(1) هذا معلومٌ عندَ جميعِ أهلِ العلمِ والإيمانِ، أنَّ الرسولَ أعلمُ النَّاسِ بهذا، وأنْصَحُ النَّاسِ:
أمَّا كونُه أعلمَ النَّاسِ؛ فلأنَّه يَتَلَقَّاهُ عن الربِّ عزَّ وجلَّ بواسطةِ المَلَكِ الصادقِ، والنَّاسُ لا يَعْلَمُون ذلك، وليسَ عندَهم خبرٌ إلا بما وَجَدُوه في الصُّحُفِ التي فيها الصدقُ والكَذِبُ، أمَّا هذا فهو يَتَلَقَّى الأخبارَ عن أصدقِ الخلْقِ عن الربِّ عزَّ وجلَّ.
وأمَّا كونُه أنْصَحَ النَّاسِ؛ فلأنَّ اللَّهَ جَعَلَه رحمةً للعالمينَ، وجَبَلَه على خيرِ الأخلاقِ، وعلى خيرِ الصفاتِ، وجَبَلَه على الصِّدقِ وأَمَرَه به، فكانَ أصْدَقَ النَّاسِ، وأنْصَحَ النَّاسِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
(2) كذلك جَعَلَه اللَّهُ أفْصَحَ النَّاسِ عِبارةً وبَياناً، فهو قادرٌ على بَيَانِ ما بَعَثَه اللَّهُ به، يُبَيِّنُه بأوضحِ عِبارةٍ وأَبْيَنِها؛ حتى لا تَخْفَى على المُسْتَمِعِ.
(3) وهذا كلُّه رَدٌّ على المُتَكَلِّمِينَ والفلاسفةِ وغَيْرِهم مِمَّنْ سَاءَتْ ظُنُونُهم وزَعَمُوا أنَّه لم يُبَلِّغْ, وإنما خَيَّلَ للنَّاسِ، فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكْمَلُ النَّاسِ عِلماً، وأَكْمَلُهم بياناً، وأَكْمَلُهم نُصْحاً، فمتى تَوَافَرَتْ هذه الأمورُ لا يَتَأَخَّرُ البَيَانُ، ولهذا بَلَّغَ البلاغَ المُبِينَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وجَعَلَه اللَّهُ رَحمةً للعالمين، وهذا كلُّه مما بَيَّنَه للنَّاسِ، وهَدَاهُم إليه، وأَرْشَدَهُم إليه بما أعْطَاهُ اللَّهُ مِن عِلْمٍ ونُصْحٍ وقُدْرَةٍ على البيانِ، فمَن زَعَمَ خلافَ ذلك فقد ساءَتْ ظُنُونُه باللَّهِ، وسَاءَتْ ظُنُونُه بالرسولِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فيكونُ مِن أكفرِ النَّاسِ وأضلِّهِم.