وقال عبد الله بن عنمة الضبي
يمدح الحوفزان بن شريك الشيباني: كذا قال الضبي وقال هشام بن محمد: اسمه الحارث بن شريك وقال له إنسان:
والله لا أعطيك حقًا طلبته.......ولا الحوفزان الحارث بن شريك
وكان أعرج وله يقول الشاعر:
تقول له لما رأت خمع رجله.......أهذا رئيس القوم راد وسادها
أي: غربها الله بالسبي حتى تنقل من موضع إلى موضع فلا يقر وسادها في موضع واحد وإنما دعا عليها لأنها ازدرته لما رأته يخمع فدعا عليها. وكان سبب خمع رجله فيما ذكر هشام بن محمد أخبر عنه الأثرم علي بن المغيرة قال: سبب عرج الحوفزان أنه خرج في بني شيبان وأفناء بكر بن وائل متساندين على كل حي منهم رئيس على بني قيس بن ثعلبة حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد وعلى بني شيبان الحارث بن شريك وعلى بني عجل أبجر بن جابر، فساروا يريدون الغارة على بني يربوع. فنذر بهم بنو يربوع فحالوا بينهم وبين الماء. قال: وكان بين الحوفزان وبين عتيبة بن الحارث اليربوعي موادعة، فقال الحوفزان: يا بني يربوع والله ما لكم سموت فهل لكم في خيرٍ نصالحكم على ما معنا من الثياب والتمر وتخلون سبيلنا ونعقد لكم أن لا نروع حنظليًا. فصالحوهم وأخذوا منهم الثياب والتمر. وسارت بكر بن وائل على بني ربيع بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد وهو خلوف فأصابوا نعمًا وسبيًا. قال: فأتى الصارخ بني منقر فركبوا في طلب القوم فلحقوهم وهم قائلون قد أمنوا من الطلب، وكان أول من لحق بهم الأهتم بن سميٍ: فرفع الحوفزان رأسه فإذا الأهتم قريبًا، فقال الحوفزان: من الرجل؟ فقال الأهتم: لا بل أنت من الرجل فقال: أنا الحوفزان وهذه بنو ربيع قد حويتها: قال الأهتم: أنا الأهتم بن سمي وهذا الجيش ونادى الأهتم يا لسعدٍ ونادى الحوفزان يا لوائلٍ: قال: ولحقت خيل بني سعد فقاتلوا القوم قتالاً شديدًا، فهزمت بكر بن وائل واستنقذت بنو سعد أموالهم.
ولحق مالك بن مسروق الربيعي شهاب بن قلعٍ وهو جد جحدرٍ جد المسامعة، فقال مالك لشهاب: من أنت؟ قال:
أنا شهاب بن جحدر.......أطعنهم عند الكر.......تحت العجاج الأكدر
[ومعه العدل رجل من قومه].
فقال مالك مجيبًا له:
وأنا مالك بن غيلان.......ومعي سنان حران.......وإنما جئت الآن.......أقسمت لا تؤوبان.......حتى يؤوب العدلان
(وهما رجلان).
فيحمل مالك على شهاب فيقتله ثم حمل على ابن عمٍ له آخر فقتله. وأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو.
وأسر المنذر بن مشمتٍ المنقري ثم أحد بني جرولٍ عوف بن النعمان الشيباني. وأسر فدكي بن أعبد أبجر بن جابر. وأدرك قيس بن عاصم الحارث بن شريك: قال: والحارث على فرسٍ له يدعى الربذ فإذا علوا ظهرًا من الأرض فاته الحارث بسن فرسه وقوته. قال: فلما خاف قيس أن يفوته زرقه بالرمح زرقةً هجمت على جوفه وأفلت بها. فبطعنة قيس بن عاصم سمي الحارث بن شريك الحوفزان. فقال في ذلك سوار بن حيان المنقري:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنةٍ.......سقته نجيعًا من دم الجوف أشكلا
وقال هشام بن الكلبي: وأم الحوفزان ماوية بنت أرقم بن شهاب:
وحمران أدته إلينا رماحنا = يعالج غلاً في ذراعيه مقملا
فما لك من أيام صدقٍ تعدها = كيوم جواثا والنباج وثيتلا
أبى الله إنا يوم يقتسم العلى = أحق بها منكم وأعطى وأجزلا
ولست بمسطيع السماء ولن ترى = لعزٍ بناه الله فوقك منقلا
1: أشت بليلى هجرها وبعادها.......بما قد تؤاتينا وينفع زادها
قال الضبي: (أشت) فرق والشتات التفرق. وأنشدنا أحمد بن يحيى:
ومستوحشٍ للبين يبدي تجلدا.......كما أوحش الكفين فقد الأصابع
فكم قد رأينا من قتيل بخلةٍ.......بسهم المنايا أو بسهم التقاطع
ومن واثقٍ بالدهر والدهر مولع.......بتجميع شتى أو بتفريق جامع
وقوله (بما قد تؤاتينا) أي: هذا بذاك هجرها لنا اليوم بمواتاتها قبل هذا ومثله قول الأعشى:
على أنها إذ رأتني أقا.......د قالت بما قد أراه بصيرًا
أي: هذا العمى بذلك البصر بدل منه، ومثله قوله:
وبانت وقد أثرت في الفؤا.......د صدعًا على نأيها مستطيرا
بما قد تربع روض القطا.......وروض التناضب حتى تصيرا
أي: هذا النأي وهذا البعد بذاك القرب الذي كان بهذه المواضع.
