يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) يقولون: إن الحدث هو أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ومن الطواف ومن مس المصحف , الحدث الأصغر أمرٌ معنوي يعني ليس حسياً , أنت ما تفرق بين المتوضئ وغيره , لو رأيت اثنين أحدهما على وضوء والثاني محدث ما عرفت هذا من هذا , فإذاً هو أمر معنوي يقوم بالبدن , يقوم بالبدن كله , المحدث بدنه كله موصوف بأن عليه حدث وهو مع ذلك نظيف , أعضاؤه نظيفة ليس فيها شيء يعرف أنه قذر أو أنه وسخ ليس فيها علامة على ذلك , وليس ببدنه نجاسة حتى ولو كان جنباً، يعني الجنب بدنه طاهر، بدنه طاهر مثلاً لو غمس يده في ماء لم نقل: إن ذلك الماء تنجس , يجوز مصافحته ، يجوز مُأَكلته ؛ النبي علية الصلاة والسلام لما لقيه أبو هريرة وكان جنباً فانخنس وذهب ليغتسل قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: كرهت أن أجالسك على غير طهارة ((إن المؤمن لا ينجس)) يعني ليس بدنك نجساً إنما عليك حدثاً يمنعك فقط من الصلاة ونحوها , فأما بدنك فلا مانع من أن تأكل ولا مانع من أن تصافح الناس ولا مانع من أن تجالس , فالحدث أمر معنوي ليس حسياً يمنع من هذه الأشياء.
وتسمى الموجبات أحداث , موجبات الوضوء أو نواقض الوضوء تسمى أحداث ؛ لأنها تتجدد , يقال مثلاً :أحدث يعني انتقض وضوؤه , إذا أكل لحم إبل مثلاً قيل أحدث يعني انتقض وضوؤه , وإن كان قد خص أكثرهم الحدث بما ينقض الوضوء من الريح أو الخارج من أحد السبيلين ؛ وذلك لأنه هذا الحديث لما حدَّث به أبو هريرة رضي الله عنه سأله بعض من ليس بعارف من.. رجل من أهل حضرموت سأله عن الحدث ففسره بالريح بأنها الخارج الريح التي تخرج من الدبر فسره به , ولكن يعتبر هذا كمثال , فالبول مثلاً حدث وكذا الغائط وكذا ناقض الوضوء الآخر كالمباشرة مثلاً، المباشرة ومس المرأة بشهوة أو مس الفرج باليد لقلنا إنه شرط يعني لنقضالوضوء وهو الصحيح , أو كذلك مثلاً أكل لحم الإبل أو تغسيل الميت هذه كلها نسميها أحداث ..أحداثاً يعني تُوجب الوضوء , فإذا انتقض وضوء الإنسان بواحدٍ منها فلا يقبل الله صلاته إلا بعدما يتوضأ ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).
ثم الوضوء أمرٌ شرعي لفظة شرعية كلمة الوضوء ليست معروفة عند العرب قبل الإسلام فهي من الكلمات التي جاءت في الشرع.
الوضوء: هو غسل هذه الأعضاء التي أمرنا الله بغسلها , وسمي وضوءا لآثاره وهو أنه ينور هذه الأعضاء تنويراً معنوياً وينورها في الآخرة تنويراً حسياً , في الآخرة يعرف أهل الوضوء بأنه غرٌ محجلون من آثار الوضوء ، الغرة بياض الوجه والتحجيل بياض اليدين وبياض الرجلين من آثار الوضوء , فهذا ضوء حسي , وأما في الدنيا فإنه ضوء ونور معنوي, سمي وضوءاً اشتقاقاً من الضوء الذي هو النور، وضوء يعني منير للأعضاء , فهذا من الأمور الشرعية , من المسميات الشرعية الذي هو غسل أعضاء مخصوصة مع النية لرفع الحدث ولاستباحة الصلاة جعله شرطاً , شرطاً للصلاة ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).
وقد ذكرنا أن الحدث قسمان:
_ حدث أكبر يوجب الغسل .
_ وحدث أصغر يوجب الوضوء .
لم يذكر إلا الأصغر هنا ولكن الأكبر مرادٌ أيضاً ؛ وذلك لأنه أولى بأن يهتم به , الله تعالى قد نبه على الحدث الأكبر في قوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} وفي قوله: {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}، فإذاً نقول: لا يقبل الله صلاة من عليه حدث أكبر حتى يغتسل . والاغتسال هو: غسل البدن كله بنية رفع الحدث...
الوجه الثاني
...فعلى هذا الحدث يرتفع بالوضوء إن كان الأصغر ويرتفع بالاغتسال إن كان أكبر . وهل يرتفع بالتيمم؟
فيه خلاف , يعني التيمم الذي هو يستعمل عند فقد الماء وهو مسح الوجه واليدين بالتراب هذا تحل به الصلاة , إذا فقد الماء فالله تعالى يقول: {فتيمموا صعيداً طيباً}، يعني اقصدوا صعيداً طيباً فامسحوا , ولكن هل يرتفع الحدث أم لا يرتفع؟
الصحيح أنه يرتفع ارتفاعاً مؤقتاً , بمعنى أنها تباح به العبادات التي لا تباح إلا بالوضوء حتى يوجد الماء , فإذا وجد الماء لزم استعماله ، وقد ثبت في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصعيد الطيب طهورُ أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين , فإذا وجد فليتق الله وليمسه بشرته)) فمعناه أنك متى وجدت الماء وعليك حدث فإن عليك أن تستعمله لرفع ذلك الحدث, فارتفاعه في وقت عدم الماء إنما هو لأجل اليسر , ولهذا قال: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}.
فنعرف من هذين الحديثين أن الطهارة شرط لكل صلاة , أن الصلاة لا تقبل إلا بهذه الطهارة التي هي الوضوء أو الاغتسال إن كان الحدث أكبر أو التيمم إن لم يوجد الماء , فإذا صلى بغيرها والماء موجود وهو محدث فهو متلاعب بصلاته لا يقبل الله صلاته إلا بعدما يفعل ما أمر الله تعالى به لقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا}.
والصحيح أن الطهارة إنما تجب بعد الحدث , وذهب بعضهم إلى أنها تجب لكل صلاة واستدل بالآية {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} والصحيح أن تقدير الآية: إذا قمتم وأنت محدثون فاغسلوا وجوهكم . ويقدرها بعضهم إذا قمتم من النوم فاغسلوا . ولكن بكل حال الأصل أن الوضوء إنما يجب على من هو محدث لهذا الحديث ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).
نعرف أن النية من شروط الوضوء , وأن الوضوء من شروط الصلاة , وأن الصلاة من أقدم وأهم العبادات , وسيأتينا إن شاء الله لها أحاديث تؤكد أهميتها وكذلك بقية أحاديث الطهارة.
وبكل حال ننتبه إلى ما سمعنا من أهمية الطهارة وأهمية العبادة . ومن جملتها أهمية شروط الصلاة التي تتقدمها كالطهارة والنية وما أشبهها فإذا عرفنا ذلك فالمسلم عليه أن يطبق ما يعلمه ليكون منتفعاً بعلمه إن شاء الله.