بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب المفعول الذي لم يسم فاعله، وهو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله:
فإن كان الفعل ماضياً ضُم أوله وكسر ما قبل آخره.
وإن كان مضارعاً ضُم أوله وفتح ما قبل آخره.
وهو على قسمين:
ظاهر.
ومضمر.
فالظاهر نحو قولك: (ضُرب زيدٌ) و(يُضرب زيدٌ) و(أُكرم عمرٌو) و(يُكرم عمرٌو).
والمضمر اثنى عشر: نحو قولك: (ضُربتُ) و(ضُربْنا) و(ضُربْتَ) و(ضُربْتِ) و(ضُرِبْتُما) و(ضُرِبْتُم) و(ضُرِبْتُنَّ) و(ضُرِبَ) و(ضُرِبَتْ) و(ضُرِبا) و(ضُرِبوا) و(ضُرِبْنَ)).
(باب المفعول الذي لم يسم فاعله): هو في الواقع حصره في العنوان بأنه: (المفعول الذي لم يسم فاعله) فيه تجوز؛ لأنه أوسع من ذلك.
هو في الواقع: باب ما لم يسم فاعله، واسمه المشهور: (باب نائب الفاعل) أو (النائب عن الفاعل)، أو (باب ما لم يسم فاعله)، أي: باب ما حُذف فاعله وقام هذا الذي بعده مقامه.
وحينما نقول إن تسميته بباب المفعول فيها تجوز؛ لأنه ليس كل ما ينوب عن الفاعل يكون مفعولاً.
فالأشياء التي تنوب عن الفاعل أكثر من ذلك، فينوب عن الفاعل:
-المفعول به -وهو الأصل لاشك في ذلك- ولكن ينوب أشياء أخرى غير المفعول به، وهي:
- الجار والمجرور.
-والظرف بنوعيه: ظرف الزمان والمكان.
-والمصدر.
هذه أشياء كلها تنوب عن الفاعل وتأخذ أحكامه، فالقول بأن المفعول هو الذي ينوب عن الفاعل وحده إنما هو من باب التغليب ومن باب التجوز؛ لأن المفعول هو الأصل وهو الأشهر والأكثر.
يقول في تعريفه هو: (الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله).
(هو الاسم المرفوع) طبعاً:
-كلمة (الاسم): تبعد ما سبق أن ذكرناه في الفاعل من الفعل والحرف، فإن الفعل والحرف لا يقع واحد منهما نائباً عن الفاعل.
-وكلمة (مرفوع): أيضاً تبعد ما كان منصوباً وما كان مجروراً، فإن النائب عن الفاعل يأخذ أحكام الفاعل، وأبرز أحكام الفاعل: الرفع، والفاعل لا يجر -كما قلنا- وكذلك نائب الفاعل لا يجر، إلا ما ذكرنا من الجر بحرف الجر الزائد مثل: (ما جاءني من أحد)، و{كفى بالله شهيداً} في باب الفاعل، فحكمه أنه مرفوع كحكم الفاعل تماماً، ولكن رفعه أيضاً -كما قيل في الفاعل-:
- قد يكون مرفوعاً بعلامة ظاهرة.
-وقد يكون في محل رفع بعلامة مقدرة (إذا كانت لا تظهر عليه)، وقد يكون في محل رفع كما إذا كان جارًّا ومجروراً، أو نحو ذلك.
(الذي لم يُذكر معه فاعله) لاشك في أنه إذا ذكر الفاعل لا يصير عندنا حينئذٍ نائب عن الفاعل؛ لأن النائب عن الفاعل لا يجتمع مع الفاعل، وكما أن النائب لا يصح أن تقول: هذا ناب عن فلان والمنوب عنه موجود؛ لأن النيابة عنه تقتضي أنه جلس في مكانه وقام بعمله، فالنائب عن الفاعل لا يأتي إلا عندما يحذف الفاعل.
فإذا حذفت الفاعل تقدم المفعول به أو ما ينوب منابه في محله، وأخذ جميع أحكامه:
-من مسألة الرفع.
- ومسألة تأنيث الفعل له.
- ومسألة عدم جواز تقدمه، وما إلى ذلك.
