فَإِنْ قَالَ: إن هَؤلاءِ الآياتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأصْنَامَ، كَيْفَ تَجْعَلُونَ الصَّالحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ؟ أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأَنْبِيَاءَ أصْنَاماً؟
فَجاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إِذا أَقَرَّ أَنَّ الكُفَّارَ يَشْهَدُونَ بِالرُّبُوبيَّةِ كُلِّها للهِ، وَأَنَّهُم مَا أَرَادُوا مما قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ أرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِمْ وَفِعْلِهِ بِمَا ذَكَرَ.
فَاذْكُرْ لَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَصْنامَ، وَمِنْهُمْ مَن يَدْعُو الأَوْلياءَ الَّذِينَ قالَ اللهُ فِيهِمْ: {أُوْلَئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوْراً}[الإسراء: 57].
وَيَدْعُونَ عيسى ابنَ مَرْيمَ وَأُمَّهُ وَقَدْ قالَ تَعالى: {مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} الآية [المائدة: 75].
وَاذْكُرْ لَهُ قَوْلَهُ تَعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ} الآية [سبأ: 40، 41].
وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى اْبنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية [المائدة: 116].
فَقُلْ لَهُ: عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ، وَكَفَّرَ أَيْضاً مَنْ قَصَدَ الصَّالِحِينَ، وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.