القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: [
والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر , والقدر خيره وشره وحلوه ومره، من الله تعالى، والقدرُ خيره وشرهُ حلوهُ ومرهُ من الله تعالى ـ تصويب من الشيخ للقارئ ـ والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشر وحلوه ومره، من الله تعالى، ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاؤوا به ـ الشيخ: نعم اقرأ ـ وأهل الكبائر من أمة محمد r في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهو موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين , وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [ وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته؛ وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته، ولم ينالوا من ولايته، اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.
الشيخ: آمين آمين. قال رحمه الله تعالى: "والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله تعالى"، لما ذكر الإيمان، وأنه الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، ومر معك أنه لابد فيه من العمل، وهو جزء مسماه عرف الإيمان الذي يصدق به، والذي يقر به، ما هو الإيمان؟ الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، تصديق بالجنان، بأي شيء؟ وإقرار باللسان، بأي شيء؟ فذكر لك أركان الإيمان الستة المعروفة , التي دل عليها الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.
وهذه الأركان الستة، تسمى أركان الإيمان؛ لأنها جاءت حصرًا في جواب سؤال، وهو قول جبريل u للنبي عليه الصلاة والسلام: ((أخبرني عن الإيمان. قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. قال: صدقت))، وسميت أركان الإيمان، هذه عند أهل السنة والجماعة، وعند غيرهم أيضاً؛ لأنها جاءت جوابا على سؤال، والأصل في الجواب أنه يقتضي الحصر، والحد الأدنى مما يصدق عليه الجواب.
وذكرها للتنصيص عليها في القرآن والسنة، أما في القرآن فجاءت في غير موضع، كقول الله جلا وعلا: ] لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [. والبر هنا مقصود به الإيمان، وكذلك قوله: ] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [. وكذلك قوله جل جلاله: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أنزلنا عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ]*. وفي القدر قوله جلا وعلا: ] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [. وكذلك قوله جل جلاله: ] إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [.
ومن السنة حديث عمر t الذي رواه مسلم في الصحيح المعروف بحديث جبريل، حيث جاء أعرابي، فيه الحديث المعروف لديكم، إلى النبي r لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، إلى أن سأله عن الإيمان فقال: ((أخبرني عن الإيمان)) فذكر هذه الستة. وكذلك هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة t.
وهذه الأصول الستة , أركان الإيمان الستة هي التي يجب التصديق بها، والإقرار بها لسانا , يعني يقر بلسانه أنه آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وكذلك يعتقد بقلبه مصدقاً بهذه الأشياء الستة. وقد مر معنا فيما قبل تفصيل الكلام على هذه الأركان الستة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويأتي الكلام على الإيمان باليوم الآخر تفصيلاً وتتمة في الكلام على الإيمان بالقدر.
وعلى هذه الجملة نذكر بعض المباحث والمسائل:
الأولى: أن هذه الستة يعبر عنها بالركن، بالأركان. وكلمة الأركان سواء أركان الإسلام أو أركان الإيمان أو غير ذلك، هي تسمية اصطلاحية لم يأت بها الدليل أن هذا ركن. والأدلة ليس فيها تفريق في المباني ما بين الركن وما بين غيره من حيث التسمية , وفي العبادات أيضًا ليس في الأدلة، تسمية الأركان أركاناً , والواجبات واجبات. والعلماء من جهة الاصطلاح وما دّل عليه الدليل، جعلوا ما يقوم عليه الشيء ويسقط بسقوطه ركناً , وجعلوا ما يتم به الشيء على جهة اللزوم، جعلوه واجباً , ولهذا سموا أركان الإسلام الخمسة أركاناً، وهي واجبات؛ لأن الركن أعظم من الواجب، فيسمى واجباً وهو ركن بسقوطه يسقط البناء.
