النوع السادس: المجمل
وهو ما لم تتضح دلالته على معناه، وإليه أشار الناظم بقوله (ما) أي: لفظ (لم يكن بواضح الدلالة)، بسبب من أسبابه، كالاشتراك مثلاً، وذلك (كـ) لفظ (القرء) بفتح القاف وضمها، وهو مشترك بين الطهر والحيض. (إذ بيانه) أي القرء (بالسنة)، وهي التي تبين أن المراد به الطهر أو الحيض، فما يبين أن المراد به الطهر ما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق زوجته وهي حائض، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فتغيظ، ثم قال: ((مره فليراجعها، ثم ليمسكها حق تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء)) أي في قوله: {فطلقوهن لعدتهن}، يعني في الوقت الذي يشرعن في العدة، فدل على أن زمان العدة هو الطهر، ومما يبين أن المراد به الحيض ما أخرجه النسائي من أن فاطمة ابنة أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، دعي الصلاة أيام أقرائك)).
وهذا الثاني هو مذهب أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله، والأول هو ما عليه إمامنا الشافعي والإمام مالك رحمهما الله، وأجابوا عما استدل به الثاني، على فرض تسليم صحة الحديث المذكور، بأن القرء في الحديث، غيره في الآية، فإن الذي في الآية يجمع على قروء، وفي الحديث يجمع على أقراء، وقد قيل إنه إذا جمع على أقراء، معناه الحيض، وإذا جمع على قروء معناه الطهر، وبأن الحديث الثاني لا يقاوم الحديث الأول، كما هو معلوم عند أرباب الحديث.
قال في الإتقان: واختلف في وقوع المجمل في القرآن؛ فالجمهور على أنه واقع، خلافاً لداود الظاهري وفي جواز بقائه مجملاً أيضاً أقوال، ذكرها الأصوليون، أصحها: لا يبقى المكلف بالعمل به إلا مبيناً بخلاف غيره، وللإجمال أسباب كثيرة: منها الاشتراك، وعليه اقتصر الناظم، ومنها الحذف، نحو قوله تعالى: {وترغبون أن تنكحوهن} فيحتمل هنا تقدير في، وعن، ومنها احتمال العطف، نحو قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ...} الآية. فيحتمل العطف والاستئناف، ومنها غير ذلك.
(تنبيه): الفرق بين المجمل والمحتمل كما في الإتقان: أن المجمل هو اللفظ المبهم الذي لا يفهم المراد منه، وأن المحتمل هو اللفظ الواقع بالوضع الأول على معنيين مفهومين فصاعداً، والله أعلم.