الْكَلَامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ سَاقِطَةٌ مِنْ أَوَّلِ النَّظْمِ، وَكَانَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَنْظُومَةِ تَتِمَّةً لِلْقَصِيدَةِ الطَّوِيلَةِ، أَوْ أَنَّ النَّاظِمَ رحمه الله تعالى أَتَى بِهَا لَفْظًا أَوْ لَفْظًا وَخَطًّا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَسْقَطَهَا بَعْضُ النُّسَّاخِ، وَنَحْنُ نَأْتِي بِهَا فَنَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم .
إنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ كُتُبَهُمْ بِالْبَسْمَلَةِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْقَدِيمِ، وَاقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ الْكَرِيمِ فِي مُكَاتَبَاتِهِ إلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَمَلًا بِحَدِيثِ " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ " أَيْ ذَاهِبُ الْبَرَكَةِ، رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ .فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِاسْتِعَانَةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا خَاصًّا مُؤَخَّرًا أَوْلَى .أَمَّا كَوْنُهُ فِعْلًا ; فَلِأَنَّ أَصْلَ الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ .وَأَمَّا كَوْنُهُ خَاصًّا فَلِأَنَّهُ أَنْسَبُ .وَأَمَّا كَوْنُهُ مُؤَخَّرًا لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقَةً، وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ، أَوْ السِّمَةُ وَهِيَ الْعَلَامَةُ .وَاَللَّهُ عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ كَعَلِمَ إذَا تَحَيَّرَ لَتَحَيُّرِ الْخَلْقِ فِي كُنْهِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلِيهُ إذَا عَلَا، أَوْ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ إذَا احْتَجَبَ .وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَزَعَمَ الْبَلْخِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ فَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَقِيلَ سُرْيَانِيٌّ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ سَاقِطٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .وَعَدَمُ الْإِجَابَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مَعَ الدُّعَاءِ بِهِ لِتَخَلُّفِ بَعْضِ شُرُوطِهِ الَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا الْإِخْلَاصُ وَأَكْلُ الْحَلَالِ .وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَجَمَعَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ الْحَيَّ الْقَيُّومَ .قَالَ فِي نُونِيَّتِهِ:
اسْمُ الْإِلَهِ الْأَعْظَمِ اشْتَمَلَ عَلَى = اسْمِ الْحَيِّ وَالْقَيُّومِ مُقْتَرِنَانِ
فَالْكُلُّ مَرْجِعُهَا إلَى الِاسْمَيْنِ يَدْرِيّ = ذَاكَ ذُو بَصَرٍ بِهَذَا الشَّانِ
وَالرَّحْمَنُ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى .وَالرَّحِيمُ ذُو الرَّحْمَةِ الْكَثِيرَةِ، فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْهُ، وَأَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِ الرَّحْمَةِ وَإِنْ ذُكِرَ بَعْدَمَا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِهَا الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مَقْصُودٌ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ .وَإِنَّمَا قُدِّمَ اللَّهُ عَلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ فِي الْأَصْلِ، وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ فِي الْأَصْلِ، وَالذَّاتُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الصِّفَةِ .وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ خَاصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ: رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ، وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ:
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانًا
فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاَللَّهِ خَاصٌّ بِاَللَّهِ لُغَةً وَشَرْعًا .قَالَ وَمِنْ ثَمَّ أُخِّرَ عَنْ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ فَلَيْسَ خَاصًّا بِهِ تَعَالَى بَلْ عَامٌّ بِهِ وَبِغَيْرِهِ تَعَالَى لِمَنْ قَامَ بِهِ مَعْنَاهُ .وَاعْتُرِضَ بِمَا خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ الرَّحِيمُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْتَحِلَهُ، وَحَمَلَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ عَلَى الْمُعَرَّفِ بِأَلْ دُونَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُضَافِ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ كَمَا أَشَرْنَا لِزِيَادَةِ بِنَائِهِ عَلَى الرَّحِيمِ وَزِيَادَةُ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى غَالِبًا كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ .
فَإِنْ قِيلَ: الْعَادَةُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَبْلَغِ لِيَرْتَقِيَ مِنْهُ إلَى الْأَبْلَغِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ وَجَوَادٌ فَيَّاضٌ، فَالْجَوَابُ قَدْ قِيلَ إنَّ الرَّحِيمَ أَبْلَغُ، وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خُصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، فَقِيلَ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الرَّحْمَنُ أَمْدَحُ وَالرَّحِيمُ أَلْطَفُ .وَقِيلَ إنَّمَا خُولِفَتْ الْعَادَةُ لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنْ يُرْدَفَ الرَّحْمَنُ الَّذِي تَنَاوَلَ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا بِالرَّحِيمِ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِتَنَاوُلِهِ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ .وَقَدْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي: الْحَقُّ قَوْلُ الْأَعْلَمِ وَابْنِ مَالِكٍ أَنَّ الرَّحْمَنَ لَيْسَ بِصِفَةٍ بَلْ عَلَمٍ .قَالَ وَبِهَذَا لَا يُتَّجَهُ السُّؤَالُ وَيَنْبَنِي عَلَى علميته أَنَّهُ فِي الْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا بَدَلٌ لَا نَعْتٌ، وَأَنَّ الرَّحِيمَ بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ لَا نَعْتٌ لِاسْمِ اللَّهِ، إذْ لَا يُقَدَّمُ الْبَدَلُ عَلَى النَّعْتِ .قَالَ وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّهُ غَيْرُ صِفَةٍ مَجِيئُهُ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ نَحْوُ {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ } {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} انْتَهَى .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَجِيئَهُ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ إذَا عُلِمَ جَازَ حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ صِفَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} أَيْ نَوْعٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَاخْتِلَافِ السَّمَوَاتِ وَالْجِبَالِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صِفَةٌ كَالرَّحِيمِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَمُشْتَقَّانِ مِنْ رَحُمَ بِجَعْلِهِ لَازِمًا بِنَقْلِهِ إلَى بَابِ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ إذْ هُمَا صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ وَهِيَ لَا تُشْتَقُّ مِنْ مُتَعَدٍّ .وَرَحْمَتُهُ تَعَالَى صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِنْعَامَ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا بِرِقَّةٍ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي الْإِنْعَامَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا يَلِيقُ بِرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ الْمُتَّصِفَ بِهَا تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ الْحَقِيقَةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقِ، بَلْ نَفْسُ الْإِرَادَةِ الَّتِي يَرُدُّونَ الرَّحْمَةَ إلَيْهَا هِيَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ، إذْ هِيَ مَيْلُ قَلْبِهِ إلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ .
وَكَذَا رَدُّ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى إلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ إنَّمَا يَكُونُ لِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْفَاعِلِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، وَفِعْلُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَمَا فَرُّوا إلَيْهِ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ نَظِيرُ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ . وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى الْمَجَازِ فِي رَحْمَتِهِ تَعَالَى، إذْ هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ نَفْيِهَا عَنْهُ وَضَعْفِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِيهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ، إذْ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ لِمَنْ قَالَ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَيْسَتْ جَرَاءَتُهُ كَجَرَاءَتِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِهِ تَعَالَى، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَلَيْسَتْ الِاعْتِبَارَاتُ الثَّلَاثَةُ مُتَمَاثِلَةً إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ تَعَالَى شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ .ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ " قَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ " رَوَاهُ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ " بِحَمْدِ اللَّهِ "، وَالْكُلُّ بِلَفْظِ " أَقْطَعُ " وَفِي رِوَايَةٍ " أَجْذَمُ "، وَفِي رِوَايَةٍ (كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ) أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ (لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ) فَتَكُونُ الرِّوَايَاتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَبِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَبِحَمْدِ اللَّهِ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ، وَأَقْطَعُ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، وَأَبْتَرُ وَأَجْذَمُ .
وَمَعْنَى " ذِي بَالٍ " أَيْ صَاحِبِ حَالٍ وَشَأْنٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا، فَيَخْرُجُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ، وَمَعْنَى " الْأَبْتَرُ، وَالْأَقْطَعُ، وَالْأَجْذَمُ " نَاقِصُ الْبَرَكَةِ، فَإِنَّ الْبَتْرَ قَطْعُ الذَّنَبِ، وَالْقَطْعُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَذْمُ قَطْعُ الْأَطْرَافِ أَوْ فَسَادُهَا وَلَكِنْ فِي الْمَعْنَوِيِّ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَاقِصٌ . وَلِمُلَاحَظَةِ النَّاظِمِ رحمه الله تعالى رِوَايَةَ ( كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ) بَدَأَ مَنْظُومَتَهُ بِذَلِكَ فَقَال:
َ بِحَمْدِكَ ذِي الْإِكْرَامِ مَا رُمْت أَبْتَدِي = كثِيرًا كَمَا تَرْضَى بِغَيْرِ تَحَدُّدِ