قال بعدها: "ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله" لا نخوض في الله , يعني في ذات الله جل وعلا "ولا نماري في دين الله" يعني لا نلقي الأغلوطات والشبه والشكوك في دين الله جل وعلا , فأصل الإسلام مبني على الاستسلام , والاستسلام لله جل وعلا فيما أخبر به في أمور الغيب فيما أنزله الله على رسوله عليه الصلاة والسلام جملةً وتفصيلاً .
فإذاً في الله لا نخوض يعني في ذات الله سبحانه وتعالى , بل نتكلم عن الذات العلية جل جلاله , وعن صفاته سبحانه وتعالى , بما جاء في الكتاب والسنة , لهذا أصل السنة مخالف لأهل الأهواء في هذا الأصل , فأهل الأهواء والبدع يخوضون في الله وفي صفاته , ولذلك سموا أهل الكلام؛ لأنه في كل مسألة يخوضون، فلو رأيت .. راجعت كتاب الأشعري , مقالات الإسلاميين لوجدت أنه قسمه إلى قسمين:
القسم الأول: جليل الكلام .
والثاني: دقيق الكلام .
دخلوا في أشياء هي خوض في الله جل وعلا , وفي صفاته بغير ما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم .
إذن قوله: "ولا نخوض في الله" يريد به مفارقة أهل الكلام , ومفارقة أهل البدع والأهواء , في أننا نتأدب مع الرب جل جلاله , فلا نخوض في شيء إلا بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , ولا نماري في دين , يعني بإلقاء الشبه والشكوك… إلى آخره , ولو لقصد المناظرة , بل المراء مذموم بأنواعه .
وتحتها مسائل:
المسألة الأولى:
الخوض في ذات الله محرم , وكذلك التفكر في ذات الله أيضاً منهيٌ عنه , لكن المأمور به أن يفكر المرء في آلاء الله جل وعلا، قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تفكروا في آلاء الله , ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا)) , فالمأمور به العبد أن يتكفر في آلاء الله , آلاء الله جل وعلا , يعني في آياته وآيات الله جل وعلا نوعان , آيات مرئية , وهي ملكوته في السماوات والأرض , وما خلق الله من شيء، وآيات متلوة , وهي القرآن , فمن تفكر في آلاء الله دله على عظم ربه جل وعلا , وأصابه طمأنينة وسكينة وخشوع وخضوع للرب جل وعلا .
لهذا أمرنا ربنا بالتفكر في آلائه وملكوته وآياته قال سبحانه: ] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [ , وقال سبحانه: ] أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ [ , وقال سبحانه أيضاً: ] قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ [ , وقال جل وعلا: ] قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ [ , نقف هنا ] مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ… [ الآية . والنبي صلى الله عليه وسلم حُبب إليه الخلاء , حبب إليه أن يدخل غار حراء ويمكث فيه الليالي ذوات العدد , يتحنث ويتأمل في ملكوت الله جل وعلا، وهذا يحدث من حقائق الإيمان في النفس , ومن الارتباط والذل لله جل وعلا ما يحدث .
ولهذا كان من هدي السلف رضوان الله عليهم قلة الكلام , والتفكر في آلاء الله جل وعلا , قالت أم الدرداء في وصف زوجها أبي الدرداء: كانت أكثر عبادة أبي الدرداء التفكر . كان الحسن رحمه الله البصري يقول: "عاملنا القلوب بالتفكر فأورثها التذكر، فرجعنا بالتذكر على التفكر , وحركنا القلوب بإيمان , فإذا القلوب لها أسماع وأبصار" هذه كلمة عظيمة , قلب الناس واحد , قلوبهم مضغة كلها تتحرك وتقذف الدم.. إلى آخره , لكن القلب الحي ] لينذر من كان حيا [ صاحب القلب الحي هذا يكون قلبه له سمعٌ وبصر , يعني يرى الأشياء , ويتفرس في الأشياء , ويكون له مرئيات , يرى ما لا يراه الآخرون، قال: عاملنا القلوب بالتفكر , التفكر في آلاء الله ليس التفكر في الله , ولا في ذات الله , إنما التفكر في آلاء الله جل وعلا , فيما خلق في آياته التي أعطاها المرسلين في آياته المتلوة القرآن… إلى آخره , يعني في المنظورة والمقروءة , فأورثها التذكر , يعني تذكر العبد إذا تفكر وخلا بنفسه , فإنه سيتذكر , لكن تذكره سيكون ضعيفاً؛ لأن بدايات التذكر بعد التفكر .
قال: فرجعنا . وهو يحكي حال السلف الحسن البصري , يقول: عاملنا يعني السلف , يعني طبقة التابعين، قال: فرجعنا بالتذكر , هذا (اللي) تذكرناه , وصار في القلب نوع حياة رجعنا به على التفكر , تفكرنا من جديد , نظرنا في الملكوت في آلاء الله , في تصرف الله جل وعلا , في خلقه , في آيات الله في القرآن , فرجعنا بالتذكر على التفكر .
وحركنا القلوب بإيمان , يعني: مرة وراء مرة , هذا تذكر بعد التفكر , تذكر بعد تفكر , يبقي العبد في الإيمان، قال: فإذا القلوب لها أسماع وأبصار ينفتح القلب في معارف الله جل وعلا، ومن الأنس به , ومن لذة مناجاته , ومن إيثار ما عنده على ما في هذه العاجلة , وعلى إيثار محابه جل جلاله على أهواء النفس , ما لا يدركه إلا من وفقه الله جل جلاله .
لهذا قال: "ولا نخوض في الله" سمة أهل السنة والجماعة أنهم لا يخوضون في الله , ولا يخوضون في صفات الله , وإنما يذكرون ما دل عليه الكتاب والسنة ويعلمون ذلك , وإنما المهم العمل , المهم هذا القلب أن يكون صالحاً , أن يكون خاشعاً لله , منيباً لله جل جلاله , ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله , وعين باتت تحرس في سبيل الله)) , وقال في السبعة الذين يظلهم الله في ظله ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) .
فمن أعظم العبادات التفكر، أي التفكر في القرآن , في هذا تردد الآيات لتؤثر على قلبك , تذكر في ملكوت الله في السماء العجيبة , في الأرض , في الخلق، هذا من سمة وخصال أهل السنة والجماعة , مخالفين بذلك بطريقة الصوفية الذين أورثهم العزلة التفكر والخوض في الله جل وعلا , والكشف , كشف الحجب ونحو ذلك مما زلت به أقدامهم.
المسألة الثانية:
على قوله: "ولا نماري في دين الله" المراء مذموم , والمراء ضابطه هو أن يورد الشيء لقصد الانتصار للنفس أو إضعاف من أمامه , يعني المغالبة , يريد يغالب , يريد يشكك , الشبة يوردها , هذا من الأمور المذمومة؛ لأن أصل الدين مبني على الاستسلام, فالمراء في الدين محرم , وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وهو محق , وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك المراء ...)) (إيش) [مداخلة غير مسموعة من أحد الحاضرين]
المقصود النبي صلى الله عليه وسلم تكفل ببيت لمن ترك المراء , وإن كان محقا ببيت في الجنة , لماذا؟ لأن المراء أحياناً أنت وأنت تماري يأتيك الحق معك , لكن تغلبك نفسك للانتصار لنفسك , لا للحق , والإنسان بين هذه وهذه يكون عنده شيء , يعني بين الانتصار للحق وبين الانتصار لنفسه , وكثيراً ما تشتبه على أكثر الناس , يعني تختلط هذه بهذه , وأنت بتنتصر لنفسك (ولا) بتنتصر للحق , ولهذا يسمى هذا مراء , إذا صارت مجادلة وخشيت أن تنتصر فيها لنفسك فالسكوت أفضل؛ لأن الانتصار لنفسك من المراء في دين الله جل جلاله .
فإذن من صفة أهل السنة والجماعة , ومن سماتهم أنهم لا يمارون في دين الله , لهذا قال الإمام مالك –رحمه الله- لما سُئل الرجل تكون عنده السنة أيجادل عليها؟ قال: لا , يخبر بالسنة , فإن قبلت منه وإلا سكت . لأن المراء في ذلك يورث العداوة , قد يورث الانتصار للنفس , وذلك كله مذموم .
نقف عند هذا , وأسأل الله جل وعلا لي ولكم الهدى والرشاد, وأن يحبب إلينا الإيمان , وأن يزينه في قلوبنا , كما أسأله جل جلاله أن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه , أسأل الله الكريم أن يجعلني وإياكم ممن بارك أقوالهم وأعمالهم , ونفعهم بقليل ما تقربوا به إلى ربهم , كما أسأل المولى جلت قدرته وعظم أجره أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , اللهم اجعلنا من أهل القرآن , ممن يتلونه حق تلاوته , نسألك اللهم ألا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا , اللهم هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان , واجعلنا من الراشدين , اللهم واجعلنا دعاة إلى الحق , دالين الخلق إليك وعليك , اللهم وثبتنا على طريقة سلفنا الصالح؛ حتى نلقاك وأنت راض عنا يا أكرم الأكرمين، أما بعد..,
فهذه بعض الأسئلة نجيب عنها في مقدمة الدرس:
سؤال: يقول: ذكر بعض العلماء أن المرأة إذا طلقت طلاقاً بائناً في مرض الموت المخوف بقصد حرمانها من الميراث, ثم تزوجت بآخر فمات الأولى أنها ترث من الأول , وهذا على المذهب المالكي، وقد ذكر بعض المعاصرين , أن المرأة لا ترث من زوجين بالإجماع في هذه الصورة , فما الصورة الصحيحة التي يحق للمرأة أن ترث من اثنين أو أكثر في وقت واحد , وتخرج عن الإجماع المذكور؟
جواب: هذه مسائل فيها خلاف , ويطول الكلام عليها , لكن القاعدة التي ينبغي معرفتها في ذلك أن تصرفات المريض في مرض موته يعني في المرض الذي مات فيه , وكان المرض مما يكون معه الهلاك عادة , أو غالباً تصرفات المريض غير معتبرة , فلو أعطى في مرضه فإن عطيته غير منعقدة، لو طلق في مرضه فإن طلاقه إذا كان بقصد الحرمان فإنه غير جار .
وهنا من غرائب المسائل التي تذكر في هذا أن المرأة إذا طلقها زوجها , يعني مما يتصل بالسؤال , إذا طلقها زوجها في مرضه المخوف الذي مات فيه فإنه يعني بقصد حرمانها , فإنها ترث منه , ولا تحادّ عليه؛ لأنه لما طلقها أسقط حقه عليها، والإحداد: إحداد أربعة أشهر وعشراً , هذا حق للزوج فبتطليقه لامرأته سقط حقه عليها، وبتطليقه بإرادة من حرمانها الإرث فإن هذا ليس له , بل هذا إلى الله جل وعلا , والله سبحانه هو الذي قسم التركة، فليس له أن يحرم بعض الورثة، فتصرفه هذا باطل .
لهذا ترث المرأة منه في هذه الصورة , ولا تحاد عليه، فالمرأة إذا طلقت كما ذكر في السؤال فإن هذه المسائل مرجعها إلى القاضي , فقد يعني قد يكون السؤال خصومة موجودة عند القاضي , ونحو ذلك , فهذه يرجع فيها إلى القاضي هو الذي يثبت الطلاق أو لا يثبته بحسب مرض الرجل وطبيعة المرض , وهل قصد حرمانها أم لم يقصد، وهل المرض طال وهل ثم تزوجت بالثاني ظروف الزواج المقصود أن ثم أشياء مرجعها إلى المحكمة.
سؤال: هل دعاء ركوب الدابة أو السيارة ونحوهما خاص بالسفر فقط , أم بالحضر أيضاً؟ وهل هناك دعاء خاص عند شراء سيارة جديدة؟
جواب: الدعاء في ركوب الدابة والسيارة هذا عام , سواء في الحضر أو في السفر , ولكن في السفر له صيغة طويلة , في الحجة التي جاءت في حديث علي ونحوه من التكبير ثم الدعاء وتلاوة الآية… إلى آخره , فمطلق الدعاء، دعاء ركوب السيارة أو الدابة فهذا يشرع في الحضر والسفر , وذلك بتلاوة الآية: ] سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [ .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا علا كبر , وإذا هبط سبح؛ وذلك لأن العلو يناسبه التكبير , والانخفاض يناسبه التسبيح , وهذا في خارج في السفر وفي الحضر , وكذلك لمناسبة ذلك جاء في الصلاة مشروعية ذلك، فإن التسبيح جاء في المواضع التي يكون العبد فيها منخفضاً لله جل وعلا في الركوع وفي السجود , والتكبير جاء في المواضع التي يكون فيها ارتفاع بالنسبة إلى ما بعده .
لهذا يشرع لمن في الحضر ومن في السفر أنهم إذا علوا أن يكبروا , وإذا هبطوا أن يسبحوا , ويدخل في ذلك إذا علا سيارة أو طيارة أو أراد أن ينزل , كل هذا تدخل في عموم ذلك .
أما الدعاء الخاص عند شراء السيارة هذا ليس فيه دعاء خاص , لكن يناسب أن يقول الدعاء المعروف فيما إذا استجد الإنسان شيئاً من دابة ونحوها , أن يضع يده عليها , وأن يقول: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما صنعت له , وأعوذ بك من شرها وشر ما صنعت له" هذا مناسب في السيارة وفي نحوها.
سؤال: ما تحرير محل النزاع في قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم؟ الثاني: هل القراءات السبع هي أحد الأحرف السبعة أو جميعها؟
جواب: أما قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم فللعلماء فيها أقوال:
الأول منها: أنها يتحملها الإمام في الصلاة السرية وفي الصلاة الجهرية , يعني يتحمل وجوبها , ويستحب للمأموم أن يقرأها في السرية وفي الجهرية , هذا هو المعروف من المذهب , مذهب الإمام أحمد , وهو قول عدد كبير من أهل العلم من السلف ومن المتأخرين.
القول الثاني: هو أن المأموم يقرأ في السرية فقط، يعني وجوباً، وأما في الجهرية فإن الإمام إذا قرأ فيتحملها عنه؛ لأن المأموم يؤمن في الجهرية، المأموم يقول: آمين، ومن قال آمين فقد شَرِك الداعي في دعائه , وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة بأن الإمام يتحمل الجهرية دون السرية , يعني لا يجب على المأموم أن يقرأ في الجهرية وإنما يقرأ في السرية.
والقول الثالث: هو أن قراءة الفاتحة واجبة , أو ركن مطلقاً سواء كانت للمأموم أو للإمام أو للمنفرد، والأدلة على ذلك كثيرة منها قول الله جل وعلا: ] وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [ قرآن الفجر يعني قراءة الفجر , والقراءة الواجبة في الفجر يعني هي الصلاة , القراءة الواجبة المراد بها الفاتحة , والمراد الصلاة يعني صلاة الفجر , إن صلاة الفجر كانت مشهودة , لكنه سمى الصلاة قرآناً؛ لأن القرآن الذي يتلى فيها هو ركنها الأعظم؛ لأن من القواعد المقررة في اللغة العربية وعند الأصوليين , أن ذكر الشيء بذكر بعضه يدل على أن هذا الجزء أو البعض ركنه الأعظم , وقول الله جل وعلا ] وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [ يعني القرآن الذي يتلى في الفجر , وهذا القرآن (اللي) يتلى في صلاة الفجر هو الفاتحة مع غيرها، لكن ما بعد الفاتحة سنة بالاتفاق , فبقيت الفاتحة على أنها دالة على أنها واجب أو ركن في هذه الصلاة , وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) هذا ....
الشاهد منه وهو حديث رواه مسلم وغيره, الشاهد منه قوله:"قسمت الصلاة" وذكر الفاتحة, فالقاعدة أن تسمية الفاتحة الصلاة يعني: أنها هي الركن الأعظم فيها, ويدل على ذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام, فيما رواه مسلم وغيره: ((كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب, فهي خداج خداج خداج)). يعني: ناقصة, غير تمام, وأيضاً يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام لما سمعهم يقرؤون خلفه قال: ((أراكم تقرأون خلف إمامكم, قالوا: نعم يا رسول الله, قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)). وهذا يدل على وجوب قراءة الفاتحة, وهذا القول هو أصح الأقوال, وإن كان القائل به من أهل العلم قليلاً، وإلا فالجمهور ليسوا على هذا، ولكن الأدلة تدل عليه.
يفيدك معرفة الخلاف بأن العبد إذا لم يقرأ, أو لم يتهيأ له أن يقرأ, أو عمل بقول آخر؛ فإنه لا إبطال لصلاته, ولا إنكار عليه؛ لأن المسألة فيها هذا الخلاف القوي الذي رأيت, فطالب العلم يجتهد أن يقرأ في الصلاة الجهرية, وفي الصلاة السرية؛ لأن الأدلة دلت على وجوب قراءة الفاتحة؛ فإن حصل أنه منه تركها بعض الأحيان, أو رأى من يتركها؛ فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه ثم من يقول بهذا, يعني: بأنها لا تجب, فلا إبطال للصلاة بترك قراءة المأموم للفاتحة, بقي أن يبحث هل من اعتقد الوجوب فترك هل لا تصح صلاته؟! بحث عند أهل العلم, ولهم في ذلك قولان, وأظهرهما عندي أنه لا تبطل صلاته؛ لأن أكثر الصحابة والتابعين على أن قراءة الفاتحة للمأموم ليست بواجبة, ولأنه تسقط الفاتحة عند من قال بالوجوب, يعني: عند عامة من قال بالوجوب, أو أكثر من قال بالوجوب تسقط, بما لو أدرك الإمام وهو راكع, فيقولون: يدخل معه راكعا, يعني: يدخل معه في الركوع, وتسقط عنه قراءة الفاتحة,لقول الجمهور بخلاف قول البخاري وجماعة ممن لا يعتدون بإدراك الركوع في إدراك الركعة, المقصود من ذلك أن الأظهر أن قراءة الفاتحة واجبة, وأن من تركها فإن صلاته صحيحة, يعني: بالنسبة للمأموم.
السؤال: وهل القراءات السبع هي أحد الأحرف السبعة؟
الجواب: القراءات السبع ليست أحد الأحرف السبعة, ولكن مجموع القراءات السبع مجموعها بعض الأحرف السبعة, قراءات السبع وأحرف السبعة لا اتصال ولا علاقة بين تسمية القراءات سبع تسمية الأحرف السبع, أحرف السبعة الأحرف السبعة سميت سبعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). وأما القراءات السبع فهذا انتخاب انتخبه المقرئ الحافظ ابن مجاهد في كتابه السبعة،وهو كتاب مطبوع, فجوّد كتابه, وانتقى من قراء الأمصار, انتقى سبعة من القراء، وانتقى لكل قارئ راويين, ثم لكل راوٍ انتقى منهم مجموعة أيضاً, وذكرها في كتابه،فانتشر لحسن كتابه, ولإمامة ابن مجاهد انتشر كتابه بهذه القراءات السبع دون غيرها، وإلا فثم أيضاً قراءات عشر, يعني: فيه ثلاثة زيادة, ليست من السبعة, وبعضهم أوصلها إلى أربعة عشر ونحو ذلك، وقراءات السبع متواترة, وهي يعني: مجموع القراءات السبع هي بعض الأحرف السبعة، يعني: الأحرف السبعة التي أنزلها الله جل وعلا؛ توسعة على هذه الأمة, وجمعاً للعرب على حرف قريش، وعلى اتباع محمد عليه الصلاة والسلام, شرعت للتخفيف, ولجمع الكلمة,ولعدم الاستكبار ونحو ذلك, هذه الأحرف السبعة لما جمع مصحف عثمان، لما جمع عثمان المصاحف في مصحف واحد, وألغى غيرها, وألغى غير هذا المصحف, الأحرف السبعة انتهت, ولم يجز بعد أمر عثمان لأحد من الصحابة ومن غيرهم أن يقرأ بغير ما يجده في مصحف عثمان, فذهب بعض الأحرف ليس بعض الأحرف, يعني: حرف كامل ذهب لا, ذهب بعض من الحروف,
يعني: بعض الحرف الأول ذهب, وبعض الحرف الثاني ذهب، وبعض الحرف الثالث ذهب, وبعض الحرف الرابع ذهب, وبعض الخامس ذهب, وبعض السادس ذهب, وبعض السابع ذهب, وبقي بعض كل حرف في مصحف عثمان؛ لاحتمال القراءة؛ لأن مصحف عثمان كتب بلا نقط, ولا شكل, لم ينقط, ولم يشكل؛ لأن النقط والتشكيل و… إلخ هذا إنما جاء في زمن متأخر–
يعني: في زمن الحجاج بن يوسف ومن بعده- تيسيراً، فلما كانت الأحرف غير منقوطة, والكلمات غير مشكولة, فلا شك أن كل صحابي سيقرأ بما يعلمه من الحرف الذي أقرأه رسول الله r,ولم يقرأ بحرف آخر يقرأ بالحرف، فإذن كان الحرف الذي يقرأ به يحتمله الرسم, فإنه يقرأ, فإذا ذهب بعض ما عنده فالتزم بحرف قريش الذي كتب به المصحف, وترك بعضاً، ترك بعضاً, وقرأ ببعض ما عنده، لهذا العلماء قسموا الأحرف السبعة, وقسموا القراءات السبع, والقراءات العشر,
يعني: من حيث الأداء, قسموا الاختلاف فيها إلى قسمين: اختلاف في الأصول, واختلاف في الفرش الفرش في الكلمات, في نطق الكلمات, يعني: من جهة التشكيل والاختلاف, مثلاً بُشرًا نشراً سَدّاً, سُدّاً ونحو ذلك, واختلاف في الأصول الذي هو في المد, وفي الميم, وفي الإدغام, يعني: وأشباه ذلك ممّا يلتزمه القارئ في كل قراءته, وهذا بحث طويل في اتصال الأحرف السبعة بالقراءات السبع, لكن المهم الذي ينبغي التأكيد عليه في هذا الموطن أنه تسمية بعض القراء بالقراء السبعة, أنه هذا اجتهاد, اجتهاد من العلامة المقرئ الحافظ ابن مجاهد في كتابه السبعة، وهو كتاب مطبوع, والعلماء أخذوا اختياره بالقبول, لكن ينتبه طالب العلم إلى أنه لا صلة بين السبعة والأحرف السبعة, فهذا اتفاق في.. في العدد, دون اتفاق في الحقيقة, نعم اقرأ.