فمن علل حذف الفاعل:
- أن يكون الفاعل غير معروف أصلاً، فيحذف وينوب المفعول به أو غيره منابه.
أو أن يكون: لا يتعلق بذكره غرض،يعني يكون مثلاً: أنت تكون في مقامٍ أو في مجلس تستهجن أن تذكر بعض الأشياء، فتبنى الفعل للمجهول لكي تحذف هذا الفاعل تأدباً مع هذا المكان الذي أنت فيه، أو أنه لا يتعلق بذكره أي غرض مثلاً، كما في قول الشاعر:
وإن مُدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن
(وإن مدت الأيدي): أصلها إذا مد الناس أيديهم إلى الأكل (لم أكن بأعجلهم) إذ أجشع الناس أعجلهم يعني:لا يتعلق بذكره غرض، المهم أنه يتحدث عن نفسه وعن صفاته، أنه ليس جشعاً في الأكل، وأنه لا يبادر بمد يديه، ولا يكون أعجل الناس في ذلك، فلا يتعلق بذكر الفاعل غرض، فحينئذٍ يحذف الفاعل.
وربما حذف الفاعل أحياناً:
- حماية له أو وقاية له؛ لأن التصريح باسمه قد يضره ويؤثر عليه، فتقول مثلاً: (تُكُلِّمَ في هذا الموضوع هذا اليوم) لأنك ما تريد أن تذكر المتكلم بهذا الأمر لأنك لا ترى مصلحة ظاهرة في ذكره.
المهم أنه إذا حذف الفاعل -لأي علة من هذه العلل أو لأي سبب من هذه الأسباب- فإنه يتقدم المفعول به أو ما ينوب منابه؛ لكي يحل محله في أحكامه التي مرت وذكرت.
إذا أردت أن أحذف الفاعل وأنيب المفعول به محله،ما الذي يتغير؟
هناك تغيران:
-هناك تغير في الفعل.
- وتغير في هذا المفعول الذي تقدم.
- أما المفعول الذي تقدم
فالتغير الذي يحصل فيه أنه يرفع بعد أن كان منصوباً، تقول: (قرأت الكتاب) تقول: (قُرِئ الكتابُ) هذا التغير الذي يحصل في المفعول الذي تقدم.
إذا أردت أن أبني فعلاً للمجهول، أو أن أبنيه لغير المعلوم، أو لما لم يسم فاعله، ما التغييرات التي تحصل في الفعل؟
يقول: (إذا كان الفعل ماضياً ضم أوله وكسر ما قبل آخره،
وإن كان مضارعاً ضم أوله وفتح ما قبل آخره). هذه قاعدة في الماضي والمضارع.
هناك زيادة أخرى يعني إضافة:
-بأنه إذا كان الفعل مبدوءاً بالتاء الزائدة فإنه يضم مع الأول الحرف الثاني.
- فإن كان الفعل مبدوءاً بهمزة الوصل، يعني: كان خماسياً أو سداسياً فإنه يضم مع الأول أيضاً الحرف الثالث.
إذا قلت: (انطلق الرجال إلى الميدان) إذا بنيته للمجهول تقول: (اُنطُلِقَ) تضم الأول وتضم معه الحرف الثالث وهو الطاء.
فإذا قلت مثلاً: (استخرج العمال البترول) إذا بنيته للمجهول ماذا تقول؟ (أُستُخرج) تضم مع الأول أيضاً الحرف الثالث.
إذاً القاعدة لا تتغير: أنه يضم الأول مطلقاً، مع الماضي ومع المضارع، ويكسر ما قبل الآخر مع الماضي، ويفتح ما قبل الآخر مع المضارع.
وهذه القاعدة لا تتغير، إلا أنه إن كان مبدوءاً بالتاء زِيد على ما سبق: أن يضم الثاني مثل: (تقدم محمد على أقرانه) أو (تقدم محمد في الامتحان)، إذا بنيته للمجهول ماذا تقول؟ (تُقُدِّمَ) تضيف إلى ضم الأول ضم الثاني أيضاً، وهو الحرف الذي يقع بعد هذهالتاء، (تَكَلّم): (تُكُلِّم)، (تَبَرَّع)، (تُبُرِّعَ) بمبلغ كذا وكذا.
فإن كان مبدوءاً بهمزة الوصل ضُمَّ مع الأول الحرف الثالث، وأما القاعدة فهي ثابتة لا تتغير، وهي: ضم الأول وكسر ما قبل الآخر في الماضي، وضم الأول وفتح ما قبل الآخر في المضارع.
وهو على قسمين:
ظاهر ومضمر.
ما قاله المؤلف -رحمه الله- هنا في الظاهر والمضمر هو نفس ما قاله في باب الفاعل.
يقول: فالظاهر نحو قولك: (ضُرب زيدٌ) و(يُضرب زيدٌ) جاء بنائب الفاعل مفرداً مذكراً مع فعل ماض ومع فعل مضارع: (ضُرِب) و(يُضرب) و(أُكرم عمرو) و(يُكرمُ عمرو)
يعني: مع فعل ثلاثي ومع فعل رباعي.
والمضمر اثنا عشر، وهي التي تقدمت، وأشرنا إليها مع الفاعل، وهي ضمائر الرفع المتصلة، وهي اثنا عشر، وضمائر الرفع المنفصلة، وهي اثنا عشر، كلها ترد هنا، فكما أنها هناك تقع فاعلاً، فهي هنا -أيضاً- تقع نائباً عن الفاعل.
تقول: (ضُربتُ) أو (أُكْرِمتُ) و(ضُربنا) و(ضُربتَ) و(ضُربتِ) و(ضُربتما) و(ضُربتم) و(ضُربتن) وتقول: (ضُرِبَ) أيضاً ما قلناه هناك: من أن الفاعل أو نائبه يكون ضميراً بارزاً مع المتكلم ومع المخاطب ومع الغائب، إلا في حالة المفرد المذكر والمفردة المؤنثة، فإنه يكون ضميراً مستتراً مع الغائب.
(ضُربتُ): نائب الفاعل: التاء، (ضُرِبنا) نائب الفاعل: (نا)، و(ضُرِبتَ) كذلك التاء، و(ضُربتِ) التاء و(ضُربتما) كذلك و(ضربتم) و(ضربتن) نائب الفاعل ظاهر كما ظهر في الفاعل، وعندما جاء للواحد الغائب قال: (ضُرب)،أين نائب الفاعل؟
ضمير مستتر تقديره: (هو).
أين نائب الفاعل؟
و(ضُرِبت) -أيضاً- ضمير مستتر تقديره: (هي)، ولا يصح أن تقول: إن التاء هي نائب الفاعل؛ لأنها كما قلنا تاء التأنيث الساكنة، وهي حرف لا محل له من الإعراب، ولا تقع فاعلاً ولا نائب فاعل.
و(ضُرِبا) هنا ظهر وصار ضميراً بارزاً وهو الألف، و(ضُربوا): واو الجماعة، و(ضُربن): نون النسوة.
وكذلك ضمائر الرفع المنفصلة، لم يذكرها هنا كما لم يذكرها هناك من نحو: (ما قام إلا أنا) و(إلا أنت) (إلا هو) التعبير بأنَّ (أنا) و(أنت) و(هو) و(هي) و(هم) التعبير بأنه هو الفاعل؛ إنما هو تعبير فيه تجوز وتسامح، وإلا فإنهم يقولون: إن الفاعل مقدر تقديره: (ما قام أحد إلا أنا)، وأن هذا مستثنى منه، لكنه حل محله فجاز لك أن تعبر عنه بأنه هو الفاعل، كما يجوز لك أن تعبر عنه بأنه هو نائب الفاعل، وكما تقول: (ما أُكرِم إلا أنا) (إلا نحن) (إلا أنت) (إلا أنتِ) (إلا أنتما) (إلا أنتم) (إلا أنتن) (إلا هو) (إلا هي) (إلا هما) (إلا هم) (إلا هنّ)، فيصح إذاً أن يقع نائب الفاعل ضمير رفع منفصل، كما كان ذلك مع الفاعل نفسه.
هذا أبرز ما ذكره فيما يتعلق بباب نائب الفاعل.
