المتن:
(ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم ,يسمعه منه من شاء من خلقه).
الشرح:
لما تكلم عن بعض الصفات فيما سبق , أفرد صفة الكلام بفصل خاص؛ وذلك لأهمية هذه المسألة , وكثرة ما وقع فيها من الضلال والانحراف ,فهو أفردها بفصل عما قبلها؛ وصفة الكلام لله عز وجل كسائر الصفات ,الله موصوف ,بأنه يتكلم كيف شاء سبحانه , ومتى شاء، فكلامه من الصفات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى، تكلم في الماضي ,ويتكلم في المستقبل ,ويتكلم في يوم القيامة متى شاء سبحانه وتعالى ,أن يتكلم؛فإنه يتكلم ,وكلام الله,قديم النوع حادث الآحاد يعني: صفة الكلام من حيث هي قديمة , فالله ما زال يتكلم؛ لأنه سبحانه بصفاته قديم أزلي ,لا بداية له سبحانه وتعالى ,ولا بداية لأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى وأما آحاد الكلام فإنها تتجدد وتحدث شيئاً فشيئاً ,يتكلم متى شاء سبحانه وتعالى كسائر صفاته الفعلية فالكلام صفة ذاتية فعليه.
وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، سيورد المصنف رحمه الله جملة منها , ولم يخالف في صفة الكلام إلا الجهمية ,ومن شرب مشربهم من الفرق الضالة ,فالجهمية يقولون: إن الله لا يتكلم ,وإنما خلق الكلام في غيره ,إما في جبريل وإما في محمد ,وإضافة الكلام إلى الله من إضافة المخلوق إلى خالقه، فالله جل وعلا لا يوصف عندهم بالكلام أبداً، وإنما الذي يتكلم مخلوق ,خلق الله الكلام فيه، إما جبريل وإما محمد، هذا كلامهم.
وهذا أيضاً مذهب المعتزلة ,مذهب المعتزلة والجهمية سواء ,ينفون الكلام عن الله ,ويقولون: إن كلام الله مخلوق ,هذا مذهب الجهمية والمعتزلة ,الأشاعرة أرادوا أن يجمعوا بين المتناقضات ,فقالوا: إن الله موصوف بالكلام النفسي فقط ,ولم يتكلم بحرف يسمع , ولا بصوت يسمع ,وإنما هو كلام نفسي عبر عنه جبريل ,أو عبر عنه محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا القرآن عند الأشاعرة هو عبارة عن كلام الله ,وليس هو كلام الله، عبر به جبريل ,أو عبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن المعنى النفسي، فالمعنى معنى القرآن من عند الله ,وأما ألفاظه فهي من عند المخلوق ,فهم جمعوا بين المتناقضات ,جعلوا القرآن مخلوقاً وغير مخلوق، مخلوق من حيث اللفظ والحروف ,وغير مخلوق من حيث المعنى ,وهذا باطل وتناقض.
أهل السنة والجماعة يقولون: القرآن كلام الله ,لفظه ومعناه ,ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني ,دون الحروف ,فالقرآن هو كلام الله لفظه ومعناه ,تكلم الله به حقيقة ,سمعه جبريل ,وبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ,وسمعه موسى عليه السلام ,الله كلم موسى تكليما من غير واسطة ,وسمعه موسى عليه السلام في غير ما مرة، ولهذا خُص موسى بأنه كليم الله: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } وهو موسى عليه السلام ,فموسى اخُتص من بين الرسل بأنه كليم الله ,كلمه ربه تكليما من غير ما واسطة ,وسمع موسى كلامه.
وكذلك الله جل وعلا يكلم عباده يوم القيامة ,يكلم أهل الجنة , ويسلم عليهم ,ويردون عليه السلام ,بكلام يسمعونه ,يرونه عياناً بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر ,وكما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب ,ويكلمهم ويسلم عليهم ,ويسمعون كلامه , ويردون عليه السلام.
فالله جل وعلا تكلم ويتكلم , إذا شاء سبحانه وتعالى بكلام حقيقي؛لفظه ومعناه ,وأما كيف يتكلم ,فهذا لا نعلمه، هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ,فليس كلامه ككلام المخلوق، لا نقول: إنه يتكلم كما يتكلم المخلوق، بل نقول: إنه يتكلم كما يشاء سبحانه وتعالى، وكيف يشاء ,ولا يعلم كيفية كلامه إلا هو سبحانه وتعالى ,كسائر صفاته.
المتن:
(ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم).
