القاريء :
{إن الذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من ءامن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوفُ عليهم و لا هم يحزنون} [ سورة البقرة :الآية62]
شرح الشيخ حفظه الله تعالى :
حكت الآيات السابقة عن بني اسرائيل , و ما وقع عليهم من الذل و الهوان لقبح ما كان منهم , و هو الكفر بآيات الله و قتل النبيين{ ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله و يقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون}الآية , و قد أجرى الله على يد سيدنا موسى معجزاتٍ يؤمن بها من كان له أدنى حظ من العقل , و مع ذلك جحدوا و سيأتينا بعد ذلك : { أتطمعون أن يؤمنوا لكم }الآية ؛ لأن حال الخلف من حال السلف , و هذه الآية عن يهود المدينة , و قد كفروا ببعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما فعل أسلافهم في هذه الآية من كفر برسالة أنبياء الله .
و هنا لابد من وقفة : ألم يكن الأنبياء من عند الله و ما أرسلوا به الحق , فلما أراد الله لهم أن يقتلوا على يد هؤلاء السفلة ؟
نقول لعدة أمور :
1-
إذا قضى الله ذلك على أحد أنبيائه لرفع منزلته عنده .
2-
كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه : إن من أومر من الأنبياء بقتال لم يقتل, و من لم يؤمر بقتلٍ قتل؛ لترتفع منزلتهم بذلك .
فجل أنبياء بني إسرائيل إما قتلوا و إما عذبوا من قبل بني إسرائيل.
{بغير الحق}
: و هل يمكن أن يكون الأنبياء بحق ؟ !..النفس قد تقتل بحق لكن الأنبياء لا .
و لكن قالها المولى عز و جل بغير الحق ليبين شناعة فعلهم هذا ؛ لأنهم لو قاتلوا الأنبياء على ظن أنهم على حقٍ في قتلهم , تكون كبيرة عظمى . و لكنهم كانوا يقتلون الأنبياء , و هم على يقين من أن قتل الأنبياء باطلو بالتالي , فهم يقتلونهم مع تعمد القتل لمن أرسله الله ؛ لأن الأنبياء كانوا يأمرونهم بما يخالف هواهم , لذلك ضربت عليهم الذلة و المسكنة .
{إن الذين آمنوا }
: من سنة الحق عز و جل أنه إذا ذكر أهل العناد و الكفر , ذكر من آمن منهم ليسير المؤمن بين جناحي الخوف و الرجاء .
سبب نزول هذه الآية : أن سيدنا سلمان الفارسي سئل النبي صلى الله عليه و سلم فقال : كنت مع قومٍ يصومون, و يصلون , و يؤمنون بأنك ستبعث, و لكن ماتوا على ذلك, فنزلت الآية .
{إن الذين آمنوا }:
بالنبي صلى الله عليه و سلم , و بأنبيائهم الذين أرسلوا إليهم .
{و الذين هادوا }:
من آمن من اليهود بأنبيائه من الأسلاف , و من شهد البعثة المحمدية , و اتبع دين الإسلام من الخلف , و اليهود سموا كذلك نسبةً إلى يهوذا بن يعقوب .
{و النصارى}
: من آمن لسيدنا عيسى عليه السلام في زمانه .
{و الصابئين}:
الصابئة : هم قوم كانوا من اليهود و النصارى , و رأوا التحريف ؛ فخرجوا عن أحبار اليهود و النصارى المحرفين و ظلوا على التوحيد .
{ من ءامن بالله و اليوم الآخر فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون}:
فمن كان من هذا , و اتبع أنبياء زمانه أو شهد مولانا محمد صلى الله عليه و سلم و اتبعه , أو آمن بأنه آخر الأنبياء و اتبع رسالته و عمل صالحاً فلاخوف عليهم و لا هم يحزنون .