بقيت إضافة لم يتعرض لها، وهي أن كل حديثه هنا موجه على المفعول به عندما يقع نائباً عن الفاعل فقط، ولم يذكر الأشياء الأخرى الثلاثة التي تنوب عن الفاعل حينما يغيب المفعول به، وهي:
- الجار والمجرور.
- وظرف الزمان بنوعيه: ظرف الزمان وظرف المكان.
- والمصدر.
هذه الأشياء الأربعة تنوب عن الفاعل كما ينوب المفعول به، لكن الراجح والمشهور عند الجمهور: أن من شروط نيابتها عن المفعول به:
الشرط الأول:
أن لا يوجد المفعول به، هذا ما يشترطه الجمهور: أن هذه الأشياء الأربعة وهي: الجار والمجرور والمصدر والظرف بنوعيه؛ تنوب عن الفاعل، لكنها لا يصح أن تنوب مع وجود المفعول به؛ لأنه هو الأصل.
هذا رأي الجمهور، وإن كان الأخفش والكوفيون أجازوا أن ينوب أي واحد من هذه مع وجود المفعول به.
(الأخفش) فصل في ذلك والكوفيون أجازوه على إطلاقه محتجين بقراءة في قوله تعالى: {لِيُجزى قومٌ بما كانوا يكسبون}{لِيُجزى}(يجزى) هنا: فعل مضارع مبني للمجهول يحتاج إلى نائب فاعل وهو المفعول به: ليجزي اللهُ قوماً، فلفظ الجلالة: فاعل، فلما بني الفعل للمجهول تقدم المفعول به (وهو: القوم) وحل محله فصار: (ليجزى قومٌ بما كانوا يكسبون). هناك قراءة ليست سبعية -من الشواذ- (ليُجزى قوماً) فالمفعول به باق على نصبه، والفعل (يجزي) مبني للمجهول.
هل في هذه القراءة جعل المفعول به نائب فاعل أو لا؟ (ليُجزى قوماً)
لو كان نائب فاعل لصار: ليجزى قومٌ، لكن بقاءه على النصب دليل على أنه لم ينب عن الفاعل هنا.
إذاً أين نائب الفاعل؟
عند الكوفيين: نائب الفاعل هو الجار والمجرور، {بما كانوا يكسبون}فيستدلون بمثل هذه الآية أنه يصح أن ينوب الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به ومع تقدم المفعول به أيضاً.
أما الأخفش فيقول: إذا تقدم الجار والمجرور على المفعول به فلا حرج في نيابته.
لكن الجمهور -وهو الرأي الأقوى- يقولون: بأنه لا يصح أن ينوب غير المفعول به مع وجوده أبداً، حتى ولو تأخر المفعول به، فلو قلت مثلاً: يعني نريد مثالاً يجمع بين هذه الأشياء كلها تقول: (ضُرب زيد ضرباً شديداً أمام الأمير يوم الجمعة في داره)(ضُرب زيد) (زيد) هو المفعول به،(ضرباً شديداً) هذا المصدر، (أمام الأمير): ظرف مكان، (يوم الجمعة): ظرف زمان (في داره) جار ومجرور.
هذه هي الخمسة التي تنوب عن الفاعل.
يقولون: إذا وجدت هذه الخمسة وكان معها المفعول به وهو (زيداً) فإنه يجب أن تنيب المفعول به، سواء:
- تقدم كما في قولك: (ضُرِب زيد...).
- أو تأخر، لو قلت: (ضُرب ضرباً شديداً أمام الأمير يوم الجمعة زيدٌ) فلو أخرت (زيد) وهو المفعول به فإنه يجب أن يكون هو النائب عن الفاعل.
فإذا لم يوجد في الكلام مفعول به أصلاً، بأن كان الفعل -مثلاً- لازماً، مثل: (خرج) الآن تقول: (خرج محمد من المنزل) إذا بنيت (خرج) للمجهول ماذا تقول؟
يعني: أنت الآن جالس فسمعت الباب فتح وخرج أحد من المنزل لكن ما رأيته، ماذا تقول؟
تقول: (خُرِجَ من المنزل) أين نائب الفاعل؟
الجار والمجرور: (من المنزل) ما عندك خيار أن تنيب الجار والمجرور.