الشرح:
بكلام قديم النوع ,فلا يقال , قديم مطلق كذا ,يقال: قديم النوع حادث الآحاد، يعني: جنس الكلام قديم , وأما أنواعه فهي تتجدد وتحدث متى شاء الله سبحانه وتعالى.
المتن:
(يسمعه منه من شاء من خلقه).
الشرح:
يسمعه منه من شاء من خلقه، يسمعه جبريل عليه السلام , فيحمله ويبلغه إلى أنبيائه، وسمعه موسى عليه الصلاة والسلام.
المتن:
(سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة).
الشرح:
هذا لا شك فيه، أن موسى عليه السلام سمع كلام ربه من غير واسطة ,من غير واسطة بينه وبين الله، وبذلك اختص موسى بهذه الميزة العظيمة من بين إخوانه النبيين.
المتن:
(وسمعه جبريل عليه السلام).
الشرح:
كذلك اختص الله جبريل عليه السلام بأنه يسمعه كلامه ,ويسمعه أهل السماء ,فإذا سمعوه صعقوا كما جاء في حديث النواس بن سمعان وغيره، قال: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات من رجفة أو رعدة شديدة، فإذا سمعها أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً).
المتن:
(ومن أذن له من ملائكته ورسله).
الشرح:
ومن أذن الله بسماعه من ملائكته ورسله ,مثل موسى عليه السلام ,ومثل جبريل.
المتن:
(وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه).
الشرح:
يكلم المؤمنين في الجنة , ويكلمونه من غير واسطة ,يسمعون كلامه ويرونه سبحانه وتعالى ,وهذا في الجنة.
المتن:
(ويأذن لهم فيزورونه).
الشرح:
يزورونه في يوم معين ,يجتمعون في مكان في الجنة ,ثم يتجلى لهم سبحانه وتعالى بذاته ,ويرونه ويكلمهم ,ويكلمونه؛لأن الله يعطيهم يوم القيامة قوة وقدرة يقدرون بها على رؤية الله جل وعلا وعلى سماع كلامه، أما في هذه الدنيا فلا أحد يستطيع أن يرى الله جل وعلا.
المتن:
(قال الله تعالى: { وكلم الله موسى تكليماً } ).
الشرح:
{ وكلم الله موسى تكليماً } كلم الله موسى ,كلمه يعني: مباشرة من غير واسطة ,ثم أكد ذلك فقال: { تكليماً } المصدر مؤكد ينفي أن يكون هناك معنى للتكليم غير ما يظهر منه، بأن يقال: كلمة بواسطة، بل رفع هذا بقوله: { تكليماً }.
المتن:
(وقال سبحانه: { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } ).
الشرح:
{ يا موسى } هذا نداء الله جل وعلا , ينادي موسى عليه السلام: { إني اصطفيتك } أي: اخترتك { على الناس برسالاتي وبكلامي } الشاهد قوله: { وبكلامي } أي: تكليمي لك من غير واسطة.
المتن:
(وقال سبحانه: { منهم من كلم الله } ).
الشرح:
{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } وهو موسى عليه الصلاة والسلام كلمه الله مباشرة من غير واسطة.
المتن:
(وقال سبحانه: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } ).
الشرح:
وقال سبحانه وتعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } يعني: ليس أحد يكلمه الله من غير حجاب بينه وبينه، هذا في الدنيا فإن أحداً لم ير الله جل وعلا في الدنيا أبدا، ولهذا لما سأل موسى ربه أن يراه { قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا }، وصار تراباً من عظمة الله سبحانه وتعالى ,ولم يستطع الصمود والثبات , فكيف البشر المكون من لحم ودم؟كيف يستطيع أن يرى الله جل وعلا عياناً في الدنيا؟ { وخر موسى صعقا } غشي عليه من شدة الهول، { فلما أفاق } يعني: ذهب عنه الغشي والروع { قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } فهذا موسى سأل الرؤية في الدنيا.
الشريط الخامس
ولكن ما من أحد من البشر يكلم الله قبل الآخرة من غير حجاب ,و يرى الله سبحانه وتعالى عياناً: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً } ,وحياً: بأن يلهمه إلهاماًكما ألهم أم موسى أن تعمل مع ولدها ما عملت ,وكما يحصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أحياناً من وحي الإلهام ,هذا يسمى بالإلهام ,وهو يحصل للعبد بدون واسطة الملك ,إلهام يلهمه الله من يشاء من عباده.