ومما يدلك على أن التسمية اصطلاحية، أنهم مع اتفاقهم على أن أركان الإسلام خمسة، فهم اختلفوا اختلافاً شديداً فيمن ترك ركناً من هذه الأركان الخمسة، غير الشهادتين والصلاة والزكاة، يعني من ترك الصيام أو ترك الحج، فهل يقال: انهدم إسلامه؟ وكذلك في أركان الإيمان، هل من ترك بعض أفراد هذه الأركان يعني شك أو ترك الإيمان ببعض ما يتصل باليوم الآخر لجهله أو لتأويله أو نحو ذلك , هل يسقط الركن في حقه؟ أو ما تتصل بمسائل القدر، هل يسقط الركن في حقه؟ مما للعلماء فيه بحث، هذا مهم لك لأجل أن تسمية الركن تسمية اصطلاحية , ولا يعني أن ترتب عليها أن ذهاب ما تظن أنه الركن أو بعض أفراده، أنه يعني عدم صحة الإيمان أو عدم صحة الإسلام، أو الكفر , وحقيقة الركن في الاصطلاح هو ما تقوم عليه ماهية الشيء، ولا يتصور بدونه. والإيمان بالله جلا وعلا ركن، فمن لم يؤمن بالله لم يصح إيمانه، كذلك الإيمان بالملائكة وأنهم موجودون وعلى نحو ما فصلنا لك في القدر المجزئ من الإيمان، هذا ركن , فلكل ركن من هذه الأركان الستة قدر يصح به. وهناك شيء زائد، قد يكون واجباً ولكن يأثم الإنسان على عدم الإيقان به، ولكن ليس داخلاً في حد الركن، يعني بمعنى إذا سقط أو لم يأت به فإنه لا يصح إيمانه.
فإذاً الإيمان: إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان , وما يتصل بأركان الإيمان الستة هذه، تصديق بالجنان على نحو ما فصلنا لك سابقًا في القدر المجزئ من كل مسألة وركن منها. من تتمة البحث مسألة أركان الصلاة، واجبات الصلاة , ثم خلاف كبير بين العلماء هل هذا ركن أو هذا واجب؟ ولماذا سموا هذا ركنًا وهذا واجبًا؟ إلخ، مما له صلة بفهمك لمعنى الركن ومعنى الواجب.
المسألة الثانية: خلاصة الكلام على هذه الأركان الستة، بحيث يمكنك معه أن تقرر حقيقة الإيمان وعقيدة السلف، فيما يتصل بهذه الأركان الستة، الإيمان بالله ثلاثة أقسام:
إيمان بالربوبية , يعني إيمان بأن الله واحد في ربوبيته , في تدبيره لهذا الملكوت وفي رجوع كل شيء إليه.
الثاني: الإيمان بالألوهية , يعني بأن الله واحد في استحقاقه العبادة ولا أحد معه يستحق شيئًا من العبادة
الثالث: الإيمان بالله في أسمائه وصفاته , يعني بأن الله واحد في أسمائه وصفاته ليس له مثيل ولا ند وليس له كفوٌ، وليس له سمي في أسمائه وصفاته من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى، وشمول ما دل عليه الاسم والصفة من المعنى.
الثاني: الإيمان بالملائكة , والإيمان بالملائكة إيمان بأنهم موجودون , وهذا الإيمان فيه إجمال وتفصيل , وكل من علم شيئاً مما جاء في الدليل، من كتاب الله Y , أو في سنة المصطفى r الصحيحة، فإنه يجب إيمانه به، كما ذكرنا لك سابقًا أو القدر المجزئ للإيمان بالملائكة الإيمان بوجود الملائكة، وأنهم عُبَّاد لله جلا وعلا لا يُعبَدون.
الثالث: الإيمان بالكتب وهو بكل كتاب أنزله الله جلا وعلا ما علمنا منه وما لم نعلم، إيماناً إجمالياً في المجملات، يعني فيما لم نعلم، وتفصيليا فيما وقفنا على اسمه من كتب الله جلا وعلا، الإيمان بالرسل أيضًا على نفس المنوال، إيمان بأن الله جلا وعلا أرسل رسلاً، وأيدهم بالبراهين والمعجزات , وجعلهم هداة إلى الحق، دالين عليه , وهم كثير منهم من قص علينا ومنهم من لم يقص علينا , فنؤمن بهم إجمالاً، ونؤمن بهم تفصيلاً، فيما بلغنا تفصيله. هذه كلها جمل سبق الكلام عليها مفصلاً، تذكرون في مواضعها , الإيمان باليوم الآخر يشمل أو القدر المجزئ منه، أن يؤمن العبد ويوقن ويصدق بأن هناك يوماً يبعث الله فيه العباد، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ثم تحته مباحث كثيرة ومن الحال في البرزخ، ثم ما بعد النفخة الأولى، ثم ما بعد النفخة الثانية، ثم اجتماع الناس في العرصات، عرصات القيامة ثم الحوض، ثم الميزان، ثم الصحف أو الصحف، ثم الميزان والصراط والظلمة، والنار والجنة والحساب والاقتصاص وانقسام الناس كل ما في القرآن، من ذلك.