مثلاً: (صام محمد رمضان) إذا بنيته للمجهول وحذفت الفاعل تقول: (صِيم رمضان) (رمضان) هنا: ظرف زمان وهو نائب عن الفاعل؛ لأنه لا يوجد مفعول به.
فإذا قلت: (سار محمد فرسخاً أو ميلاً) فإذا بنيته للمجهول ماذا تقول؟ (سِيرَ ميلٌ) أو (سير فرسخ)ففرسخ هنا ظرف مكان وهو نائب عن الفاعل.
تقول: (ضُرِب اللص ضرباً شديداً) فإذا حذفت المفعول به أو الفاعل فتقول:(ضُرِب ضربٌ شديدٌ)، يعني أنه وقع هذا اليوم ضربٌ شديد على فرد من الناس، يعني نحن لا نعرف من المضروب ولا المفعول، وإنما نعرف وقوع الضرب، فإذا عرفته وبنيته للمجهول تقول: (ضُرِب ضربٌ شديدٌ هذا اليوم) أي أنه حصل ووقع هذا اليوم ضرب شديدٌ فالحاصل أن المفعول به ليس هو وحده ينوب عن الفاعل، وإنما ينوب معه أربعة أشياء، لكنه هو أولها، وهو سيدها، ولا يصح أن ينوب غيره مع وجوده فإن لم يكن موجوداً فلك أن تنيب الموجود؛ إما جار ومجرور أو الظرف أو المصدر.
ولابد في الظرف والمصدر حينما ينوبان من شروط:
الأول: كما ذكرت- أن لا يوجد المفعول به.
والثاني: أن يكون كل واحد منهما مختصاً ومتصرفاً.
ما معنى مختص؟أي: ليس مبهماً ليس عاماً، يعني: لا يصح أن تقول: (صِيم شهرٌ)(رمضان) معروف و(عاشر ذي الحجة) معروف لكن (شهرٌ) أو (زمن) أو (مسافة) لا يصح.
تقول: (سير ميل) هذا صحيح محدد مختص، (صيم رمضان) هذا محدد، (صيمت عشر ذي الحجة) هذا محدد، لكن (صِيم زمن)(سِير مسافة) هذا غير مختص؛ لأنه فيه إبهام وعموم، فلا يصح أن ينوب عن الفاعل.
وكذلك يشترط فيه أن يكون متصرفاً ليس ملازماً لهيئة معينة، كما في كلمة (سبحان) مثلاً فإنها ملازمة للنصب على المصدرية (سبحان الله) فلا يصح أن تنوب؛ لأنها ليست متصرفة وإنما ملازمة لهذه الهيئة.
لو طلب منك مثال للأشياء التي تنوب عن الفاعل بصفة عامة.
تقول: الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة أشياء:
1- المفعول به.
2-والجار والمجرور.
3-والمصدر.
4-وظرف الزمان.
5-وظرف المكان.
إذا أردت أن تجمع هذه الخمسة في مثال واحد تقول:
(ضُرِب زيدٌ ضرباً شديداً أمام الأمير يوم الجمعة في السوق) مثلاً.
(ضُرِب زيد): هذا المفعول به زيد.
(ضرباً شديداً): هذا المصدر.
(أمام الأمير): هذا ظرف المكان.
(يوم الجمعة): هذا ظرف الزمان.
(في السوق): هذا الجار والمجرور.
إذا اجتمعت عندك هذه الخمسة ماذا تعمل؟
عند الجمهور يجب أن تنيب المفعول به الذي هو: (زيد) سواء تقدم أو تأخر، والبقية كلها تكون منصوبة سواء كانت منصوبة بحركة ظاهرة أو في محل نصب.
عند غير الجمهور يجوز لك أن تنيب غير (زيد) فتقول مثلاً: -يصح عند غير الجمهور أن تقول: - (ضُرِب زيداً أمامُ) فتنيب (أمام) وتقول: (ضُرِب زيداً أمامَ ضربٌ) فتنيب (ضرب) أو تقول: (ضُرِب زيداً أمامَ ضرباً يومُ) فتنيب (يوم)، أو تنصب الجميع على أن (في السوق) هي النائب، وتكون مرفوعة بضمة مقدرة، لكنها طبعاً جار ومجرور ما تظهر عليها الحركة.
