(فالسُّنة تُفَسِّرُ القرآنَ وتُبَيِّنُهُ، وتدُلُّ عليه وتُعَبِّرُ عنه، وما وصفَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم به ربَّه عزّ وجلّ من الأحاديث الصِّحاح التي تلقّاها أهلُ المعرفةِ بالقبول، وجب الإيمانُ بها كذلك)
أي إيماناً خالياً من التعطيل والتحريف ومن التكييف والتمثيل، بل إثبات لها على الوجه اللائق بعظمة الرّب. وحُكم السُّنة حكم القرآن في ثبوت العلم واليقين والاعتقاد والعمل، فإن السُّنة توضح القرآن وتبين مجمله وتقيد مطلقه. قال الله تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) أي السُّنة، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ) وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((ينزِلُ ربُّنا إِلى السَّماءِ الدُّنيا حينَ يبْقى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ فيقولُ مَنْ يدْعوني فأستجيب له؟ مَنْ يسألُني فأُعطيه؟ مَن يستغْفِرني فأغفِرَ له؟) متفق عليه. فهذا الحديث قد استفاض في الصحاح والسُّنن والمسانيد، واتفق على تلقّيه بالقبول والتصديق بين أهل السُّنة والجماعة، بل بين جميع المسلمين الذين لم تغيرهم البدع، عرفوا به عظيم رحمة ربهم وسِعة جوده واعتنائه بعباده وتعرُّضه لحوائجهم الدينية والدنيوية، وأن نزوله حقيقة كيف يشاء فيثبتون النزول كما يثبتون جميع الصفات التي ثبتت في الكتاب والسُّنة، ويقفون عند ذلك، فلا يكيِّفون ولا يمثِّلون ولا ينفون ولا يعطِّلون، ويقولون إن الرسول أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل، وقد علمنا أنه فعال لما يريد وعلى كل شيء قدير، ولهذا كان خواص المؤمنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربهم ومواهبه فيقومون بعبوديته خاضعين خاشعين داعين متضرعين، يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم إياها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعلمون أن وعده حق ويخشون أن تُرد أدعيتهم بذنوبهم ومعاصيهم، فيجمعون بين الخوف والرجاء ويعترفون بكمال نعمة الله عليهم فتمتلئ قلوبهم من التعظيم والإيمان لربهم.