واليوم الآخر كثيرة تفاصيله في القرآن جدًا، وكذلك في السنة، كثير التفاصيل، ويمكن أن يضبطه طالب العلم من جهة التفصيل بأن يرتب ما جاء فيه من الأدلة في القرآن أو في السنة، يرتبها في قلبه من حين نفخة البعث إلى دخول أهل الجنة الجنة , ودخول أهل النار النار. ترتب ما يحدث على مراحل النفخة , ما يحصل بعدها، مسير الناس كيف يجتمعون؟ ما يحصل أثناء اجتماعهم بما جاء في الأدلة، ثم بعد ذلك، (إيش) الأشياء التي تحصل تباعاً، شيئاً فشيئاً؟ وتفاصيل ذلك , إلى دخول أهل الجنة الجنة , ودخول أهل النار النار. وسيأتي تفصيل للكلام على اليوم الآخر إن شاء الله تعالى في آخر هذه العقيدة المباركة.
والقدر هو الركن السادس , وذكرنا لك أن مراتب الإيمان بالقدر أربع، وأنه يجب على العبد والقدر المجزئ من الإيمان به أنه يعلم أن كل شيء يحصل إنما هو بإذن الله وبمشيئته وبعلمه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الرب جل جلاله قدر كل شيء إجمالاً وتفصيلاً، الإيمان بالقدر كما ذكر قال: " القدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى " والخير الشر والحلو والمر في القدر المقصود بها ما يضاف للعبد من القدر , يعني المقدور، فالقدر له جهتان:
جهة صفة الله جلا وعلا , وفعل الله جلا وعلا , وهذه مرتبطة بعدد من صفات الرب Y أولها: العلم والثاني: الكتابة، والمشيئة والخلق والحكمة , وهي وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها الموافقة للغايات المحمودة منها والعدل في حكمه جلا وعلا القدري، وهو وضع الأمر وضع الأمور والمقادير في مواضعها، هذه جهة تتعلق بالله جل جلاله.
والجهة الثانية تتعلق بالعبد، وهي المقدور , وقوع المقدور , وقوع المقدر عليه، وقوع القدر عليه، أو حصول القدر , وهذه تسمى المقدور، وتسمى القضاء، كما أسلفنا لكم في الفرق ما بين القدر والقضاء , هذا المقدور , هذا المقدر هو الذي ينقسم إلى خير وشر، وإلى حلوٍ ومر.
أما الجهة الأولى وهي صفة الله جلا وعلا فليس فيها شر بل كلها خير؛ لأن الله جلا وعلا طيب، ولأنه سبحانه ليس في أفعاله إلا الجميل والخير، وما يؤول إليه فعله وقدره هو الحكمة , وما ينبغي أن تكون الأمور عليه. لهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام في دعائه في الليل، أنه قال في ثنائه على ربه جلا وعلا: ((والشر ليس إليك)) يعني أن الشر ليس إلى الله جلا وعلا فعلاً، وليس إلى الله جلا وعلا إضافة , فلا ينسب الشر إلى I , لا من جهة الفعل ولا من جهة إضافة الشر إليه, وإنما هو شر بالنسبة إلى العبد، فيؤمن بما كان خيراً له، بما كان حسنة في حقه، ويؤمن بما كان شراً في حقه أو كان سيئة إذ تسوؤه في حقه , وكذلك ما كان حلواً وما كان مرًا , وهذا له للعباد فيه أحوال عظيمة وهو الذي يظهر من العبد الإيمان به، يعني الإيمان بالمقدور، يعني ما موقفه من المقدور هذا شر وخير بالنسبة إليه، لكن معظم الناس، يعني حاشا أهل العلم والحكمة، معظم الناس لا ينظرون إلى الجهة الأولى، وهي جهة فعل الله جلا وعلا وعلمه ومشيئته وتقديره وخلقه ونحو ذلك في وقوع المقدرات عليهم أو فيما يرون من تقدير الله جلا وعلا في الناس , هذا حاله كذا، وهذا حاله كذا، لا ينظرون إلى الجهة الأولى، في الغالب يكون نظرهم من جهة الإضافة إليهم، هذا حلو بالنسبة له، هذا شر، ينظر إلى الناس هذا جاء كذا، وما جاء كذا، هذا من صفته كذا وليس من صفته كذا، وهذا، ولأجل هذا نص على الخير والشر والحلو والمر هنا، وأصله التنصيص عليه في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال: ((أن تؤمن بالقدر خيره وشره)) خيره وشره. وفي الحديث الآخر أيضاً قال: ((خيره وشره وحلوه ومره)). وهذا هو الذي يحاسب العبد نفسه عليه، فيما يظن فيما يراه حاصلاً من المقدر.
ومن هذه الجهة , جهة الإيمان بالقدر، يأتي كثير من السيئات التي يصاب العبد بها، وهي جهة سوء الظن بالله جلا وعلا، ولهذا كان الإيمان بالقدر خيره وشره، فيما يضاف إلى العبد من وقوع المقدرات، كان الإيمان به عظيماً؛ لأن أكثر الخلق يسيئون الظن بالله جلا وعلا , وهذه من سمة أهل الجاهلية ] يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [ يأتيه الشيطان في خاطره، فيما وقع عليه من يسؤوه من الشر، يقول: غيري كذا أو أنا لا أستحق هذا، أو كيف يحصل هذا، ونحو ذلك. ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله حينما ذكر سوء الظن بالله جلا وعلا , وقال في أواخر بحثه: ففتش نفسك، فإن تنجو منها تنجو من ذي عظيمة… وإلا فإني لا أخالك ناجياً. وقل من يسلم من سوء الظن بالله جلا وعلا، ومن الاعتراض، فهو أعظم وأكثر من التطير، ولأن التطير يحصل أحياناً، ولكن وقوع المقدرات هذا كل لحظة , ولهذا ينبغي للعبد في إيمانه بالقدر خيره وشره بل يجب عليه أن يحسن الظن دائما بالله جلا وعلا , وأن يسلم لما أراده الله جلا وعلا بعبده من الأمور الكونية.
المسألة الثالثة: الإيمان إقرار وتصديق وعمل، وهذه الأركان , أركان الإيمان الستة، لا يظهر تعلقها بنفسها بالعمل، فهي كلها أمور اعتقاديه بحتة، فأين العمل في هذه الأركان الستة؟ الجواب عن هذا من جهتين:
الجهة الأولى: أن العمل متضمن في هذه الأركان الستة، فالإيمان بالله إيمان بربوبيته وأولوهيته، وبالأسماء والصفات. والإيمان بتوحيده في العبادة يعني بأنه هو المستحق للعبادة وحده جلا وعلا فيه التوجه إليه بالعبادة، كذلك الإيمان بالربوبية فيه الاعتراف له بالربوبية , وهذا يلزم منه أن يعبد أو أن يشكر أو نحو ذلك، وهذا مدخل للإيمان، مدخل للعمل في الإيمان. الإيمان بالملائكة يتصل به العمل من جهة المراقبة باعتقاده أن الملائكة موجودون وأن منهم من يراقب العبد، ويكتب ويحسب عليه: ] مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [. الإيمان بالكتب فيها الإيمان بأعظم الكتب وهو القرآن، والإيمان بالقرآن فيه العمل بما في القرآن من أوامر ونواه والحكم به، هذا عمل الإيمان بالرسل فيه الإيمان , بمحمد عليه الصلاة والسلام , بل هو أعظم أركان الإيمان، بعد الإيمان بالله Y، والإيمان بالنبي r أنه رسول لابد فيه من العمل.
يستوجب الصبر، وهذه أعمال, هذه هي الجهة الأولى من التعلق.
الجهة الثانية من تعلق العمل بهذه الأركان الستة: أنه لا يتصور في الشرع أن ثم إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يتصور أن ثمة إسلاماً بلا إيمان, فكل إسلام لابد فيه من قدر من الإيمان, يصح معه الإسلام الظاهر، كذلك كل إيمانٍ –بهذه الأركان الستة الباطنة الاعتقادية- لابد معه من عمل، من إسلام يصحح هذا الإيمان. ولهذا كان من الشرط في صحة الإسلام أن يكون ثم إيمان, وفي صحة الإيمان أن يكون ثم إسلام, فلا يتصور مسلم ليس معه من الإيمان شيء, ولا يتصور مؤمن ليس معه من الإسلام شيء, فإذن دخل [العمل][1] بدخول الإسلام- وهو أركان الإسلام- في صحة هذا الإيمان، فالإيمان المنجي إيمان لابد معه من إسلام، وهذا ظاهر بيّن, في أن الله لا يقبل عمل أحدٍ حتى يكون مؤمناً, قال بعدها رحمه الله: "ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به". ((نحن)) يعني به أهل الإسلام، أهل القبلة، مؤمنون بذلك كله –يعني: بأركان الإيمان الستة- وفي الإيمان بالرسل، للتنصيص على ذلك، وكذلك الإيمان بالكتب,
* صحيح الآية: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [ . النساء (136) .
[1] غير مسموع بالشريط.