْلُوقاتِ لا يُشْبِهُ سَمْعَ ولا بَصَرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.