فهذا هو الغرض من هذا المثال، الغرض من هذا المثال هو جمع الأشياء الخمسة التي تنوب عن الفاعل.
الرأي المشهور: أن الخمسة إذا اجتمعت فأجدرها وأولاها هو المفعول به، سواء تقدم أو تأخر.وعند غير الجمهور: يصح أن تنيب أي واحد من هذه الأشياء، ولكن ما الدليل؟:
الدليل: أنك؛ الذي تختاره للنيابة ترفعه، وتبقي الباقية منصوبة على أنها معمولة لهذا الفعل.
[خلاصة لنائب الفاعل]
هو: (الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله)،
وقلنا: إن كلمة (اسم) هنا تخرج الفعل والحرف، فإنه لا يقع نائباً عن الفاعل.
وكلمة (مرفوع) تخرج المنصوب والمجرور، فإن نائب الفاعل كالفاعل؛ من أهم أحكامه: الرفع، فلا يقع منصوباً ولا مجروراً.
(الذي لم يذكر معه فاعله) تبعد ما ذكر معه الفاعل؛ لأنه إذا ذكر معه الفاعل صار حينئذٍ -هذا المتأخر- صار مفعولاً وليس نائباً عن الفاعل.
(والمفعول الذي لم يسم فاعله) ذكر العنوان بهذا الشكل؛ من باب التغليب، وإلا فإن الذي ينوب عن الفاعل خمسة أشياء، وليس المفعول به فقط، المفعول به هو أهم وأبرز هذه الأشياء التي تنوب عن الفاعل. تقول: في (أكل محمد الطعام) تقول: (أُكِل الطعام).
فإذا حذف الفاعل تقدم المفعول به وحل محله وناب منابه في أحكامه:
- في أنه يرفع كما يرفع الفاعل.
- وفي أنه لا يتقدم على العامل أو على الفعل كما أن الفاعل لا يتقدم أيضاً.
- وفي أنه أيضاً يفرد معه ويوحَّد معه الفعل
فلا يثنى ولا يجمع إذا كان هو مثنى أو مجموعاً.
وفي أحكامه الأخرى؛ من حيث التقديم والتأخير، وما إلى ذلك من الأحكام الأخرى.
قلت إن الأشياء التي تنوب عن الفاعل ليس المفعول به فقط، وإنما هي خمسة أشياء: أولها وأهمها:
- المفعول به.
- ثم الجار والمجرور.
- ثم الظرف (سواء كان ظرف زمان أو ظرف مكان).
- ثم المصدر.
هذه خمسة أشياء تنوب عن الفاعل، ويمكن أن تجمع في مثال واحد، كما لو قلت: (ضُرِب زيد في السوق أمام الأمير يوم الجمعة ضرباً شديداً).
هذه الخمسة -عند الجمهور- إذا اجتمعت فيجب أن تنيب المفعول به، الذي هو زيد، سواء كان المفعول به متقدماً أو كان متأخراً، فلابد أن ينوب المفعول به مع وجوده.
وعند بعض العلماء -وهو رأي ليس بالقوي- أنك يصح أن تنيب أي واحد من هذه:
فلك أن تقول: (ضُرِبَ زيداً في السوق)وتكون أنبت الجار والمجرور: (في السوق)، (أمام الأمير يوم الجمعة ضرباً شديداً).
ولك أن تنيب أحد الظروف، فتقول: (ضُرِبَ زيداً في السوق أمامُ) فتنيب ظرف المكان.
ولك أن تنيب ظرف الزمان، فتقول: (ضُرِب زيداً في السوق أمامَ الأمير يومُ الجمعة).
ولك أن تنيب المصدر، فتقول: (ضُرِب زيد) أو: (ضرب زيداً في السوق أمام الأمير يوم الجمعة ضربٌ شديدٌ).
لكن هذا القول بإنابة أي واحد منها ليس بالقوي، وإنما القوي أنه متى وجد المفعول به فيجب أن ينوب؛ لأنه هو الأصل، وإن لم يوجد المفعول به فلك أن تنيب أي واحد من هذه، ويحسن أن تنيب المتقدم منها، فيمكن أن ينوب الجار والمجرور عن الفاعل، كما إذا قلت مثلاً: (خُرِج من المنزل)، (خرج محمد من المنزل) إذا حذفت الفاعل فإنك تنيب الجار والمجرور فتقول: (خُرِج من المنزل).
ولك أن تنيب الظرف فتقول: (صام محمد رمضان) إذا حذفت الفاعل تقول: (صِيم رمضانُ) ولك أن تنيب المصدر فتقول: (ضُرِب ضربٌ) أي: حصل ضرب شديد، ولك أن تنيب ظرف المكان فتقول: (سير فرسخ أو ميل أو نحو ذلك)
واشترط العلماء في نيابة الجار والمجرور والظرف -الظرف بنوعيه- والمصدر والجار والمجرور: أن لا يوجد المفعول به، هذا هو الشرط الأول.
والشرط الثاني -وهو خاص بالظرفين وبالمصدر-:
- أن يكون الظرف -بنوعيه- والمصدر متصرفاً، فلا يصح أن يكون ملازماً لحالة واحدة.
- وأن يكون مختصّاً بوصف أو بإضافة، فلا يصح أن يكون مبهماً عاماً.
تقول: (صِيم رمضان)؛ لأن (رمضان) شهر معروف، ولكن لا يصح أن تقول: (صيم زمن) أو (صيم دهر)؛ لأنه مبهم عام.
فالحاصل إذاً الذي يهم التركيز عليه: أن الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة وليس المفعول به فقط.
وأنك حينما تريد أن تبني الفعل للمجهول أي لما لم يسم فاعله؛ فإنه يلزمك فيه تغيير يسير:
-فإن كان الفعل ماضياً فإنه يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، فتقول في: (كَتَبَ) (كُتِبَ): تضم الأول -وهو الكاف- وتكسر ما قبل الآخر -وهو التاء-.
- وإن كان الفعل مضارعاً فإنك تضم الأول وتفتح ما قبل الآخر، مثل: (يُكتَب الدرس) بدل (يَكتب) : إذا بنيته للمجهول قلت: (يُكتب).
إن كان الفعل مبدوءاً بالتاء الزائدة فإنه يضم مع الأول الحرف الثاني، فتقول: (تُكُلم) (تُقُدم) (تُبُرع بمبلغ كذا وكذا).
وإن كان مبدوءاً بهمزة وصل-في الخماسي والسداسي- فإنه يضم مع الأول الحرف الثالث، مثل: (اُنطُلق) و(اُستُخرج) ونحو ذلك.
وكما أن الفاعل -في تقسيم المؤلف- قسمان:
ظاهر، ومضمر.
فأيضاً النائب عن الفاعل كذلك قسمان:
ظاهر، ومضمر.
هذا خلاصة ما في النائب عن الفاعل.ننتقل إلى باب المبتدأ والخبر.
[استدراك]
أود أن أشير إلى آية مرت في حديثنا عن نائب الفاعل وهي قراءة {ليُجْزَى قوماً بما كانوا يكسبون}فهذه القراءة يستشهد بها الكوفيون وغيرهم ممن يرى هذا الرأي على أنه يصح أن ينوب غير المفعول به مع وجود المفعول به، وقد ذكرت أن هذه القراءة شاذة.
والواقع أنها شاذه بالنسبة لحكم النحويين عليها، فالنحويون الذين لا يرون هذا الرأي يقولون: إن هذه القراءة شاذة، وليس معنى قولي إنها شاذة أنها من القراءات الشاذة اصطلاحاً، أي التي فوق القراءات العشر أو فوق القراءات الأربع عشرة قراءة، فإن هذه القراءة قد قرأ بها أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وهو من القراء العشرة.
فهي باعتبار قارئها قراءة عشرية، وهي بنظر النحويين لها وتخريج النحويين لها قراءة شاذة، والحكم على القراءات بالشذوذ سواء كانت عشرية أو سبعية هذا كلام طويل، وفيه كتب مؤلفة حول نظرة النحويين لبعض القراءات، وليس هذا المجال مجاله.