2: سنلهو بليلى والنوى غير غربةٍ.......تضمنها من رامتين حمادها
قال الضبي: الجماد الأرض الصلبة التي لا يمكن فيها الحفر لصلابتها ومنه قيل للبخيل جماد أراد أنهم نزلوا بذلك المكان. ورواها أحمد بن عبيد جماد بالكسر. وروى: يضمنها الرمانتين مقادها، قال الرمانتان موضع وأنشد للراعي:
على الربع من الرمانتين نعوج.......صدور مهارى سيرهن وسيج
3: ليالي ليلى إذ هي الهم وأهوى.......يريد الفؤاد هجرها فيصادها
كذا رواها الضبي. ورواها أحمد: إلى العلمين إذ هي الهم والهوى، وقوله (فيصادها) أي: يصير صيدًا لها. وقال أحمد بن عبيد: أي: تصير صيدًا له. قال: ويروى: يريد الفؤاد وحشها. وقال: الوحش النساء: قال أحمد: أي: يصرن صيدًا له من قولهم صدت كذا وكذا. وروى أحمد بن يحيى: صدتك أكموأ. قال أحمد بن عبيد: ومن روى هجرها فليس بشيء.
4: فلما رأيت الدار قفرًا سألتها.......فعي علينا نؤيها ورمادها
ورواها أحمد بن عبيد: (فعي علي نؤيها). و(النؤي) الحاجز من ترابٍ حول الخباء ليمنع السيل أن يدخله: يقال نأيت نؤيًا إذا علمته ويا فلان انء نؤيك وقد انتأى فلان نؤيًا. قال النابغة: والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد. المظلومة الأرض يحفر فيها ولم يحفر فيها قبل ذلك. قوله (فعي) من العي من قولهم عييت بجواب فلان. يقول سألنا النؤي فلم يجب وعي بجوابنا.
5: فلم يبق إلا دمنة ومنازل.......كما رد في خط الدواة مدادها
يصف الدار ودروسها كما قال لبيد: كما ضمن الوحي سلامها، والوحي جمع وحي والسلام الصخور، وكما قال الشماخ بن ضرار الثعلبي:
كما خط عبرانية بيمينه.......بتيماء حبر ثم عرض أسطرا
وقال المرار بن سعيد الفقعسي:
عفت المنازل غير مثل الأنقس.......بعد الزمان عرفته بالقرطس
يعني الكتاب بالأنقس وهو جمع نقس مثل قدح وأقدح: شبه آثار المنازل بالكتاب بعد ما مضى الزمان عليه عرفته أي عرفت الكتاب وإن شئت الرسم والقرطس يعني قرطاسا وأراد غير مثل الأنقس بالقرطس أي أنه بين: وشبه ما سودوا ودمنوا بالرماد وغير ذلك بسواد المداد، وأما قول عدي ابن الرقاع العاملي:
تزجي أغن كأن إبرة روقه.......قلم أصاب من الدواة مدادها
فإنه شبه سواد القرن عند طلوعه بسواد المداد، وهذا البيت يستحسن في معناه جدًا. وإذا اسود المكان قيل قد دمن هذا المكان والدمن البعر والسرقين ويقال السرجين.
6: إذا الحارث الحراب عادى قبيلة.......نكاها ولم تبعد عليه بلادها
يقال (نكيت) في العدو أنكي بغير همزٍ ونكأ القرحة بهمز: قال الشاعر:
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده.......ولكن نكأ القرح بالقرح أوجع
يريد أنه من عزه لا يبعد عليه من أراده وإن كان بعيدًا.
7: سموت بجردٍ في الأعنة كالقنا.......وهن مطايا ما يحل فصادها
(سموت): ارتفعت إلى عدوٍ. و(الجرد): الخيل القصيرة الشعور وطول الشعر هجنة. ويروى: سموت بخيلٍ. ويروى: سموت بقبٍ وهي الخيل الضوامر الذكر أقب والأنثى قباء: قال الشاعر: قب ترى لمغارها أخدودا، من قول جرير. و(الأعنة) جمع عنان وهو الذي يصرف به الفارس رأس الفرس إلى ما يريد. وجعلها كالقنا في دقتها. و(المطايا) جمع مطية سميت مطية لأنه يركب مطاها وهو ظهرها ويقال لأنه يمطى بها في السير ويمد: قال امرؤ القيس:
مطوت بها حتى تكل غزاتهم.......وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
8: يعلق أضغاث الحشيش غواتها.......ويسقى بخمسٍ بعد عشرٍ مرادها
(أضغاث): جمع ضغثٍ. وهو مثل الحزمة ملء الكف ونحوه، ومنه قول الله جل وعز: {خذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} و(الحشيش) ضد الرطب. قال الأصمعي: ما كان يابسًا فرش عليه الماء قيل هو رطب بفتح الراء وما كان رطبًا من أصله فهو رطب بضم الراء. قال: ومن الحشيش قول العرب حش ولد المرأة في بطنها إذا يبس وقد ألقت ولدها حشيشًا إذا ألقته يابسًا. ورواها أحمد: (لخمسٍ بعد عشرٍ مرادها)، و(الخمس) أن ترد الإبل الماء يومًا وتتركه ثلاثة أيامٍ وترد في اليوم الخامس من ورودها، و(العشر) أن ترد يومًا وتتركه ثمانية أيام ثم ترده في اليوم العاشر من ورودها، وإنما يطول الظمء ويقصر على قدر الحر والبرد. و(مرادها) من راد يرود إذا ذهب وجاء: امرأة رواد إذا كانت خراجةً ولاجة يكثر ذلك منها. ومراد مصدر أردت الشيء أريده إرادةً ومرادا.
9: يطرحن سخل الخيل في كل منزلٍ.......تبين منه شقرها وورادها
ويروى: تبين منه فمن رفع أراد تتبين وهو كما قرئ: (إن البقر تشابهَ علينا) وتشابهُ: من نصب ذكر البقر ومن رفه أنث البقر وهي لغة أهل الحجاز (تقرأ تشابهُ علينا ولا يجوز في هذا نصب الهاء).
10: لهن رذيات تفوق وحاقن.......من الجهد والمعزى أبان كبادها
كذا رواها الضبي. ورواها أحمد: لهن رذايا من نزيفٍ وحاقنٍ، ويروى: (كالمعزى). قال أحمد: قوله من نزيفٍ أي: طرحت أولادها ثم نزفها الدم فأهلكها. ومن روى تفوق أي تفوق بأنفسها من الجهد. و(الحاقن) التي من ضعفها لم تستطع أن تخرج عند ولادها جميع ما ينبغي أن يخرج مع ولدها فبقي في جوفها فقتلها.
فأبان كبادها أي: ظهر فأهلكها أي: بطونها بعد منتفخة لما قد بقي في أجوافها فكأنها مغزى قد كبدها الجهد ونفخ بطونها.
11: كفاك الإله إذ عصاك معاشر.......ضعاف قليل للعدو عتادها
قال الضبي: العتاد: العدة ومنه قوله عز وجل: {وأعتدت لهن متكئًا} والمعنى لم يضرك من عصاك. وروى أحمد: ضعاف الأداة.
12: صدورهم شناءة فنفاسة.......فلا حل من تلك الصدور قتادها
وروى أحمد: (صدورهم من شنأةٍ ونفاسةٍ)، وروى أحمد أيضًا: فلا انحل من تلك الصدور إلخ .
13: بأيديهم قرح من العكم جالب.......كما بان في أيدي الأسارى صفادها
(العكم): شد الأحمال على الإبل. و(الجالب) مأخوذ من الجلبة وهي جلدة تعلو الجرح عند برئه وجمعها جلب. يقول عدوك من هذا الجنس يعتملون فلن يضروك ليسوا بملوك ولا فرسان. و(الأسارى): جمع أسير. و(الصفاد) الشد. يقول أثر العمل في أيدي عداتك كأثر الشد في أيدي الأسارى.
14: قد اصفر من سفع الدخان لحاهم.......وقد طال من أكل الغثات افتئادها
قال الضبي: قال الأصمعي: يقول هم أبرام يألفون مطابخ الناس وتصفر لحاهم من ذلك الدخان ولا يأكلون إلا لحم غثٍ وهو الذي ليس فيه سمنٍ. و(الافتئاد) مصدر افتأد وهو أن يشوى والمفأد بالفتح المطبخ الموضع الذي يشوى فيه وقد قيل ذلك في الخبز أيضًا: وقال الحطيئة:
يظل الغراب الأعور العين واقعًا.......مع الذئب يعتسان ناري ومفأدي
يعتسان: يطلبان ما يأكلانه وأصل العس الطلب يقال قد اعتس الراعي في إبله طلب ناقة يحتلبها، وأنشد لابن أحمر:
وراحت الشول ولم يحبها.......راعٍ ولم يعتس فيها مدر
15: فآب إلى عجروفةٍ باهليةٍ.......يخل عليها بالعشي بجادها
(العجروفة): العجوز. و(البجاد): الكساء. و(يخل): بالخلال.
16: حذنة لما ثابت الخيل تدعي.......بمرة لم تمنع وفر رقادها
17: تقول له لما رأت خمع رجله.......أهذا رئيس القوم راد وسادها
قال الضبي: (راد): قلق: دعا عليها بأن تبلى بما يقلقها فلا تستقر على فراشها، وذلك لأنها هزئت منه لما رأت عرجه.
18: رأت رجلاً قد لاحه الغزو معلمًا.......له أسرة في المجد راسٍ عمادها
(لاحه): غيره وأشحب لونه، قال الراجز:
تقول ما لاحك يا مسافر.......يابنة عمي لاحني الهواجر
وقال الآخر:
غير يابنة الحليس لوني.......كر الليالي واختلاف الجون
(المعلم) الجاعل لنفسه علمًا. يعرف به في الحرب. ولا يفعل ذلك إلا الشجاع. و(الأسرة) القوم. والراسي الثابت. و(عماد) جمع عمود أي بيته ثابت في الكرم.
19: فباتت تعشيه الفصيد وأصبحت.......يفزع من هول الجنان فؤادها
قوله (تعشيه الفصيد) أي فصدت له جملاً فأطعمته دم الفصيد وكان قوم من العرب يفعلون ذلك فيعيرون به: قال الشاعر:
فجاء بجونةٍ قد عودوها.......إدامة رأسها فوق القدور
الإدامة ههنا الإسكان وذلك أنهم عودوها أن تمد عنقها على القدر ويشدون عنقها بخيطٍ حتى تدر أوداجها ثم يفصدونها من أحد الجانبين في تلك القدر ثم تدار فيفعل بها مثل ذلك من الجانب الآخر. قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: مر حاتم بن عبد الله الطائي في أرض عنزة ومعه غلام له وفيهم أسير مشدود فعرفه الأسير فنادى، يا أبا سفانة قتلني الإسار والجوع. قال: ويحك بئس ما صنعت شهرت اسمي ولست في بلد قومي وليس معي ما أفديك به وما لي إلى تركك سبيل. فأتى القوم فافتداه منهم بمائةٍ من الإبل وأطلقه وقال: شدوني مكانه حتى تأتيكم الإبل. وأرسل غلامه فقال: اعجل علي بالفداء. فأتت حاتمًا أم مئزله (أي: المرأة التي كان عندها محبوسًا) فقالت: افصد لنا هذه الناقة فلتب بالشفرة في لبتها وقال: هذا فصديه (وقال بعضهم: هذا فزديه يجعل الصاد زايًا).
20: و إني على ما خيلت لأظنها.......سيأتي عبيدًا بدؤها وعيادها
21: سيأتي عبيدًا راكب فيقوده.......فيهبط أرضًا ليس يرعى عرادها
22: فلولا وجاها والنهاب التي حوت.......لكان على أبناء سعدٍ معادها
(الوجى) وجع يجده الفرس في حافره من أن يهي منه شيء عرقٍ ولا غيره يقال قد وجي الفرس يوجى وجىً شديدًا وفرس وجٍ: قال الشماخ:
تخامص عن برد الوشاح إذا غدت.......تخامص حافي الخيل بالأمعز الوجي
[شرح المفضليات: 740-748]