{ إلا وحياً أو من وراء حجاب } ,كما حصل لموسى عليه الصلاة والسلام؛فإن الله كلمه بدون واسطة ,لكن من وراء حجاب؛لأن موسى لم ير الله جل وعلا في الدنيا كما ذكر الله ذلك في سورة الأعراف: { رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } فهو كلمه من وراء حجاب.
{ أو يرسل رسولاً } من الملائكة إلى ذلك البشر ,فيوحي بإذنه ما يشاء ,وهذا بواسطة الملك.
فإذن تكليم الله إما أن يكون إلهاماً ,وإما أن يكون تكليماً من وراء حجاب ,وإما أن يكون تكليماً بواسطة الملك ,وأما أن يكلم الله جل وعلا أحداً من خلقه في الدنيا من غير حجاب ,ويرى ربه رؤية عيان , فهذا لم يحصل لأحد , وإنما هذا في الآخرة للمؤمنين خاصة.
فالشاهد من الآية أن الله أثبت لنفسه الكلام ,وأنه يكلم من يشاء من وراء حجاب ,أو بالوحي ,أو بواسطة الملك.
المتن:
(وقال سبحانه: { فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك } ).
الشرح:
موسى عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله قصته ,أنه خرج هارباً من فرعون ,لما قتل الرجل القبطي , وتآمروا على قتله ,جاءه النذير فخرج عليه الصلاة والسلام ,وتوجه تلقاء مدين ,وبقي في مدين عشر سنين يرعى الغنم على أن يتزوج ابنة الشيخ الكبير , تزوجها برعي الغنم ثمان سنين أو عشر سنين ,فتزوجها على هذا المهر ,وبقي يرعى الغنم عشر سنين.
{ فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } رجع بزوجته إلى مصر بلاد أهله , وضل الطريق ,وكانت ليلة باردة ,شديدة البرودة ,فأبصر ناراً ,ففرح بها؛لأنه كما تعلمون أن المسافر التائه إذا رأى ناراً يفرح بها ,خصوصاً إذا كان جائعاً ومحتاجاً.
فأجلس أهله ينتظرونه وذهب إلى النار , { فلما أتاها } على أنها ناراً عادية سيطلب منهم أن يدلونه على الطريق ,أو يأتي منهم بشهاب قبس يصطلي به هو وزوجته من البرد ,هذا غرضه عليه الصلاة والسلام ,لكن الله أراد غير ذلك , { فلما أتاها } وصل إلى النار , { نودي يا موسى } ,نودي ,من الذي ناداه؟ الله جل وعلا.
{ نودي يا موسى إني أنا ربك } , هذا نداء مشافهة ,من غير واسطة ,{ فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى }... إلى آخر الآيات التي جاءت في هذا السياق.
وفي الآية الأخرى: { فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأن ألق عصاك }.
فهذه الآيات صريحة , (أن الله كلم موسى من غير واسطة ,وسمع موسى كلامه حقيقة غير مجاز), لم يتضح لي معنى هذه الجملة!ومن غير ما يشكل على أن هذا الكلام كلام حقيقي بحرف وصوت ,وسمعه موسى ,وأنه نداء ,{ فلما أتاها نودي يا موسى } ,أهل الضلال يقولون: إن الله خلق الكلام في الشجرة فتكلمت ,هي التي تكلمت.هل الشجرة تقول: { يا موسى إني أنا ربك }؟
هذا كلام فظيع والعياذ بالله.
هل الشجرة تقول: { يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك }؟! هل الشجرة تقول: { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله }؟! الشجرة تقول: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } ؟! هل هذا كلام الشجرة؟!
هذا كلام رب العالمين ,تعالى الله عما يقولون , فالآيات واضحة وضوحاً لا شك فيهفي أن الله هو الذي تكلم سبحانه ,وأن موسى سمع كلام الله ,ففيها إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى ,وأنه كلام يسمع.
المتن:
(وقال سبحانه وتعالى: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } ).
الشرح:
الشجرة تقول:{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني }؟! تعالى الله عما يقولون.
المتن:
(وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله).
الشرح:
غير جائز أن يقول هذا أحد ,هذا رد على الجهمية ,أن تقول الشجرة: { إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى } ,فلا يليق أن يكون هذا الكلام من مخلوق ,وإنما هو كلام الخالق جل وعلا.
المتن:
(وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء.روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم).
الشرح:
إذا تكلم الله بالوحي سمع ذلك أهل السماء.أي الملائكة الذين في السماء وهذا موقوف على ابن مسعود ,لكن جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رعدة - أو رجفة - شديدة فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً ,فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ,فيكلمه الله من وحيه بما شاء ,ثم يمر جبريل كلما مر بأهل السماء سأله أهلها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق ,وهو العلي الكبير).
فهذا فيه أن الله يتكلم بكلام ترتجف له السماوات من هيبته ,وأن الملائكة يصعقون ويخرون لله سجداً ,وأنهم يسألون إذا أفاقوا ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير ,ففيه إثبات الكلام لله وأنه يسمع ,تسمعه السماوات ,ويسمعه أهل السماوات ,ويحمله جبريل ,يسمعه جبريل من الله ,ويبلغه لمن أمره الله بتبليغه من الرسل ,من رسل البشر.
المتن:
(وروى عبد الله بن ُأنيس ,عن النبي صلى الله عليه وسلم ,أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلاً بهماً، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب:أنا الملك ,أنا الديان). رواه الأئمة ,واستشهد به البخاري).
الشرح:
(إن الله سبحانه وتعالى إذا كان يوم القيامة ينادي بصوت). هذا فيه أن الكلام من الله جل وعلا متجدد الآحاد ,وأنه يتكلم إذا شاء , فهذا كلام يحدث منه سبحانه وتعالى يوم القيامة ,كلام بصوت هذا نفي للمجاز , يسمعه من قرب ومن بعد , هذا دليل على أن هذا الكلام حقيقي، وأنه بصوت، وأنه يُسمع، وذلك في المحشر ,إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة ينادي بصوت: أنا الملك، أنا الديان.هذا صريح في أن هذا الكلام صادر من الله جل وعلا ,وأنه بصوت ,وأنه يسمع ,فهل بعد هذا التفصيل ,وهذا البيان بيان في أن الله جل وعلا يتكلم كلاماً حقيقياً ,وأنه يتكلم إذا شاء ,وأن كلامه يتجدد سبحانه وتعالى متى شاء ,يأمر وينهى ,ويخلق ويرزق ,كل ذلك بكلامه جل وعلا.
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }.
المتن:
(وفي بعض الآثار ,أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار ,فهالته ,ففزع منها ,فناداه ربه: يا موسى. فأجاب سريعاً، استئناساً بالصوت ,فقال: لبيك لبيك ,أسمع صوتك ولا أرى مكانك ,فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك ,وعن يمينك وعن شمالك.فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى ,قال: كذلك أنت يا إلهي ,أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى).
الشرح:
هذا يوضح ما سبق من تكليم الله لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة ,الليلة التي كان في الطريق سائرا بأهله إلى بلده ,وأصابه شيء من الضياع عن الطريق ,وشيء من البرد , فذهب إلى النار التي تراءت له ,يريد منها الخبر عن الطريق ,ويريد منها الجذوة؛ ليقتبس منها لأهله؛لعلهم يصطلون.
فالله جل وعلا ناداه وكلمه ,لما جاء إلى هذه النار ,بكلام سمعه موسى عليه الصلاة والسلام ,وقال: أسمع كلامك ولا أرى مكانك؛لأن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا ,محتجب عن خلقه في الدنيا؛لأنهم لا يطيقون رؤيته سبحانه وتعالى؛لعظمته وكبريائه ,فلا أحد يطيق النظر إليه في الدنيا ,وإنما هذا يحصل للمؤمنين يوم القيامة؛إكراماً من الله لهم.
المتن:
(فقال: لبيك لبيك ,أسمع صوتك ولا أرى مكانك ,فأين أنت؟قال: أنا فوقك وأمامك).
الشرح:
أنا فوقك.هذا فيه إثبات العلو ,"أنا فوقك وأمامك... ".
المتن:
(وعن يمينك وعن شمالك).
الشرح:
" وعن يمينك وعن شمالك ".أي: أن الله جل وعلا محيط ,وهو وإن كان جل وعلا في العلو فإنه محيط بخلقه من أي جهة ,لا يخفى عليه من أمرهم شيء ,فهو في السماء ,ومع هذا هو محيط بخلقه سبحانه وتعالى ,لا يخفي عليه شيء من أمورهم ,بل هو مطلع عليهم ,وشاهد عليهم سبحانه وتعالى.
فالشاهد منها أن فيها إثبات الكلام لله عز وجل ,وفيها إثبات الفوقية لله والإحاطة ,وأن فوقيته لا تتنافى مع إحاطته بخلقه سبحانه وتعالى.