الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أدى الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أما بعد:
فهذا تفسير بطريقة الأسلوب المقاصدي لقوله تعالى :
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (27)الكهف
بدأت الآية بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه عن طريق الوحي , وذلك بتلاوته كما أنزل, وأن لا يستثني من ذلك شيء ,وهذا ما كانت المشركين تريده حيث قد طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يذكر القرآن شيء من الثناء والمديح لهم ,فنهاه الله تعالى عن ذلك كقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [73]
وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكتم شيئا نزل إليه ,أو يغير شيئا أنزل إليه ويشهد على ذلك الآيات التي تحمل عتابا للنبي عليه الصلاة والسلام ,ومن ذلك عتاب الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم في ترك الإستثناء,
(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فلو كان كاتما شيئا لكتم أمثال ذلك ولكن قد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام شرع الله تبليغا رضي عنه الله به وأشهد الله عز وجل في حجة الوداع فقال (ألا هل بلغت) ثم أشار بسبابته إلى السماء ثم قال( اللهم فاشهد )
ولكن الغرض تعليم أمته صلى الله عليه وسلم بأن لا يكتموا شيئا من دين الله عز وجل علموه ,سواء كان لهم أم عليهم أرضى الناس أم أغضبهم ذلك الحكم , وأن لا يشابهوا اليهود في كتمانهم شرع الله ,أو الحكم بين الناس بغير شرع الله .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تبليغ الدعوة وذلك بقوله (نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ثم ذهب إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )
وهذا المعنى للآية مستمر إلى قيام الساعة من حيث تبليغ الدعوة للغير, ومن حيث تطبيق أحكامها على أنفسنا ومجتمعنا ,ولا نكتم منه شيئا هذا المقصد الأول
وفي الآية مقصد آخر: وهو الوعيد الشديد لمن كتم شيئا من أمور الدين ,أو لم يطبقها فقد ختم الله الآية بهذا الوعيد حيث قال (لن تجد من دونه ملتحدا )أي لن يجد له ملجئا يلجأ إليه من عذاب الله يوم القيامة لئن ذلك من الكفر أو الظلم أو الفسق كما بين ذلك الله عز وجل في سورة المائدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
وقال أيضا(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)
وقال أيضا(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
هذا والحمد لله رب العالمين فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان