دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي أركان الإيمان

والإيمانُ: هو الإيمانُ باللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِ: خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، مِن اللهِ تَعَالى.
وَنَحْنُ مؤمنونَ بذلكَ كُلِّهِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) والإيمانُ: هو الإيمانُ باللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِ: خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، مِن اللهِ تَعَالى.
(2) وَنَحْنُ مؤمنونَ بذلكَ كُلِّهِ.




(1) تعريفُ الإيمانِ هو كما سَبَقَ: قولٌ باللسانِ وتصديقٌ بالقلبِ وعَمَلٌ بالجوارحِ، يَزِيدُ بالطاعةِ ويَنْقُصُ بالعصيانِ، وأَمَّا ما ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ هنا فهي أركانُهُ كَمَا بَيَّنَهَا النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سألَهُ جبريلُ (قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).
وَلَهُ خِصَالٌ كثيرةٌ، كما في قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً – أَعْلاَهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) لَكِنَّ هذه الستَّةَ هيَ الأركَانُ والدعائمُ التي يَقُومُ عليها.

وتَقَدَّمَ الكلامُ عن الإيمانِ باللَّهِ، والإيمانِ بالمَلاَئِكَةِ، والإيمانِ بالرُّسُلِ، والإيمانِ بالكُتُبِ، تَقَدَّمَ كُلُّ هذا، وَلَكِنَّهُ مُتَفَرِّقٌ في أَوَّلِ هذهِ الْعَقِيدَةِ.

(2) يَجِبُ الإيمانُ بهذا كُلِّهِ، فإنْ جَحَدَ شيئًا مِن هذهِ الأركَانِ فإِنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ رُكْنًا من أركَانِ الإيمانِ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى).

ش: تقدم أن هذه الخصال هي أصول الدين، وبها أجاب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبرائيل المشهور المتفق على صحته، حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم على صورة رجل إعرابي، وسأله عن الإسلام ؟ فقال: أن تشهد لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت اليه سبيلا. وسأله عن الإيمان ؟ فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر، خيره وشره. وسأله عن الإحسان ؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وقد ثبت كذلك في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في ركعتي الفجر تارة بسورتي الإخلاص: قل يا أيها الكافرون، و قل هو الله أحد الإخلاص. وتارة بآيتي الإيمان والإسلام: التي في سورة البقرة: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية، والتي في آل عمران: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، الآية. [و] فسر صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس، المتفق على صحته، حيث قال لهم: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم. ومعلوم أنه لم يرد [أن] هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في غير موضع أنه لا بد من إيمان القلب. فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وقد تقدم الكلام على هذا.
والكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا أكثر من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، الآية. وقوله تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا الآية. وقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً، فنفي الإيمان حتى توجد هذه الغاية -: دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد [و] لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب، الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب. ولا يقال إن بين تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبرائيل وتفسيره إياه في حديث وفد عبد القيس معارضة، لأنه فسر الإيمان في حديث جبرائيل بعد تفسير الإسلام، فكان المعنى أنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر مع الأعمال التي ذكرها في تفسير الإسلام، كما أن الإحسان متضمن للإيمان الذي قدم تفسيره قبل ذكره. بخلاف حديث وفد عبد القيس، لأنه فسره ابتداء، لم يتقدم قبله تفسير الإسلام. ولكن هذا الجواب لا يتأتى على ما ذكره الشيخ رحمه الله من تفسير الإيمان، فحديث وفد عبد القيس مشكل عليه.
ومما يسأل عنه: أنه إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من الخصال الخمس التي أجاب [بها] النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبرائيل المذكور، فلم قال إن الإسلام هذه الخصال الخمس ؟ وقد أجاب بعض الناس بأن هذه أظهر شعائر الاسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده. والتحقيق: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقاً، الذي يجب لله [على] عباده محضه على الأعيان، فيجب على كل من كان قادراً عليه، ليعبد الله مخلصاً له الدين، وهذه هي الخمس، وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب مصالح، فلا يعلم وجوبها جميع الناس، بل إما أن يكون فرضاً على الكفاية كالجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما يتبع ذلك من إمارة، وحكم، وفتيا، وإقراء، وتحديث، وغير ذلك. وأما ما يجب بسبب حق الآدميين، فيختص به من وجب له وعليه، وقد يسقط بإسقاطه، من قضاء بإسقاطه، من قضاء الديون، ورد الأمانات والغصوب، والإنصاف من المظالم، من الدماء والأموال والإعراض، وحقوق الزوجة والأولاد، وصلة الأرحام، ونحو ذلك، فإن الواجب من ذلك على زيد غير الواجب على عمرو. بخلاف صوم رمضان وحج البيت والصلوات الخمس والزكاة، فإن الزكاة وإن كانت حقاً مالياً فإنها واجبة لله، والأصناف الثمانية مصارفها، ولهذا وجبت فيها النية، ولم يجز أن يفعلها الغير بلا إذنه، ولم تطلب من الكفار، وحقوق العباد لا يشترط لها النية، ولو أداها غيره عنه بغير إذنه برئت ذمته، ويطالب بها الكفار. وما يجب حقاً لله تعالى، كالكفارات، هو بسبب من العبد، وفيها معنى العقوبة، ولهذا كان التكليف شرطاً في الزكاة، فلا تجب على الصغير والمجنون عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى، على ما عرف في موضعه.
وقوله: والقدر خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى - تقدم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبرائيل: وتؤمن بالقدر خيره وشره، وقال تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. وقال تعالى: إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك الآية.
فإن قيل: فكيف الجمع بين قوله: كل من عند الله، وبين قوله: فمن نفسك ؟، قيل: قوله: كل من عند الله: الخصب والجدب، والنصر والهزيمة، [كلها من عند الله]، وقوله: فمن نفسك: أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم. يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه قرأ: وما أصابك من سيئة فمن نفسك، ولو أنا كتبنا عليهم. والمراد بالحسنة هنا النعمة، وبالسيئة البلية، في أصح الأقوال. وقد قيل: الحسنة الطاعة، والسيئة المعصية. [و] قيل: الحسنة ما أصابه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد. والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث. والمعنى الثاني ليس مراداً دون الأول قطعاً، ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه، مع أن الجميع مقدر، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى، فتكون من سيئات الجزاء، مع أنها من سيئات العمل، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى: فمن نفسك، فإنهم يقولون: إن فعل العبد -حسنة كان أو سيئة - فهو منه لا من الله ! والقرآن قد فرق بينهما، وهم لا يفرقون، ولأنه قال تعالى: كل من عند الله، فجعل الحسنات من عند الله، كما جعل السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال، بل في الجزاء. وقوله بعد هذا: ما أصابك من حسنة و من سيئة، [مثل قوله: وإن تصبهم حسنة و إن تصبهم سيئة ]. وفرق سبحانه وتعالى بين الحسنات التي هي النعم، وبين السيئات التي هي المصائب، فجعل هذه من الله، وهذه من نفس الإنسان، لأن الحسنة مضافة إلى الله، إذ هو أحسن بها من كل وجه، فما من وجه من أوجهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه، وأما السيئة، فهو إنما يخلقها لحكمة، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه، فإن الرب لا يفعل سيئة قط، بل فعله كله حسن وخير.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاستفتاح: والخير كله بيديك، والشر ليس إليك. أي: فإنك لا تخلق شراً محضاً، بل كل ما يخلقه ففيه حكمة، هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فأما شر كلي، أو شر مطلق -: فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه. وهذا هو الشر الذي ليس إليه، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفرداً قط، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات، كقوله تعالى: الله خالق كل شيء، كل من عند الله، وإما أن يضاف إلى السبب، كقوله: من شر ما خلق، وإما أن يحذف فاعله، كقول الجن: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً، وليس إذا خلق ما يتأذى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة، بل لله من الرحمة والحكمة لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وليس إذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة - يكون شراً كلياً [عاماً]، بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيراً أو مصلحة للعباد، كالمطر العام، وكإرسال رسول عام. وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤيد كذاباً عليه بالمعجزات التي أيد بها الصادقين، فإن هذا شر عام للناس، يضلهم، فيفسد عليهم دينهم ودنياهم وأخراهم. وليس هذا كالملك الظالم [و العدو، فإن الملك الظالم] لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه، وقد قيل: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، وإذا قدر كثرة ظلمه، فذاك خير في الدين، كالمصائب، تكون كفارة لذنوبهم، ويثابون على الصبر عليه، ويرجعون فيه إلى الله، ويستغفرونه ويتوبون إليه، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو. ولهذا قد يمكن الله كثيراً من الملوك الظالمين مدة، وأما المتنبئون الكذابون فلا يطيل تمكينهم، بل لا بد أن يهلكهم، لأن فسادهم عام في الدين والدنيا والآخرة، قال تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين.
وفي قوله: فمن نفسك - من الفوائد: أن العبد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها، لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته. فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر.
ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة. لكن الذنوب هي لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الطعام والشراب. ليس كما يقوله بعض المفسرين: إنه قد هداه ! فلماذا يسأل الهدى ؟ ! وإن المراد التثبيت، أو مزيد الهداية ! بل العبد محتاج إلى أن يعلمه الله ما يفعله من تفاصيل أحواله، وإلى ما يتركه من تفاصيل الأمور، في كل يوم، وإلى أن يلهمه أن يعمل ذلك. فإنه لا يكفي مجرد علمه إن لم يجعله مريداً للعمل بما يعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً. ومحتاج إلى أن يجعله قادراً عل العمل بتلك الإرادة الصالحة، فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر. ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤاله سؤال تثبيت، وهي آخر الرتب. وبعد ذلك كله هداية أخرى، وهي الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة. ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة، لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء. فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يشكر سبحانه، وأن يستغفره العبد من ذنوبه، وألا يتوكل إلا عليه وحده، فلا يأتي بالحسنات إلا هو. فأوجب ذلك توحيده، والتوكل عليه وحده، والشكر له وحده، والإستغفار من الذنوب.
وهذه الأمور كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعها في الصلاة، كما ثبت عنه في الصحيح: أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ماشئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قاله العبد، وكلنا لك عبد. فهذا حمد، وهو شكر لله تعالى، وبيان أن حمده أحق ما قاله العبد، ثم يقول بعد ذلك: لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وهذا تحقيق لوحدانيته، لتوحيد الربوبية، خلقاً وقدراً، وبداية ونهاية، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وتوحيد الإلهية، شرعاً وأمراً ونهياً، وإن العباد وإن كانوا يعطون جداً: ملكاً وعظمة وبختاً ورياسة، في الظاهر، أو في الباطن، كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة، فلا ينفع ذا الجد منك الجد، أي لا ينجيه ولا يخلصه، ولهذا قال: لاينفعه منك، ولم يقل ولا ينفعه عندك لأنه لو قيل ذلك أوهم أنه لا يتقرب به إليك، لكن قد لا يضره. فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد، أو تحقيق قوله: إياك نعبد وإياك نستعين، فإنه لو قدر أن شيئاً من الأسباب يكون مستقلاً بالمطلوب، وإنما يكون بمشيئة الله وتيسيره -: لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يسأل إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يستعان إلا هو، فله الحمد وإليه المشتكى، وهو المستعان، وبه المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا به. فكيف وليس شيء من الأسباب مستقلاً بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أخر اليه، ولا بد أيضاً من صرف الموانع والمعارضات عنه، حتى يحصل المقصود، فكل سبب فله شريك، وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه، ولم ينصرف عنه ضده -: لم يحصل مسببه. والمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم اليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى، ومجموع ذلك لا يفيد إن لم تصرف عنه المفسدات.
والمخلوق الذي يعطيك أو ينصرك، فهو- مع أن الله يجعل فيه الإرادة والقوة والفعل -: فلا يتم ما يفعله إلا بأسباب كثيرة، خارجة عن قدرته، تعاونه على مطلوبه، ولو كان ملكاً مطاعاً، ولا بد أن يصرف عن الأسباب المتعاونة ما يعارضها ويمانعها، فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع.
وكل سبب معين فإنما هو جزء من المقتضي، فليس في الوجود شيء واحد هو مقتض تام، وإن سمي مقتضياً، وسمي سائر ما يعينه شروطاً - فهذا نزاع لفظي. وأما أن يكون في المخلوقات علة تامة تستلزم معلولها فهذا باطل.
ومن عرف هذا حق المعرفة انفتح له باب توحيد الله، وعلم أنه لا يستحق أن يسأل غيره، فضلاً عن أن يعبد غيره، ولا يتوكل على غيره، ولا يرجى غيره.

قوله: ( ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاؤوا به ).

ش: الإشارة بذلك إلى ما تقدم، مما يجب الإيمان به تفصيلاً.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 01:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: [
والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر , والقدر خيره وشره وحلوه ومره، من الله تعالى، والقدرُ خيره وشرهُ حلوهُ ومرهُ من الله تعالى ـ تصويب من الشيخ للقارئ ـ والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشر وحلوه ومره، من الله تعالى، ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاؤوا به ـ الشيخ: نعم اقرأ ـ وأهل الكبائر من أمة محمد r في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهو موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين , وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [ وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته؛ وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته، ولم ينالوا من ولايته، اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.
الشيخ: آمين آمين. قال رحمه الله تعالى: "والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله تعالى"، لما ذكر الإيمان، وأنه الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، ومر معك أنه لابد فيه من العمل، وهو جزء مسماه عرف الإيمان الذي يصدق به، والذي يقر به، ما هو الإيمان؟ الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، تصديق بالجنان، بأي شيء؟ وإقرار باللسان، بأي شيء؟ فذكر لك أركان الإيمان الستة المعروفة , التي دل عليها الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.
وهذه الأركان الستة، تسمى أركان الإيمان؛ لأنها جاءت حصرًا في جواب سؤال، وهو قول جبريل u للنبي عليه الصلاة والسلام: ((أخبرني عن الإيمان. قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. قال: صدقت))، وسميت أركان الإيمان، هذه عند أهل السنة والجماعة، وعند غيرهم أيضاً؛ لأنها جاءت جوابا على سؤال، والأصل في الجواب أنه يقتضي الحصر، والحد الأدنى مما يصدق عليه الجواب.
وذكرها للتنصيص عليها في القرآن والسنة، أما في القرآن فجاءت في غير موضع، كقول الله جلا وعلا: ] لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [. والبر هنا مقصود به الإيمان، وكذلك قوله: ] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [. وكذلك قوله جل جلاله: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أنزلنا عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ]*. وفي القدر قوله جلا وعلا: ] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [. وكذلك قوله جل جلاله: ] إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [.
ومن السنة حديث عمر t الذي رواه مسلم في الصحيح المعروف بحديث جبريل، حيث جاء أعرابي، فيه الحديث المعروف لديكم، إلى النبي r لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، إلى أن سأله عن الإيمان فقال: ((أخبرني عن الإيمان)) فذكر هذه الستة. وكذلك هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة t.
وهذه الأصول الستة , أركان الإيمان الستة هي التي يجب التصديق بها، والإقرار بها لسانا , يعني يقر بلسانه أنه آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وكذلك يعتقد بقلبه مصدقاً بهذه الأشياء الستة. وقد مر معنا فيما قبل تفصيل الكلام على هذه الأركان الستة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويأتي الكلام على الإيمان باليوم الآخر تفصيلاً وتتمة في الكلام على الإيمان بالقدر.
وعلى هذه الجملة نذكر بعض المباحث والمسائل:

الأولى: أن هذه الستة يعبر عنها بالركن، بالأركان. وكلمة الأركان سواء أركان الإسلام أو أركان الإيمان أو غير ذلك، هي تسمية اصطلاحية لم يأت بها الدليل أن هذا ركن. والأدلة ليس فيها تفريق في المباني ما بين الركن وما بين غيره من حيث التسمية , وفي العبادات أيضًا ليس في الأدلة، تسمية الأركان أركاناً , والواجبات واجبات. والعلماء من جهة الاصطلاح وما دّل عليه الدليل، جعلوا ما يقوم عليه الشيء ويسقط بسقوطه ركناً , وجعلوا ما يتم به الشيء على جهة اللزوم، جعلوه واجباً , ولهذا سموا أركان الإسلام الخمسة أركاناً، وهي واجبات؛ لأن الركن أعظم من الواجب، فيسمى واجباً وهو ركن بسقوطه يسقط البناء.
ومما يدلك على أن التسمية اصطلاحية، أنهم مع اتفاقهم على أن أركان الإسلام خمسة، فهم اختلفوا اختلافاً شديداً فيمن ترك ركناً من هذه الأركان الخمسة، غير الشهادتين والصلاة والزكاة، يعني من ترك الصيام أو ترك الحج، فهل يقال: انهدم إسلامه؟ وكذلك في أركان الإيمان، هل من ترك بعض أفراد هذه الأركان يعني شك أو ترك الإيمان ببعض ما يتصل باليوم الآخر لجهله أو لتأويله أو نحو ذلك , هل يسقط الركن في حقه؟ أو ما تتصل بمسائل القدر، هل يسقط الركن في حقه؟ مما للعلماء فيه بحث، هذا مهم لك لأجل أن تسمية الركن تسمية اصطلاحية , ولا يعني أن ترتب عليها أن ذهاب ما تظن أنه الركن أو بعض أفراده، أنه يعني عدم صحة الإيمان أو عدم صحة الإسلام، أو الكفر , وحقيقة الركن في الاصطلاح هو ما تقوم عليه ماهية الشيء، ولا يتصور بدونه. والإيمان بالله جلا وعلا ركن، فمن لم يؤمن بالله لم يصح إيمانه، كذلك الإيمان بالملائكة وأنهم موجودون وعلى نحو ما فصلنا لك في القدر المجزئ من الإيمان، هذا ركن , فلكل ركن من هذه الأركان الستة قدر يصح به. وهناك شيء زائد، قد يكون واجباً ولكن يأثم الإنسان على عدم الإيقان به، ولكن ليس داخلاً في حد الركن، يعني بمعنى إذا سقط أو لم يأت به فإنه لا يصح إيمانه.
فإذاً الإيمان: إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان , وما يتصل بأركان الإيمان الستة هذه، تصديق بالجنان على نحو ما فصلنا لك سابقًا في القدر المجزئ من كل مسألة وركن منها. من تتمة البحث مسألة أركان الصلاة، واجبات الصلاة , ثم خلاف كبير بين العلماء هل هذا ركن أو هذا واجب؟ ولماذا سموا هذا ركنًا وهذا واجبًا؟ إلخ، مما له صلة بفهمك لمعنى الركن ومعنى الواجب.

المسألة الثانية: خلاصة الكلام على هذه الأركان الستة، بحيث يمكنك معه أن تقرر حقيقة الإيمان وعقيدة السلف، فيما يتصل بهذه الأركان الستة، الإيمان بالله ثلاثة أقسام:
إيمان بالربوبية , يعني إيمان بأن الله واحد في ربوبيته , في تدبيره لهذا الملكوت وفي رجوع كل شيء إليه.
الثاني: الإيمان بالألوهية , يعني بأن الله واحد في استحقاقه العبادة ولا أحد معه يستحق شيئًا من العبادة
الثالث: الإيمان بالله في أسمائه وصفاته , يعني بأن الله واحد في أسمائه وصفاته ليس له مثيل ولا ند وليس له كفوٌ، وليس له سمي في أسمائه وصفاته من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى، وشمول ما دل عليه الاسم والصفة من المعنى.
الثاني: الإيمان بالملائكة , والإيمان بالملائكة إيمان بأنهم موجودون , وهذا الإيمان فيه إجمال وتفصيل , وكل من علم شيئاً مما جاء في الدليل، من كتاب الله Y , أو في سنة المصطفى r الصحيحة، فإنه يجب إيمانه به، كما ذكرنا لك سابقًا أو القدر المجزئ للإيمان بالملائكة الإيمان بوجود الملائكة، وأنهم عُبَّاد لله جلا وعلا لا يُعبَدون.

الثالث: الإيمان بالكتب وهو بكل كتاب أنزله الله جلا وعلا ما علمنا منه وما لم نعلم، إيماناً إجمالياً في المجملات، يعني فيما لم نعلم، وتفصيليا فيما وقفنا على اسمه من كتب الله جلا وعلا، الإيمان بالرسل أيضًا على نفس المنوال، إيمان بأن الله جلا وعلا أرسل رسلاً، وأيدهم بالبراهين والمعجزات , وجعلهم هداة إلى الحق، دالين عليه , وهم كثير منهم من قص علينا ومنهم من لم يقص علينا , فنؤمن بهم إجمالاً، ونؤمن بهم تفصيلاً، فيما بلغنا تفصيله. هذه كلها جمل سبق الكلام عليها مفصلاً، تذكرون في مواضعها , الإيمان باليوم الآخر يشمل أو القدر المجزئ منه، أن يؤمن العبد ويوقن ويصدق بأن هناك يوماً يبعث الله فيه العباد، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ثم تحته مباحث كثيرة ومن الحال في البرزخ، ثم ما بعد النفخة الأولى، ثم ما بعد النفخة الثانية، ثم اجتماع الناس في العرصات، عرصات القيامة ثم الحوض، ثم الميزان، ثم الصحف أو الصحف، ثم الميزان والصراط والظلمة، والنار والجنة والحساب والاقتصاص وانقسام الناس كل ما في القرآن، من ذلك.
واليوم الآخر كثيرة تفاصيله في القرآن جدًا، وكذلك في السنة، كثير التفاصيل، ويمكن أن يضبطه طالب العلم من جهة التفصيل بأن يرتب ما جاء فيه من الأدلة في القرآن أو في السنة، يرتبها في قلبه من حين نفخة البعث إلى دخول أهل الجنة الجنة , ودخول أهل النار النار. ترتب ما يحدث على مراحل النفخة , ما يحصل بعدها، مسير الناس كيف يجتمعون؟ ما يحصل أثناء اجتماعهم بما جاء في الأدلة، ثم بعد ذلك، (إيش) الأشياء التي تحصل تباعاً، شيئاً فشيئاً؟ وتفاصيل ذلك , إلى دخول أهل الجنة الجنة , ودخول أهل النار النار. وسيأتي تفصيل للكلام على اليوم الآخر إن شاء الله تعالى في آخر هذه العقيدة المباركة.
والقدر هو الركن السادس , وذكرنا لك أن مراتب الإيمان بالقدر أربع، وأنه يجب على العبد والقدر المجزئ من الإيمان به أنه يعلم أن كل شيء يحصل إنما هو بإذن الله وبمشيئته وبعلمه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الرب جل جلاله قدر كل شيء إجمالاً وتفصيلاً، الإيمان بالقدر كما ذكر قال: " القدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى " والخير الشر والحلو والمر في القدر المقصود بها ما يضاف للعبد من القدر , يعني المقدور، فالقدر له جهتان:
جهة صفة الله جلا وعلا , وفعل الله جلا وعلا , وهذه مرتبطة بعدد من صفات الرب Y أولها: العلم والثاني: الكتابة، والمشيئة والخلق والحكمة , وهي وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها الموافقة للغايات المحمودة منها والعدل في حكمه جلا وعلا القدري، وهو وضع الأمر وضع الأمور والمقادير في مواضعها، هذه جهة تتعلق بالله جل جلاله.
والجهة الثانية تتعلق بالعبد، وهي المقدور , وقوع المقدور , وقوع المقدر عليه، وقوع القدر عليه، أو حصول القدر , وهذه تسمى المقدور، وتسمى القضاء، كما أسلفنا لكم في الفرق ما بين القدر والقضاء , هذا المقدور , هذا المقدر هو الذي ينقسم إلى خير وشر، وإلى حلوٍ ومر.
أما الجهة الأولى وهي صفة الله جلا وعلا فليس فيها شر بل كلها خير؛ لأن الله جلا وعلا طيب، ولأنه سبحانه ليس في أفعاله إلا الجميل والخير، وما يؤول إليه فعله وقدره هو الحكمة , وما ينبغي أن تكون الأمور عليه. لهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام في دعائه في الليل، أنه قال في ثنائه على ربه جلا وعلا: ((والشر ليس إليك)) يعني أن الشر ليس إلى الله جلا وعلا فعلاً، وليس إلى الله جلا وعلا إضافة , فلا ينسب الشر إلى I , لا من جهة الفعل ولا من جهة إضافة الشر إليه, وإنما هو شر بالنسبة إلى العبد، فيؤمن بما كان خيراً له، بما كان حسنة في حقه، ويؤمن بما كان شراً في حقه أو كان سيئة إذ تسوؤه في حقه , وكذلك ما كان حلواً وما كان مرًا , وهذا له للعباد فيه أحوال عظيمة وهو الذي يظهر من العبد الإيمان به، يعني الإيمان بالمقدور، يعني ما موقفه من المقدور هذا شر وخير بالنسبة إليه، لكن معظم الناس، يعني حاشا أهل العلم والحكمة، معظم الناس لا ينظرون إلى الجهة الأولى، وهي جهة فعل الله جلا وعلا وعلمه ومشيئته وتقديره وخلقه ونحو ذلك في وقوع المقدرات عليهم أو فيما يرون من تقدير الله جلا وعلا في الناس , هذا حاله كذا، وهذا حاله كذا، لا ينظرون إلى الجهة الأولى، في الغالب يكون نظرهم من جهة الإضافة إليهم، هذا حلو بالنسبة له، هذا شر، ينظر إلى الناس هذا جاء كذا، وما جاء كذا، هذا من صفته كذا وليس من صفته كذا، وهذا، ولأجل هذا نص على الخير والشر والحلو والمر هنا، وأصله التنصيص عليه في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال: ((أن تؤمن بالقدر خيره وشره)) خيره وشره. وفي الحديث الآخر أيضاً قال: ((خيره وشره وحلوه ومره)). وهذا هو الذي يحاسب العبد نفسه عليه، فيما يظن فيما يراه حاصلاً من المقدر.
ومن هذه الجهة , جهة الإيمان بالقدر، يأتي كثير من السيئات التي يصاب العبد بها، وهي جهة سوء الظن بالله جلا وعلا، ولهذا كان الإيمان بالقدر خيره وشره، فيما يضاف إلى العبد من وقوع المقدرات، كان الإيمان به عظيماً؛ لأن أكثر الخلق يسيئون الظن بالله جلا وعلا , وهذه من سمة أهل الجاهلية ] يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [ يأتيه الشيطان في خاطره، فيما وقع عليه من يسؤوه من الشر، يقول: غيري كذا أو أنا لا أستحق هذا، أو كيف يحصل هذا، ونحو ذلك. ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله حينما ذكر سوء الظن بالله جلا وعلا , وقال في أواخر بحثه: ففتش نفسك، فإن تنجو منها تنجو من ذي عظيمة… وإلا فإني لا أخالك ناجياً. وقل من يسلم من سوء الظن بالله جلا وعلا، ومن الاعتراض، فهو أعظم وأكثر من التطير، ولأن التطير يحصل أحياناً، ولكن وقوع المقدرات هذا كل لحظة , ولهذا ينبغي للعبد في إيمانه بالقدر خيره وشره بل يجب عليه أن يحسن الظن دائما بالله جلا وعلا , وأن يسلم لما أراده الله جلا وعلا بعبده من الأمور الكونية.
المسألة الثالثة: الإيمان إقرار وتصديق وعمل، وهذه الأركان , أركان الإيمان الستة، لا يظهر تعلقها بنفسها بالعمل، فهي كلها أمور اعتقاديه بحتة، فأين العمل في هذه الأركان الستة؟ الجواب عن هذا من جهتين:
الجهة الأولى: أن العمل متضمن في هذه الأركان الستة، فالإيمان بالله إيمان بربوبيته وأولوهيته، وبالأسماء والصفات. والإيمان بتوحيده في العبادة يعني بأنه هو المستحق للعبادة وحده جلا وعلا فيه التوجه إليه بالعبادة، كذلك الإيمان بالربوبية فيه الاعتراف له بالربوبية , وهذا يلزم منه أن يعبد أو أن يشكر أو نحو ذلك، وهذا مدخل للإيمان، مدخل للعمل في الإيمان. الإيمان بالملائكة يتصل به العمل من جهة المراقبة باعتقاده أن الملائكة موجودون وأن منهم من يراقب العبد، ويكتب ويحسب عليه: ] مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [. الإيمان بالكتب فيها الإيمان بأعظم الكتب وهو القرآن، والإيمان بالقرآن فيه العمل بما في القرآن من أوامر ونواه والحكم به، هذا عمل الإيمان بالرسل فيه الإيمان , بمحمد عليه الصلاة والسلام , بل هو أعظم أركان الإيمان، بعد الإيمان بالله Y، والإيمان بالنبي r أنه رسول لابد فيه من العمل.
يستوجب الصبر، وهذه أعمال, هذه هي الجهة الأولى من التعلق.
الجهة الثانية من تعلق العمل بهذه الأركان الستة: أنه لا يتصور في الشرع أن ثم إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يتصور أن ثمة إسلاماً بلا إيمان, فكل إسلام لابد فيه من قدر من الإيمان, يصح معه الإسلام الظاهر، كذلك كل إيمانٍ –بهذه الأركان الستة الباطنة الاعتقادية- لابد معه من عمل، من إسلام يصحح هذا الإيمان. ولهذا كان من الشرط في صحة الإسلام أن يكون ثم إيمان, وفي صحة الإيمان أن يكون ثم إسلام, فلا يتصور مسلم ليس معه من الإيمان شيء, ولا يتصور مؤمن ليس معه من الإسلام شيء, فإذن دخل [العمل][1] بدخول الإسلام- وهو أركان الإسلام- في صحة هذا الإيمان، فالإيمان المنجي إيمان لابد معه من إسلام، وهذا ظاهر بيّن, في أن الله لا يقبل عمل أحدٍ حتى يكون مؤمناً, قال بعدها رحمه الله: "ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به". ((نحن)) يعني به أهل الإسلام، أهل القبلة، مؤمنون بذلك كله –يعني: بأركان الإيمان الستة- وفي الإيمان بالرسل، للتنصيص على ذلك، وكذلك الإيمان بالكتب,

* صحيح الآية: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [ . النساء (136) .

[1] غير مسموع بالشريط.

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


أركان الإيمان والتقيد بالعدِّ النبوي فيها
قال: [والإيمان: هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله سبحانه وتعالى].
هنا مسألة: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الإيمان أو ذكر الإسلام أو غيرها من الأصول، فجعلها أركاناً بالعدد، كما في قوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر : (بني الإسلام على خمس..) ، فمن السنة اللازمة ألا يعبر بأن الإسلام بني على غير ذلك. وهذا يقع من بعض المتأخرين، كقول من قال: إن الإسلام بني على خمس، وزاد معها سادساً، وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم علل تعليلات كثيرة، ومنها أدلة من الشريعة، أن هذه الأمة هي أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هذا أصل في الإسلام، وأنه سياج الدين، إلى غير ذلك، وكل هذا الكلام لا إشكال فيه، لكن ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس)، فإن من عدم الأدب معه أن يقال: إن الإسلام بني على ست أو إن أركان الإسلام ستة، حتى ولو كان المزيد أصل بإجماع أهل العلم، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعليه: فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الإيمان: هو أن تؤمن بالله وملائكته...) الحديث، وذكر الإيمان في حديث عبد القيس وفسره بما فسر به الإسلام، فإن هذه من السنن المقتفاة، فإذا قيل: ما هو الإيمان؟ قيل: الإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه..إلخ. وإذا قيل: ما الإسلام؟ قيل: هو: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة..إلخ. ......

خطأ من تجاوز العَد النبوي للأركان
فالاقتفاء أصل في هذه الأحرف النبوية، ولذا فإن من يزيد شيئاً من ذلك، على جهة العدد الصريح المخالف لعدده أو لحده أو لذكره صلى الله عليه وسلم، يقع في غلط من وجهين، الأول: من جهة أنه خالف الاعتبار الشرعي، والثاني: من جهة أنه خالف اللفظ الشرعي أنه لم يفقه ذلك، وإلا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو داخل في إقام الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإقام الصلاة)، وإقامتها يستلزم التواصي بها، وكذلك إيتاء الزكاة، إلى غير ذلك. فليس ركن من هذه الأركان إلا وهو يتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه مسألة مما ينبغي الوقوف عندها.

الفرق بين الإسلام والإيمان
وهذه الأركان التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، وجعلها هي الإيمان، استدل بها المرجئة على أن الإيمان في القلب، وأنه لا يكون في الظاهر، وأن العمل ليس إيماناً، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الإيمان جعل مورده القلب، ولما ذكر الإسلام جعل مورده الأعمال الظاهرة. وهذه مسألة الفرق بين الإسلام والإيمان، وقد اختلف فيها السلف اختلافاً لفظياً أو اختلاف تنوع، وقد تقدم أن مذهب عامة السلف، إلا ما حكي عن البخاري و الثوري : أن الإيمان أخص، والسند عن الثوري لا يصح كما ذكره ابن رجب ، وكذلك البخاري إنما حُصِّل مذهبه بالفهم. ولهذا يقال: إن المستقر عند السلف وهو ظاهر الكتاب والسنة، أن الإيمان أخص، واستدل من المرجئة على كون الإسلام أفضل، بأن الأنبياء سألوا الإسلام، كقوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128] قالوا: فدل على أن الإسلام أفضل. واستدل من استدل على التسوية بينهما، بمثل قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] ، قالوا: هذا يدل على أن الإيمان والإسلام سواء. ولا شك أن سائر هذه الأدلة لا تدل على ذلك، فإن الإسلام الذي سأله إبراهيم وإسماعيل، لا شك أنه الاستسلام لله، والانقياد له ظاهراً وباطناً، وهو الدين الذي ذكره الله بقوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، وما قال أحد من السلف إن الإسلام ظاهر لا باطن له، فإن الظاهر الذي لا باطن معه هو النفاق، وإذا سمي إسلاماً في بعض المقامات، فإنه يراد به الاستسلام الذي يمنع القتل ويمنع عدم إجراء الأحكام الظاهرة على صاحبه، وإلا فإن الإسلام الشرعي الذي امتدح الله سبحانه وتعالى أهله، كقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب:35]، إلى غير ذلك، لا بد له من باطن. ومعلوم أن الأعمال الظاهرة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم بقوله: (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..) الحديث، مبنية على الباطن، كما أن لها ظاهراً، فمن قال: لا إله إلا الله، ولم يرد بذلك التوحيد والبراءة من الشرك، فإن شهادته لا تنفعه عند الله بإجماع المسلمين، ومثله من قال: إن محمداً رسول الله، ولم يكن ذلك صدقاً من قلبه، فإنه شهادته لا تنفعه، ومثله من صلى أو أدى الزكاة نفاقاً، فإن مثل هذا العمل لا ينفعه بالإجماع وبصريح الكتاب والسنة، والمقصود من هذا أن الإسلام الذي هو دين الله سبحانه وتعالى، له ظاهر وباطن بالإجماع، وإذا كان الإسلام ظاهراً لا باطن معه، فإنه النفاق الأكبر الذي ذكر الله كفر أهله في كتابه. وعليه: فإن الإسلام المطلق يتضمن الإيمان، ولهذا دعا به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كمثل قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128] . وأما قوله: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] فإنه دليل على أن الإيمان أخص، وليس دليلاً على التسوية. ووجه ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}} {[الذاريات:35] فلما ذكر الإيمان، ذكره في مقام المخرجين، أي أن الذين أخرجوا منها هم فقط أهل الإيمان، ولا شك أن الذين خرجوا جميعهم من أهل الإيمان ظاهراً وباطناً. ثم قال: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ}} {[الذاريات:36] لأن هذا البيت فيه امرأة لوط، وامرأة لوط مسلمة في الظاهر كافرة في الباطن، ولهذا قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36] فسماهم مسلمين لأن فيهم من هو منافق، وهي امرأة لوط عليه الصلاة والسلام. قال شيخ الإسلام : (وأقوى ما استدل به من سوى بين الإسلام والإيمان من المتأخرين، هذا السياق من القرآن، قال: وهو عند التحقيق يدل على التفريق، أو على أن مقام الإيمان أخص، فإن المخرجين لم يكن معهم امرأة لوط، كما قال تعالى: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ} [الأعراف:83] ، ولهذا لما ذكرهم الله سماهم مؤمنين، وأهل البيت سماهم مسلمين؛ لأن المرأة فيهم وهي منافقة)، وهذا استدلال متين وتحقيق بيَّن. وهذه الأركان التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كل ركن منها قد يتضمن غيره أو يستلزمه، فإذا قلت: إن الإيمان بالله يتضمن أو يستلزم الإيمان بالملائكة، وكتبه..إلخ، كان هذا صحيحاً، ولهذا فإن سائر موارد الشريعة وأحكامها الظاهرة والباطنة تعود إلى هذا التفسير.

العلاقة بين الإسلام والإيمان
من قال إن النبي فسر الإيمان بالأعمال الباطنة، وهذا يدل على أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان، قيل: هذا غلط من وجهين: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا في مقام ذكر الإسلام معه، فإن هذا جاء في حديث جبريل، وإذا ذُكر الإيمان والإسلام، ذكر الإيمان بأخص مقاماته، وهو القلب، وتقدم أن من أصول السلف أن الإيمان أصله في القلب، ولما ذكر الإسلام معه جعل الإسلام في الأعمال الظاهرة، لأن المنافق يسمى مسلماً، ولهذا لما ذكر الإيمان وحده في حديث عبد القيس ولم يذكر معه الإسلام، فسر الإيمان بالأعمال الظاهرة، ولما ذكر الله سبحانه الإيمان وحده ولم يذكر معه الإسلام، ذكره سبحانه وتعالى بأعمال باطنة وأعمال ظاهرة، كقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2] ، وهذه كلها مقامات قلبية، ثم قال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال:3] فجعل سبحانه وتعالى الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة من الإيمان. الوجه الثاني: أن يقال: إن الإيمان المذكور في حديث جبريل وهو ما ذكره المصنف هنا، يستلزم الأعمال الظاهرة، فإن من الإيمان بالله إقام الصلاة، بإجماع المسلمين. وكل أصل من هذه الأصول الستة يتضمن أو يستلزم الأعمال الظاهرة، فإن من صلى فقيل له: لِمَ صليت؟ فقال: إيماناً بالله، فإن قوله صواب بالإجماع، وكذلك من صلى وقال: إنما صليت استجابة لكتاب الله؛ لأن الله أمر بإقام الصلاة، وكذلك من صام وقال: إنما صمت استجابة لكتاب الله؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] ، ومن أماط الأذى عن الطريق وقال: إنما فعلته استجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يدخل في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاستجابة فرع عن الإيمان، وكذلك سائر الأعمال الظاهرة.

الإيمان ليس هو مجرد العلم
ومما ينبه عليه، أن الإيمان عند التحقيق ليس هو مجرد العلم، بل لا بد أن يصحب الإيمان انقياد، فإنه لا يسمى مؤمناً إلا من عرف وانقاد، أما إذا عرف ولم يكن منقاداً فإنه لا يسمى مؤمناً، وإنما يسمى عالماً أو عارفاً، ولهذا فبعض أجناس الكفار أثبت الله لهم قدراً من العلم والمعرفة في بعض السياقات، كإتيانهم الكتاب، أو إتيانهم العلم، ولكن لم يثبت لهم مقام الإيمان، مما يدل على أن الإيمان ليس هو محض العلم والمعرفة. وكذلك أركان الإسلام المذكورة في حديث جبريل هي متضمنة أو مستلزمة للأعمال الباطنة، فإن إقام الصلاة مستلزم للإيمان بالله وملائكته..الخ. ولهذا أجمع المسلمون على أن من أظهر الصلاة ولم يكن مؤمناً بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أن صلاته لا تنفعه. وعليه فيمكن أن يقال: إن سائر الأعمال الظاهرة المذكورة في تفسير الإسلام هي متضمنة أو مستلزمة لما فسر به الإيمان، وإن سائر الأعمال الباطنة المذكورة في تفسير الإيمان، متضمنة أو مستلزمة للأعمال الظاهرة التي تقع على جهة التعبد والانقياد لله سبحانه وتعالى. ولهذا إذا تجردت الأعمال الظاهرة عن هذه الأصول الإيمانية الستة المذكورة في تفسير الإيمان، أصبحت الأعمال الظاهرة من النفاق الذي لا يقبله الله سبحانه وتعالى، فليس في هذا المورد شيء من الإشكال لمن تتبعه وعرف فقهه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أركان, الإيمان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir